الكتاب: دلائل النبوة
    المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)
    المحقق: د. عبد المعطي قلعجي
    الناشر: دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث
    الطبعة: الأولى - 1408 هـ - 1988 م
    عدد الأجزاء: 7
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة التخريج]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

§مُقَدِّمَةٌ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ وَابْتَدَعَ الْجَوَاهِرَ وَالْأَعْرَاضَ، وَرَكَّبَ الصُّوَرَ وَالْأَجْسَادَ، وَقَضَى الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، وَقَدَّرَ الْمَعَاشَ وَالْمَعَادَ، وَأَعْطَى مَنْ شَاءَ مِنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْمَعْرِفَةَ وَالْعَقْلَ وَالنَّظَرَ وَالِاسْتِدْلَالَ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمُ الْهِدَايَةَ وَالرَّشَادَ، وَبَعَثَ الرُّسُلَ بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، مُبَشِّرِينَ بِالْجَنَّةِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرِينَ بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ، وَأَيَّدَهُمْ بِدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَاتِ الصِّدْقِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَخَصَّنَا بِالنَّبِيِّ الْمَكِينِ، وَالرَّسُولِ الْأَمِينِ، سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ أَبِي الْقَاسِمِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَفْضَلِ خَلْقِهِ نَفْسًا، وَأَجْمَعِهِمْ لِكُلِّ خُلُقٍ رَضِيٍّ فِي دِينٍ وَدُنْيَا، وَخَيْرِهِمْ نَسَبًا، وَأَشْرَفِهِمْ دَارًا، وَأَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ إِلَى كَافَّةِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْخَلْقِ. فَتَحَ بِهِ رَحْمَتَهُ، وَخَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ، وَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ، وَاجْتَبَاهُ لِبَيَانِ شَرِيعَتِهِ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ مَعَ ذِكْرِهِ. وَأَنْزَلَ مَعَهُ كِتَابًا عَزِيزًا، وَقُرْآنًا كَرِيمًا , مُبَارَكًا مَجِيدًا، دَلِيلًا مُبِينًا، وَحَبْلًا مَتِينًا، وَعِلْمًا زَاهِرًا، وَمُعْجِزًا بَاهِرًا، اقْتَرَنَ بِدَعْوَتِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَنْ يَدْعُوَ مُخَالِفِيهِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ - وَالْعَرَبِيَّةُ طَبِيعَتُهُمْ، وَالْفَصَاحَةُ جِبِلَّتُهُمْ، وَنَظْمُ الْكَلَامِ صَنْعَتُهُمْ - فَعَجَزُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ، وَعَدَلُوا عَنْهَا إِلَى الْمُسَايَفَةِ الَّتِي هِيَ أَصْعَبُ مِمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَتَحَدَّاهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] مَعَ سَائِرِ مَا آتَاهُ اللهُ وَحَبَاهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَاتِ، وَالْبَيِّنَاتِ الْبَاهِرَاتِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى النَّصِيحَةَ، وَأَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَأَنَارَ الطَّرِيقَ، وَبَيَّنَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ. فَصَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَزْكَاهَا، وَأَطْيَبَهَا وَأَنْمَاهَا. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَمَّا فَرَغْتُ - بِعَوْنِ اللهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ - مِنْ تَخْرِيجِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَالرُّؤْيَةِ، وَالْإِيمَانِ، وَالْقَدَرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَالْمِيزَانِ، وَالْحِسَابِ، وَالصِّرَاطِ، وَالْحَوْضِ، وَالشَّفَاعَةِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأُصُولِ وَتَمْيِيزِهَا؛ لِيَكُونَ عَوْنًا لِمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا، وَاسْتَشْهَدَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْهَا، فَلَمْ يَعْرِفْ حَالَهَا، وَمَا يُقْبَلُ وَمَا يُرَدُّ مِنْهَا. أَرَدْتُ، وَالْمَشِيئَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، أَنْ أَجْمَعَ بَعْضَ مَا بَلَغَنَا مِنْ مُعْجِزَاتِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ، لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ. فَاسْتَخَرْتُ اللهَ تَعَالَى فِي الِابْتِدَاءِ بِمَا أَرَدْتُهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِ فِي إِتْمَامِ مَا قَصَدْتُهُ، مَعَ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنْ شَرَفِ أَصْلِهِ، وَطَهَارَةِ مَوْلِدِهِ، وَبَيَانِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَدْرِ حَيَاتِهِ، وَوَقْتِ وَفَاتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى نَحْوِ مَا شَرَطْتُهُ فِي مُصَنَّفَاتِي، مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّحِيحِ مِنَ السَّقِيمِ، وَالِاجْتِزَاءِ بِالْمَعْرُوفِ مِنَ الْغَرِيبِ , إِلَّا فِيمَا لَا يَتَّضِحُ الْمُرَادُ مِنَ الصَّحِيحِ أَوِ الْمَعْرُوفِ دُونَهُ فَأُورِدُهُ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الصَّحِيحِ أَوِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالتَّوَارِيخِ. وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ حَسْبِي فِي أُمُورِي، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

(1/69)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث