الكتاب: رسالة الطيف المؤلف: الصاحب بهاء الدين علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (المتوفى: 692هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
نص الكتاب (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من الخفيف
يا خليلي من ذؤابة قيس ... في التصابي رياضة الأخلاق
مما أعرف به إخواني، جادتهم الأنواء، وصابتهم السماء، وحلت السحب بأنديتهم أفواه عز إليها، وأهراقت ماء مدامعها بعقوتهم من مآقيها، وروض القطر دارهم ونمقها، واجد أي رسومهم ولا اخلقها، وأصفى مشارعهم ولا رنقها، وملأ حياضهم بنمير الماء وأتاقها.
من الكامل
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي
حتى تبعث بمنازلهم أموات النبات، وتنشر رمم الأزهار الهامدات، وتكتسي من مطارف الروض الوشائع المفوفة، والحبرات، وتجلى عرائس الربيع في ملابسها الفاخرة، وتحدق عيون النرجس الناظرة إلى وجنات الورد الناظرة، فيبتسم ثغر الأقاح وتميل قدود الأغصان من الارتياح، فتصفق الأنهار على الإيقاع، وتتمايل الأزهار راقصة على السماع، وتشرب الخمائل من رضاب الطل سلافة عاصرها المعصرات، وساقيها العيون الهاطلات، وتغرد خطباء الأطيار على منابر الأغصان طربا، فينشر الندى على الزهر لآلئا وحبياً من الخفيف
فكان السماء تجلو عروساً ... وكانا من قطرها في نثار
وإن أضر ما على الإنسان في زمانه، أن يجري جواد نظره مرخياً من عنانه، فقد قيل كم نظرة أوجبت حسرة وكانت حلوة فأعقبت عيشة مرة، وطالما أرخى امرؤ زمام طرفة، فعاد بوباله وحتفه، ولهذا أمر بغض الأبصار ونهي عن إرسال النظر في كثير من الأخبار، وجاء شيء من ذلك في الأشعار قال شاعر الحماسة: من الطويل
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك الناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر
فصرح بأن من أرسل طرفه رائدا، كان إلى العنا والتعب قائدا، وغايته أن يرى ما لا يقدر على كثيرة ولا يصبر عن يسيره، فأي حال اصعب من هذه الحال، وهل الرضى بها إلا نوع من الاختلال، قال السيد الرضي: من الوافر
نظرتك نظرة بالخيف كانت ... جلاء العين مني بل قذاها
فاها كيف تجمعنا الليالي ... وآها من تفرقنا وآها
وقوله يدل على غرام سلبه القرار، ووجد اعدمه الاصطبار، فانه قنع لجلاء عينه بنظرة اختلسها سارقا، وعانى قذى واسماً إن كان كما يقول عاشقاً، وهنا يقول ما يفي الوصل بالصدود ولا يحتمل هذا البخل لأجل ذلك الجود، ليس بسعد عن عامر عوض، ولا بنجد عن رامة بدل، نعم وكم أوقعت العيون القلوب في الحبائل، وكم بات المقتول بها لهجا بحب القاتل،.
من البسيط
فبت ألثم عينيها ومن عجب ... أني أقبل أسيافا سفكن دمي
وقد أجاد من قال، وأوضح هذه الحال: من الكامل
يا قلب عاشقه وسهم جفونه ... من الزم المقتول حب القاتل
ومن أشق الأمور، أنها تؤذي من الطرفين، وكثيرا ما دلت العين على العين، فألقت الناظر من المنظور في الحين.
من الكامل
ومن العجائب أن عضوا واحدا ... هو منك سهم وهو مني مقتل
فلله در هذا الشاعر، إذ عرف الأمر فشرحه، وكان مبهماً فعرفه، ومشكلا فأوضحه، بل كان صعبا فذلله، وحزنا فعبده، ومقفلا ففتحه، ومن العجب أن أهل هذا الشان، فعلوا غررا، ونكبوا من الهوى خطرا، ورضوا بان تذهب دماؤهم هدرا، وان لا جناية على المحبوب، ولو رمى محبه بالفوارق وحتى قال قائلهم، أن أحداق الظباء لا تؤخذ بالجرائر.
من الرجز
كيف تعرضت وأنت حازم ... يوم النقا لأعين الجآذر
أما علمت أن أحداق الظباء الغيد لا يؤخذن بالجرائر
فهل هذا إلا قول من سلط على نفسه حكم الحب، ورضي بما لاحظ فيه لذي لب.
من الكامل
ما أنصفته يكون من أعدائها ... في زعمها وتكون من أحبابه
وموجب هذه المقدمة، أني خرجت في بعض أيامي متفرجا، وعلى الرياض الأنيقة معرجا.
من الكامل
والطل ينثر في الرياض دموعه ... والزهر يضحك في خلال بكائه
وتخال أنفاس النسيم عليلة ... عجبا وتشفي الصب من برحائه