الكتاب: نخبة عقد الأجياد في الصافنات الجياد
    المؤلف: محمد (باشا) ابن الأمير عبد القادر ابن محيي الدين الحسني الجزائري (المتوفى: 1331هـ)
    [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

المقدمة في نشأة الخيل وأول من ركبها من العرب
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول من خلق الله من الخيل خلق فرساً كميتاً، وقال عز وجل: خلقتك عربياً وفضلتك، على سائر ما خلقت من البهائم بسعة الرزق والغنائم، تقاد على ظهرك والخير معقود بناصيتك، ثم أرسله فصهل: فقال جل وعلا: يا كميت! بصيلك أرهب المشركين، وأملأ مسامعهم، وأزلزل أقدامهم، ثم وسمة بغرة وتحجيل.
والسبب في خلق أول فرس كميتاً محاكاة لآدم عليه السلام، لأنه سمي آدم من الأدمة، وهي السمرة، والكميتة في الخيل تحاكي السمرة في الآدميين، فكان أول مخلوق من البشر أسمر وكذا أول فرس؛ وهذا دليل على شرفه ويمنه. فلما خلق الله آدم قال: "يا آدم! اختر أي الدابتين، يعني الفرس أو البراق فقال: يا جبريل اخترت أحسنهما وجهاً، وهو الفرس فقال تعالى: يا آدم! اخترت عزك وعز ولدك باقياً ما بقوا وخالداً ما خلدوا".
وسئل صفي الدين السبكي أكان خلقها قبل آدم أم بعده؟ فقال: "قبله بدليل قوله تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) فالأرض وما فيها خلقها الله تعالى إكراماً لآدم وأولاده، والعظيم يهيأ له ما يحتاج إليه قبل قدومه"، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما سمعت الملائكة صفة الفرس وعاينوا خلقها، قالت: رب نحن ملائكتك نسبحك، ونحمدك، فماذا لنا؟ فخلق لها خيلاً بلقاً، أعناقها كأعناق البخت يمد بها من يشاء من أنبيائه ورسله".
وأول من ركبها بعد آدم من العرب من أولاد عدنان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ومن بني قحطان يعرب.
روى الزبير بن بكار من حديث داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت الخيل وحوشاً لا تركب، فأول من ركبها إسماعيل فلذلك سميت العراب".
وروى الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهلالي، عن مسلم، عن جندب، أن: "أول من ركب الخيل، إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وإنما كانت وحشاً لا تطاق حتى سخرت له".
وروى أحمد بن سليمان النجار، بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: "كانت الخيل وحشاً كسائر الوحوش، فلما أذن الله عز وجل لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد من البيت، قال عز وجل: إني معطيكما كنزاً ادخرته لكما، ثم أوحى الله إلى إسماعيل أن اخرج وادع بذلك الكنز فخرج إسماعيل وما يدري ما الدعاء ولا الكنز، حتى أتى (أجياد) ، فألهمه الله عز وجل الدعاء، فنادى يا خيل الله أجيبي، فلم يبق فرس بأرض العرب إلا أجابته ومكنته من نواصيها، وذللت له ثم قال: فاركبوها واعتقدوها فإنها ميامين وإنها ميراث أبيكم إسماعيل عليه السلام؛ وأجياد اسم جبل بمكة.
وأول من سخرها وركبها من ملوك الفرس طهمورث، وأول من اتخذ السروج من ملوك الفرس، أفريدون بن أسفنان. وأول من اتخذ اللجم وأنعل الخيل بالحديد من العرب، أرحب الهمداني وفي ذلك يقول مالك بن بلالة بن أرحب:
أمرت بإيتاء اللجام فأبدعت ... وأنعلت خيلي في المسير حديدا
وأرحب جدي كان أحدث قبلنا ... ولو نطقت كانت بذاك شهودا
وقد كانت العرب تركبها بالرحالة وتتخذ من جلود الغنم بأصوافها، وتخشى صوفاً، أو ليفاً لتكون أخف بالطلب، وهي المعروفة في القطر الشامي بالمكدعة. والبراق: دابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، مضطرب الأذنين، كالفرس وجهاً وعرفاً، وكالبعير قوائم، والبقر ذنباً، وأظلافاً يضع حافره عند منتهى طرفه، إذا أخذ في هبوط طالت يداه وإذا أخذ في صعود طالت رجلاه، أعده الله تعالى لركوب الرسل الكرام، عليهم من الله تعالى أفضل التحية وأكمل السلام.

الباب الأول فيما جاء في فضلها وتكريمها وكراهة التشاؤم منها والنهي عن أكل لحومها وإخصائها وفيه أربعة فصول
الفصل الأول فيما يدل على فضلها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

(1/1)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث