الكتاب: ديوان الصبابة المؤلف: شهاب الدين أحمد بن أبي حجلة المغربي (المتوفى: 776هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
المقدمة (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل للعاشقين بأحكام الغرام رضا وحبب إليهم الموت في حب من يهوونه فلا تكن يا فتى بالعدل معترضاً فكم فيهم من عاشق ومحب صادق:
رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا ... فسام صبراً فاعياً نيله فقضا
أحمده من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وشبب يذكر محبوبه إن كان تهامياً في حجازاً وشامياً في نوى:
طور إيمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدياً فعدناني
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحميد المجيد شهادة من أصبح موته لبعده أقرب من حبل الوريد وقال لعاذله لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وأنك لتعلم ما نريد:
ولو أن ما بي من حبيب مقنع ... عذرت ولكن من حبيب معمم
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شهادة من أخلص في موالاته وتبرأ من الإثم حين تولى عنه محبوبه بخاتم ربه وبراءته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين يحبهم ويحبونه ويقفون عند ما أمرهم ولا يتعدونه ما ذر شارق وهام عاشق.
أما بعد فإن كتابنا هذا كما قيل.
كتاب حوى أخبار من قتل الهوى وسار بهم في الحب في كل مذهب مقاطعيه مثل المواصيل لم تزل تشبب فيه بالرباب وزينب فهم ما هم تعرفهم بسيماهم قد تركهم الهوى كهشيم عقال المحتظر وأصبحوا من علة الجوى على قسمين فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر فهم ما بين قتيل وشهيد وشقي وسعيد على اختلاف طبقاتهم وأشكالهم وتباين مراتبهم وأحوالهم وغير ذلك مما تصبح به أوراقه يانعة الثمر وتمسي به صفحاته في كل ناحية من وجهها قمر فإذا نظرت إلى الوجود بأسره شاهدت كل الكائنات ملاحاً على أن جماعة من العصريين غلبوا من تقدم بالتأليف في هذا الباب ولم يفرق غالبهم في التشبيب بين زينب والرباب:
وكل يدعى وصلا بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكا
فربع كتابنا هذا بذكر العامرية مغمور وهو بالنسبة إلى ما ألفه الشهاب محمود مشكور ومن وقف عليه علم صحة هذا الكلام وأنشدني تصديق هذه الدعوى إذا قالت حذام مؤلف طوق الحمامة بالنسبة إلى حجلته يحجل وصاحب منازل الأحباب ممن عرف المحل فبات دون المنزل.
وعذرت طيفك في الجفاء ... يسري فيصبح دوننا بمراحل
آخر
فيا دارها بالخفيف إن مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
فإن قلت الفضل للمتقدم وهل غادر الشعراء من متردم قلت نعم في الخمر معنى ليس في العنب وأحسن ما في الطاوس الذنب فدع كل صوت بعد صوتي فأنني أنا الصائح المحكي والآخر الصدا فكم ترك الأول للآخر ولا اعتبار بقول الشاعر:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يالفة الفتى ... وحنينه أبداً لأول منزل
فقد سقط في يديه وقيل في الرد عليه:
أفخر بآخر من كلفت بحبه ... لا خير في الحبيب الأول
أتشك في أن النبي محمداً ... ساد البرية وهو آخر مرسل
وقال ديك الجن الحمصي يرد على حبيب قوله المتقدم:
كذب الذين تحدثوا عن الهوى ... لا شك فيه للحبيب الأول
ما لي أحن إلى خراب مقفر ... درست معالمه كأن لم يوهل
فقال حبيب حين بلغه قول ديك الجن المذكور:
كذب الذين تخرصوا في قولهم ... ما الحب إلا للحبيب المقبل
أفطيب في الطعم ما قد ذقته ... من مأكل أو طعم ما لم يؤكل
فقال ديك الجن أيضاً حين بلغه قول حبيب هذا:
أرغب عن الحب القديم الأول ... وعليك بالمستأنف المستقبل
نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى ... كهوى جديد أو كوصل مقبل
وقال أبو البرق وسلك بينهما جادة الإنصاف وبقوله يجب الاعتراف لأنه أحسن في المقال حيث قال:
زادوا على المعنى فكل محسنٍ ... والحق فيه مقالة لم يجهل
الحب للمحبوب ساعة وصله ... ما الحب فيه لآخر ولأول