الكتاب: الواضح في مشكلات شعر المتنبي المؤلف: عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني، أبو القاسم (المتوفى: بعد 380هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
نص الكتاب (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
توكلت على الله وحده
إن أولى ما استنجحت به الطلبة، واستدركت به البغية، حمد الله جل ثناؤه المبتدئ بالنعمة قبل استحقاقها، والصلاة على نبيه محمد المصطفى سيد الأولين والآخرين، وعلى آله أجمعين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
المتوسل إلى السدة الكريمة. والحضرة العظيمة. حضرة ملك الملوك بهاء الدولة بحرمة الأدب وذمامه. ونشر الكلام ونظامه. يرد البحر بأعذب مشارعه. ويتناول البدر في أقرب مطالعه.
والمجد ما لم يسر الشعر في أطرافه. ويذهب المدح في أعطافه. فكالأرض أغفالاً بلا معالم. والأنامل أصفاراً بلا خواتم.
والحسب ما لم ينشر الثناء روائحه. والإطراء فوائحه. در مغيّب في أطباق أحجاره. وأعماق بحاره. وما بهاء لؤلؤ مكنون في صدفه. ونيّر محجوب في سدفه.
وأقول:
يا سيِّدَ الأمَراء وابْ ... نَ السادة الشُّمِّ الأشَاوِسْ
إنِّي بِسَبابِكَ جَالس ... وعليْكَ للتأميل حابسْ
ومعي عَرَائِسُ نَشْرُها ... ونظامُها بِكْر الهواجسْ
مَحْشوَّةٌ بِجَواهِرٍ ... وبَواهرِ الكَلِمِ النَّفائس
فَاسْتَشْهِدْها يا خَيرَ مَنْ ... هُدِيَتْ لمجلسه العرائس
وكرائم الآداب - أدام الله دولة ملك الملوك بهاء الدولة - لكرائم الرجال، ونفائس العلوم لنفائس الأحرار.
ولما كان بهاء الدولة أعظم ملوك الأرض بسطة، وأبعدهم همة، وكان لسوق الفضل عنده نفاق، ولعلق جُلبت عليه المأثرات من كل أفق وأوب. وحشرت كل قطر وشعب، تمييزاً لجلالة قدره يجريه في هذا المضمار عند حومة تعلي ذكراه أيامه. ونشر أعلامه. وأيد عساكره الموفورة. وراياته المنشورة. وأبقاه للدولة القاهرة. والمنقبة الباهرة. ما تعاقب الجديدان. وتصاحب الفرقدان. ممدود السؤدد بفنائه. معقود النصر بلوائه. تطيب بذكره أعطاف الدنيا وحواشيها. وتنقاد لعزمه أعجاز الخطوب وهواديها. إنه على ذلك قدير. وبحسن الإجابة جدير.
وكان بعض أنشاء خدمته. وأغذياء نعمته. التمس من عثمان ابن جني استخلاص أبيات المعاني من ديوان شعر المتنبي وتجريها. ووضع اليد عليها وتحديدها. ليقرب تناولها. فأجابه إلى ما طلب وفعل بقدر إمكانه واتجاهه له. ثم قرأه عليّ أحد من تصرف في جلائل الأمور. وسياسة الجمهور. فوقعت منه على صواب وخطأ فأمللت فيه كتاباً ترجمته بالواضح في مشكلات شعر المتنبي؛ واتخذته قربة وازدلافاً إلى الباب المعمور. والجناب الممطور. واستترت في هذه الخدمة وطوالع سعود الأيام المقبلة. وميمن الدولة المستقبلة. فإن أصبت المراد فيها ونعمت، وصوابها مضاف إليه. ومحال به عليه. وإن جزت الغرض ولم أقرطس الهدف، فالآفة من الأرض ولا تكليف مع العجز.
وَمُبْلِغُ نَفْسٍ عُذرها مِثْلُ مُنْجِح وقد بدأت بذكر المتنبي ومنشئه ومغتربه ومضطربه وما دل عليه شعره من معتقده إلى مختتم أمره ومقدمه على الملك نضر الله وجهه بشيراز وانصرافه عنه إلى أن وقعت مقتلته بين دير قنة والنعمانية واقتسام عقائله وصفاياه. ثم أردفه بتفسير مشكلاته. والشرط فيها أن أورد في كل بيت البتة لفظ أبي الفتح عثمان ابن جني بلا زيادة ولا نقصان ثم أتعقبه بما يقتضيه النظر وشواهد الشعر العربية والله الموفق وهو حسبنا وكفى، وصلواته على محمد المصطفى.
حدثني ابن النجار ببغداد أن مولد المتنبي كان بالكوفة في محلة تعرف بكندة بها ثلاثة آلاف بيت من بين رواء ونساج. واختلف إلى كتّاب فيه أولاد أشراف الكوفة فكان يتعلم دروس العلوية شعراً ولغة وإعراباً، فنشأ في خير حاضرة وقال الشعر صبياً. ثم وقع إلى خير بادية، وباللاذقية حصل في بيوت العرب فادعى الفضول الذي نُبز به فنمى خبره إلى أمير بعض أطرافها فأشخص إليه من قيّده وسار به إلى مجلسه فبقي يعتذر إليه ويتبرأ مما وسم به، في كلمته التي يقول فيها:
فما لك تقبلُ زور الكلامْ ... وقدرُ الشهادة قدرُ الشهودِ
في جود كفِّك ما جُدْتَ لي ... بنفسي لو كنتُ أشقى ثمودِ
وقد هجاه شعراء وقته فقال الضبي
الزَمْ مقال الشعر كي تحظى به ... وعن النبوّة لا أبا لك فانتزحْ
تربحْ دماً قد كنتَ توجب سفكهُ ... إنّ الممتّع بالحياة لمَن رَبِحْ
فأجابه المتنبي: