الكتاب: المقامات الزينية المؤلف: معد بن نصر الله بن رجب، أبو الندى شمس الدين ابن أبى الفتح، المعروف بابن الصيقل الجزري (المتوفى: 701هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (1/1)
الحمد لله الذي أيدنا بمنائح اللالاء، وأوردنا موارد الآلاء، ودرأ بعز عزه كتائب الضراء، وفقاً بوطف لطفه عيون مقانب الضراء، وحسم بحسام معدلته شواهق الشقاء، وجزم بجسام مقدرته شقاشق للشقاوة والشقاء وقمع بمقامع المقانع نواصي الأعداء، وقدع مطالع المطامع مع رداء الاعتداء، حمداً يعلو على نشر نشر الكباء، ويجلو صدأ مرآة زعزع التزعزع والنكباء، وصلى الله على سيدنا محمد الراقي إلى السماء، الواقي غوائل الغماء، المخصوص بليلة الاسراء، الموصوف بإنقاذ الأسراء، الذي فتحت به بصائر الأغبياء، ورفعت رفعته إلى الذروة العلياء، وتقلقلت لاقدامه قلل أعناق المراء، وتسلسلت بسلاسل اسلامه أعناق أعناق الاجتراء، وعلى أهله أهل العباء لا الأعباء، وعلى آله آل الابتلاء لا البلاء، وعلى صحبه أولى الصفاء في الوفاء، ورهطه ذوي الانكفاء إلى الرفاء، وله المنة بما فاض وغاض من بحور العطاء، ودرور الخطاء، وبه نعوذ من إرخاء السفه المرخاء وارخاء خيل المرح في لا حب الرخاء، وبه نعتصم من مصاحبة الجهلاء، ومجانبة الحلاحل الفضلاء، وإليه أفزع من معاقرة العناء، وحمى حمى حمة هذه الأعناء، ونجعله عدةً لرسوب الأعضاء في الغبراء، وجنةً لوثوب الحوباء في الخضراء، ونستجير به من أخلاف العماء واتلاف المحنة الصماء، ونستعين به لدحض معاتب اللقاء، ورحض معايب الارتقاء، مستشفين بشافع الأشقياء ورافع حجج أنبياء الأنبياء، والأربعة الخلفاء، والستة الحلفاء، إنه مبيد الادعاء، والقادر على اجابة الدعاء، وبعد: فإنني دخلت ذات يوم خيسى، وأويت وآويت أنيسى فوجدت بيد شبلي الألمعي، المبرأ من لبس لباس الدنس والعي، ذي الدراية والتدقيق، والحذاقة والتحقيق، المشبه بصنوى الشفيق، المميز بين عقيان البراعة والعقيق، الذي به أباهي بهاء الدول أبي الفتح نصر الله كتاب المقامات التي أنشأها أوحد زمانه، وأرشد أوانه، التي بزغ ببزوغها شموس الأدب، ونبغ ببلوغها غروس الأرب، وأمليت عن لسان أبي زيد السروجي، وأسندت روايتها إلى الحارث بن همام البصري فقال لي: هل لك في أن تنشئ لي من زبد عباب تيارك، ولبد سحاب مدرارك، مقامات تكون مدداً لجيوش اشتغالي، وعدداً لردع ربائث أشغالي، وعداءً لميدان آمالي وغذاءً لنفوس أشبالي، فإن ذلك أشبى لي كي لا أروم غير انتجاع تهتان آدابك، ولا أعوم بغير آذي فواضل انتدابك قلت له: أعلم أسعدك الله بقبض عروض علمك، ونزه عن القبض عروض بيت حسك وفهمك، أن ذو أشرت إليه وعولت في سؤالك عليه، مقام يخيم عنه الألسن الأريب ومقام يهيم فيه الأفطن اللبيب، ورحي حرب تمحق أفهام الباهرين، وسمي وسمي يسرب تغرق به أذهان الماهرين، فلست ممن يطمع في ولوج هذي المغاني وصلادم السدم تصادم صدور المعاني، أو يؤمل بلوغ هذه الأمال، ويرجى ما يورث بني الأحمال، حرارة الاحتمال، مع علمك بما أكابد من سخافة المال، وكثافة الإرمال، وتتابع الأعمال، وتتايع الإعمال، فإن ذلك يفتقر إلى رفاهية الخواطر، وطواعية الضمائر، افتقار الأبدان إلى النفس ولحوذان، إلى الشمس، ومع تيقنك أن الحريري ممن خلب ندي النباهة، بسنان لسانه، وحلب ثدي البداهة ببنان تبيانه، وجذب غرر البلاغة بنواصيها، وجدب غرر مفاصل الفصاحة ومقاصيها، فأنى يطير مع الجدل الجراد، أم كيف يجلي المصلي وقد بزه المجلي الجواد، فما أنا ممن ينازل شجعان أسجاعه، ويطاول ما زان أوزان اختراعه، ويعتلي بكاره ويقاوم، ويجتلى إبكاره وينادم: الطويل.
كما أنني لو طرت في العلم إثره ... بألف جناحٍ كلّهنّ قوادم
لما نلت من إنشاي إلا صبابةً ... أُصادم فيها خيبتي وتصادم