الكتاب: الأشباه والنظائر
    المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
    الناشر: دار الكتب العلمية
    الطبعة: الأولى، 1411هـ - 1990م
    عدد الأجزاء: 1
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، نَحْمَدُكَ يَا مَنْ تَنَزَّهَ فِي كَمَالِهِ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَتَقَدَّسَ فِي جَلَالِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ، أَوْ تُحِيطَ بِهِ الْأَفْكَارُ، أَوْ تَعْزُبَ عَنْهُ الضَّمَائِرُ، وَتَأَزَّرَ بِالْكِبْرِيَاءِ وَتَرَدَّى بِالْعَظَمَةِ، فَمَنْ نَازَعَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَقْصُومُ الْبَائِرُ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ شَهَادَةً يَلُوحُ عَلَيْهَا لِلْإِخْلَاصِ أَمَايِرُ، وَتُبْهِجُ قَائِلَهَا بِأَعْظَمِ الْبَشَائِرِ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِر، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَفْضَلُ مَنْ نَسَلْتَهُ مِنْ ظُهُورِ الْأَمَاثِلِ وَبُطُونِ الْحَرَائِرِ، وَأَرْسَلْتَهُ لِخَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ; فَهَدَيْتَ بِهِ كُلَّ حَائِرِ، وَمَحَيْتَ بِهِ مَظَالِمَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَحْيَيْتَ بِهِ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَالشَّعَائِرِ. وَوَاعَدْتَهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَشَفَّعْتُهُ فِي الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَكَمْ بَيَّنَ شَرَائِعَ دِينِكَ الْقَوِيمِ، حَتَّى وَرِثَهَا مِنْ بَعْدِهِ أُولِي الْبَصَائِرِ، صَلَّى اللَّه وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْفَضْلِ السَّائِرِ، صَلَاةً وَسَلَامًا نَعُدُّهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْظَمِ الذَّخَائِرِ، دَائِمَيْنِ مَا سَارَ الْفُلْكُ الْجَارِي وَدَارَ الْفَلَكُ الدَّائِرُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَعِلْمُ الْفِقْهِ بُحُورُهُ زَاخِرَةٌ، وَرِيَاضُهُ نَاضِرَةٌ، وَنُجُومُهُ زَاهِرَةٌ، وَأُصُولُهُ ثَابِتَةٌ مُقَرَّرَةٌ، وَفُرُوعُهُ ثَابِتَةٌ مُحَرَّرَةٌ. لَا يَفْنَى بِكَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ كَنْزُهُ، وَلَا يَبْلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ عِزُّهُ. أَهْلُهُ قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ، وَبِهِمْ ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ، هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَبِهِمْ يُسْتَضَاءُ فِي الدَّهْمَاءِ، وَيُسْتَغَاثُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَيُهْتَدَى كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَإِلَيْهِمْ الْمَفْزَعُ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّدْرِيسِ وَالْفُتْيَا، وَلَهُمْ الْمَقَامُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى الزَّهْرَةِ الْعُلْيَا، وَهُمْ الْمُلُوكُ، لَا بَلْ الْمُلُوكُ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ، وَفِي تَصَارِيفِ أَقْوَالِهِمْ وَأَقْلَامِهِمْ، وَهُمْ الَّذِينَ إذَا الْتَحَمَتْ الْحَرْبُ أَرَزَ الْإِيمَانُ إلَى أَعْلَامِهِمْ، وَهُمْ الْقَوْمُ كُلُّ الْقَوْمِ إذَا افْتَخَرَ كُلُّ قَبِيل بِأَقْوَامِهِمْ:
بِيضُ الْوُجُوهِ، كَرِيمَةٌ أَحْسَابُهُمْ ... شُمُّ الْأُنُوفِ، مِنْ الطِّرَازِ الْأَوَّلِ

(1/3)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث