الكتاب: تفريج الكرب في معرفة لامية العرب المؤلف: محمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد، ابن زاكور الفاسي، أبو عبد الله (المتوفى: 1120هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
تفريج الكرب عن قلوب أهل الأرب في معرفة لامية العرب (1/1)
تأليف أبي عبد الله محمد بن قاسم بن عبد الواحد بن زاكور الفارسي المتوفى سنة 1120هـ-1708م
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وصحبه وسلم يقول أفقر الخلق إلى المعبود بالحق, المشفق من خلله المأثور عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد, عرف بابن زاكور رحمه الله تعالى: الحمد لله الذي جعل معرفة كلام العرب من أقوى دواعي الطرب, من اجل أنه أحل من الضرب, على الناس في ذوقه متفاوتو الرتب. وصلى الله على سيدنا محمد أفصح العرب قاطبة, فإنه بلغ مشارق البيان ومغاربه, واسترق ساريه وساربه، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل فصاحتهم يأتوا بمثلها ولو ظاهر صاحب منهم صاحبه. ولكانت نسبة كلامهم من كلامه عليه أفضل صلاة الله وعلى اله وصحبه وأزكى سلامه, وإن قادوا البيان بخطامه, وأفرغوا السحر في قالب نثره ونظامه, نسبة الترب من التبر, والخشب من الذهب.
ومع هذا فإن معرفة كلامهم, وسيلة إلى معرفة كلامه, وما أنزل عليه وسبب, فكانت لذلك من أعظم الوسائل وأجل القرب, فلذلك ما شرحت لامية العرب, وأجلستها على البيان من مرتقب, وكشفت عن وجهها الذي طالما قد انتقب, مقتصرا في إبداء معناها الذي قد احتجب, على ما قد تعين من القول ووجب, فجاء شرحا كثير العجب, ناقعا لغلل أهل الأدب, فسميته تفريج الكرب عن قلوب أهل الأرب في معرفة لامية العرب, فرج الله تعالى كروبنا وغفر ذنوبنا, وجبر بمعرفته قلوبنا.
قال الشنفرى عمرو بن مالك الأزدري:
أقيموا بني أمي صدور معطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
المطي كالمطايا جمع مطية: وهي الدابة تمطو في سيرها أي تجد وتسرع, وإقامة صدور المطي: إعمالها في السير, والتوجه بها إلى وجهة, ويقصد به الجد في الأمر, والانتباه من الغفلة, فيكون تمثيلا على سبيل الاستعارة, وهذا هو المراد هنا كما قيل, وهو الظاهر, وأصله في الراكب ينام على راحلته فتنحرف به عن القصد فيقال له: أقم صدر مطيتك, أي انتبه من نومك. والميل إلى الشيء: الانحراف إليه بالقلب, والأميل: الأشد ميلا, وبنوا أمه, قيل: هم فهم وعدوان. والقوم سواهم رهطه من الأزد, وكان نازلا في بني أمه, فعير, فرحل إلى قومه, وهذا التعيير سبب قوله القصيدة.
والمعنى: جدوا بابني أمي في أمركم فإنكم غارون, وانتبهوا فإنكم نائمون عن شأني الذي هو غير شأنكم, وبمراحل عما تتوهمونه من ميلي إليكم لكوني نازلا فيكم, فإنني أشد ميلا إلى قوم غيركم, أي ميلي إليهم أكثر من ميلي إليكم وان كنت بعيدا منهم, وهواي معهم وان لم أكن فيهم, وهذا إنذار لبني أمه برحيله عنهم, ثم قال:
فقد حمت الحاجات والليل مقمر ... وشدت لطيات مطايا وارحل
حم الأمر-بالبناء لما لم يسم فاعله-قدر. ومعنى "الليل مقمر": ذو قمر وقد يقصد منه: الأمر واضح, وهو تمثيل على سبيل الاستعارة, ولا تبعد إرادته هنا, ومنه قول الشاعر:
وخالدٌ قال لي قولا قنعت به ... لو كنت اعلم أنّى يطلع القمر
والطيات, كالنيات لفظا ومعنى, وواحدها طية كنية, وهو ما ينويه المسافر من وجه. وواحد الأرحل, رحل: وهو مركب للبعير كالراحول. وشد الرحل: إيثاقه. وشد المطايا: بمعنى شد أرحلتها وأدواتها.
والمعنى: فقد قدرت الحاجات الداعية إلى ارتحال عنكم, والحالة أن الزمان مساعد على ذلك, وهو الليل المقمر, فإن السير فيه يسمى سرى, وعاقبته محمودة عند الصباح, ولاسيما إذا كان الليل مقمرا, فإن السرى في القمر يبلغ الغاية, فترتفع بحمده في الصباح الراية, ولست بأوحد في الارتحال, فإن الناس قد تهيئوا له, وشدوا أرحلهم على مطاياهم لقصد جهات مختلفة في طلب الحاجات, فليفيهم أسوة. فهذه أمور كل منها يدعو إلى الارتحال, وهي تقدير الحاجات, ومساعدة الزمان, والائتساء بالإخوان, فاجتماعها يكون ادعى إلى ذلك.
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متحول
المنأى: المكان الذي ينأى إليه, أي يبعد. والكريم هنا: العزيز والسيد الواسع الخلق. والقلي: البغض. الموضع الذي يحصل التحول إليه وهو المعني.