صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
[ تاريخ الطبري - الطبري ] |
قال أبو جعفر وأما هشام بن الكلبي فإنه قال لما كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة أن يسير إلى الشأم أمره أن يبدأ بالعراق فيمر بها فأقبل خالد منها يسير حتى نزل النباج قال هشام قال أبو مخنف فحدثني أبو الخطاب حمزة بن علي عن رجل من بكر بن وائل أن المثنى بن حارثة الشيباني سار حتى قدم على أبي بكر رحمه الله فقال أمرني على من قبلي من قومي أقاتل من يليني من أهل فارس وأكفيك ناحيتي ففعل ذلك فأقبل فجمع قومه وأخذ يغير بناحية كسكر مرة وفي أسفل الفرات مرة ونزل خالد بن الوليد النباج والمثنى بن حارثة بخفان معسكر فكتب إليه خالد بن الوليد ليأتيه وبعث إليه بكتاب من أبي بكر يأمره فيه بطاعته فانقض إليه جوادا حتى لحق به وقد زعمت بنو عجل أنه كان خرج مع المثنى بن حارثة رجل منهم يقال له مذعور بن عدي نازع المثنى بن حارثة فتكاتبا إلى أبي بكر فكتب أبو بكر إلى العجلي يأمره بالمسير مع خالد إلى الشأم وأقر المثنى على حاله فبلغ العجلي مصر فشرف بها وعظم شأنه فداره اليوم بها معروفة وأقبل خالد بن الوليد يسير فعرض له جابان صاحب أليس فبعث إليه المثنى بن حارثة فقاتله فهزمه وقتل جل أصحابه إلى جانب نهر ثم يدعى نهر دم لتلك الوقعة وصالح أهل أليس وأقبل حتى دنا من الحيرة فخرجت إليه خيول آزاذبه صاحب خيل كسرى التي كانت في مسالح ما بينه وبين العرب فلقوهم بمجتمع الأنهار فتوجه إليهم المثنى بن حارثة فهزمهم الله ولما رأى ذلك أهل الحيرة خرجوا يستقبلونه فيهم عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة وهانىء بن قبيصة فقال خالد لعبد المسيح من أين أثرك قال من ظهر أبي قال من أين خرجت قال من بطن أمي قال ويحك على أي شيء أنت قال على الأرض قال ويلك في أي شيء أنت قال في ثيابي قال ويحك تعقل قال نعم واقيد قال إنما أسألك قال وأنا أجيبك قال اسلم أنت أم حرب قال بل سلم قال فما هذه الحصون التي أرى قال بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجيء الحليم فينهاه ثم قال لهم خالد إني أدعوكم إلى الله وإلى عبادته وإلى الإسلام فإن قبلتم فلكم مالنا وعليكم ما علينا وإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فقد جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم شرب الخمر فقالوا لاحاجة لنا في حربك فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم فكانت أول جزية حملت إلى المدينة من العراق ثم نزل على بانقيا فصالحه بصبهرى بن صلوبا على ألف درهم وطيلسان وكتب لهم كتابا وكان صالح خالد أهل الحيرة على أن يكونوا له عيونا ففعلوا قال هشام عن أبي مخنف قال حدثني المجالد بن سعيد عن الشعبي قال أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن من خالد بن الوليد إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى أما بعد فالحمد لله الذي فض خدمتكم وسلب ملككم ووهن كيدكم وإنه من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له مالنا وعليه ما علينا أما بعد فإذا جاءكم كتابي فابعثوا إلي بالرهن واعتقدوا مني الذمة وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون الموت كما تحبون الحياة فلما قرأوا الكتاب أخذوا يتعجبون وذلك سنة اثنتي عشرة قال أبو جعفر وأما غير ابن إسحاق وغير هشام ومن ذكرت قوله من قبل فإنه قال في أمر خالد ومسيره (2/308)
إلى العراق ما حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري قال حدثني عمي عن سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال لما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة كتب إليه أبو بكر رحمه الله إن الله فتح عليك فعارق حتى تلقى عياضا وكتب إلى عياض بن غنم وهو بين النباج والحجاز أن سر حتى تأتي المصيخ فابدأ بها ثم ادخل العراق من أعلاها وعارق حتى تلقى خالدا وأذنا لمن شاء بالرجوع ولا تستفتحا بمتكاره ولما قدم الكتاب على خالد وعياض وأذنا في القفل عن أمر أبي بكر قفل أهل المدينة وما حولها وأعروهما فاستمدا أبا بكر فأمد أبو بكر خالدا بالقعقاع بن عمرو التميمي فقيل له أتمد رجلا قد ارفض عنه جنوده برجل فقال لا يهزم جيش فيهم مثل هذا وأمد عياضا بعبد بن عوف الحميري وكتب إليهما أن استنفرا من قاتل أهل الردة ومن ثبت على الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يغزون معكم أحد ارتد حتى أرى رأيي فلم يشهد الأيام مرتد فلما قدم الكتاب على خالد بتأمير العراق كتب إلى حرملة وسلمى والمثنى ومذعو باللحاق به وأمرهم أن يواعدوا جنودهم الأبلة وذلك أن أبا بكر أمر خالدا في كتابه إذا دخل العراق أن يبدأ بفرج أهل السند والهند وهو يومئذ الأبلة ليوم قد سماه ثم حشر من بينه وبين العراق فحشر ثمانية آلاف من ربيعة مضر إلى ألفين كانا معه فقدم في عشرة آلاف على ثمانية آلاف ممن كان مع الأمراء الأربعة يعني بالأمراء الأربعة المثنى ومذعورا وسلمى وحرملة فلقي هرمز في ثمانية عشر ألفا (2/309)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن المهلب الأسدي عن عبدالرحمن بن سياه وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة قالوا كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد إذ أمره على حرب العراق أن يدخلها من أسفلها وإلى عياض إذ أمره على حرب العراق أن يدخلها من أعلاها ثم يستبقا إلى الحيرة فأيهما سبق إلى الحية فهو أمير على صاحبه وقال إذا اجتمعتما بالحيرة وقد فضضتما مسالح فارس وأمنتما أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليكن أحدكما ردءا للمسلمين ولصاحبه بالحيرة وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائة
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن المجالد عن الشعبي قال كتب خالد إلى هرمز قبل خروجه مع آزاذبه أبي الزياذبة الذين باليمامة وهرمز صاحب الثغر يومئذ أما بعد فأسلم تسلم أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية وإلا فلا تلومن إلا نفسك فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة قال سيف عن طلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة وكان قاضي أهل الكوفة قال فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى العراق جنده ثلاث فرق ولم يحملهم على طريق واحدة فسرح المثنى قبله بيومين ودليله ظفر وسرح عدي بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما مالك بن عباد وسالم بن نصر أحدهما قبل صاحبه بيوم وخرج خالد ودليله رافع فواعدهم جميعا الحفير ليجتمعوا به وليصادموا به عدوهم وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنا وأشدها شوكة وكان صاحبه يحارب العرب في البر والهند في البحر قال وشاركه المهلب بن عقبة وعبد الرحمن بن سياه الأحمري الذي تنسب إليه الحمراء فيقال حمراء سياه قال لما قدم كتاب خالد على هرمز كتب بالخبر إلى شيرى بن كسرى وإلى أردشير بن شيرى وجمع جموعه
ثم تعجل إلى الكواظم في سرعان أصحابه ليتلقى خالدا وسبق حلبته فلم يجدها طريق خالد وبلغه أنهم تواعدوا الحفير فعاج يبادره إلى الحفير فنزله فتعبى به وجعل على مجنبته أخوين يلاقيان أردشير وشيرى إلى أردشير الأكبر يقال لهما قباذ وأنو شجان واقترنوا في السلاسل فقال من لم ير ذلك لمن رآه قيدتم أنفسكم لعدوكم فلا تفعلوا فإن هذا طائر سوء فأجابوهم وقالوا أما أنتم فحدثونا أنكم تريدون الهرب فلما أتى الخبر خالدا بأن هرمز في الحفير أمال الناس إلى كاظمة وبلغ هرمز ذلك فبادره إلى كاظمة فنزلها وهو حسير وكان من أسوأ أمراء ذلك الفرج جوارا للعرب فكل العرب عليه مغيظ وقد كانوا ضربوه مثلا في الخبث حتى قالوا أخبث من هرمز وأكفر من هرمز وتعبى هرمز وأصحابه واقترنوا في السلاسل والماء في أيديهم وقدم خالد عليهم فنزل على غير ماء فقالوا له في ذلك فأمر مناديه فنادى ألا انزلوا وحطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين فحطت الأثقال والخيل وقوف وتقدم الرجل ثم زحف إليهم حتى لاقاهم فاقتتلوا وأرسل الله سحابة فأغزرت ما وراء صف المسلمين فقواهم بها وما ارتفع النهار وفي الغائط مقترن (2/310)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن عبدالملك بن عطاء البكائي عن المقطع بن الهيثم البكائي بمثله وقالوا وأرسل هرمز أصحابه بالغد ليغدروا بخالد فواطؤوه على ذلك ثم خرج هرمز فنادر رجل ورجل أين خالد وقد عهد إلى فرسانه عهده فلما نزل خالد نزل هرمز ودعاه إلى النزال فنزل خالد فمشى إليه فالتقيا فاختلفا ضربتين واحتضنه خالدا وحملت حامية هرمز وغدرت فاستلحموا خالدا فما شغله ذلك عن قتله وحمل القعقاع بن عمرو واستلحم حماة هرمز فأناموهم وإذا خالد يماصعهم وانهزم أهل فارس وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل وجمع خالد الرثاث وفيها السلاسل فكانت وقر بعير ألف رطل فسميت ذا السلاسل وأفلت قباذ وأنو شجان
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قد أحسابهم في عشائرهم فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف فكان هرمز ممن تم شرفه فكانت قيمتها مائة ألف فنفلها أبو بكر خالدا وكانت مفصصة بالجوهر وتمام شرف أحدهم أن يكون من بيوتات
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد بن نويرة عن حنظلة بن زياد بن حنظلة قال لما تراجع الطلب من ذلك اليوم نادى منادي خالد بالرحيل وسار بالناس واتبعته الأثقال حتى ينزل بموضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم وقد أفلت قباذ وأنو شجان وبعث خالد بالفتح وما بقي من الآخماس وبالفيل وقرأ الفتح على الناس ولما قدم زر بن كليب بالفيل مع الأخماس فطيف به في المدينة ليراه الناس جعل ضعيفات النساء يقلن أمن خلق الله ما نرى ورأينه مصنوعا فرده أبو بكر مع زر قال ولما نزل خالد موضع الجسر الأعظم اليوم بالبصرة بعث المثنى بن حارثة في آثار القوم وأرسل معقل بن مقرن المزني إلى الأبلة ليجمع له مالها والسبي فخرج معقل حتى نزل الأبلة فجمع الأموال والسبايا قال أبو جعفر وهذه القصة في أمر الأبلة وفتحها خلاف ما يعرفه أهل السير وخلاف ما جاءت به الآثار الصحاح وإنما كان فتح الأبلة أيام عمر رحمه الله وعلى يد عتبة بن غزوان في سنة أربع عشرة من الهجرة
وسنذكر أمرها وقصة فتحها إذا انتهينا إلى ذلك إن شاء الله رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد بن نويرة عن حنظلة بن زياد قال وخرج المثنى حتى انتهى إلى نهر المرأة فانتهى إلى الحصن الذي فيه المرأة فخلف المعني بن حارثة عليه فحاصرها في قصرها ومضى المثنى إلى الرجل فحاصره ثم استنزلهم عنوة فقتلهم واستفاء أموالهم ولما بلغ ذلك المرأة صالحت المثنى وأسلمت فتزوجها المعني ولم يحرك خالد وأمراؤه الفلاحين في شيء من فتوحه لتقدم أبي بكر إليه فيهم وسبى أولاد المقاتلة الذين كانوا يقومون بأمو الأعاجم وأقر من لم ينهض من الفلاحين وجعل لهم الذمة وبلغ سهم الفارس في يوم ذا ت السلاسل والثني ألف درهم والراجل على الثلث من ذلك قال وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة ويومئذ قال الناس صفر الأصفار فيه يقتل كل جبار على مجمع الأنهار حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن زياد والمهلب عن عبد الرحمن بن سياه الأحمري وأما فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف فإنه عن سيف عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس الأحمري وعبد الرحمن بن سياه الأحمري وسفيان الأحمري قالوا وقد كان هرمز كتب إلى أردشير وشيرى بالخبر بكتاب خالد إليه بمسيره من اليمامة نوه فأمده بقارن بن قريانس فخرج قارن من المدائن ممدا لهرمز حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة وانتهت إليه الفلال فتذامروا وقال فلال الأهواز وفارس لفلال السواد والجبل إن افترقتم لم تجتمعوا بعدها أبدا فاجتمعوا على العود مرة واحدة فهذا مدد الملك وهذا قارن لعل الله يديلنا ويشفينا من عدونا وندرك بعض ما أصابوا منا ففعلوا وعسكروا بالمذار واستعمل قارن على مجنبته قباذ وأنو شجان وأرز المثنى والمعنى إلى خالد بالخبر ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن قسم الفيء على من أفاءه الله عليه ونفل من الخمس ما شاء الله وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبي بكر وبالخبر عن القوم وباجتماعهم إلى الثني المغيث والمغاث مع الوليد بن عقبة والعرب تسمي كل نهر الثني وخرج خالد سائرا حتى ينزل المذار على قارن في جموعه فالتقوا وخالد على تعبيته فاقتتلوا على حنق وحفيظة وخرج قارن يدعو للبراز فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى بن النباش فابتدراه فسبقه إليه معقل فقتله وقتل عاصم الأنوشجان وقتل عدي قباذ وكان شرف قارن قد انتهى ثم لم يقاتل المسلمون بعده أحدا انتهى شرفه في الأعاجم وقتلت فارس مقتلة عظيمة فضموا السفن ومنعت المياه المسلمين من طلبهم وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت وقسم الفيء ونفل من الأخماس أهل البلاء وبعث ببقية الأخماس ووفد وفدا مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب (2/311)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد بن عبدالله عن أبي عثمان قال قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق ولولا المياه لأتي على آخرهم ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة قال سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال كان أول من لقي خالد مهبطه العراق هرمز بالكواظم ثم نزل الفرات بشاطىء دجلة فلم يلق كيدا وتبحبح بشاطىء دحلة ثم الثني ولم يلق بعد هرمز أحدا إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التي قبلها حتى أتى دومة الجندل وزاد سهم الفارس في يوم الثني على سهمه في ذات السلاسل فأقام خالد بالثني يسبي عيالات المقاتلة ومن أعانهم وأقر الفلاحين ومن أجاب
إلى الخراج من جميع الناس بعدما دعوا وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا إلى الجزاء فأجابوا وتراجعوا وصاروا ذمة وصارت أرضهم لهم كذلك جرى ما لم يقسم فإذا اقتسم فلا وكان في السبي حبيب أبو الحسن يعني أبا الحسن البصري وكان نصرانيا وما فنة مولى عثمان وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة وأمر على الجند سعيد بن النعمان وعلى الجزاء سويد بن مقرن المزني وأمره بنزول الحفير وأمره ببث عماله ووضع يده في الجباية وأقام لعدوه يتحسس الأخبار ثم كان أمر الولجة في صفر من سنة اثنتي عشرة والولجة مما يلي كسكر من البر (2/312)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي قال حدثني سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال لما فرغ خالد من الثني وأتى الخبر أردشير بعث الأنذر زغر وكان فارسيا من مولدي السواد
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي قال حدثني سيف عن زياد بن سرجس عن عبد الرحمن بن سياه قال وفيما كتب به إلي السري قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس وعبدالرحمن بن سياه قالوا لما وقع الخبر بأردشير بمصاب قارن وأهل المذار أرسل الأندرزغر وكان فارسيا من مولدي السواد وتنائهم ولم يكن ممن ولد في المدائن ولا نشأ بها وأرسل بهمن جاذويه في أثره في جيش وأمره أن يعبر طريق الأندرزغر وكان الأندر زغر قبل ذلك على فرج خراسان فخرج الأندرزغر سائرا من المدائن حتى أتى كسكر ثم جازها إلى الولجة وخرج بهمن جاذويه في أثره وأخذ غير طريقه فسلك وسط السواد وقد حشر إلى الأندر زغر من بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين فعسكروا إلى جنب عسكره بالولجة فلما اجتمع له ما أراد واستتم أعجبه ما هو فيه وأجمع السير إلى خالد ولما بلغ خالدا وهو بالثني خبر الأندرزغر ونزوله الولجة نادى بالرحيل وخلف سويد بن مقرن وأمره بلزوم الحفير وتقدم إلى من خلف في أسفل دجلة وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة وترك الاغترار وخرج سائرا في الجنود نحو الولجة حتى ينزل على أندرزغر وجنوده ومن تأشب إليه فاقتتلوا قتالا شديدا هو أعظم من قتال الثني
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد بن أبي عثمان قال نزل خالد على الأندرزغر بالولجة في صفر فاقتتلوا بها قتالا شديدا حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ واستبطأ خالد كمينه وكان قد وضع لهم كمينا في ناحيتين عليهم بسر بن أبي رهم وسعيد بن مرة العجلي فخرج الكمين في وجهين فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا فأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فلم ير رجل منهم مقتل صاحبه ومضى الأندرزغر في هزيمته فمات عطشا وقام خالد في الناس خطيبا يرغبهم في بلاد العجم ويزهدهم في بلاد العرب وقال ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز و جل ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه وسار خالد في الفلاحين بسيرته فلم يقتلهم وسبى دراري المقاتلة ومن أعانهم ودعا أهل الأرض إلى الجزاء والذمة فتراجعوا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف وحدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن
عمرو عن الشعبي قال بارز خالد يوم الولجة رجلا من أهل فارس يعدل بألف رجل فقتله فلما فرغ اتكأ عليه ودعا بغدائه وأصاب في أناس من بكر بن وائل ابنا لجابر بن بجير وابنا لعبد الأسود (2/313)
خبر اليس وهي على صلب الفرات
قال أبو جعفر حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي قال حدثنا سيف عن محمد بن طلحة عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة وأما السري فإنه قال فيما كتب إلي حدثنا شعيب عن سيف عن محمد بن عبدالله عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة قالا ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من بكر بن وائل من نصاراهم الذين أعانوا أهل فارس غضب لهم نصارى قومهم فكاتبوا الأعاجم وكاتبتهم الأعاجم فاجتمعوا إلى أليس وعليهم عبد الأسود العجلي وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بني عجل عتيبة بن النهاس وسعيد بن مرو وفرات بن حيان والمثنى بن لاحق ومذعور بن عدي وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه وهو بقسيانا وكان رافد فارس في يوم من أيام شهرهم وبنوا شهورهم كل شهر على ثلاثين يوما وكان لأهل فارس في كل يوم رافد قد نصب لذلك يرفدهم عند الملك فكان رافدهم بهمن روز أن سر حتى تقدم أليس بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب فقدم بهم جاذويه جابان وأمره بالحث وقال كفكف نفسك وجندك من قتال القوم حتى ألحق بك إلا أن يعجلوك فسار جابان نحو أليس وانطلق بهمن جاذويه إلى أردشير ليحدث به عهدا وليستأمره فيما يريد أن يشير به فوجده مريضا فعرج عليه وأخلى جابان بذلك الوجه ومضى حتى أتى أليس فنزل بها في صفر واجتمعت إليه المسالح التي كانت بإزاء العرب وعبد الأسود في نصارى العرب من بني عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة وكان جابر بن بجير نصرانيا فساند عبد الأسود وقد كان خالد بلغه تجمع عبد الأسود وجابر وزهير فيمن تأشب إليهم فنهد لهم ولا يشعر بدنو جابان وليست لخالد همة إلا من تجمع له من عرب الضاحية ونصاراهم فأقبل فلما طلع على جابان بأليس قالت الأعاجم لجابان أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم إنا نحفل بهم ثم نقاتلهم بعد الفراغ فقال جابان إن تركوكم والتهاون بكم فتهاونوا ولكن ظني بهم أن سيعجلونكم ويعجلونكم عن الطعام فعصوه وبسطوا البسط ووضعوا الأطعمة وتداعوا إليها وتوافوا عليها فلما انتهى خالد إليهم وقف وأمر بحط الأثقال فلما وضعت توجه إليهم ووكل خالد بنفسه حوامي يحمون ظهره ثم بدر أمام الصف فنادى أين أبجر أين عبد الأسود أين مالك بن قيس رجل من جذرة فنكلوا عنه جميعا إلا مالكا فبرز له فقال له خالد يابن الخبيثة ما جرأك علي من بينهم وليس فيك وفاء فضربه فقتله وأجهض الأعاجم عن طعامهم قبل أن يأكلوا فقال جابان ألم أقل لكم يا قوم أما والله ما دخلتني من رئيس وحشة قط حتى كان اليوم فقالوا حيث لم يقدروا على الأكل تجلدا ندعها حتى نفرغ منهم ونعود إليها فقال جابان وأيضا أظنكم والله لهم وضعتموها وأنتم لا تشعرون فالآن فأطيعوني سموها فإن كانت لكم فأهون هالك وإن كانت عليكم كنتم قد صنعتم شيئا وأبليتم عذرا فقالوا لا اقتدارا عليهم فجعل جابان عل مجنبتيه عبد الأسود وأبجر وخالد على تعبئته في الأيام التي قبلها فاقتتلوا قتالا شديدا والمشركون يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن جاذويه فصابروا المسلمين للذي كان في علم الله أن يصيرهم إليه وحرب المسلمون عليهم وقال خالد اللهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم
ثم إن الله عز و جل كشفهم للمسلمين ومنحهم أكتافهم فأمر خالد مناديه فنادى في الناس الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين يساقون سوقا وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر ففعل ذلك بهم يوما وليلة وطلبوهم الغد وبعد الغد حتى انتهوا إلى النهرين ومقدار ذلك من كل جوانب أليس فضرب أعناقهم وقال له القعقاع وأشباه له لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم إن الدماء لا تزيد على أن ترقرق منذ نهيت عن السيلان ونهيت الأرض عن نشف الدماء فأرسل عليها الماء تبر يمينك وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده فجرى دما عبيطا فسمي نهر الدم لذلك الشأن إلى اليوم وقال آخرون منهم بشير بن الخصاصية قال وبلغنا أن الأرض لما نشفت دم ابن آدم نهيت عن نشف الدماء ونهي الدم عن السيلان إلا مقدار برده ولما هزم القوم وأجلوا عن عسكرهم ورجع المسلمون من طلبهم ودخلوه وقف خالد على الطعام فقال قد نفلتكموه فهو لكم وقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتى على طعام مصنوع نفله فقعد عليه المسلمون لعشائهم بالليل وجعل من لم ير الأرياف ولا يعرف الرقاق يقول ما هذه الرقاق البيض وجعل من قد عرفها يجيبهم ويقول لهم مازحا هل سمعتم برقيق العيش فيقولون نعم فيقول هو هذا فسمي الرقاق وكانت العرب تسميه القرى (2/314)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي قال حدثنا سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي عمن حدث عن خالد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك في بطونهم غيرمتأثليه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن طلحة عن المغيرة قال كانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثمانية عشر الفا أو يزيدون ثلاثة أيام وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلا من بني عجل وكان دليلا صارما فقدم على أبي بكر بالخبر وبفتح أليس وبقدر الفيء وبعدة السبي وبما حصل من الأخماس وبأهل البلاء من الناس فلما قدم على أبي بكر فرأى صرامته وثبات خبره قال ما اسمك قال جندل قال ويها جندل ... نفس عصام سودت عصاما ... وعودته الكر والإقداما ...
وأمر له بجارية من ذلك السبي فولدت له قال وبلغت قتلاهم من أليس سبعين ألفا جلهم من أمغيشيا قال أبو جعفر قال لنا عبيدالله بن سعد قال عمي سألت عن أمغيشيا بالحيرة فقيل لي منشيا فقلت لسيف فقال هذان اسمان
حديث أمغيشيا (2/315)
في صفر وأفاءها الله عز و جل بغير خيل
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قال لما فرغ خالد من وقعة أليس نهض فأتى أمغيشيا وقد أعجلهم عما فيها وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد ومن يومئذ صارت السكرات في السواد فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها وكانت مصرا كالحيرة وكان فرات بادقلى ينتهي إليها وكانت أليس من مسالحها فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن بحر بن الفرات العجلي عن أبيه قال لم يصب المسلمون فيما بين ذات السلاسل وأمغيشيا مثل شيء أصابوه في أمغيشيا بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء وقالوا جميعا قال أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك يا معشر قريش يخبرهم بالذي أتاه عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد
حديث يوم المقر وفم فرات بادقلى
قال أبو جعفر كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة أن الآزاذبة كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم فكانوا لا يمد بعضهم بعضا إلا بإذن الملك وكان قد بلغ نصف الشرف وكان قيمة قلنسوته خمسين ألفا فلما أخرب خالد أمغيشيا وعاد أهلها سكرات لدهاقين القرى علم الآزاذبه أنه غير متروك فأخذ في أمره وتهيأ لحرب خالد وقدم ابنه ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجا من الحيرة وأمر ابنه بسد الفرات ولما استقل خالد من أمغيشيا وحمل الرجل في السفن مع الأنفال والأثقال لم يفجأ خالد إلا والسفن جوانح فارتاعوا لذلك فقال الملاحون إن أهل فارس فجروا الأنهار فسلك الماء غير طريقه فلا يأتينا الماء إلا بسد الأنهار فتعجل خالد في خيل نحو ابن الآزاذبه فتلقاه على فم العتيق خيل من خيله فجأهم وهم آمنون لغارة خالد في تلك الساعة فأنامهم بالمقر ثم سار من فوره وسبق الأخبار إلى ابن الآزاذبه حتى يلقاه وجنده على فم فرات بادقلى فاقتتلوا فأنامهم وفجر الفرات وسد الأنهار وسلك الماء سبيله كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة وبحر عن أبيه قالوا وحدثنا عبيد الله قال حدثني عمي قال حدثنا سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قالا لما أصاب خالد ابن الآزاذبه على فم فرات بادقلى قصد للحيرة واستلحق أصحابه وسار حتى ينزل بين الخورنق والنجف فقدم خالد الخورنق وقد قطع الآزاذبه الفرات هاربا من غير قتال وإنما حداه على الهرب أن الخبر وقع إليه بموت أردشير ومصاب ابنه وكان عسكره بين الغريين والقصر الأبيض ولما تتام أصحاب خالد إليه بالخورنق خرج من العسكر حتى يعسكر بموضع عسكر الآزاذبه بين الغريين والقصر الأبيض وأهل الحيرة متحصنون فأدخل خالد الحيرة الخيل من عسكره وأمر بكل قصر رجلا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم فكان ضرار بن الأزور محاصرا القصر الأبيض وفيه إياس بن قبيصة الطائي وكان
ضرار بن الخطاب محاصرا قصر العدسيين وفيه عدي بن عدي المقتول وكان ضرار بن مقرن المزني عاشر عشرة إخوة له محاصرا قصر بني مازن وفيه ابن أكال وكان المثنى محاصرا قصر ابن بقيلة وفيه عمرو بن عبد المسيح فدعوهم جميعا وأجلوهم يوما فأبى أهل الحيرة ولجوا فناوشهم المسلمون (2/316)
حدثني عبيد الله بن سعد قال حدثني عمي عن سيف عن الغصن بن القاسم رجل من بني كنانة قال أبو جعفر هكذا قال عبيد الله وقال السري فيما كتب به إلي حدثنا شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم عن رجل من بني كنانة قال عهد خالد إلى أمرائه أن يبدؤوا بالدعاء فإن قبلوا قبلوا منهم وإن أبوا أن يؤجلوهم يوما وقال لا تمكنوا عدوكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسليمن عن قتال عدوهم فكان أول القواد أنشب القتال بعد يوم أجلوهم فيه ضرار بن الأزور وكان على قتال أهل القصر الأبيض فأصبحوا وهم مشرفون فدعاهم إلى إحدى ثلاث الإسلام أو الجزاء أو المنابذة فاختاروا المنابذة وتنادوا عليكم الخزازيف فقال ضرار تنحوا لا ينالكم الرمي حتى ننظر في الذي هتفوا به فلم يلبث أن امتلأ رأس القصر من رجال متعلقي المخالي يرمون المسلمين بالخزازيف وهي المداحي من الخزف فقال ضرار ارشقوهم فدنوا منهم فرشقوهم بالنبل فأعروا رؤوس الحيطان ثم بثوا غارتهم فيمن يليهم وصبح أمير كل قوم أصحابه بمثل ذلك فافتتحوا الدور والديرات وأكثروا القتل فنادى القسيسون والرهبان يا أهل القصور ما يقتلنا غيركم فنادى أهل القصور يا معشر العرب قد قبلنا واحدة من ثلاث فادعوا بنا وكفوا عنا حتى تبلغونا خالدا فخرج إياس بن قبيصة وأخوه إلى ضرار بن الأزور وخرج عدي بن عدي وزيد بن عدي الى ضرار بن الخطاب وعدي الأوسط الذي رثته أمه وقتل يوم ذي قار وخرج عمرو بن عبد المسيح وابن أكال هذا إلى ضرار بن مقرن وهذا إلى المثنى بن حارثة فأرسلوهم إلى خالد وهم على مواقفهم كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قالا كان أول من طلب الصلح عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث وهو بقيلة وإنما سمي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا يا حار ما أنت إلا بقيلة خضراء وتتابعوا على ذلك فأرسلهم الرؤساء إلى خالد مع كل رجل منهم ثقة ليصالح عليه أهل الحصن فخلا خالد بأهل كل قصر منهم دون الآخرين وبدأ بأصحاب عدي وقال ويحكم ما أنتم أعرب فما تنقمون من العرب أو عجم فما تنقمون من الإنصاف والعدل فقال له عدي بل عرب عاربة وأخرى متعربة فقال لو كنتم كما تقولون لم تحادونا وتكرهوا أمرنا فقال له عدي ليدلك على ما نقول أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية فقال صدقت وقال اختاروا واحدة من ثلاث أن تدخلوا في ديننا فلكم مالنا وعليكم ما علينا إن نهضتم وهاجرتم وإن أقمتم في دياركم أو الجزية أو المنابذة والمناجزة فقد والله أتيتكم بقوم هم على الموت أحرص منكم على الحياة فقال بل نعطيك الجزية فقال خالد تبا لكم ويحكم إن الكفر فلاة مضلة فأحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان أحدهما عربي فتركه واستدل الأعجمي فصالحوه على مائة ألف وتسعين ألفا وتتابعوا على ذلك وأهدوا له هدايا وبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر رحمه الله مع الهذيل الكاهلي فقبلها أبو بكر من الجزاء وكتب إلى خالد أن احسب لهم هديتهم من الجزاء إلا أن تكون من الجزاء وخذ بقية ما عليهم فقو بها أصحابك وقال ابن بقيلة
أبعد المنذرين أرى سواما ... تروح بالخورنق والسديرا ... وبعد فوارس النعمان أرعى ... قلوصا بين مرة والحفير ... فصرنا بعد هلك أبي قبيس ... كجرب المعز في اليوم المطير ... تقسمنا القبائل من معد ... علانية كأيسار الجزور ... وكنا لا يرام لنا حريم ... فنحن كضرة الضرع الفخور ... نؤدي الخرج بعد خراج كسرى ... وخرج من قريظة والنضير ... كذاك الدهر دولته سجال ... فيوم من مساءة أو سرور ... (2/317)
كتب إلي السري عن شعيب عن يوسف عن الغصن بن القاسم عن رجل من بني كنانة ويونس بن أبي إسحاق بنحو منه وقالا فكانوا يختلفون إليه ويقدمون في حوائجهم عمرو بن عبدالمسيح فقال له خالد كم أتت عليك من السنين قال مئو سنين قال فما أعجب ما رأيت قال رأيت القرى منظومة ما بين دمشق والحيرة تخرج المرأة من الحيرة فلا تزود إلا رغيفا فتبسم خالد وقال هل لك من شيخك إلا عمله خرفت والله يا عمرو ثم أقبل على أهل الحيرة فقال ألم يبلغني أنكم خبثة خدعة مكرة فمالكم تتناولون حوائجكم بخرف لا يدرى من أين جاء فتجاهل له عمرو وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به عقله ويستدل به على صحة ما حدثه به فقال وحقك أيها الأمير إني لأعرف من أين جئت قال فمن أين جئت قال أقرب أم أبعد قال ما شئت قال من بطن أمي قال فأين تريد قال أمامي قال وما هو قال الآخرة قال فمن أين أقصى أثرك قال من صلب أبي قال ففيم أنت قال في ثيابي قال أتعقل قال إي والله وأقيد قال فوجده حين فره عضا وكان أهل قريته أعلم به فقال خالد قتلت أرض جاهلها وقتل أرضا عالمها والقوم أعلم بما فيهم فقال عمرو أيها الأمير النملة أعلم بما في بيتها من الجمل بما في بيت النملة وشاركهم في هذا الحديث من هذا المكان محمد بن أبي السفر عن ذي الجوشن الضبابي وأما الزهري فإنه حدثنا به فقال شاركهم في هذا الحديث رجل من الضباب قالوا وكان مع ابن بقيلة منصف له فعلق كيسا في حقوه فتناول خالد الكيس ونثر ما فيه في راحته فقال ما هذا يا عمرو قال هذا وأمانة الله سم ساعة قال لم تحتقب السم قال خشيت أن تكونوا على غير ما رأيت وقد أتيت على أجلي والموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي وأهل قريتي فقال خالد إنها لن تموت نفس حتى تأتي على أجلها وقال بسم الله خير الأسماء رب الأرض ورب السماء الذي ليس يضر مع اسمه داء الرحمن الرحيم فأهووا إليه ليمنعوه منه وبادرهم فابتلعه فقال عمرو والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن وأقبل على أهل الحيرة فقال لم أر كاليوم أمرا أوضح إقبالا وأبى خالد أن يكاتبهم إلا على إسلام كرامة بنت عبد المسيح إلى شويل فثقل ذلك عليهم فقالت هونوا عليكم وأسلموني فإني سأفتدي ففعلوا وكتب خالد بينه وبينهم كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عاهد عليه خالد بن الوليد عديا وعمرا ابني عدي وعمرو بن عبدالمسيح وإياس بن قبيصة وحيري بن أكال وقال عبيد الله وهم نقباء أهل الحيرة ورضي بذلك
أهل الحيرة وأمروهم به عاهدهم على تسعين ومائة ألف درهم تقبل في كل سنة جزاء عن أيديهم في الدنيا رهبانهم وقسيسهم إلا من كان منهم على غير ذي يد حبيسا عن الدنيا تاركا لها وقال عبيد الله إلا من كان غير ذي يد حبيسا عن الدنيا تاركا لها أو سائحا تاركا للدنيا وعلى المنعة فإن لم يمنعهم فلا شيء عليهم حتى يمنعهم وإن غدروا بفعل أو بقول فالذمة منهم بريئة وكتب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة ودفع الكتاب إليهم فلما كفر أهل السواد بعد موت أبي بكر استخفوا بالكتاب وضيعوه وكفروا فيمن كفر وغلب عليهم أهل فارس فلما افتتح المثنى ثانية أدلوا بذلك فلم يجبهم إليه وعاد بشرط آخر فلما غلب المثنى على البلاد كفروا وأعانوا واستخفوا وأضاعوا الكتاب فلما افتتحها سعد وأدلوا بذلك سألهم واحدا من الشرطين فلم يجيئوا بهما فوضع عليهم وتحرى ما يرى أنهم مطيقون فوضع عليهم أربعمائة ألف سوى الحرزة قال عبيد الله سوى الخرزة (2/318)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف والسري عن شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم الكناني عن رجل من بني كنانة ويونس بن أبي إسحاق قالا كان جرير بن عبدالله ممن خرج مع خالد بن سعيد بن العاصي إلى الشأم فاستأذن خالدا إلى أبي بكر ليكلمه في قومه وليجمعهم له وكانوا أوزاعا في العرب وليتخلصهم فأذن له فقدم على أبي بكر فذكر له عدة من النبي صلى الله عليه و سلم وأتاه على العدة بشهود وسأله إنجاز ذلك فغضب أبو بكر وقال له ترى شغلنا وما نحن فيه بغوث المسلمين ممن بإزائهم من الأسدين فارس والروم ثم أنت تكلفني التشاغل بما لا يغني عما هو أرضى لله ولرسوله دعني وسر نحو خالد بن الوليد حتى أنظر ما يحكم الله في هذين الوجهين فسار حتى قدم على خالد وهو بالحيرة ولم يشهد شيئا مما كان بالعراق إلا ما كان بعد الحيرة ولا شيئا مما كان خالد فيه من أهل الردة وقال القعقاع بن عمرو في أيام الحيرة ... سقى الله قتلى بالفرات مقيمة ... وأخرى بأنباج النجاف الكوانف ... فنحن وطئنا بالكواظم هرمزا ... وبالثني قرني قارن بالجوارف ... ويوم أحطنا بالقصور تتابعت ... على الحيرة الروجاء إحدى المصارف ... حططناهم منها وقد كاد عرشهم ... يميل بهم فعل الجبان المخالف ... رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا ... غبوق المنايا حول تلك المحارف ... صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا ... إلى الريف من أرض العريب المقانف ...
خبر ما بعد الحيرة
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري قال حدثني عمي عن سيف عن جميل الطائي عن أبيه قال لما أعطي شويل كرامة بنت عبد المسيح قلت لعدي بن حاتم ألا تعجب من مسألة شويل كرامة بنت عبدالمسيح على ضعفه قال كان يهرف بها دهره قال وذلك أني لما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر ما رفع له من البلدان فذكر الحيرة فيما رفع له وكأن شرف قصورها أضراس الكلاب عرفت أن قد أريها وأنها ستفتح فلقيته مسألتها
وحدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف قال قال لي عمرو والمجالد عن الشعبي والسري عن شعيب عن سيف عن المجالد عن الشعبي قال لما قدم شويل إلى خالد قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر فتح الحيرة فسألته كرامة فقال هي لك إذا فتحت عنوة وشهد له بذلك وعلى ذلك صالحهم فدفعها إليه فاشتد ذلك على أهل بيتها وأهل قريتها ما وقعت فيه وأعظموا الخطر فقالت لا تخطروه ولكن اصبروا ما تخالفون على امرأة بلغت ثمانين سنة فإنما هذا رجل أحمق رآني في شبيبتي فظن أن الشباب يدوم فدفعوها إلى خالد فدفعها خالد إليه فقالت ما أربك إلى عجوز كما ترى فادني قال لا إلا على حكمي قالت فلك حكمك مرسلا فقال لست لأم شويل إن نقصتك من ألف درهم فاستكثرت ذلك لتخدعه ثم أتته بها فرجعت إلى أهلها فتسامع الناس بذلك فعنفوه فقال ما كنت أرى أن عددا يزيد على ألف فأبوا عليه إلا أن يخاصمهم فخاصمهم فقال كانت نيتي غاية العدد وقد ذكروا أن العدد يزيد على ألف فقال خالد أردت أمرا وأراد الله غيره نأخذ بما يظهر وندعك ونيتك كاذبا كنت أو صادقا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن ثم انصرف وقال لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت قوما كقوم لقيتهم من أهل فارس وما لقيت من أهل فارس قوما كأهل أليس (2/319)
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال صلى خالد صلاة الفتح ثم انصرف ثم ذكر مثل حديث السري
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف والسري عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم وكان قدم مع جرير على خالد قال أتينا خالدا بالحيرة وهو متوشح قد شد ثوبه في عنقه يصلي فيه وحده ثم انصرف فقال أندق في يدي تسعة أسياف يوم مؤتة ثم صبرت في يدي صفيحة يمانية فما زالت معي
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد بن عبدالله عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة والغصن بن القاسم عن رجل من بني كنانة وسفيان الأحمري عن ماهان قال ولما صالح أهل الحيرة خالدا خرج صلوبا بن نسطونا صاحب قس الناطف حتى دخل على خالد عسكره فصالحه على بانقيا وبسما وضمن له ما عليهما وعلى أرضيهما من شاطىء الفرات جميعا واعتقد لنفسه وأهله وقومه على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة خرزة كسرى وكانت على كل رأس أربعة دراهم وكتب لهم كتابا فتموا وتم ولم يتعلق عليه في حال غلبة فارس بغدر وشاركهم المجالد في الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وقومه إني عاهدتكم على الجزية والمنعة على كل ذي يد بانقيا وبسما جميعا على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة القوي على قدر قوته والمقل على قدر إقلاله في كل سنة وإنك قد نقبت على قومك وإن قومك قد رضوا بك وقد قبلت ومن معي من المسلمين ورضيت ورضي قومك فلك الذمة والمنعة فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا حتى نمنعكم شهد هشام بن الوليد والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبدالله الحميري وحنظلة بن الربيع وكتب سنة اثنتي عشرة في صفر
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبدالله عن أبي عثمان عن ابن أبي مكنف وطلحة عن المغيرة وسفيان عن هامان وحدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قال كان الدهاقين يتربصون بخالد وينظرون ما يصنع أهل الحيرة فلما استقام ما بين أهل الحيرة وبين خالد واستقاموا له أتته دهاقين الملطاطين وأتاه زاذبن بهيش دهقان فرات سريا وصلوبا بن نسطونا بن بصبهرى هكذا في حديث السري وقال عبيد الله صلوبا بن بصبهرى ونسطونا فصالحوه على ما بين الفلاليج إلى هرمز جرد على ألفي ألف وقال عبيد الله في حديثه على ألف ألف ثقيل وأن للمسلمين ما كان لآل كسرى ومن مال معهم عن المقام في داره فلم يدخل في الصلح وضرب خالد رواقه في عسكره وكتب لهم كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لزاذ بن بهيش وصلوبا بن نسطونا لكم الذمة وعليكم الجزية وأنتم ضامنون لمن نقبتم عليه من أهل البهقباذ الأسفل والأوسط وقال عبيد الله وأنتم ضامنون جزية من نقبتم عليه على ألفي ألف ثقيل في كل سنة عن كل ذي يد سوى ما على بانقيا وبسما وإنكم قد أرضيتموني والمسلمين وإنا قد أرضيناكم وأهل البهقباذ الأسفل ومن دخل معكم من أهل البهقباذ الأوسط على أموالكم ليس فيها ما كان لآل كسرى ومن مال ميلهم شهد هشام بن الوليد والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبدالله الحميري وبشير بن عبدالله بن الخصاصية وحنظلة بن الربيع وكتب سنة اثنتي عشرة في صفر وبعث خالد بن الوليد عماله ومسالحه فبعث في العمالة عبدالله بن وثيمة النصري فنزل في أعلى العمل بالفلاليج على المنعة وقبض الجزية وجرير بن عبدالله على بانقيا وبسما وبشير بن الخصاصية على النهرين فنزل الكويفة ببانبورا وسويد بن مقرن المزني إلى نستر فنزل العقر فهي تسمى عقر سويد إلى اليوم وليست بسويد المنقري سميت وأط بن أبي أط إلى روذمستان فنزل منزلا على نهر سمي ذلك النهر به ويقال له نهر أط إلى اليوم وهو رجل من بني سعد بن زيد مناة فهؤلاء كانوا عمال الخراج زمن خالد بن الوليد وكانت الثغور في زمن خالد بالسيب بعث ضرار بن الأزور وضرار بن الخطاب والمثنى بن حارثة وضرار بن مقرن والقعقاع بن عمرو وبسر بن أبي رهم وعتيبة بن النهاس فنزلوا على السيب في عرض سلطانه فهؤلاء أمراء ثغور خالد وأمرهم خالد بالغارة والإلحاح فمخروا ما وراء ذلك إلى شاطىء دجلة قالوا ولما غلب خالد على أحد جانبي السواد دعا من أهل الحيرة برجل وكتب معه إلىأهل فارس وهم بالمدائن مختلفون متساندون لموت أردشير إلا أنهم قد أنزلوا بهمن جاذويه ببهرسير وكأنه على المقدمة ومع بهمن جاذويه الآزاذبه في أشباه له ودعا صلوبا برجل وكتب معهما كتابين فأما أحدهما فإلى الخاصة وأما الآخر فإلى العامة أحدهما حيري والآخر نبطي ولما قال خالد لرسول أهل الحيرة ما اسمك قال مرة قال خذ الكتاب فأت به أهل فارس لعل الله أن يمر عليهم عيشهم أو يسلموا أو ينيبوا وقال لرسول صلوبا ما اسمك قال هزقيل قال فخذ الكتاب وقال اللهم أزهق نفوسهم كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مجالد وغيره بمثله والكتابان (2/320)
بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب علىأيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس أما بعد فأسلموا تسلموا وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر (2/321)
حدثني عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن محمد بن نويرة عن أبي عثمان والسري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبدالله عن أبي عثمان والمهلب بن عقبة وزياد بن سرجس عن سياه وسفيان الأحمري عن ماهان أن الخراج جبي إلى خالد في خمسين ليلة وكان الذين ضمنوه والذين هم رؤوس الرساتيق رهنا في يده فأعطى ذلك كله للمسلمين فقووا به على أمورهم وكان أهل فارس بموت أردشير مختلفين في الملك مجتمعين على قتال خالد متساندين وكانوا بذلك سنة والمسلمون يمخرون ما دون دجلة وليس لأهل فارس فيما بين الحيرة ودجلة أمر وليست لأحد منهم ذمة إلا الذين كاتبوه واكتتبوا منه وسائر أهل السواد جلاء ومتحصنون ومحاربون واكتتب عمال الخراج وكتبوا البراءات لأهل الخراج من نسخة واحدة بسم الله الرحمن الرحيم براءة لمن كان من كذا وكذا من الجزية التي صالحهم عليها الأمير خالد بن الوليد وقد قبضت الذي صالحهم عليه خالد وخالد والمسلمون لكم يد على من بدل صالح خالد ما أقررتم بالجزية وكففتم أمانكم أمان وصلحكم صلح نحن لكم على الوفاء وأشهدوا لهم النفر من الصحابة الذين كان خالد أشهدهم هشاما والقعقاع وجابر بن طارق وجريرا وبشيرا وحنظلة وأزداذ والحجاج بن ذي العنق ومالك بن زيد
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف عن عطية بن الحارث عن عبد خير قال وخرج خالد وقد كتب أهل الحيرة عنه كتابا إنا قد أدينا الجزية التي عاهدنا عليها خالد العبد الصالح والمسلمون عباد الله الصالحون على أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم وأما السري فإنه قال في كتابه إلي حدثنا شعيب عن سيف عن عطية بن الحارث عن عبد خير عن هشام بن الوليد قال فرغ خالد ثم سائر الحديث مثل حديث عبيد الله بن سعد
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي عن سيف والسري عن شعيب عن سيف عن عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن الهذيل الكاهلي نحوا منه قالوا وأمر الرسولين اللذين بعثهما أن يوافياه بالخبر وأقام خالد في عمله سنة ومنزله الحيرة يصعد ويصوب قبل خروجه إلى الشأم وأهل فارس يخلعون ويملكون ليس إلا الدفع عن بهرسير وذلك أن شيرى بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير ابنه فقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور فبقوا لا يقدرون على من يملكونه ممن يجتمعون عليه
حدثنا عبيد الله قال حدثني عمي قال حدثني سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال أقام خالد بن الوليد فيما بين فتح الحيرة إلى خروجه إلى الشأم أكثر من سنة يعالج عمل عياض الذي سمي له وقال
خالد للمسلمين لولا ما عهد إلي الخليفة لم أتنقذ عياضا وكان قد شجي وأشجى بدومة وما كان دون فتح فارس شيء إنها لسنة كأنها سنة نساء وكان عهد إليه ألا يقتحم عليهم وخلفه نظام لهم وكان بالعين عسكر لفارس وبالأنبار آخر وبالفراض آخر ولما وقعت كتب خالد إلى أهل المدائن تكلم نساء آل كسرى فولي الفر خزاذ بن البندوان إلى أن يجتمع آل كسرى على رجل إن وجدوه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبدالله عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة والمهلب عن سياه وسفيان عن ماهان قالوا كان أبو بكر رحمه الله قد عهد إلى خالد أن يأتي العراق من أسفل منها وإلى عياض أن يأتي العراق من فوقها وأيكما ما سبق إلى الحيرة فهو أمير على الحيرة فإذا اجتمعتما بالحيرة إن شاء الله وقد فضضتما مسالح ما بين العرب وفارس وأمنتم أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليقم بالحيرة أحدكما وليقتحم الآخر على القوم وجالدوهم عما في أيديهم واستعينوا بالله واتقوه وآثروا أمر الآخرة على الدنيا يجتمعا لكم ولا تؤثروا الدنيا فتسلبوهما واحذروا ما حذركم الله بترك المعاصي ومعاجلة التوبة وإياكم والإصرار وتأخير التوبة فأتي خالد على ما كان أمر به ونزل الحيرة واستقام له ما بين الفلاليج إلى أسفل السواد وفرق سواد الحيرة يومئذ على جرير بن عبدالله الحميري وبشير بن الخصاصية وخالد بن الواشمة وابن ذي العنق وأط وسويد وضرار وفرق سواد الأبلة على سويد بن مقرن وحسكة الحبطي والحصين بن أبي الحر وربيعة بن عسل وأقر المسالح على ثغورهم واستخلف على الحيرة القعقاع بن عمرو وخرج خالد في عمل عياض ليقضي ما بينه وبينه ولإغاثته فسلك الفلوجة حتى نزل بكربلاء وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو وعلى مقدمة خالد الأقرع بن حابس لأن المثنى كان على ثغر من الثغور التي تلي المدائن فكانوا يغاورون أهل فارس وينتهون إلى شاطىء دجلة قبل خروج خالد من الحيرة وبعد خروجه في إغاثة عياض كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي روق عمن شهدهم بمثله إلى أن قال وأقام خالد على كربلاء أياما وشكا إليه عبدالله بن وثيمة الذباب فقال له خالد اصبر فإني إنما أريد أن استفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنسكنها العرب فتأمن جنود المسلمين أن يؤتوا من خلفهم وتجيئنا العرب أمنة وغير متعتعة وبذلك أمرنا الخليفة ورأيه يعدل نجدة الأمة وقال رجل من أشجع فيما حكى ابن وثيمة ... لقد حبست في كربلاء مطيتي ... وفي العين حتى عاد غثا سمينها ... إذا زحلت من مبرك رجعت له ... لعمر أبيها إنني لأهينها ... ويمنعها من ماء كل شريعة ... (2/322)
رفاق من الذبان زرق عيونها ...
حديث الأنبار وهي ذات العيون وذكر كلواذى
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأصحابهما قالوا خرج خالد بن الوليد في تعبيته التي خرج فيها من الحيرة وعلى مقدمته الأقرع بن حابس فلما نزل الأقرع المنزل الذي يسلمه إلى الأنبار أنتج قوم من المسلمين إبلهم فلم يستطيعوا العرجة ولم يجدوا بدا من الإقدام ومعهم بنات مخاض
تتبعهم فلما نودي بالرحيل صروا الأمهات واحتقبوا المنتوجات لأنها لم تطق السير فانتهوا ركبانا إلى الأنبار وقد تحصن أهل الأنبار وخندقوا عليهم وأشرفوا من حصنهم وعلى تلك الجنود شيرزاذ صاحب ساباط وكان أعقل أعجمي يومئذ وأسوده وأقنعه في الناس العرب والعجم فتصايح عرب الأنبار يومئذ من السور وقالوا صبح الأنبار شر جمل يحمل جميلة وجمل تربه عوذ فقال شيرزاذ ما يقولون ففسر له فقال أما هؤلاء فقد قضوا على أنفسهم وذلك أن القوم إذا قضوا على أنفسهم قضاء كاد يلزمهم والله لئن لم يكن خالد مجتازا لأصالحنه فبيناهم كذلك قدم خالد على المقدمة فأطاف بالخندق وأنشب القتال وكان قليل الصبر عنه إذا رآه أو سمع به وتقدم إلى رماته فأوصاهم وقال إني أرى أقواما لا علم لهم بالحرب فارموا عيونهم ولا توخوا غيرها فرموا رشقا واحدا ثم تابعوا ففقىء ألف عين يومئذ فسميت تلك الوقعة ذات العيون وتصايح القوم ذهبت عيون أهل الأنبار فقال شيرزاذ ما يقولون ففسر له فقال آباذ آباذ فراسل خالدا في الصلح على أمر لم يرضه خالد فرد رسله وأتى خالد أضيق مكان في الخندق برذايا الجيش فنحرها ثم رمى بها فيه فأفعمه ثم اقتحم الخندق والرذايا جسورهم فاجتمع المسلمون والمشركون في الخندق وأرز القوم إلى حصنهم وراسل شيرزاذ خالدا في الصلح على ما أراد فقبل منه على أن يخليه ويلحقه بمأمنه في جريدة خيل ليس معهم من المتاع والأموال شيء فخرج شيرزاذ فلما قدم على بهمن جاذويه فأخبره الخبر لامه فقال إني كنت في قوم ليست لهم عقول وأصلهم من العرب فسمعتهم مقدمهم علينا يقضون على أنفسهم وقلما قضى قوم على أنفسهم قضاء إلا وجب عليهم ثم قاتلهم الجند ففقؤوا فيهم وفي أهل الأرض ألف عين فعرفت أن المسألة أسلم ولما اطمأن خالد بالأنبار والمسلمون وأمن أهل الأنبار وظهروا رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها فسألهم ما أنتم فقالوا قوم من العرب نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا فكانت أوائلهم نزلوها أيام يختنصر حين أباح العرب ثم لم تزل عنها فقال ممن تعلمتم الكتاب فقالوا تعلمنا الخط من إياد وأنشدوه قول الشاعر ... قومي إياد لو أنهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم ... قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعا والخط والقلم ... (2/323)
وصالح خالد من حولهم وبدأ بأهل البوازيج وبعث إليه أهل كلواذى ليعقد لهم فكاتبهم فكانوا عيبته من وراء دجلة ثم إن أهل الأنبار وما حولها نقضوا فيما كان يكون بين المسلمين والمشركين من الدول ما خلا أهل البوازيج فإنهم ثبتوا كما ثبت أهل بانقيا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عبدالعزيز يعني ابن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال ليس لأحد من أهل السواد عقد قبل الوقعة إلا بني صلوبا وهم أهل الحيرة وكلواذى وقرى من قرى الفرات ثم غدروا حتى دعوا إلى الذمة بعد ما غدروا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس قال قلت للشعبي أخذ السواد عنوة قال نعم وكل أرض إلا بعض القلاع والحصون فإن بعضهم صالح به وبعضهم غلب فقلت فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الهرب قال لا ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمة
خبر عين التمر (2/324)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وزياد قالوا ولما فرغ خالد من الأنبار واستحكمت له استخلف على الأنبار الزبرقان بن بدر وقصد لعين التمر وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم وعقه بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب وإياد ومن لافهم فلما سمعوا بخالد قال عقة لمهران إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالدا قال صدقت لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب وإنكم لمثلنا في قتال العجم فخدعه واتقى به وقال دونكموهم وإن احتجتم إلينا أعناكم فلما مضى نحو خالد قالت له الأعاجم ما حملك على أن تقول هذا القول لهذا الكلب فقال دعوني فإني لم أرد إلا ما هو خير لكم وشر لهم إنه قد جاءكم من قتل ملوككم وفل حدكم فاتقيته بهم فإن كانت لهم على خالد فهي لكم وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم مضعفون فاعترفوا له بفضل الرأي فلزم مهران العين ونزل عقة لخالد على الطريق وعلى ميمنته بجير بن فلان أحد بني عتبة بن سعد بن زهير وعلى ميسرته الهذيل بن عمران وبين عقة وبين مهران روحة أو غدوة ومهران في الحصن في رابطة فارس وعقة على طريق الكرخ كالخفير فقدم عليه خالد وهو في تعبئة جنده فعبى خالد جنده وقال لمجنبتيه اكفونا ما عنده فإني حامل ووكل بنفسه حوامي ثم حمل وعقة يقيم صفوفه فاحتضنه فأخذه أسيرا وانهزم صفه من غير قتال فأكثروا فيهم الأسر وهرب بجير والهذيل واتبعهم المسلمون ولما جاء الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن ولما انتهت فلال عقة من العرب والعجم إلى الحصن اقتحموه واعتصموا به وأقبل خالد في الناس حتى ينزل على الحصن ومعه عقة أسير وعمرو بن الصعق وهم يرجون أن يكون خالد كمن كان يغير من العرب فلما رأوه يحاولهم سألوه الأمان فأبى إلا على حكمه فسلسوا له به فلما فتحوا دفعهم إلى المسلمين فصاروا مساكا وأمر خالد بعقة وكان خفير القوم فضرت عنقه ليوئس الأسراء من الحياة ولما رآه الأسراء مطروحا على الجسر يئسوا من الحياة ثم دعا بعمرو بن الصعق فضرب عنقه وضرب أعناق أهل الحصن أجمعين وسبى كل من حوى حصنهم وغنم ما فيه ووجد في بيعتهم أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل عليهم باب مغلق فكسره عنهم وقال ما أنتم قالوا رهن فقسمهم في أهل البلاء منهم أبو زياد مولى ثقيف ومنهم نصير أبو موسى بن نصير ومنهم أبو عمرة جد عبدالله بن عبد الأعلى الشاعر وسيرين أبو محمد بن سيرين وحريث وعلاثة فصار أبو عمرة لشرحبيل بن حسنة وحريث لرجل من بني عباد وعلاثة للمعنى وحمران لعثمان ومنهم عمير وأبو قيس فثبت على نسبه من موالي أهل الشأم القدماء وكان نصير ينسب إلى بني يشكر وأبو عمرة إلى بني مرة ومنهم ابن اخت النمر كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي سفيان طلحة بن عبدالرحمن والمهلب بن عقبة قالوا ولما قدم الوليد بن عقبة من عند خالد على أبي بكر رحمه الله بما بعث به إليه من الأخماس إلى عياض وأمده به فقدم عليه الوليد وعياض محاصرهم وهم محاصروه وقد أخذوا عليه بالطريق فقال له الرأي في بعض الحالات خير من جند كثيف ابعث إلى خالد فاستمده ففعل فقدم عليه رسوله غب وقعة العين مستغيثا فعجل إلى عياض بكتابه من خالد إلى عياض إياك أريد ... لبث قليلا تأتك الحلائب ... يحملن آسادا عليها القاشب
كتائب يتبعها كتائب ... خبر دومة الجندل قالوا ولما فرغ خالد من عين التمر خلف فيها عويم بن الكاهل الأسلمي وخرج في تعبيته التي دخل فيها العين ولما بلغ أهل دومة مسير خالد إليهم بعثوا إلى أحزابهم من بهراء وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم وقبل ما قد أتاهم وديعة في كلب وبهراء ومسانده ابن وبرة بن رومانس وآتاهم ابن الحدرجان في الضجاعم وابن الآيهم في طوائف من غسان وتنوخ فأشجوا عياضا وشجوا به فلما بلغهم دنو خالد وهم على رئيسين أكيدر بن عبدالملك والجودي بن ربيعة اختلفوا فقال أكيدر أنا أعلم الناس بخالد لا أحد أيمن طائرا منه ولا أحد في حرب ولا يرى وجه خالد قوم أبدا قلوا أو كثروا إلا انهزموا عنه فأطيعوني وصالحوا القوم فأبوا عليه فقال لن أمالئكم على حرب خالد فشأنكم فخرج لطيته وبلغ ذلك خالدا فبعث عاصم بن عمرو معارضا له فأخذه فقال إنما تلقبت الأمير خالدا فلما أتى به خالدا أمر به فضربت عنقه وأخذ ماكان معه من شيء ومضى خالد حتى ينزل على أهل دومة وعليهم الجودي بن ربيعة ووديعة الكلبي وابن رومانس الكلبي وابن الأيهم وابن الحدرجان فجعل خالد دومة بين عسكره وعسكر عياض وكان النصارى الذين أمدوا أهل دومة من العرب محيطين بحصن دومة لم يحملهم الحصن فلما اطمأن خالد خرج الجودي فنهض بوديعة فزحفا لخالد وخرج ابن الحدرجان وابن الأيهم إلى عياض فاقتتلوا فهزم الله الجودي ووديعة علي يدي خالد وهزم عياض من يليه وركبهم المسلمون فأما خالد فإنه أخذ الجودي أخذا وأخذ الأقرع بن حابس وديعة وأرز بقية الناس إلى الحصن فلم يحملهم فلما امتلأ الحصن أغلق من في الحصن الحصن دون أصحابهم فبقوا حوله حرداء وقال عاصم بن عمرو يا بني تميم حلفاؤك كلب آسوهم وأجيروهم فإنكم لا تقدرون لهم على مثلها ففعلوا وكان سبب نجاتهم يومئذ وصية عاصم بني تميم بهم وأقبل خالد على الذين أرزوا إلى الحصن فقتلهم حتى سد بهم باب الحصن ودعا خالد بالجودي فضرب عنقه ودعا بالأسرى فضرب أعناقهم إلا أسارى كلب فإن عاصما والأقرع وبني تميم قالوا قد آمناهم فأطلقهم لهم خالد وقال مالي ولكم أتحفظون أمر الجاهلية وتضيعون أمر الإسلام فقال له عاصم لا تحسدهم العافية ولا يحوزهم الشيطان ثم أطاف خالد بالباب فلم يزل عنه حتى اقتلعه واقتحموا عليهم فقتلوا المقاتلة وسبوا الشرخ فأقاموهم فيمن يزيد فاشترى خالد ابنة الجودي وكانت موصوفة وأقام خالد بدومة ورد الأقرع إلى الأنبار ولما رجع خالد إلى الحيرة وكان منها قريبا حيث يصبحها أخذ القعقاع أهل الحيرة بالتقليس فخرجوا يتلقونه وهم يقلسون وجعل بعضهم يقول لبعض مروا بنا فهذا فرج الشر كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب قالوا وقد كان خالد أقام بدومة فظن الأعاجم به وكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة فخرج زرمهر من بغداد ومعه روزبه يريدان الأنبار واتعدا حصيدا والخنافس فكتب الزبرقان وهو على الأنبار إلى القعقاع بن عمرو وهو يومئذ خليفة خالد (2/325)
على الحيرة فبعث القعقاع أعبد بن فدكي السعدي وأمره بالحصيد وبعث عروة بن الجعد البارقي وأمره بالخنافس وقال لهما إن رأيتما مقدما فأقدما فخرجا فحالا بينهما وبين الريف وأغلقاهما وانتظر روزبه وزرمهر بالمسلمين اجتماع من كاتبهما من ربيعة وقد كانوا تكاتبوا واتعدوا فلما رجع خالد من دومة إلى الحيرة على الظهر وبلغه ذلك وقد عزم على مصادمة أهل المدائن كره خلاف أبي بكر وأن يتعلق عليه بشيء فعجل القعقاع بن عمرو وأبو ليلى بن فدكي إلى روزبه وزرمهر فسبقاه إلى عين التمر وقدم على خالد كتاب امرئ القيس الكلبي أن الهذيل بن عمران قد عسكر بالمصيخ ونزل ربيعة بن بجير بالثني وبالبشر في عسكر غضبا لعقة يريدان زرمهر وروزبه فخرج خالد وعلى مقدمته الأقرع بن حابس واستخلف على الحيرة عياض بن غنم وأخذ طريق القعقاع وأبي ليلى إلى الخنافس حتى قدم عليهما بالعين فبعث القعقاع إلى حصيد وأمره على الناس وبعث أبا ليلى إلى الخنافس وقال زجياهم ليجتمعوا ومن استثأرهم وإلا فواقعاهم فأبيا إلا المقام خبر حصيد (2/326)
فلما رأى القعقاع أن زرمهر وروزبه لا يتحركان سار نحو حصيد وعلى من مر به من العرب والعجم روزبه ولما رأى روزبه أن القعقاع قد قصد له استمد زرمهر فأمده بنفسه واستخلف على عسكره المهبوذان فالتقوا بحصيد فاقتتلوا فقتل الله العجم مقتلة عظيمة وقتل القعقاع زرمهر وقتل روزبه قتله عصمة بن عبدالله أحد بني الحارث بن طريف من بني ضبة وكان عصمه من البررة وكل فخذ هاجرت بأسرها تدعى البررة وكل قوم هاجروا من بطن يدعون الخيرة فكان المسلمون خيرة وبررة وغنم المسلمون يوم حصيد غنائم كثيرة وأرز فلال حصيد إلى الخنافس فاجتمعوا بها
الخنافس
وسار أبو ليلى بن فدكي بمن معه ومن قدم عليه نحو الخنافس وقد أرزت فلال حصيد إلى المهبوذان فلما أحس المهبوذان بقدومهم هرب ومن معه وأرزوا إلى المصيخ وبه الهذيل بن عمران ولم يلق بالخنافس كيدا وبعثوا إلى خالد بالخبر جميعا
مصيخ بني البرشاء قالوا ولما انتهى الخبر إلى خالد بمصاب أهل الحصيد وهرب أهل الخنافس كتب إليهم ووعد القعقاع وأبا ليلى وأعبد وعروة ليلة وساعة يجتمعون فيها إلى المصيخ وهو بين حوران والقلت وخرج خالد من العين قاصدا للمصيخ على الإبل يجنب الخيل فنزل الجناب فالبردان فالحني واستقل من الحني فلما كان تلك الساعة من ليلة الموعد اتفقوا جميعا بالمصيخ فأغاروا على الهذيل ومن معه ومن أوى إليه وهم نائمون من ثلاثة أوجه فقتلوهم وأفلت الهذيل في أناس قليل وامتلأ الفضاء قتلى فبما شبهوا بهم إلا غنما مصرعة وقد كان حرقوص بن النعمان قد محضهم النصح وأجاد الرأي فلم ينتفعوا بتحذيره وقال حرقوص بن النعمان قبل
الغارة ... ألا سقياني قبل خيل أبي بكر ... (2/327)
الأبيات وكان حرقوص معرسا بامرأة من بني هلال تدعى أم تغلب فقتلت تلك الليلة وعبادة بن البشر وامرؤ القيس بن بشر وقيس بن بشر وهؤلاء بنو الثورية من بني هلال وأصاب جرير بن عبدالله يوم المصيخ من النمر عبدالعزى بن أبي رهم بن قرواش أخا أوس مناة من النمر وكان معه ومع لبيد بن جرير كتاب من أبي بكر بإسلامهما وبلغ أبا بكر قول عبدالعزى وقد سماه عبدالله ليلة الغارة وقال ... سبحانك اللهم رب محمد ...
فوداه وودى لبيدا وكانا أصيبا في المعركة وقال أما إن ذلك ليس علي إذ نازلا أهل الحرب وأوصى بأولادهما وكان عمر يعتد على خالد بقتلهما إلى قتل مالك يعني ابن نويرة فيقول أبو بكر كذلك يلقى من ساكن أهل الحرب في ديارهم وقال عبدالعزى ... أقول إذ طرق الصباح بغارة ... سبحانك اللهم رب محمد ... سبحان ربي لا إله غيره ... رب البلاد ورب من يتورد ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن عدي بن حاتم قال أغرنا على أهل المصيخ وإذا رجل يدعى باسمه حرقوص بن النعمان من النمر وإذا حوله بنوه وامرأته وبينهم جفنة من خمر وهم عليها عكوف يقولون له ومن يشرب هذه الساعة وفي أعجاز الليل فقال اشربوا شرب وداع فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها هذا خالد بالعين وجنوده بحصيد وقد بلغه جمعنا وليس بتاركنا ثم قال ... ألا فاشربوا من قبل قاصمة الظهر ... بعيد انتفاخ القوم بالعكر الدثر ... وقبل منايانا المصيبة بالقدر ... لحين لعمري لا يزيد ولا يحري ...
فسبق إليه وهو في ذلك في بعض الخيل فضرب رأسه فإذا هو في جفنته وأخذنا بناته وقتلنا بنيه
الثني والزميل
وقد نزل ربيعة بن بجير التغلبي الثني والبشر غضبا لعقة وواعد روزبه وزرمهر والهذيل فلما أصاب خالد أهل المصيخ بما أصابهم به تقدم إلى القعقاع وإلى أبي ليلى بأن يرتحلا أمامه وواعدهما الليلة ليفترقوا فيها للغارة عليهم من ثلاثة أوجه كما فعل بأهل المصيخ ثم خرج خالد من المصيخ فنزل حوران ثم الرنق ثم الحماة وهي اليوم لبني جنادة بن زهير من كلب ثم الزميل وهو البشر والثني معه وهما اليوم شرقي الرصافة فبدأ بالثني واجتمع هو وأصحابه فبيته من ثلاثة أوجه بياتا ومن اجتمع له وإليه ومن تأشب لذلك من الشبان فجردوا فيهم السيوف فلم يفلت من ذلك الجيش مخبر واستبى الشرخ وبعث بخمس الله إلى أبي بكر مع النعمان بن عوف بن النعمان الشيباني وقسم النهب والسبايا فاشترى علي بن أبي طالب عليه السلام بنت ربيعة بن بجير التغلبي فاتخذها فولدت له عمر ورقية وكان الهذيل حين نجا
أوى إلى الزميل إلى عتاب بن فلان وهو بالبشر في عسكر ضخم فبيتهم بمثلها غارة شعواء من ثلاثة أوجه سبقت إليهم الخبر عن ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا قبلها مثلها وأصابوا منهم ما شاؤوا وكانت على خالد يمين ليبغتن تغلب في دارها وقسم خالد فيئهم في الناس وبعث الأخماس إلى أبي بكر مع الصباح بن فلان المزني وكانت في الأخماس ابنة مؤذن النمري وليلى بنت خالد وريحانة بنت الهذيل بن هبيرة ثم عطف خالد من البشر إلى الرضاب وبها هلال بن عقة وقد ارفض عنه أصحابه حين سمعوا بدنو خالد وانقشع عنها هلال فلم يلق كيدا بها (2/328)
حديث الفراض
ثم قصد خالد بعد الرضاب وبغتته تغلب إلى الفراض والفراض تخوم الشأم والعراق والجزيرة فأفطر بها رمضان في تلك السفرة التي اتصلت له فيها الغزوات والأيام ونظمن نظما أكثر فيهن الرجاز إلى ما كان قبل ذلك منهن كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وشاركهما عمرو بن محمد عن رجل من بني سعد عن ظفر بن دهى والمهلب بن عقبة قالوا فلما اجتمع المسلمون بالفراض حميت الروم واغتاظت واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس وقد حموا واغتاظوا واستمدوا تغلب وإياد والنمر فأمدوهم ثم ناهدوا خالدا حتى إذا صار الفرات بينهم قالوا إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم قال خالد بل اعبروا إلينا قالوا فتنحوا حتى نعبر فقال خالد لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض احتسبوا ملككم هذا رجل يقاتل على دين وله عقل وعلم ووالله لينصرن ولنخذلن ثم لم ينتفعوا بذلك فعبروا أسفل من خالد فلما تتاموا قالت الروم امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح من أينا يجيء ففعلوا فاقتتلوا قتالا شديدا طويلا ثم إن الله عز و جل هزمهم وقال خالد للمسلمين ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه فإذا جمعوهم قتلوهم فقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب مائة ألف وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشرا ثم أذن في القفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم وأمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم وأظهر خالد أنه في الساقة
حجة خالد
قال أبو جعفر وخرج خالد حاجا من الفراض لخمس بقين من ذي القعدة مكتتما بحجه ومعه عدة من أصحابه يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت فتأتى له من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا رئبال فسار طريقا من طرق أهل الجزيرة لم ير طريق أعجب منه ولا أشد على صعوبته منه فكانت غيبته عن الجند يسيرة فما توافى إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه فقدما معا وخالد وأصحابه محلقون لم يعلم بحجه إلا من أفضى إليه بذلك من الساقة ولم يعلم أبو بكر رحمه الله بذلك إلا بعد فعتب عليه وكانت
عقوبته إياه أن صرفه إلىالشأم وكان مسير خالد من الفراض أن استعرض البلاد متعسفا متسمتا فقطع طريق الفراض ماء العنبري ثم مثقبا ثم انتهى إلى ذات عرق فشرق منها فأسلمه إلى عرفات من الفراض وسمي ذلك الطريق الصد ووافاه كتاب من أبي بكر منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بالشأم يقاربه ويباعده قال أبو جعفر قالوا فوافى خالدا كتاب أبي بكر بالحيرة منصرفه من حجه أن سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجوا وأشجوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجاك ولم ينزع الشجىمن الناس نزعك فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل وإياك أن تدل بعمل فإن الله له المن وهو ولي الجزاء كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عبدالملك بن عطاء بن البكائي عن المقطع بن الهيثم البكائي عن أبيه قال كان أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية عند بعض الذي يبلغهم ويقولون ما شاء معاوية نحن أصحاب ذات السلاسل ويسمون ما بينها وبين الفراض ما يذكرون ما كان بعد احتقارا لما كان بعد فيما كان قبل (2/329)
وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد بالإسناد الذي قد مضى ذكره أن خالد بن الوليد أتى الأنبار فصالحوه على الجلاء ثم أعطوه شيئا رضي به وأنه أغار على سوق بغداد من رستاق العال وأنه وجه المثنى فأغار على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر فأصاب ما في السوق ثم سار إلى عين التمر ففتحها عنوة فقتل وسبى وبعث بالسبي إلى أبي بكر فكان أول سبي قدم المدينة من العجم وسار إلى دومة الجندل فقتل أكيدر وسبى ابنة الجودي ورجع فأقام بالحيرة هذا كله سنة اثنتي عشرة وفيها تزوج عمر رحمه الله عاتكة بنت زيد وفيها مات أبو مرثد الغنوي وفيها مات أبو العاصي بن الربيع في ذي الحجة وأوصى إلى الزبير وتزوج علي عليه السلام ابنته وفيها اشترى عمر أسلم مولاه واختلف فيمن حج بالناس في هذه السنة فقال بعضهم حج بهم فيها أبو بكر رحمه الله ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب مولى الحرقة عن رجل من بني سهم عن ابن ماجدة السهمي أنه قال حج أبو بكر في خلافته سنة اثنتي عشرة وقد عارمت غلاما من أهلي فعض بأذني فقطع منها أو عضضت بأذنه فقطعت منها فرفع شأننا إلى أبي بكر فقال اذهبوا بهما إلى عمر فلينظر فإن كان الجارح قد بلغ فليقد منه فلما انتهي بنا إلى عمر رضي الله عنه قال لعمري لقد بلغ هذا ادعوا لي حجاما قال فلما ذكر الحجام قال أما إني قد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول قد أعطيت خالتي غلاما وأنا أرجوا أن يبارك الله لها فيه وقد نهيتها أن تجعله حجاما أو قصابا أو صائغا فاقتص منه
وذكر الواقدي عن عثمان بن محد بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن أبي وجزة يزيد بن عبيد عن أبيه أن أبا بكر حج في سنة اثنتي عشرة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رحمه الله وقال بعضهم حج بالناس سنة اثنتي عشرة عمر بن الخطاب ذكر من قال ذلك (2/330)
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال بعض الناس يقول لم يحج أبو بكر في خلافته وإنه بعث سنة اثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب أو عبدالرحمن بن عوف
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة (2/331)
ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث
ففيها وجه أبو بكر رحمه الله الجيوش إلى الشأم بعد منصرفه من مكة إلى المدينة
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال لما قفل أبو بكر من الحج سنة اثنتي عشرة جهز الجيوش إلى الشأم فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين فأخذ طريق المعرقة على أيلة وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وهو أحد الغوث وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشأم
وحدثني عمر بن شبة عن علي بن محمد بالإسناد الذي ذكرت قبل عن شيوخه الذين مضى ذكرهم قال ثم وجه أبو بكر الجنود إلى الشأم أول سنة ثلاث عشرة فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاصي ثم عزله قبل أن يسير وولى يزيد بن أبي سفيان فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشأم وخرجوا في سبعة آلاف قال أبو جعفر وكان سبب عزل أبي بكر خالد بن سعيد فيما ذكر ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر أن خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم تربص ببيعته شهرين يقول قد أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم يعزلني حتى قبضه الله وقد لقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقال يا بني عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم فأما أبو بكر فلم يحفلها عليه وأما عمر فاضطغنها عليه ثم بعث أبو بكر الجنود إلى الشأم وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد فأخذ عمر يقول أتؤمره وقد صنع ما صنع وقال ما قال فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وأمر يزيد بن أبي سفيان كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مبشر بن فضيل عن جبير بن صخر حارس النبي صلى الله عليه و سلم عن أبيه قال كان خالد بن سعيد بن العاصي باليمن زمن النبي صلى الله عليه و سلم وتوفي النبي صلى الله عليه و سلم وهو بها وقدم بعد وفاته بشهر وعليه جبة ديباج فلقي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فصاح عمر بمن يليه مزقوا عليه جبته أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السلم مهجور فمزقوا جبته فقال خالد يا أبا الحسن يا بني عبد مناف أغلبتم عليها فقال علي عليه السلام أمغالبة ترى أم خلافة قال لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف وقال عمر لخالد فض الله فاك والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلت ثم لا يضر إلا نفسه فأبلغ عمر أبا بكر مقالته فلما عقد أبو بكر الألوية لقتال أهل الردة عقد له فيمن عقد فنهاه عنه عمر
وقال إنه لمخذول وإنه لضعيف التروئة ولقد كذب كذبة لا يفارق الأرض مدل بها وخائض فيها فلا تستنصر به فلم يحتمل أبو بكر عليه وجعله ردءا بتيماء أطاع عمر في بعض أمره وعصاه في بعض كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي صفية التيمي تيم بن شيبان وطلحة عن المغيرة ومحمد عن أبي عثمان قالوا أمر أبو بكر خالدا بأن ينزل تيماء ففصل ردءا حتى ينزل بتيماء وقد أمره أبو بكر ألا يبرحها وأن يدعو من حوله بالانضمام إليه وألا يقبل إلا ممن لم يرتد ولا يقاتل إلا من قاتله حتى يأتيه أمره فأقام فاجتمع إليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على العرب الضاحية البعوث بالشأم إليهم فكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بذلك وبنزول من استنفرت الروم ونفر إليهم من بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان من دون زيزاء بثلاث فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تتحجم واستنصر الله فسار إليهم خالد فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم فنزله ودخل عامة من كان تجمع له في الإسلام وكتب خالد إلى أبي بكر بذلك فكتب إليه أبو بكر أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به من طرف الرمل حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل فسار إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان فهزمه وقتل جنده وكتب بذلك إلى أبي بكر واستمده وقد قدم على أبي بكر أوائل مستنفري اليمن ومن بين مكة واليمن وفيهم ذو الكلاع وقدم عليه عكرمة قافلا وغازيا فيمن كان معه من تهامة وعمان والبحرين والسرو فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصدقات أن يبدلوا من استبدل فكلهم استبدل فسمي ذلك الجيش جيش البدال فقدموا على خالد بن سعيد وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشأم وعناه أمره وقد كان أبو بكر رد عمرو بن العاص إلى عمالة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ولاها إياه من صدقات سعد هذيم وعذرة ومن لفها من جذام وحدس قبل ذهابه إلى عمان فخرج إلى عمان وهو على عدة من عمله إذا هو رجع فأنجز له ذلك أبو بكر فكتب أبو بكر عند اهتياجه للشأم إلى عمرو إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ولاكه مرة وسماه لك أخرى مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد وليته ثم وليته وقد أحببت أبا عبدالله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك فكتب إليه عمرو إني سهم من سهام الإسلام وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئا إن جاءك من ناحية من النواحي وكتب إلى الوليد بن عقبة بنحو ذلك فأجاباه بإيثار الجهاد كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال كتب أبو بكر إلى عمرو وإلى الوليد بن عقبة وكان على النصف من صدقات قضاعة وقد كان أبو بكر شيعهما مبعثهما على الصدقة وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة اتق الله في السر والعلانية فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله إنك في سبيل من سبل الله لا يسعك فيه الإذهان والتفريط والغفلة عما فيه قوام دينكم وعصمة أمركم فلا تن ولا تفتر وكتب إليهما استخلفا على أعمالكما واندبا من يليكما فولى عمرو على عليا قضاعة عمرو بن فلان العذري وولى الوليد على ضاحية قضاعة مما يلي دومة امرأ (2/332)
القيس وندبا الناس فتتام إليهما بشر كثير وانتظرا أمر أبي بكر وقام أبو بكر في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال ألا إن لكل أمر جوامع فمن بلغها فهي حسبه ومن عمل لله كفاه الله عليكم بالجد والقصد فإن القصد أبلغ ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له ولا أجر لمن لا حسبة له ولا عمل لمن لا نية له ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به هي التجارة التي دل الله عليها ونجى بها من الخزي وألحق بها الكرامة في الدنيا والآخرة فأمد عمرا ببعض من انتدب إلى من اجتمع إليه وأمره على فلسطين وأمره بطريق سماها له وكتب إلى الوليد وأمره بالأردن وأمده ببعضهم ودعا يزيد بن أبي سفيان فأمره على جند عظيم هم جمهور من انتدب له وفي جنده سهيل بن عمرو وأشباهه من أهل مكة وشيعه ماشيا واستعمل أبا عبيدة بن الجراح على من اجتمع إليه وأمره على حمص وخرج معه وهما ماشيان والناس معهما وخلفهما وأوصى كل واحد منهما كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن سهل عن القاسم ومبشر عن سالم ويزيد بن أسيد الغساني عن خالد وعبادة قالوا ولما قدم الوليد على خالد بن سعيد فسانده وقدمت جنود المسلمين الذين كان أبو بكر أمده بهم وسموا جيش البدال وبلغه عن الأمراء وتوجههم إليه اقتحم على الروم طلب الحظوة وأعرى ظهره وبادر الأمراء بقتال الروم واستطرد له باهان فأرز هو ومن معه إلى دمشق واقتحم خالد في الجيش ومعه ذو الكلاح وعكرمة والوليد حتى ينزل مرج الصفر من بين الواقوصة ودمشق فانطوت مسالح باهان عليه وأخذوا عليه الطرق ولا يشعر وزحف له باهان فوجد ابنه سعيد بن خالد يستمطر في الناس فقتلوهم وأتى الخبر خالدا فخرج هاربا في جريدة فأفلت من أفلت من أصحابه على ظهور الخيل والإبل وقد أجهضوا عن عسكرهم ولم تنته بخالد بن سعيد الهزيمة عن ذي المروة وأقام عكرمة في الناس ردءا لهم فرد عنهم باهان وجنوده أن يطلبوه وأقام من الشأم على قريب وقد قدم شرحبيل بن حسنة وافدا من عند خالد بن الوليد فندب معه الناس ثم استعمله أبو بكر على عمل الوليد وخرج معه يوصيه فأتى شرحبيل على خالد ففصل بأصحابه إلا القليل واجتمع إلى أبي بكر أناس فأمر عليهم معاوية وأمره باللحاق بيزيد فخرج معاوية حتى لحق بيزيد فلما مر بخالد فصل ببقية أصحابه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب لم يزل يكلم أبا بكر في خالد بن الوليد وفي خالد بن سعيد فأبى أن يعطيه في خالد بن الوليد وقال لا أشيم سيفا سله الله على الكفار وأطاعه في خالد بن سعيد بعد ما فعل فعلته فأخذ عمرو طريق المعرقة وسلك أبو عبيدة طريقه وأخذ يزيد طريق التبوكية وسلك شرحبيل طريقه وسمى لهم أمصار الشأم وعرف أن الروم ستشغلهم فأحب أن يصعد المصوب ويصوب المصعد لئلا يتواكلوا فكان كما ظن وصاروا إلى ما أحب كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال لما قدم خالد بن سعيد ذا المروة وأتى أبا بكر الخبر كتب إلى خالد أقم مكانك فلعمري إنك مقدام محجام نجاء من الغمرات لا تخوضها إلا إلى حق ولا تصبر عليه ولما كان بعد وأذن له في دخوله المدينة قال خالد اعذرني قال أخطل أنت امرؤ جبن لدى الحرب فلما خرج من عنده قال كان عمر وعلي أعلم بخالد ولو أطعتهما فيه (2/333)
أختشيته واتقيته كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مبشر وسهل وأبي عثمان عن خالد وعبادة وأبي حارثة قالوا وأوعب القواد بالناس نحو الشأم وعكرمة ردء للناس وبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل وخرج هرقل حتى نزل بحمص فأعد لهم الجنود وعبى لهم العساكر وأراد اشتغال بعضهم عن بعض لكثرة جنده وفضول رجاله وأرسل إلى عمرو أخاه تذارق لأبيه وأمه فخرج نحوهم في تسعين ألفا وبعث من يسوقهم حتى نزل صاحب الساقة ثنية جلق بأعلى فلسطين وبعث جرجة بن توذرا نحويزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة وبعث الفيقار بن نسطوس في ستين ألفا نحو أبي عبيدة فهابهم المسلمون وجميع فرق المسلمين واحد وعشرون ألفا سوى عكرمة في ستة آلاف ففزعوا جميعا بالكتب وبالرسل إلى عمرو أن ما الرأي فكاتبهم وراسلهم إن الرأي الاجتماع وذلك أن مثلنا إذا اجتمع لم يغلب من قلة وإذا نحن تفرقنا لم يبق الرجل منا في عدد يقرن فيه لأحد ممن استقبلنا وأعد لنا لكل طائفة منا فاتعدوا اليرموك ليجتمعوا به وقد كتب إلى أبي بكر بمثل ما كاتبوا به عمرا فطلع عليهم كتابه بمثل رأي عمرو بأن اجتمعوا فتكونوا عسكرا واحدا والقوا زحوف المشركين بزحف المسلمين فإنكم أعوان الله والله ناصر من نصره وخاذل من كفره ولن يؤتى مثلكم من قلة وإنما يؤتى العشرة آلاف والزيادة على العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب فاحترسوا من الذنوب واجتمعوا باليرموك متساندين وليصل كل رجل منكم أصحابه وبلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم وانزلوا بالروم منزلا واسع العطن واسع المطرد ضيق المهرب وعلى الناس التذارق وعلى المقدمة جرجة وعلى مجنبتيه باهان والدراقص وعلى الحرب الفيقار وأبشروا فإن باهان في الأثر مدد لكم ففعلوا فنزلوا الواقوصة وهي على صفة اليرموك وصار الوادي خندقا لهم وهو لهب لا يدرك وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين وترجع إليهم أفئدتهم عن طيرتها وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزل عليهم بحذائهم على طريقهم وليس للروم طريق إلا عليهم فقال عمرو أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم وقلما جاء محصور بخير فأقاموا بإزائهم وعلى طريقهم ومخرجهم صفر من سنة ثلاث عشرة وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء ولا يخلصون إليهم اللهب وهو الواقوصة من وراهم والخندق من أمامهم ولا يخرجون خرجة إلا أديل المسلمون منهم حتى إذا اسلخوا شهر ربيع الأول وقد استمدوا أبا بكر وأعلموه الشأن في صفر فكتب إلى خالد ليلحق بهم وأمره أن يخلف على العراق المثنى فوافاهم في ربيع كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو والمهلب قالوا ولما نزل المسلمون اليرموك واستمدوا أبا بكر قال خالد لها فبعث إليه وهو بالعراق وعزم عليه واستحثه في السير فنفذ خالد لذلك فطلع عليهم خالد وطلع باهان على الروم وقد قدم قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين يغرونهم ويحضضونهم على القتال ووافق قدوم خالد قدوم باهان فخرج بهم باهان كالمقتدر فولى خالد قتاله وقاتل الأمراء من بإزائهم فهزم باهان وتتابع الروم على الهزيمة فاقتحموا خندقهم وتيمنت الروم بباهان وفرح المسلمون بخالد وحرد المسلمون وحرب المشركون وهم أربعون ومائتا ألف منهم ثمانون ألف (2/334)
مقيد وأربعون ألفا منهم مسلسل للموت وأربعون ألفا مربطون بالعمائم وثمانون ألف فارس وثمانون ألف راجل والمسلمون سبعة وعشرون ألف ممن كان مقيما إلى أن قدم عليهم خالد في تسعة آلاف فصاروا ستة وثلاثين ألفا ومرض أبو بكر رحمه الله في جمادى الأولى وتوفي للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال (2/335)
خبر اليرموك
قال أبو جعفر وكان أبو بكر قد سمى لكل أمير من أمراء الشأم كورة فسمى لأبي عبيدة بن عبدالله بن الجراح حمص وليزيد بن أبي سفيان دمشق ولشرحبيل بن حسنة الأردن ولعمرو بن العاص ولعلقمة بن مجزز فلسطين فلما فرغا منها نزل علقمة وسار إلى مصر فلما شارفوا الشأم دهم كل أمير منهم قوم كثير فأجمع رأيهم أن يجتمعوا بمكان واحد وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين ولما رأى خالد أن المسلمين يقاتلون متساندين قال لهم هل لكم يا معشر الرؤساء في أمر يعز الله به الدين ولا يدخل عليكم معه ولا منه نقيصة ولا مكروه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني عن خالد وعبادة قالا توافى إليها مع الأمراء والجنود الأربعة سبعة وعشرون ألفا وثلاثة آلاف من فلال خالد بن سعيد أمر عليهم أبو بكر معاوية وشرحبيل وعشرة آلاف من أمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد سوى ستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد فكانوا ستة وأربعين ألفا وكل قتالهم كان على تساند كل جند وأميره لا يجمعهم أحد حتى قدم عليهم خالد من العراق وكان عسكر أبي عبيدة باليرموك مجاورا لعسكر عمرو بن العاص وعسكر شرحبيل مجاورا لعسكر يزيد بن أبي سفيان فكان أبو عبيدة ربما صلى مع عمرو وشرحبيل مع يزيد فأما عمرو ويزيد فإنهما كانا لا يصليان مع أبي عبدية وشرحبيل وقدم خالد بن الوليد وهم على حالهم تلك فعسكر على حدة فصلى بأهل العراق ووافق خالد بن الوليد المسلمين وهم متضايقون بمدد الروم عليهم باهان ووافق الروم وهم نشاط بمددهم فالتقوا فهزمهم الله حتى ألجأهم وأمدادهم إلى الخنادق والواقوصة أحد حدوده فلزموا خندقهم عامة شهر يحضضهم القسيسون والشمامسة والرهبان وينعون لهم النصرانية حتى استبصروا فخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله في جمادى الآخرة فلما أحس المسلمون خروجهم وأرادوا الخروج متساندين سار فيهم خالد بن الوليد فحمد الله وأثنى عليه وقال إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده ولا تقاتلوا قوما على نظام وتعبية على تساند وانتشار فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته قالوا فهات فما الرأي قال إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أنا سنتياسر ولو علم بالذي كان ويكون لقد جمعكم إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم فالله الله فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود ولا يزيده عليه أن دانوا له إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول
الله صلى الله عليه و سلم هلموا فإن هؤلاء تهيؤوا وهذا يوم له ما بعده إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم وإن هزمونا لم نفلح بعدها فهلموا فلنتعاور الإمارة فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غدا والآخر بعد غد حتى يتأمر كلكم ودعوني أليكم اليوم فأمروه وهم يرون أنها كخرجاتهم وأن الأمر أطول مما صاروا إليه فخرجت الروم في تعبية لم ير الراؤون مثلها قط وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك فخرج في ستة وثلاثين كردوسا إلى الأربعين وقال إن عدوكم قد كثر وطغى وليس من التعبية تعبية أكثر من رأي العين من الكراديس فجعل القلب كراديس وأقام فيه أبا عبيدة وجعل الميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة وجعل الميسرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان وكان على كردوس من كراديس أهل العراق القعقاع بن عمرو وعلى كردوس مذعور بن عدي وعياض بن غنم على كردوس وهاشم بن عتبة على كردوس وزياد بن حنظلة على كردوس وخالد في كردوس وعلى فالة خالد بن سعيد دحية بن خليفة على كردوس وامرؤ القيس على كردوس ويزيد بن يحنس على كردوس وأبو عبيدة على كردوس وعكرمة على كردوس وسهيل على كردوس وعبدالرحمن بن خالد على كردوس وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة وحبيب بن مسلمة على كردوس وصفوان بن أمية على كردوس وسعيد بن خالد على كردوس وأبو الأعور بن سفيان على كردوس وابن ذي الخمار على كردوس وفي الميمنة عمارة بن مخشي بن خويلد على كردوس وشرحبيل على كردوس ومعه خالد بن سعيد وعبدالله بن قيس على كردوس وعمرو بن عبسة على كردوس والسمط بن الأسود على كردوس وذو الكلاع على كردوس ومعاوية بن حديج على آخر وجندب بن عمرو بن حممة على كردوس وعمرو بن فلان على كردوس ولقيط بن عبدالقيس بن بجرة حليف لبني ظفر من بني فزارة على كردوس وفي الميسرة يزيد بن أبي سفيان على كردوس والزبير على كردوس وحوشب ذو ظليم على كردوس وقيس بن عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن مازن بن صعصعة من هوازن حليف لنبي النجار على كردوس وعصمة بن عبدالله حليف لبني النجار من بني أسد على كردوس وضرار بن الأزور على كردوس ومسروق بن فلان على كردوس وعتبة بن ربيعة بن بهز حليف لبني عصمة على كردوس وجارية بن عبدالله الأشجعي حليف لبني سلمة على كردوس وقباث على كردوس وكان القاضي أبو الدرداء وكان القاص أبو سفيان بن حرب وكان على الطلائع قباث بن اشيم وكان على الأقباض عبدالله بن مسعود كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة نحوا من حديث أبي عثمان وقالوا جميعا وكان القارئ المقداد ومن السنة التي سن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء وهي الأنفال ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني عن عبادة وخالد قالا شهد اليرموك ألف من أصحاب رسول الله فيهم نحو من مائة من أهل بدر قالا وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول الله الله إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك اللهم إن هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك (2/336)
قالا وقال رجل لخالد ما أكثر الروم وأقل المسلمين فقال خالد ما أقل الروم وأكثر المسلمين إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال والله لوددت أن الأشقر براء من توجيه وأنهم أضعفوا في العدد وكان فرسه قد حفي في مسيره قالا فأمر خالد عكرمة والقعقاع وكانا على مجنبتي القلب فأنشبا التقال وارتجز القعقاع وقال ... يا ليتني ألقاك في الطراد ... قبل اعترام الجحفل الوراد ... وأنت في حلبتك الوراد ... (2/337)
وقال عكرمة ... قد علمت بهكنة الجواري ... أني على مكرمة أحامي ...
فنشب القتال والتحم الناس وتطارد الفرسان فإنهم على ذلك إذ قدم البريد من المدينة فأخذته الخيول وسألوه الخبر فلم يخبرهم إلا بسلامة وأخبرهم عن أمداد وإنما جاء بموت أبي بكر رحمه الله وتأمير أبي عبيدة فأبلغوه خالدا فأخبره خبر أبي بكر أسره إليه وأخبره بالذي أخبر به الجند قال أحسنت فقف وأخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتثر له أمر الجند فوقف محمية بن زنيم مع خالد وهو الرسول وخرج جرجة حتى كان بين الصفين ونادى ليخرج إلي خالد فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه فوافقه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه فقال جرجة يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم قال لا قال فبم سميت سيف الله قال إن الله عز و جل بعث فينا نبيه صلى الله عليه و سلم فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعا ثم إن بعضنا صدقه وتابعه وبعضنا باعده وكذبه فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه فقال أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين قال صدقتني ثم أعاد عليه جرجة يا خالد أخبرني إلام تدعوني قال إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله قال فمن لم يجبكم قال فالجزية ونمنعهم قال فإن لم يعطها قال نؤذنه بحرب ثم نقاتله قال فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم قال منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا ثم أعاد عليه جرجة هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر قال نعم وأفضل قال وكيف يساويكم وقد سبقتموه قال إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا صلى الله عليه و سلم وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا قال جرجة بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني قال بالله لقد صدقتك وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة وإن الله لولي ما سألت عنه فقال صدقتني وقلب الترس ومال مع خالد وقال علمني الإسلام فمال به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة من ماء ثم صلى ركعتين وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها منه حملة فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة والحارث بن هشام
وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادى الناس فثابوا وتراجعت الروم إلى مواقفهم فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف فضرب فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما وصلى الناس الأولى والعصر إيماء وتضعضع الروم ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم وكان مقاتلهم واسع المطرد ضيق المهرب فلما وجدت خيلهم مذهبا ذهبت وتركوا رجلهم في مصافهم وخرجت خيلهم تشتد بهم في الصحراء وأخر الناس الصلاة حتى صلوا بعد الفتح ولما رأى المسلمون خيل الروم توجهت للهرب أفرجوا لها ولم يحرجوها فذهبت فتفرقت في البلاد وأقبل خالد والمسلمون على الرجل ففضوهم فكأنما هدم بهم حائط فاقتحموا في خندقهم فاقتحمه عليهم فعمدوا إلى الواقوصة حتى هوى فيها المقترنون وغيرهم فمن صبر من المقترنين للقتال هوى به من خشعت نفسه فيهوي الواحد بالعشرة لا يطيقونه كلما هوى اثنان كانت البقية أضعف فتهافت في الواقوصة عشرون ومائة ألف ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق سوى من قتل في المعركة من الخيل والرجل فكان سهم الفارس يومئذ ألفا وخمسمائة وتجلل الفيقار وأشراف من أشراف الروم برانسهم ثم جلسوا وقالوا لا نحب أن نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور وإذ لم نستطع أن نمنع النصرانية فأصيبوا في تزملهم كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان عن خالد وعبادة قالا أصبح خالد في تلك الليلة وهو في رواق تذارق لما دخل الخندق نزله وأحاطت به خيله وقاتل الناس حتى أصبحوا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان الغساني عن أبيه قال قال عكرمة بن أبي جهل يومئذ قاتلت رسول الله صلى الله عليه و سلم في كل موطن وأفر منكم اليوم ثم نادى من يبايع على الموت فبايعه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا وقتلوا إلا من برأ ومنهم ضرار بن الأزور قال وأتي خالد بعدما أصبحوا بعكرمة جريحا فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه وجعل يمسح عن وجوههما ويقطر في حلوقهما الماء ويقول كلا زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عميس عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبي أمامة وكان شهد اليرموك هو وعبادة بن الصامت أن النساء قاتلن يوم اليرموك في جولة فخرجت جويرية ابنة أبي سفيان في جولة وكانت مع زوجها وأصيبت بعد قتال شديد وأصيبت يومئذ عين أبي سفيان فأخرج السهم من عينه أبو حثمة كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد بن أرطاة بن جهيش قال كان الأشتر قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية فخرج يومئذ رجل من الروم فقال من يبارز فخرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين فقال للرومي خذها وأنا الغلام الإيادي فقال الرومي أكثر الله في قومي مثلك أما والله لو أنك من قومي لآزرت الروم فأما الآن فلا أعينهم كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وخالد وكان ممن أصيب في الثلاثة الآلاف الذين أصيبوا يوم اليرموك عكرمة وعمرو بن عكرمة وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد وأبان بن سعيد (2/338)
وأثبت خالد بن سعيد فلا يدري أين مات بعد وجندب بن عمرو بن حممة الدوسي والطفيل بن عمرو وضرار بن الأزور أثبت فبقي وطليب بن عمير بن وهب من بني عبد بن قصي وهبار بن سفيان وهشام بن العاصي كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال لقي خالدا مقدمه الشأم مغيثا لأهل اليرموك رجل من روم العرب فقال يا خالد إن الروم في جمع كثير مائتي ألف أو يزيدون فإن رأيت أن ترجع على حاميتك فافعل فقال خالد أبالروم تخوفني والله لوددت أن الأشقر براء من توجيه وأنهم أضعفوا ضعفهم فهزمهم الله على يديه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد عن أرطاة بن جيش قال قال خالد يومئذ الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلي من عمر والحمد لله الذي ولى عمرا وكان أبغض إلي من أبي بكر ثم ألزمني حبه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو بن ميمون قالوا وقد كان هرقل حج قبل مهزم خالد بن سعيد فحج بيت المقدس فبينا هو مقيم به أتاه الخبر بقرب الجنود منه فجمع الروم وقال أرى من الرأي ألا تقاتلوا هؤلاء القوم وأن تصالحوهم فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجت الشأم وتأخذوا نصفا وتقر لكم جبال الروم خير لكم من أن يبلغوكم على الشأم ويشاركوكم في جبال الروم فنخر أخوه ونخر ختنه وتصدع عنه من كان حوله فلما رآهم يعصونه ويردون عليه بعث أخاه وأمر الأمراء ووجه إلى كل جند جندا فلما اجتمع المسلمون أمرهم بمنزل واحد واسع جامع حصين فنزلوا بالواقوصة وخرج فنزل حمص فلما بلغه أن خالدا قد طلع على سوى وانتسف أهله وأموالهم وعمد إلى بصرى وافتتحها وأباح عذراء قال لجلسائه ألم أقل لكم لا تقاتلوهم فإنه لا قوام لكم مع هؤلاء القوم إن دينهم دين جديد يجدد لهم ثبارهم فلا يقوم لهم أحد حتى يبلى فقالوا قاتل عن دينك ولا تجبن الناس واقض الذي عليك قال وأي شيء أطلب إلا توفير دينكم ولما نزلت جنود المسلمين اليرموك بعث إليهم المسلمون إنا نريد كلام أميركم وملاقاته فدعونا نأته ونكلمه فأبلغوه فأذن لهم فأتاه أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان كالرسول والحارث بن هشام وضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهيل ومع أخي الملك يومئذ ثلاثون رواقا في عسكره وثلاثون سرادقا كلها من ديباج فلما انتهوا إليها أبوا أن يدخلوا عليه فيها وقالوا لا نستحل الحرير فابرز لنا فبرز إلى فرش ممهدة وبلغ ذلك هرقل فقال ألم أقل لكم هذا أول الذل أما الشأم فلا شأم وويل للروم من المولود المشؤوم ولم يتأت بينهم وبين المسلمين صلح فرجع أبو عبيدة وأصحابه واتعدوا فكان القتال حتى جاء الفتح كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مطرح عن القاسم عن أبي أمامة وأبي عثمان عن يزيد بن سنان عن رجال من أهل الشأم ومن أشياخهم قالوا لما كان اليوم الذي تأمر فيه خالد هزم الله الروم مع الليل وصعد المسلمون العقبة وأصابوا ما في العسكر وقتل الله صناديدهم ورؤوسهم وفرسانهم وقتل الله أخا هرقل وأخذ التذارق وانتهت الهزيمة إلى هرقل وهو دون مدينة حمص فارتحل فجعل حمص بينه وبينهم وأمر عليها أميرا وخلفه فيها كما كان أمر على دمشق وأتبع المسلمون الروم حين هزموهم خيولا (2/339)
يثفنونهم ولما صار إلى أبي عبيدة الأمر بعد الهزيمة نادى بالرحيل وارتحل المسلمون بزحفهم حتى وضعوا عساكرهم بمرج الصفر قال أبو أمامة فبعثت طليعة من مرج الصفر معي فارسان حتى دخلت الغوطة فجستها بين أبياتها وشجراتها فقال أحد صاحبي قد بلغت حيث أمرت فانصرف لا تهلكنا فقلت قف مكانك حتى تصبح أو آتيك فسرت حتى دفعت إلى باب المدينة وليس في الأرض أحد ظاهر فنزعت لجام فرسي وعلقت عليها مخلاتها وركزت رمحي ثم وضعت رأسي فلم أشعر إلا بالمفتاح يحرك عند الباب ليفتح فقمت فصليت الغداة ثم ركبت فرسي فحملت عليه فطعنت البواب فقتلته ثم انكفأت راجعا وخرجوا يطلبونني فجعلوا يكفون عني مخافة أن يكون لي كمين فدفعت إلى صاحبي الأدنى الذي أمرته أن يقف فلما رأوه قالوا هذا كمين انتهى إلى كمينه فانصرفوا وسرت أنا وصاحبي حتى دفعنا إلى صاحبنا الثاني فسرنا حتى انتهينا إلى المسلمين وقد عزم أبو عبيدة ألا يبرح حتى يأتيه رأي عمر وأمره فأتاه فرحلوا حتى نزلوا على دمشق وخلف باليرموك بشير بن كعب بن أبي الحميري في خيل كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عبدالله بن سعيد عن أبي سعيد قال قال قباث كنت في الوفد بفتح اليرموك وقد أصبنا خيرا ونفلا كثيرا فمر بنا الدليل على ماء رجل قد كنت اتبعته في الجاهلية حين أدركت وآنست من نفسي لأصيب منه كنت دللت عليه فأتيته فأخبرته فقال قد أصبت فإذا ريبال من ريابلة العرب قد كان يأكل في اليوم عجز جزور بأدمها ومقدار ذلك من غير العجز ما يفضل عنه إلا ما يقوتني وكان يغير على الحي ويدعني قريبا ويقول إذا مر بك راجز يرتجز بكذا وكذا فأنا ذلك فشل معي فمكثت بذلك حتى أقطعني قطيعا من مال وأتيت به أهلي فهو أول مال أصبته ثم إني رأست قومي وبلغت مبلغ رجال العرب فلما مر بنا على ذلك الماء عرفته فسألت عن بيته فلم يعرفوه وقالوا هو حي فأتيت ببنين استفادهم بعدي فأخبرتهم خبري فقالوا اغد علينا غدا فإنه أقرب ما يكون إلى ما تحب بالغداة فغاديتهم فأدخلت عليه فأخرج من خدره فأجلس لي فلم أزل أذكره حتى ذكر وتسمع وجعل يطرب للحديث ويستطعمنيه وطال مجلسنا وثقلنا على صبيانهم ففرقوه ببعض ما كان يفرق منه ليدخل خدره فوافق ذلك عقله فقال قد كنت وما أفزع فقلت أجل فأعطيته ولم أدع أحدا من أهله إلا أصبته بمعروف ثم ارتحلت كتب إلي السري عن سيف عن أبي سعيد المقبري قال قال مروان بن الحكم لقباث أانت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله أكبر مني وأنا أقدم منه قال فما أبعد ذكرك قال خثي الفيل لسنة قال وما أعجب ما رأيت قال رجل من قضاعة إني لما أدركت وآنست من نفسي سألت عن رجل أكون معه وأصيب منه فدللت عليه واقتص هذا الحديث (2/340)
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان أن أبا بكر رحمه الله حين سار القوم خرج مع يزيد بن أبي سفيان يوصيه وأبو بكر يمشي ويزيد راكب فلما فرغ من وصيته قال أقرئك السلام وأستودعك الله ثم انصرف ومضى يزيد فأخذ التبوكية ثم تبعه شرحبيل بن حسنة ثم أبو عبيدة بن الجراح مددا لهما على ربع فسلكوا ذلك الطريق وخرج عمرو بن العاص حتى نزل بغمر العربات ونزلت الروم بثنية جلق بأعلى فلسطين في سبعين ألفا عليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه فكتب عمرو بن العاص إلى أبي بكر يذكر له أمر الروم ويستمده وخرج خالد بن سعيد بن العاصي وهو بمرج الصفر من
أرض الشأم في يوم مطير يستمطر فيه فتعاوى عليه أعلاج الروم فقتلوه وقد كان عمرو بن العاص كتب إلى أبي بكر يذكر له أمر الروم ويستمده قال أبو جعفر وأما أبو زيد فحدثني عن علي بن محمد بالإسناد الذي قد ذكرت قبل أن أبا بكر رحمه الله وجه بعد خروج يزيد بن أبي سفيان موجها إلى الشأم بأيام شرحبيل بن حسنة قال وهو شرحبيل بن عبدالله بن المطاع بن عمرو من كندة ويقال من الأزد فسار في سبعة آلاف ثم أبا عبيدة بن الجراح في سبعة ألاف فنزل يزيد البلقاء ونزل شرحبيل الأردن ويقال بصرى ونزل أبو عبيدة الجابية ثم أمدهم بعمرو بن العاص فنزل بغمر العربات ثم رغب الناس في الجهاد فكانوا يأتون المدينة فيوجههم أبو بكر إلى الشأم فمنهم من يصير مع أبي عبيدة ومنهم من يصير مع يزيد يصير كل قوم مع من أحبوا قالوا فأول صلح كان بالشأم صلح مآب وهي فسطاط ليست بمدينة مر أبو عبيدة بهم في طريقه وهي قرية من البلقاء فقاتلوه ثم سألوه الصلح فصالحهم واجتمع الروم جمعا بالعربة من أرض فلسطين فوجه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي ففض ذلك الجمع قالوا فأول حرب كانت بالشأم بعد سرية أسامة بالعربة ثم أتوا الداثنة ويقال الداثن فهزمهم أبو أمامة الباهلي وقتل بطريقا منهم ثم كانت مرج الصفر استشهد فيها خالد بن سعيد بن العاصي أتاهم أدرنجار في أربعة آلاف وهم غارون فاستشهد خالد وعدة من المسلمين قال أبو جعفر وقيل إن المقتول في هذه الغزوة ان ابنا لخالد بن سعيد وإن خالدا انحاز حين قتل ابنه فوجه أبو بكر خالد بن الوليد أميرا على ا لأمراء الذين بالشأم ضمهم إليه فشخص خالد من الحيرة في ربيع الأخر سنة ثلاث عشرة في ثمانمائة ويقال في خمسمائة واستخلف على عمله المثنى بن حارثة فلقيه عدو بصندوداء فظفر بهم وخلف بها ابن حرام الأنصاري ولقي جمعا بالمصيخ والحصيد عليهم ربيعة بن بجير التغلبي فهزمهم وسبى وغنم وسار ففوز من قراقر إلى سوى فأغار على أهل سوى واكتسح أموالهم وقتل حرقوص بن النعمان البهراني ثم أتى أرك فصالحوه وأتى تدمر فتحصنوا ثم صالحوه ثم أتى القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم وأتى حوارين فقاتلهم فهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم فصالحه بنو مشجعة من قضاعة وأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى ووجه بسر بن أبي أرطاة وحبيب بن مسلمة إلى الغوطة فأتوا كنيسة فسبوا الرجال والنساء وساقوا العيال إلى خالد قال فوافى خالدا كتاب أبي بكر بالحيرة منصرفه من حجه أن سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجوا وأشجوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجاك ولم ينزع الشجى من الناس نزعك فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل وإياك أن تدل بعمل فإن الله عز و جل له المن وهو ولي الجزاء كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عبدالملك بن عطاء عن الهيثم البكائي قال كان أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية عند بعض الذي يبلغهم ويقولون ما شاء معاوية نحن أصحاب ذات السلاسل ويسمون ما بينها وبين الفراض ما يذكرون ما كان بعد احتقارا لما كان بعد فيما كان قبل (2/341)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن ظفر بن دهى ومحمد بن عبدالله عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة والمهلب بن عقبة عن عبدالرحمن بن سياه الأحمري قالوا كان أبو بكر قد وجه خالد بن سعيد بن العاصي إلى الشأم حيث وجه خالد بن الوليد إلى العراق وأوصاه بمثل الذي أوصى به خالدا وإن خالد بن سعيد سار حتى نزل على الشأم ولم يقتحم واستجلب الناس فعز فهابته الروم فأحجموا عنه فلم يصبر على أمر أبي بكر ولكن توردها فاستطردت له الروم حتى أوردوه الصفر ثم تعطفوا عليه بعد ما أمن فوافقوا ابنه سعيد بن خالد مستمطرا فقتلوه هو ومن معه وأتى الخبر خالدا فخرج هاربا حتى يأتي البر فينزل منزلا واجتمعت الروم إلى اليرموك فنزلوا به وقالوا والله لنشغلن أبا بكر في نفسه عن تورد بلادنا بخيوله وكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بالذي كان فكتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص وكان في بلاد قضاعة بالسير إلى اليرموك ففعل وبعث أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وأمر كل واحد منهما بالغارة وألا توغلوا حتى لا يكون وراءكم أحد من عدوكم وقدم عليه شرحبيل بن حسنة بفتح من فتوح خالد فسرحه نحو الشأم في جند وسمىلكل رجل من أمراء الأجناد كورة من كور الشأم فتوافوا باليرموك فلما رأت الروم توافيهم ندموا على الذي ظهر منهم ونسوا الذي كانوا يتوعدون به أبا بكر واهتموا وهمتهم أنفسهم وأشجوهم وشجوا بهم ثم نزلوا الواقوصة وقال أبو بكر والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد فكتب إليه بهذا الكتاب الذي فوق هذا الحديث وأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة على العراق في نصف الناس فإذا فتح الله على المسلمين الشأم فارجع إلى عملك بالعراق وبعث خالد بالأخماس إلا ما نفل منها مع عمير بن سعد الأنصاري وبمسيره إلى الشأم ودعا خالد الأدلة فارتحل من الحيرة سائرا إلى دومة ثم طعن في البر إلى قراقر ثم قال كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم فإني إن استقبلتها حبستني من غياث المسلمين فكلهم قال لا نعرف إلا طريقا لا يحمل الجيوش يأخذه الفذ الراكب فإياك أن تغرر بالمسلمين فعزم عليهم ولم يجبه إلى ذلك إلا رافع بن عميرة على تهيب شديد فقام فيهم فقال لا يختلفن هديكم ولا يضعفن يقينكم واعلموا أن المعونة تأتي على قدر النية والأجر على قدر الحسبة وإن المسلم لا ينبغي له أن يكترث بشيء يقع فيه مع معونة الله له فقالوا له أنت رجل قد جمع الله لك الخير فشأنك فطابقوه ونووا واحتسبوا واشتهوا مثل الذي اشتهى خالد فأمرهم خالد فترووا للشفة لخمس وأمر صاحب كل خيل بقدر ما يسقيها فظمأ كل قائد من الإبل الشرف الجلال ما يكتفي به ثم سقوها العلل بعد النهل ثم صروا آذان الإبل وكعموها وخلوا أدبارها ثم ركبوا من قراقر مفوزين إلى سوى وهي على جانبها الآخر مما يلي الشأم فلما ساروا يوما افتظوا لكل عدة من الخيل عشرا من تلك الإبل فمزجوا ما في كروشها بما كان من الألبان ثم سقوا الخيل وشربوا للشفة جرعا ففعلوا ذلك أربعة أيام كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عن عبيدالله بن محفز بن ثعلبة عمن حدثه من بكر بن وائل أن محرز بن حريش المحاربي قال لخالد اجعل كوكب الصبح على حاجبك الأيمن ثم أمه تفض إلى سوى فكان أدلهم (2/342)
قال أبو جعفر الطبري وشاركهم محمد وطلحة قالوا لما نزل بسوى وخشي أن يفضحهم حر الشمس نادى خالد رافعا ما عندك قال خير أدركتم الرأي وأنتم على الماء وشجعهم وهو متحير أرمد وقال أبها الناس انظروا علمين كأنهما ثديان فأتوا عليهما وقالوا علمان فقام عليهما فقال اضربوا يمنة ويسرة لعوسجة كقعدة الرجل فوجدوا جذمها فقالوا جذم ولا نرى شجرة فقال احتفروا حيث شئتم فاستثاروا أوشالا وأحساء رواء فقال رافع أيها الأمير والله ما وردت هذا الماء منذ ثلاثين سنة وما وردته إلا مرة وأنا غلام مع أبي فاستعدوا ثم أغاروا والقوم لا يرون أن جيشا يقطع إليهم كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن ظفر بن دهى قال فأغار بنا خالد من سوى على مصيخ بهراء بالقصواني ماء من المياه فصبح المصيخ والنمر وإنهم لغارون وإن رفقة لتشرب في وجه الصبح وساقيهم يغنيهم ويقول ... ألا صبحاني قبل جيش أبي بكر ... فضربت عنقه فاختلط دمه بخمره كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد بإسناده الذي تقدم ذكره قال ولما بلغ غسان خروج خالد على سوى وانتسافها وغارته على مصيخ بهراء وانتسافها فاجتمعوا بمرج راهط وبلغ ذلك خالدا وقد خلف ثغور الروم وجنودها مما يلي العراق فصار بينهم وبين اليرموك صمد لهم فخرج من سوى بعدما رجع إليها بسبي بهراء فنزل الرمانتين علمين على الطريق ثم نزل الكثب حتى صار إلى دمشق ثم مرج الصفر فلقي عليه غسان وعليهم الحارث بن الأيهم فانتسف عسكرهم وعيالاتهم ونزل بالمرج أياما وبعث إلى أبي بكر بالأخماس مع بلال بن الحارث المزني ثم خرج من المرج حتى ينزل قناة بصرى فكانت أول مدينة افتتحت بالشأم على يدي خالد فيمن معه من جنود العراق وخرج منها فوافى المسلمين بالواقوصة فنازلهم بها في تسعة آلاف كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب قالوا ولما رجع خالد من حجه وافاه كتاب أبي بكر بالخروج في شطر الناس وأن يخلف على الشطر الباقي المثنى بن حارثة وقال لا تأخذن نجدا إلا خلفت له نجدا فإذا فتح الله عليكم فارددهم إلى العراق وأنت معهم ثم أنت على عملك وأحضر خالد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم واستأثر بهم على المثنى وترك للمثنى أعدادهم من أهل القناعة ممن لم يكن له صحبة ثم نظر فيمن بقي فاختلج من كان قدم على النبي صلى الله عليه و سلم وافدا أو غير وافد وترك للمثنى أعدادهم من أهل القناعة ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر كله في استصحاب نصف الصحابة أو بعض النصف وبالله ما أرجو النصر إلا بهم فأنى تعريني منهم فلما رأى ذلك خالد بعد ما تلكأ عليه أعاضه منهم حتى رضي وكان فيمن أعاضه منهم فرات بن حيان العجلي وبشير بن الخصاصية والحارث بن حسان الذهليان ومعبد بن أم معبد الأسلمي وعبدالله بن أبي أوفى الأسلمي والحارث بن بلال المزني وعاصم بن عمرو التميمي حتى إذا رضي المثنى وأخذ حاجته انجذب خالد فمضى لوجهه وشيعه المثنى إلى قراقر ثم رجع إلى الحيرة في المحرم فأقام في سلطانه ووضع في المسلحة التي كان فيها على السيب أخاه ومكان ضرار بن الخطاب عتيبة بن النهاس ومكان ضرار بن الأزور مسعودا أخاه الآخر وسد أماكن (2/343)
كل من خرج من الأمراء برجال أمثالهم من أهل الغناء ووضع مذعور بن عدي في بعض تلك الأماكن واستقام أهل فارس على رأس سنة من مقدم خالد الحيرة بعد خروج خالد بقليل وذلك في سنة ثلاث عشرة على شهر براز بن أردشير بن شهريار ممن يناسب إلى كسرى ثم إلى سابور فوجه إلى المثنى جندا عظيما عليهم هرمز جاذويه في عشرة آلاف ومعه فيل وكتبت المسالح إلى المثنى بإقباله فخرج المثنى من الحيرة نحوه وضم إليه المسالح وجعل على مجنبتيه المعنى ومسعودا ابني حارثة وأقام له ببابل وأقبل هرمز جاذويه وعلى مجنبتيه الكوكبد والخركبذ وكتب إلى المثنى من شهر براز إلى المثنى إني قد بعثت إليك جندا من وخش أهل فارس إنما هم رعاة الدجاج والخنازير ولست أقاتلك إلا بهم فأجابه المثنى من المثنى إلى شهر براز إنما أنت أحد رجلين إما باغ فذلك شر لك وخير لنا وإما كاذب فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله في الناس الملوك وأما الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اضطررتم إليهم فالحمد لله الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير فجزع أهل فارس من كتابه وقالوا إنما أتي شهر براز من شؤم مولده ولؤم منشئه وكان يسكن ميسان وبعض البلدان شين على من يسكنه وقالوا له جرأت علينا عدونا بالذي كتبت به إليهم فإذا كاتبت أحدا فاستشر فالتقوا ببابل فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا على الطريق الأول قتالا شديدا ثم إن المثنى وناسا من المسلمين اعتوروا الفيل وقد كان يفرق بين الصفوف والكراديس فأصابوا مقتله فقتلوه وهزموا أهل فارس واتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى جازوا بهم مسالحهم فأقاموا فيها وتتبع الطلب الفالة حتى انتهوا إلى المدائن وفي ذلك يقول عبدة بن الطبيب السعدي وكان عبدة قد هاجر لمهاجرة حليلة له حتى شهد وقعة بابل فلما آيسته رجع إلى البادية فقال ... هل حبل خولة بعد البين موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول ... وللأحبة أيام تذكرها ... وللنوى قبل يوم البين تأويل ... حلت خويلة في حي عهدتهم ... دون المدائن فيها الديك والفيل ... يقارعون رؤوس العجم ضاحية ... منهم فوارس لا عزل ولا ميل ... (2/344)
القصيدة وقال الفرزدق يعدد بيوتات بكر بن وائل وذكر المثنى وقتله الفيل ... وبيت المثنى قاتل الفيل عنوة ... ببابل إذ في فارس ملك بابل ...
ومات شهر براز منهزم هرمز جاذويه واختلف أهل فارس وبقي ما دون دجلة وبرس من السواد في يدي المثنى والمسلمين ثم إن أهل فارس اجتمعوا بعد شهر براز على دخت زنان ابنة كسرى فلم ينفذ لها أمر فخلعت وملك سابور بن شهر براز قالوا ولما ملك سابور بن شهر براز قام بأمره الفرخزاذ بن البندوان فسأله أن يزوجه آزرميدخت ابنة كسرى ففعل فغضبت من ذلك وقالت يا بن عم أتزوجني عبدي قال استحيي من هذا الكلام ولا تعيديه علي فإنه زوجك فبعثت إلى سياوخش الرازي وكان من فتاك الأعاجم فشكت إليه الذي تخاف فقال لها إن كنت كارهة لهذا فلا تعاوديه فيه وأرسلي إليه وقولي له فليقل له فليأتك فأنا أكفيكه ففعلت وفعل واستعد سياوخش فلما كان ليلة العرس أقبل الفرخزاذ حتى دخل فثار
به سياوخش فقتله ومن معه ثم نهد بها معه إلى سابور فحضرته ثم دخلوا عليه فقتلوه وملكت آزرميدخت بنت كسرى وتشاغلوا بذلك وأبطأ خبر أبي بكر على المسلمين فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية ووضع مكانه في المسالح سعيد بن مرة العجلي وخرج المثنى نحو أبي بكر ليخبره خبر المسلمين والمشركين وليستأذنه في الاستعانة بمن قد ظهرت توبته وندمه من أهل الردة ممن يستطعمه الغزو وليخبره أنه لم يخلف أحدا أنشط إلى قتال فارس وحربها ومعونة المهاجرين منهم فقدم المدينة وأبو بكر مريض وقد كان مرض أبي بكر بعد مخرج خالد إلى الشأم مرضته التي مات فيها بأشهر فقدم المثنى وقد أشفى وعقد لعمر فأخبره الخبر فقال علي بعمر فجاء فقال له اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به إني لأرجو أن أموت من يومي هذا وذلك يوم الاثنين فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس مع المثنى ولا تشغلنكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم ووصية ربكم وقد رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وما صنعت ولم يصب الخلق بمثله وبالله لو أني أني عن أمر رسوله لخذلنا ولعاقبنا فاضطرمت المدينة نارا وإن فتح الله على أمراء الشأم فاردد أصحاب خالد إلى العراق فإنهم أهله وولاة أمره وحده وأهل الضراوة منهم والجراءة عليهم ومات أبو بكر رحمه الله مع الليل فدفنه عمر ليلا وصلى عليه في المسجد وندب الناس مع المثنى بعدما سوي على أبي بكر وقال عمر كان أبو بكر قد علم أنه يسوءني أن أؤمر خالدا على حرب العراق حين أمرني بصرف أصحابي وترك ذكره قال أبو جعفر وإلى آزرميدخت انتهى شأن أبي بكر وأحد شقي السواد في سلطانه ثم مات وتشاغل أهل فارس فيما بينهم عن إزالة المسلمين عن السواد فيما بين ملك أبي بكر إلى قيام عمر ورجوع المثنى مع أبي عبيد إلى العراق والجمهور من جند أهل العراق بالحيرة والمسالح بالسيب والغارات تنتهي بهم إلى شاطئ دجلة ودجلة حجاز بين العرب والعجم فهذا حديث العراق في إمارة أبي بكر من مبتدئه إلى منتهاه رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق وكتب أبو بكر إلى خالد وهوبالحيرة يأمره أن يمد أهل الشأم بمن معه من أهل القوة ويخرج فيهم ويستخلف على ضعفة الناس رجلا منهم فلما أتى خالدا كتاب أبي بكر بذلك قال خالد هذا عمل الأعيسر بن أم شملة يعني عمر بن الخطاب حسدني أن يكون فتح العراق على يدي فسار خالد بأهل القوة من الناس ورد الضعفاء والنساء إلى المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر عليهم عمير بن سعد الأنصاري واستخلف خالد على من أسلم بالعراق من ربيعة وغيرهم المثنى بن حارثة الشيباني ثم سار حتى نزل على عين التمر فأغار على أهلها فأصاب منهم ورابط حصنا بها فيه مقاتلة كان كسرى وضعهم فيه حتى استنزلهم فضرب أعناقهم وسبى من عين التمر ومن أبناء تلك المرابطة سبايا كثيرة فبعث بها إلى أبي بكر فكان من تلك السبايا أبو عمرة مولى شبان وهو أبو عبدالأعلى بن أبي عمرة وأبو عبيدة مولى المعلى من الأنصار من بني زريق وأبو عبدالله مولى زهرة وخير مولى أبي داود الأنصاري ثم أحد بني مازن بن النجار ويسار وهو جد محمد بن إسحاق مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ثم أحد بني مالك بن النجار وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان وقتل خالد بن الوليد هلال بن (2/345)
عقة بن بشر النمري وصلبه بعين التمر ثم أراد السير مفوزا من قراقر وهو ماء لكلب إلى سوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليال فلم يهتد خالد الطريق فالتمس دليلا فدل على رافع بن عميرة الطائي فقال له خالد انطلق بالناس فقال له رافع إنك لن تطيق ذلك بالخيل والأثقال والله إن الراكب المفرد ليخافها على نفسه وما يسلكها إلا مغررا إنها لخمس ليال جياد لا يصاب فيها ماء مع مضلتها فقال له خالد ويحك إنه والله إن لي بد من ذلك إنه قد أتتني من الأمير عزمة بذلك فمر بأمرك قال استكثروا من الماء من استطاع منكم أن يصر أذن ناقته على ماء فليفعل فإنها المهالك إلا ما دفع الله ابغني عشرين جزورا عظاماسمانا مسان فأتاه بهن خالد فعمد إليهن رافع فظمأهن حتى إذا أجهدهن عطشا أوردهن فشربن حتى إذا تملأن عمد إليهن فقطع مشافرهن ثم كعمهن لئلا يجتررن ثم أخلى أدبارهن ثم قال لخالد سر فسار خالد معه مغذا بالخيول والأثقال فكلما نزل منزلا افتظ أربعا من تلك الشوارف فأخذ ما في أكراشها فسقاه الخيل ثم شرب الناس مما حملوا معهم من الماء فلما خشي خالد علىأصحابه في آخر يوم من المفازة قال لرافع بن عميرة وهو أرمد ويحك يا رافع ما عندك قال أدركت الري إن شاء الله فلما دنا من العلمين قال للناس انظروا هل ترون شجيرة من عوسج كقعدة الرجل قالوا ما نراها قال إنا لله وإنا إليه راجعون هلكتم والله إذا وهلكت لا أبالكم انظروا فطلبوا فوجدوها قد قطعت وبقيت منها بقية فلما رآها المسلمون كبروا وكبر رافع بن عميرة ثم قال احفروا في أصلها فحفرا فاستخرجوا عينا فشربوا حتى روي الناس فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل فقال رافع والله ما رودت هذا الماء قط إلا مرة واحدة وردته مع أبي وأنا غلام فقال شاعر من المسلمين ... لله علينا رافع أنى اهتدى ... فوز من قراقر إلى سوى ... خمسا إذا ما سارها الجيش بكى ... ما سارها قبلك إنسي يرى ... (2/346)
فلما انتهى خالد إلى سوى أغار على أهله وهم بهراء قبيل الصبح وناس منهم يشربون خمرا لهم في جفنة قد اجتمعوا عليها ومغنيهم يقول ... ألا عللاني قبل جيش أبي بكر ... لعل منايانا قريب وما ندري ... ألا عللاني بالزجاج وكررا ... علي كميت اللون صافية تجري ... ألا عللاني من سلافة قهوة ... تسلي هموم النفس من جيد الخمر ... أظن خيول المسلمين وخالدا ... ستطرقكم قبل الصباح من البشر ... فهل لكم في السير قبل قتالهم ... وقبل خروج المعصرات من الخدر ...
فيزعمون أن مغنيهم ذلك قتل تحت الغارة فسال دمه في تلك الجفنة ثم سار خالد على وجهه ذلك حتى أغار على غسان بمرج راهط ثم سار حتى نزل على قناة بصرى وعليها أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان فاجتمعوا عليها فرابطوها حتى صالحت بصرى على الجزية وفتحها الله على المسلمين فكانت أول مدينة من مدائن الشأم فتحت في خلافة أبي بكر ثم ساروا جميعا إلى فلسطين مددا لعمرو بن العاص وعمرو مقيم بالعربات من غور فلسطين وسمعت الروم بها فانكشفوا عن جلق إلى أجنادين وعليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه وأجنادين بلد بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين وسار
عمرو بن العاص حين سمع بأبي عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان حتى لقيهم فاجتمعوا بأجنادين حتى عسكروا عليهم (2/347)
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير أنه قال كان على الروم رجل منهم يقال له القبقلار وكان هرقل استخلفه على أمراء الشأم حين سار إلى القسطنطينية وإليه انصرف تذارق بمن معه من الروم فأما علماء الشأم فيزعمون أنما كان على الروم تذارق والله أعلم
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال لما تدانى العسكران بعث القبقلار رجلا عربيا قال فحدثت أن ذلك الرجل رجل من قضاعة من تزيد بن حيدان يقال له ابن هزارف فقال ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوما وليلة ثم ائتني بخبرهم قال فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر فأقام فيهم يوما وليلة ثم أتاه فقال له ما وراءك قال بالليل رهبان وبالنهار فرسان ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده ولو زنى رجم لإقامة الحق فيهم فقال له القبقلار لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ولوددت أن حظي من الله أن يخلي بيني وبينهم فلا ينصروني عليهم ولا ينصرهم علي قال ثم تزاحف الناس فاقتتلوا فلما رأى القبقلار ما رأى من قتال المسلمين قال للروم لفوا رأسي بثوب قالوا له لم قال يوم لبئيس لا أحب أن أراه ما رأيت في الدنيا يوما أشد من هذا قال فاحتز المسلمن رأسه وإنه لملفف وكانت وقعة أجنادين في سنة ثلاث عشرة لليلتين بقيتا من جمادى الأول وقتل يومئذ من المسلمين جماعة منهم سلمة بن هشام بن المغيرة وهبار بن الأسود بن عبدالأسد ونعيم بن عبدالله النحام وهشام بن العاصي بن وائل وجماعة أخر من قريش قال ولم يسم لنا من الأنصار أحد أصيب بها وفيها توفي أبو بكر لثمان ليال بقين أو سبع بقين من جمادى الآخرة رجع الحديث إلى حديث أبي زيد عن علي بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره قال وأتى خالد دمشق فجمع له صاحب بصرى فسار إليه هو وأبو عبيدة فلقيهم أدرنجا فظفر بهم وهزمهم فدخلوا حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم على كل رأس دينار في كل عام وجريب حنطة ثم رجع العدو للمسلمين فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين فالتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة فظهر المسلمون وهزم الله المشركين وقتل خليفة هرقل واستشهد رجال من المسلمين ثم رجع هرقل للمسلمين فالتقوا بالواقوصة فقاتلوهم وقاتلهم العدو وجاءتهم وفاة أبي بكر وهم مصافون وولاية أبي عبيدة وكانت هذه الوقعة في رجب
حدثني أبو زيد عن علي بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره قالوا توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة في جمادىالآخرة يوم الاثنين لثمان بقين منه قالوا وكان سبب وفاته أن اليهود سمته في أرزة ويقال في جذيذة وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم كف وقال لأبي بكر أكلت طعاما مسموما سم سنة فمات بعد سنة ومرض خمسة عشر يوما فقيل له لو أرسلت إلى الطبيب فقال قد رآني قالوا فما قال لك قال إني أفعل ما أشاء