الكتاب: الديارات المؤلف: علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي، أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
الباب الأول (1/1)
أخبار الديارات
دير أبلق
دير الأبلق: دير بالأهواز، ثم بكوارا من ناحية أردشير خُرَّة. أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن الأسدي وعمرو بن عبد الله العتكي قالا: حدّثنا الرياشي: أنَّ حارثة بن بدر كان بكوارا يتنزه.
وقال العتكي في خبره عن أبي عبيدة ولم يقله الأسدي ولا تجاوز الرياشي به. فقال: كان حارثة بكوارا من أردشير خُرّة فقال:
ألم ترَ أن حارثة بن بدرٍ ... أقام بدير أبلقَ من كُوارا
ثم قال لجندٍ كانوا معه: من أجاز هذا البيت فله حكمة، فقال له رجل منهم: أنا أجيزه على أن تجعل لي الأمان من غضبك، وتجعلني رسولك إلى البصرة، وتطلب لي القَفَل من الأمير.
قال: ذلك لك، ثمَّ ردَّ عليه نشيد البيت، فقال الرجل:
مُقيماً يشربُ الصّهباء صِرْفاً ... إذا ما قلتُ تصرعُهُ استدارا
فقال له حارثة: لك شرطك، ولو كنتَ قلت لنا شيئاً يسرّنا لسررناك.
وحكى المدائني، فقال: إنه اصطبح في دير الأبلق في جماعة من أصحابه، فلما سكر قال:
يومي بدير الأبلقق الفردِ ... ما أنتَ إلّا جنة الخُلدِ!
به وأمثالٍ له لم يزلْ ... يجوّز العِيس " أبو الهندي "
دير الأعلى
دير الأعلى بالموصل كان تحت الدير عين كبيرة، تعرف اليوم بعين الكبريت، قال عنها ياقوت إنها ظهرت تحت الدير الأعلى في سنة 301هـ) 913م (، وإن فيها عدة معادن كبريتية ومرقشيثا وقلفطار. قال الأستاذ كوركيس عواد: ماء هذه العين بارد في جميع فصول السنة، ويقصدها الناس صيفاً ليستحموا بمائها الذي ينفع المصابين منهم ببعض أمراض الجلد. ومنهم من يشرب شيئاً من مائها تخفيفاً من حرارة معدهم.
- والشعانين في هذا الدير حسن، يخرج إليه الناس فيقيمون فيه الأيام يشربون. ومن اجتاز بالموصل من الولاة نزله.
- إلى جانب الدير، مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي، وهو صحابي كان من أصحاب علي بن أبي طالب.
- قال فيه سعيد الخالدي:
قمرٌ بدير الموصل الأعلى ... أنا عبده وهواه لي مولى
لثم الصليب فقلتُ من حسدٍ ... قُبل الحبيب فمي بها أولى
دير الأعلى هذا الدير بالموصل في أعلاها، يطل على دجلة والعُروُب. وهو دير كبير عامر، يضرب به المثل في رقة الهواء، وحسن المستشرف. ويقال إنه ليس للنصارى دير مثله، لما فيه من أناجيلهم ومتعبداتهم.
أخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق قال: حدثني أحمد بن صدقة، قال: خرجنا مع المأمون، فنزلنا الدير الأعلى بالموصل لطيبه ونزاهته، وجاء عيد الشعانين، فجلس المأمون في موضع منه حسن مشرف على دجلة والصحراء والبساتين، ويشاهد منه من يدخل الدير. وزُيّن الدير في ذلك اليوم بأحسن زي. وخرج رهبانه وقسانه إلى المذبح، وحولهم فتيانهم بأيديهم المجامر قد تقلدوا الصلبان وتوشحوا بالمناديل المنقوشة. فرأى المأمون ذلك، فاستحسنه. ثم انصرف القوم إلى قلاليهم وقربانهم، وعطف إلى المأمون من كان معهم من الجواري والغلمان، بيد كل واحد منهم تحفة من رياحين وقتهم، وبأيدي جماعة منهم كؤوس فيها أنواع الشراب. فأدناهم، وجعل يأخذ من هذا ومن هذه تحية، وقد شغف بما رآه منهم، وما فينا إلا من هذه حاله. وهو في خلال ذلك يشرب والغناء يعمل. ثم أمر بإخراج من معه من وصائفه المزنّرات، فأخرج إليه عشرون وصيفة كأنّهنَّ البدور، عليهن الديباج، وفي أعناقهن صلبان الذهب، بأيديهن الخوص والزيتون. فقال: يا أحمد، قد قلت في هؤلاء أبياتاً، فغنني بها، وهي:
ظباء كالدنانير ... ملاح في المقاصير
جلاهن الشعانين ... علينا في الزنانير
وقد زرفنّ أصداغاً ... كأذنابِ الزرازير
وأقبلن بأوساطٍ ... كأوساط الزنابير
ثم أخرج نعم جاريته، وكانت وصيفة، فغنّت:
وزعمتِ أني ظالم فهجرتني ... ورميتِ في كبدي بسهمٍ نافذِ
نعم ظلمتك فاصفحي وتجاوزي ... هذا مقام المستجيرِ العائذِ
هذا مقام فتى أضرّ به الهوى ... قرح الجفون بحسن وجهك لائذِ
ولقد أخذتم من فؤادي أنسه ... لا شل ربي كفّ ذاك الآخذ