الكتاب: سفط الملح وزوح الترح المؤلف: سعد الله بن نصر بن سعيد الحنبلي المعروف بابن الدجاجي (المتوفى: 564هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
بسم الله الرحمن الرحيم (1/1)
وبه العون والثقة
قال الشيخ الإمام العالم الحبر الورع مهدي الدين جمال الإسلام، شمس العلماء، ناصر السنة ناصح الأمة بقية السلف الشيخ العراقين أبو الحسن سعد الله بن نصر بن سعيد بن علي بن الدجاحي الفقيه الواعظ أطال الله عمره ورفع في الدارين قدره، وأمتع بحياته ونفع بكلماته، وأعاد علينا من بركاته: الحمد لله حمداً يبلغ منتهى رحمته ورضوانه، وله الشكر شكراً لزيادة من نعمه وإحسانه، وله الفضل اعترافاً بأياديه وامتنانه، وله الثناء تقديساً لجلاله وعظم شأنه، الذي من بالعقول لمعرفة دلائله وبرهانه، ومهد الشرائع ترغيباً في طاعته، وترهيباً من عصيانه، وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحنيف، وتبيانه، وأيده بالمعجز الخارق وسلطانه، فأقام عهد الحق بتشييد أركانه، ودرس معالم الضلال بتشريك شيطانه، فصلوات الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأعوانه، وعلى التابعين لهم بإحسان في إقامة الدين وإتقانه، صلاة باقية إلى ممر الأبد وطول زمانه. أما بعد: فإن الله في النفوس الملل، وطبع في القلوب السام، والضجر، فلا صبر لها على الفن المتخذ، ولا المقام على المعنى المنفرد، بل وضعت على التنقل، وطبعت على التفلت، حتى أطلق عنانها في فن من شهواتها، وأخرجت في أسلوب من لذاتها، لمالت عنه يميناً وشمالاً، وظلت عنه نقلة وارتحالاً، وتقلبت من المقام فيه، وتطلعت إلى سواه، وارتاحت إلى غيره. ولهذا قال ابن مسعود (رضي الله عنه) : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السامة".
وقال [1] (عليه السلام) : "لا تحملوا من العمل ما لا تُطيقون فإن الله لا يمل، حتى تملّوا".
وقال أبو العتاهية: قال المأمون من شأن النفس الملل، وحب الاستطراق، فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، ولي في هذا المعنى بيت وهو: [البسيط]
لا يصلحُ النَّفسَ، إذ كانتْ مصرَّفةً ... إلا التَّنقُّلُ منْ حالٍ إلى حالِ
فأعجبه، وقد قال الشاعر: [البسيط]
ما سمِّيَ القلبَ إلاَّ منْ تقلُّبهِ ... والمرءَ إنسانٌ إلاَّ أنَّهُ ناسي
فلما كان هذا من شيمة القلوب، وسجية النفوس، ضمنت هذا المجموع فنوناً من أخبار الأنبياء، والأولياء، ووصايا العقلاء، والحكماء، وحكايات الخلفاء، والوزراء، وآثار النبلاء، والكرماء، وألفظ الفصحاء، والفضلاء، وأجوبة الألباء، والفهماء، وقرائح الفقهاء، والعلماء، ومنظوم طرائف الخطباء، والشعراء.
ولم أقصد استيفاء فن، ولا استطراده، ولا إفراد معنى من أشكاله، وأضداده بل أودعته محاسن ما وقع لي على اختلافه، وتنويع معانيه، وأصنافه، ووسمته [بسفط الملح وزوح الترح] ليكون راحة عند عدم المؤانسة وعوناً على المفاكهة، والمجالسة، والله بكرمه يتجاوز لنا عن الخطايا، والزلل، ويوفقنا لصالح القول، والعمل بمنه وكرمه، ورحمته وجوده، إنه جواد كريم.
روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "من تعلم باباً من العلم عمل به، أو لم يعمل به، كان أفضل من صلاة ألف ركعة. فإن عمل به، أو علمه، كان له ثوابه وثواب من عمل به إلى يوم القيامة".
وقال أبو الدرداء: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "كيف بك يا عويمر إذا قيل لك يوم القيامة. أعلمت، أو جهلت؟ فإن قلت قيل لك: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: قلت جهلت، قيل لك: فما عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت؟ ".
قال عمر بن العزيز: ما من شيء إلا، وقد علمت إلا أشياء صغار، كنت أستحي أن يرى مثلي عنها، فيقي في جهالتها إلى الساعة.
قال لقمان لابنه: يا بني عليك بمجالس العلماء، فالزمها واسمع من كلام الحكماء، فإن الله تعالى، يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء.
قال ابن [2] شهاب: العلم أفضل من العمل لمن جهل والعمل أفضل من العلم لمن علم. قال رجل لأحمد بن حنبل (رضي الله عنه) : (أنسخ بالليل، وأصلي، فقال: إن كنت معلماً أنسخ) وكان يقال: لا يزال المرء عالماً ما دام في طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل.