الكتاب: اللغة المؤلف: جوزيف فندريس Joseph Vendryes (المتوفى: 1380هـ) تعريب: عبد الحميد الدواخلى، محمد القصاص الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية، 1950 م عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] |
مقدمة (1/2)
...
النحو العربي من بصرية وكوفية وبغدادية ومصرية أن تمنع انتشار اللحن لا في البلاد العربية المفتوحة ولا في جزيرة العرب نفسها.
لسنا بذلك ننكر فضل القدامي على اللغة العربية وإنما ندعو إلى مسايرة الطرق العلمية الحديثة في البحوث اللغوية وأن ننظر إلى اللغة على أنها نظام اجتماعي "تتأثر بالمجتمع وتؤثر فيه". ثم علينا أن ندرس العلاقات التي توجد بين اللغة وبين العقل البشري على أسس علمية صحيحة، لنطمئن إلى أن العربية ستظل بقواعدها ومفرداتها وأدبها لغة حديثة تساير كل نهضة علمية أو أدبية أو فنية.
يبذل مجمع فؤاد الأول للغة العربية جهدا مشكورا في تعريب المصطلحات العلمية وألفاظ الحضارة الحديثة والحياة العامة، وهو حين ينتهي من هذه المهمة الشاقة ويذيع مصطلحاته على الناس، يكون قد أدى للغة العربية أجل الخدمات لأنه سينتقل بها من العصور الوسطى حيث وقف بها أبناؤها إلى عصرنا الحديث الذي تخلفت فيه عن اللغات الحية، وأصبحت تنافسهما في معاهدنا العلمية الشرقية والمصرية اللغتان الفرنسية والإنجليزية منافسة قوية، إن أبناء العربية جميعا يتطلعون إلى اليوم الذي تصبح فيه لغتهم لغة علمية، ولن يكون هذا اليوم قريبا إلا إذا اقتنع أبناؤها تماما بضرورة الأخذ بالطرق الحديثة في الدراسات اللغوية.
أما إذا ظلوا يدرسونها معتمدين على الكتب القديمة وحدها فلن تكون دراستهم مجدية، لأن هذه المصادر، مهما كانت مفيدة نافعة ومهما احتفظت بقيمتها التاريخية، فستظل ناقصة إذا طبقت عليها مقاييس العلم الحديث.
نريد أن تصبح العربية لغة من يعيشون في الشرق من الشرقيين والأجانب على السواء، لأننا نكره كراهية شديدة أن تحرج اللغات الأجنبية آذاننا في معاهدنا ومنازلنا وطرقنا. إنه لمظهر يسيء حقا إلى قوميتنا وكرامتنا ويدعونا إلى التفكير الدائم والعمل المتواصل حتي يوجد "وعي لغوي" في البلاد العربية كلها.
على أن الوصول إلى ذلك ليس أمرا يسيرا، فاللغوي يحب أن يكون على معرفة بالعلوم التي تتصل باللغة اتصالا وثيقا، لأن اللغة كما تقول الأستاذ فندريس "مركب معقد تمس فروعا من المعرفة مختلفة وتعي بها طوائف متفرقة من العلماء فهي