الكتاب: في الميزان الجديد المؤلف: محمد مندور (المتوفى: 1385هـ) الناشر: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: يناير 2004م عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] |
المقدمة: (1/5)
منذ عودتي من أوربا أخذت أفكر في الطريقة التي نستطيع بها أن ندخل الأدب العربي المعاصر في تيار الآداب العالمية، وذلك من حيث موضوعاته ووسائله ومنهج دراسته على السواء. ولقد كنت أومن بأن المنهج الفرنسي في معالجة الأدب هو أدق المناهج وأفعلها في النفس. وأساس ذلك المنهج هو ما يسمونه "تفسير النصوص"، فالتعليم في فرنسا يقوم في جميع درجاته على قراءة النصوص المختارة من كبار الكتاب وتفسيرها والتعليق عليها، وفي أثناء ذلك يتناول الأساتذة النظريات العامة والمبادئ الأدبية واللغوية بالعرض عرضا تطبيقيا تؤيده النصوص التي يشرحونها. والجامعات الفرنسية لا تلقى بها محاضرات ولا دروس عن العلوم النظرية التي تتصل بالأدب، فلا نحو ولا بلاغة ولا نقد؛ بل ولا تاريخ أدب فرنسي، وإنما يعالج كل ذلك أثناء شرح النصوص، ومن هنا قلما نجد في اللغة الفرنسية كتابا في النقد الأدبي النظري على نحو ما نجد في اللغة الإنجليزية مثلا.
هذا المنهج التطبيقي هو الذي استقر عليه رأيي، وإن كنت قد نظرت إلى ظروفنا الخاصة وحاجتنا إلى التوجيهات العامة، فحرصت على بسط النظريات العامة خلال التطبيق، كما اعتمدت على الموازنات لإيضاح الفروق التي لا تزال قائمة بين أدبنا وأدب الغرب. وهذا ما أرجو أن يجده القارئ في الجزء الخاص بالأدب المصري المعاصر من هذا الكتاب؛ حيث لم أكتفِ بنقد روايات أو دواوين الحكيم وبشر فارس وعلي محمود طه ومحمود تيمور وطه حسين؛ بل عالجت في كل حديث مسألة عامة كالأساطير واتخاذها مادة للشعر أو القصص، وفن الأسلوب، والأدب الواقعي، ومشاكلة الواقع في القصة، وما إلى ذلك. وفي كل حديث قدرت ما نفعله وما يفعله الأوربيون في غير مجاملة ولا تحامل.
ولقد أثارت تلك المقالات ردودًا وأحاديث، وأحسست أننا سننزلق إلى المناقشات العامة التي يصعب تحديدها في مجال الأدب، فلم أرَ بُدًّا من أن أوضح اتجاهي العام بنقد بعض النصوص نقدا موضوعيا أحاول أن أضع فيه يد القارئ