الكتاب: غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب المؤلف: شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
نص الكتاب (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أخذ بيدي فأوصلني على أكف الراحة إلى دار الخلافة وأعطاني ما قوى به خلدي فلم أضق ذرعاً فيما قطعته الرواسم من حدود المسافة والصلوة والسلام على سيدنا محمد الذي أشفر من سجف البطون ولا أثر يومئذ ولا عين فاستبشرت الأعيان الثابتة بأسفار فجر أسفار الظهور وسافر وقد هدأت العيون إلى مقام قاب قوسين فعاد وسهم الأمة من عوائد ذلك السفر موفور وعلى آله الذين اختيرت لهم طوالع السعد حلواً أو ارتحلوا وضربت عليهم قباب المجد أي بلدٍ دخلوا وأي منزل نزلوا.
وبعد فإنني خرجت من زوايا الزوراء منتهجاً أقوم طريق محمولاً من فضل الله تعالى على مطايا النعماء بأيدي رفيق التوفيق وذلك في غرة جمادى ستة من سنة سبع وستين من القرن الثالث عشر بعد هجرة سيد قرون الأولين والآخرين ولم أزل أطوي الفدافد وأنشر حسب الإمكان مطوي الفوائد مجتمعاً في كل بلد مع لبيدة وبليدة مستخبراً كل طالب علم عن طريفة وتليدة فوفقت في سيري حتى وقفت على أمور تحكي الصراط دقه واطلعت في سيري فاطلعت على أسرار تطيش لو قرنت بها في الميزان سجلات المشقة إلى أن نبذتني ويلمها نون سفينة الدخان بساحل خليج القسطنطينية وقد كادت) تبت يدا أبي لهبها (تريني النازعات لولا لطف الرحمن وبركة ما آتانيه تبارك اسمه من إخلاص النية وذلك في الثامن والعشرين من شهر رمضان السبع والستين وقد كنت كتبت بعض ما وفقت عليه قبل الوصول من غرائب محسوس وعجائب معقول إلا أني جاوزت في اختصار الكلام الحد حيث كان وقتي لاتساع دائرة الحزن بعد فراق العراق أضيق من خصر هند ودعد.
كأن الحزن دائرة بقلبي ... فأوله وآخره سواء
ثم أني كتبت أيضاً ما اتفق لي في عودي إلى مسقط رأسي ومنبت عودي وسلكت في ذلك نحو ما سلكت أولاً من المسالك وأظنني أبدعت في كلا المسلكين وخفقت فيهما بأجنحة ما خفق بها أحد في الخافقين والعلة الحقيقية لهاتيك الكتابة القصد إلى مداواة ما بي من غلة علة الكآبة فإني قد ضاقت في فضاء تلك البوادي منافسي واتسعت في مضايق كربة الغرب وساوسي وعادتي أنه إذا ألم بي ألم أتداوى منه بعقاقير أرقام القلم وأسترقي برقي بحثه من شياطين الهموم وأبصل بطيب نفثه سحر النفاثات في عقد القوى من سحرة الغموم.