صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم |
ولهم بالمراكب صاعان يعطون بأحدهما جرايات الملاحين ويتعاملون بالكبير. وأرطالهم بمكة هو المن المعروف في جميع بلاد الاسلام غير أنهم يسمونه رطلاً، ورطل يثرب إلى قرح مائتا درهم، ورطل اليمن بغدادي، ولعمان المن، وبقية الإقليم بغدادي، ولهم البهار وهو ثلاثمائة رطل. (1/34)
ونقودهم مختلفة، لأهل مكة المطوقة وهي والعثرية ثلثا المثقال تؤخذ كدراهم اليمن عدداً وتفصل العثرية حتى ربما كان بينهما دريهم، ودينار عدن فيمة سبعة دراهم وهو ثلثا البغوي تزن ولا تعد، ودينار عمان ثلاثون غير أنه يوزن. والدراهم المستعملة في الإقليم تسمى بمكة المحمدية، ولأهل مكة المزبقة أربعة وعشرون بمطوق ضعف أختمى تبطل يوم السادس من ذي الحجه إلى آخر الموسم، ولأهل اليمن العلوية تختلف باختلاف البلدان حتى ربما بطلت، في بعضها قيمة أربعة منها درهم وزنته حول الدانق ولهم قروض ربما غلت فصارت ثلاثة بدانق وربما صارت أربعة، ولأهل عمان الطسوه.
الرسوم في هذا الإقليم لبس الوزر والأزر بلا قميص إلا القليل،وبمخا يعيبون على من يتزر إنما هو أزار واحد يلتف فيه. ويختمون في رمضان في الصلاة ثم يدعون ويركعون، وصليت بهم التراويح بعدن فدعوت بعد السلام فتعجبوا من ذلك، وأمر ابن حازم وابن جابر أن أحضر مسجديهما فافعل ذلك. أكثر ما يوقدون مصابيحهم بالصيفة وهو دهن السمك، يحمل من مهرة، ونورتهم سوداء مثل الماخالقة، وباليمن يلزقون الدروج ويبطنون الدفاتر بالنشاء، وبعث إلي أمير عدن مصحفاً أجلده، فسألت عن الاشراس بالعطارين فلم يعرفوه ودلوني على المحتسب وقالوا عساه يعرفه، فلما سألته، قال: من أين أنت، قلت: من فلسطين، قال: أنت من بلدة الرخاء لو كان لهم أشراس لأكلوه عليك بالنشاء.
ويعجبهم التجليد الحسن ويبذلون فيه الأجرة الوافرة وربما كنت أعطى على المصحف دينارين. ويزينون بعدن السطوح قبل رمضان بيومين ويضربون عليها الدبادب، فإذا دخل رمضان اجتمع رفق يدورون عند السحر يقرأون القصائد إلى آخر الليل، فإذا قرب العيد جبوا الناس، ويتخذون في النيروز قباباً يدورون بها على المباشرين ومعهم الطبول فيجمعون مالاً جزيلاً، وبمكة تنصب القباب ليلة الفطر ويزين السوق بين الصفا والمروة، ويضربون الدبادب إلى الصباح، وإذا صلوا الغداة أقبلن الولائد مزينات بيدهن المراوح يطفن بالبيت، ويرتبون خمسة أئمة في التراويح يصلون ترويحة ويطوفون أسبوعاً، والمؤذنون يكبرون ويهللون ثم يضرب الفرقاعيات كما تضرب عند الصلوات فيتقدم الأمام الآخر، يصلون العشاء إذا مضى من الليل الثلث ويفرغون إذا بقى الثلث، ثم ينادى بالسحور على أبي قبيس، ولا يرى أحسن من مزي أهل مكة في خروجهم إلى الحج في أن أحدهم ينوبه في ذلك ما ينوب العراقي.
ومياه هذا الإقليم مختلفة، ماء عدن وقناة مكة وماء زبيد ويثرب خفيف، وماء غلافقة قاتل، وماء قرح وينبع ردي، وسائر المياه متقاربة، وحججت سنة - 56 - فرأيت ماء زمزم كريهاً، ثم عدت سنة 67 فوجدته طيباً، وأكثر مياه السواحل عذيبيات. فإن قال قائل ومن أين علمت خفة المياه وثقلها قيل له بأربعة أشياء أحداهن: أن كل ماء يبرد سريعاً فهو خفيف، وما رأيت أسرع برودة من ماء تيماء وأريحا، وهما أخف مياه الاسلام، فمن هذا أستنبطت هذا الوجه، ثم صح لي بكثرة التجارب. والثانية أن الماء الخفيف يبطئ تحلبه، ومن شرب ماءً ثقيلاً أسرع بوله. والثالثة الماء الخفيف يشهي الطعام ويهضمه، والرابعة إذا أردت أن تعرف ماء بلد فاذهب إلى البزازين والعطارين، فتصفح وجوههم فإن رأيت فيها الماء فاعلم خفته على قدر ما ترى من نضارتهم، وأن رأيتها كوجوه الموتى ورأيتهم مطامنى الرؤوس فعجل الخروج منها.
والمضار بمكة باذنجان يمرض، وبالمدينة كراث يتولد منه خروج عرق المديني.
المعادن اللؤلؤ في هذا الإقليم بحدود هجريغاص عليه في البحر بازاء اوال وجزيرة خارك، ومن ثم خرجث درة اليتيم يكترى رجال يغوصون فيخرجون صدفاً، اللؤلؤ وسطها، وأشد شيء عليهم حوت يثب إلى عيونهم وفائدة من تعاطاه بينة. ومن أراد العقيق أشترى قطعة أرض بموضع بصنعاء ثم حفر فربما خرج له شبه صخرة وأقل وربما لم يخرج شيء. بين ينبع والمروة معادن ذهب. العنبر يقع على حافة البحرمن عدن إلى مخا ومن وجه زيلع أيضاً، كل من وجد منه شيئاً قل أو كثر حمله إلى صاحب السلطان ودفعه إليه وأخذ شقة وديناراً، ولا يقع إلا وقت هبوب ريح الآيب ولم يصح لي ما العنبر. ودم الاخوين قبال الجحفة. (1/35)
يقع عصبيات بين الخياطين وهم شيعة والجزارين وهم سنة، بمكة عصبيات وحروب، وبين الحماحميين والملاحيين بعدن عداوات وحروب، وبين السنة والشيعة بينبع وبين البجة والحبوش والنوبة بزبيد تقع العجائب، وبين الجزارين والأعراب باليمامة وقد بلغ من أمرهم أن اقتسموا الجامع ويقولون، للغريب كن من أينا شئت وإلا فاخرج.
والمشاهد بمكة مولد النبي صلى الله عليه وسلم في المحامليين، ودار الاربعين بالبزازين، ودار خديجة خلف العطارين، غار ثور على فرسخ أسفل مكة، وحراء من نحو منى، وغار آخر خلف أبي قبيس، جبل قعيقعان محاذي أبي قبيس، وبالحرم قبر ميمونة على طريق جدة، وفي الثنية قبر الفضيل وسفيان بن عيينة ووهيب بن الورد. بين المسجدين عدة مشاهد للنبي وعلي، مسجد الشجرة بذي الحليفة، وشجرة بقبا وحجر فاطمة. قبر هود عم بالاحقاف على الساحل.
الموضع الذي يخرج منه النار بعدن جبل في البحر، وخلف البلد مسجد أبان، مخلاف معاذ خلف مخا، ثم مسجد البئر المعطلة والقصر المشيد في مخلاف البون وفي مخلاف مرمل، من مخلاف صنعاء خرجت النار التي أحرقت جنة المقسمين. بئر عثمان على طريق الشام. عند العرج جبل قالوا أن جبريل شق فيه للنبي صلى الله عليه وسلم وقت هجرته طريقاً إلى المدينة. وقعت نار بين المروة والحوراء فكان يقد كما يقد الفحم. بيوت الفارهين بالحجر عجيبة على أبوابها عقود وطروح ونقوش. الطاغية مدينة خربة خلف خيم أم معبد. بالسروات قلاع عجيبة. كمران جزيرة في البحر فيها مدينة ولهم ماء حلو تسمى العقل بها حبوس ملك اليمن.
وفي أخلاق أهل مكة جفاء، ولا ظرف لأهل اليمن. أهل عمان يطففون ويخسرون ويفسقون. الزنا بعدن ظاهر. أهل الاحقاف نواصب غتم، والحجاز بلد فقير قحط.
والقبائل تأخذ من السروات نحو الشام فتقع في أرض الأغر بن هيثم ثم تخرج إلى ديار يعلى بن أبي يعلى ثم إلى سردد ثم ألى ديار عنز وائل في بني غزية ثم تقع في ديار جرش والعتل وجلاجل ثم إلى ديار الشقرة بها خثعم ثم في ديار الحرث بلد يقال له ذنوب وإسم ساحلها الشرى ثم في شكر وعامر ثم في بجيلة ثم في فهم ثم في بني عاصم ثم في عدوان ثم في بني سلول ثم في مطار وبها معدن البرام ثم في بلاد برمة منها الأبرقة وحصن المهيا ثم أنت بالفلج. وولايات هذا الإقليم متقطعة أما الحجاز أبداً فلصاحب مصر لأجل الميرة، واليمن لآل زياد وأصلهم من همدان، وابن طرف له عثر، وعلى صنعاء أمير غير أن ابن زياد يحمل اليه أموالاً ليخطب اليه وربما أخرجت عدن عن أيديهم، وال قحطان في الجبال وهم أقدم ملوك اليمن، والعلوية على صعدة يخطبون لآل زياد وهم أعدل الناس، وعمان للديلم، وهجر للقرامطة وعلى الأحقاف أمير منهم.
والضرائب والمكوس يؤخذ بجدة من كل حمل حنطة نصف دينار وكيل من فرد الزاملة، وعلى سفط ثياب الشطوي ثلاث دنانير، ومن سفط الدبيقي ديناران، وحمل الصوف ديناران، وبعثر على كل حمل دينار، وعلى سلة الزعفران دينار، وكذلك على رؤوس الرقيق هذا ممن خرج، وكذلك بالسرين على من أجتاز، وبكمران أيضاً، وبعدن يقوم الأمتعة بالزكاوية ثم يؤخذ عشرها عثرية، وقدروا أنه يصل إلى خزانة السلطان ثلث أموال التجار، وثم تفتيش صعب، ومكس بلدان السواحل هين إلا غلافقة.
والمراصد البرية من قلود جدة بالقرين وبطن مر نصف دينار نصف دينار، وعلى باب زبيد من حمل المسك دينار ومن حمل البز نصف دينار، وبقية المراصد تعطى درهماً علوية، وصاحب صعدة لا يأخذ ضريبة من أحد وإنما يأخذ ربع العشر من التجار.
والجزيرة عشرية يؤخذ بعمان من كل نخلة درهم. ووجدت في كتاب ابن خرداذبة خراج اليمن ستمائة ألف دينار فلا أدري ما أراد بذلك ولم أر ذلك في كتاب الخراج بل المعروف أن جزيرة العرب عشرية، وكانت ولاية اليمن في القديم مقسومة على ثلاثة أعمال: واالٍ على الجند ومخاليفها وآخر على صنعاء ومخاليفها والثالث على حضرموت ومخاليفها. وذكر قدامة بن جعفر الكاتب أن ارتفاع الحرمين مائة ألف دينار، اليمن ستمائة ألف دينار، واليمامة والبحرين خمسمائة وعشرة آلاف دينار، وعمان ثلاثمائة ألف دينار. (1/36)
وأهل هذا الإقليم أصحاب قناعة ونحافة يتقوتون باليسير من الطعام ويتجوزون بالخفيف من الثياب، وقد أكرمهم الله تعالى بخير الثمار وسيدة الأشجار التمر والنخل. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن احمد بقصبة أرجان، قال: حدثنا القاضي الحسن بن عبد الرحمان بن خلاد، قال: حدثنا موسى بن الحسين، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا مسرور بن سفيان التميمي عن الأوزاعي عن عروة بن رويم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس من الشجر شجرة تلقح غيرها، واطعموا نساءكم إذا ولدن الرطب فإن لم يكن رطب فالتمر الحديث.
وأما المسمافات فاعلم أن الواو للجمع، وثم للترتيب، وأو للتخيير. فإذا قلنا إلى فلانة وفلانة فإنهما في موضع واحد مثل خليص وأمج ومزينان وبهمن أباذ، فإن قلنا ثم أردنا العطف على الذي قبله كقولنا إلى ا بطن مر ثم إلى عسفان إلى غزة ثم إلى رفح، فإن قلنا أو فقد رجعنا إلى الذي قبل هذا الآخر كقولنا من الرملة إلى إيليا أو إلى عسقلان، من شيراز إلى جويم أو إلى صاهه. وقد جعلنا المراحل ستة فراسخ وسبعة فإن زادت نقطنا على الهاء نقطتين فإن جاوزت العشرة نقطنا تحت اللام نقطتين فإن نقصت عن الستة نقطت ا فوق الهاء نقطة. تأخذ من مكة إلى بطن مر مرحلة ثم إلى عسفان مرحلة ثم إلى خليص وأمج مرحلة ثم إلى الخيم مرحلة ثم إلى الجحفة مرحلة ثم إلى الأبواء مرحلة ثم إلى سقيا بني غفار مرحلة ثم إلى العرج مرحلة ثم إلى الروحاء مرحلة ثم إلى رويثة مرحلة ثم إلى يثرب مرحلة. وتأخذ من مكة إلى يلملم مرحلة ثم إلى قرن مرحلة ثم إلى السرين مرحلة. تأخذ من مكة إلى بستان بني عامر مرحلة ثم إلى ذات عرق مرحلة ثم إلى الغمرة مرحلة. وتأخذ من مكة إلى قرين مرحلة ثم إلى جدة مرحلة ومن بطن مر إلى جدة مرحلة. وتأخذ من الجحفة إلى بدر مرحلة ثم إلى الصفراء والمعلاة مرحلة ثم إلى الروحاء مرحلة. وتأخذ من بدر إلى ينبع مرحلتين ثم إلى رأس العين مرحلة ثم إلى المعدن مرحلة ثم إلى المروة مرحلتين. ونأخذ من بدر إلى الجار مرحلة ثم إلى الجحفة أوينبع مرحلتين مرحلتين. وتأخذ من جدة إلى الجار أو السرين أربعاً أربعاً. وتأخذ من يثرب إلى السويدية أو الى بطن النخل مرحلتين مرحلتين ومن السويدية إلى المروة مثلها ومن بطن النخل إلى معدن النقر ة مثلها. فإن أردت جادة مصر فخذ من المروة إلى السقيا ثم إلى بدا يعقوب ثلاثاً تم إلى العونيد مرحلة. وإن أردت الشام فخذ من السقيا إلى وادي القرى مرحلة ثم إلى الحجر مرحلة ثم إلى تيماء ثلاث مراحل. وإن أردت مكة في جادة الكوفة فخذ من زبالة وهي عامرة واسعة الماء إلى الشقوق 21 ميلاً ثم إلى البطان 29 ميلاً ثم إلى الثعلبية 29 ميلاً هي ثلث الطريق عامرة كثيرة البرك بها آبار عذيبية ثم إلى الخزيمية 32 ميلاً ثم إلى أجفر 24 ميلاً ثم إلى فيد 36 ميلاً مدينة بحصنين عامرة واسعة الماء، ثم إلى توز وهي نصف الطريق 31 ميلاً ثم إلى سميراء 20 ميلاً برك وماءٌ واسع ومزارع والماء عذيبي ثم إلى حاجر 33 ميلاً ثم إلى معدن النقرة 34 ميلاً بها حصن وماءٌ ضعيف وموضع وحش، ثم إلى المغيثة 33 ميلاً ثم إلى الربذة 24 ميلاً ماءٌ زعاق وموضع خراب، ثم إلى معدن بني سليم 24 ميلاً ثم إلى السليلة 26 ميلاً ثم إلى العمق 21 ميلاً بها آبار عجيبة والماء غير واسعٍ، ثم إلى الأفيعية 32 ميلاً ثم إلى المسلح 34 ميلاً بها برك والماء واسع، ثم إلى غمرة 18 ميلاً الماء واسع. وإن أردتها من البصرة فخذ من البصرة إلى الحفير 18 ميلاً ثم إلى الرحيل 28 ميلاً ثم إلى الشجي 27 ميلاً ثم إلى حفر أبي موسى 26 ثم إلى ماوية 32 ثم إلى ذات العشر 29 ثم إلى الينسوعة 23 ثم إلى السمينة 29 ثم إلى القريتين 22 اثم إلى النباج 23 ثم إلى العوسجة 29 ثم إلى رامة. ثم إلى إمرة 27 ثم إلى طخفة 26 ثم إلى ضرية 18 ثم إلى جديلة 32 ثم إلى فلجة 32 ثم إلى الدثينة 26 ثم إلى قبا 27 ثم إلى الشبيكة 27 ثم إلى وجرة 40 ثم إلى ذات عرق 27 الجميع سبعمائة ميل. وأما جادة الغرب فتأخذ من ويلة إلى شرف ذي النمل مرحلة ثم إلى مدين مرحلة ثم إلى الاعراء مرحلة ثم إلى منزل مرحلة ثم إلى الكلاية مرحلة ثم إلى شغب مرحلة ثم إلى بداً مرحلة ثم إلى السرحتين ثم إلى البيضاء ثم إلى وادي القرى. والطريق المستعمل اليوم من شرف ذي النمل إلى الصلا ثم إلى النبك ثم إلى ضبة ثم إلى العونيد ثم إلى الرحبة ثم إلى منخوس ثم إلى البحيرة ثم إلى الأحساء ثم إلى العشيرة ثم إلى الجار ثم إلى بدر. وإن أردتها من عمان فخذ من صحار إلى نزوة ثم إلى عجلة 30 ميلاً ثم إلى عضوة 24 ميلاً هوحصن ثم إلى بئر السلاح 30 ميلاً ثم إلى مكة 21 يوماً فيها أربع مياه وثمان في رملة. وإن أردتها من هجر فخذ من الأحساء إلى.ومن أرادها من صنعاء أخذ إلى الريدة مرحلة ثم إلى أثافت ثم إلى خيوان ثم إلى الأعمشية ثم إلى صعدة ثم إلى غرفة ثم إلى المهجرة ثم إلى شروراح ثم إلى الثجة ثم إلى كثبة ثم (1/37)
إلى يبنبم على 8 أميال من جرش ثم إلى بنات جرم مرحلة ثم إلى جسداء ثم إلى بيشة ثم إلى تبالة ثم إلى رنية ثم إلى كدى ثم إلى صفر ثم إلى تربة ثم إلى الفتق ثم إلى الجدد ثم إلى الغمرة وطريقها القاصدة على الطائف ولم أسلكها. ومن مكة إلى الطائف طريقان تأخذ من بئر ابن المرتفع مرحلة ثم إلى قرن مرحلة ثم إلى الطائف مرحلة والاخرى على عرفات مرحلتين في الجبل. ومن أرادها من ويلة وهي طريق حجاج الغرب كلها طرق عدة، أما طريق الساحل فتأخذ من ويلة إلى شرف البعل مرحلة ثم إلى الصلا مرحلة ثم إلى النبك مرحلة ثم إلى ضبه مرحلة ثم إلى عونيد مرحلة ثم إلى الرحبة مرحلة ثم إلى منخوس مرحلة ثم إلى البحيرة مرحلة ثم إلى الاحساء مرحلة. ثم إلى الاعراء مرحلة ثم إلى الكلاية مرحلة ثم إلى شغب مرحلة ثم إلى بداً مرحلة ثم إلى السرحتين مرحلة ثم إلى البيضاء مرحلة ثم إلى قرح مرحلة ثم إلى سقيا يزيد مرحلة. وأما طريق اليمن فلا أكاد أضبط مراحلها كغيرها من الكور غير أني أذكر ما عرفت وأجمل ما سمعت فمن صنعاء إلى صداء 42 فرسخاً، ومن صنعاء إلى حضرموت 74 فرسخاً، ومن صنعاء إلى ذمار 16 فرسخاً، ثم إلى نسفان وكحلان مرحلة ثم إلى حجر وبدر25 فرسخاً، ثم إلى عدن 24 فرسخاً، ومن ذمار إلى يحصب مرحلة ثم إلى السحول مرحلة ثم إلى الثجة مثلها ثم إلى الجند مثلها ومن صنعاء إلى الجند 48 فرسخاً، ومن صنعاء إلى العرف مرحلة ثم إلى ألهان 15 فراسخ ثم إلى جبلان 14 ثم إلى زبيد 12، ومن صنعاء إلى شبام مرحلة ومن صنعاء إلى عثر 10 مراحل ومن عدن إلى أبين 3 فراسخ.لى يبنبم على 8 أميال من جرش ثم إلى بنات جرم مرحلة ثم إلى جسداء ثم إلى بيشة ثم إلى تبالة ثم إلى رنية ثم إلى كدى ثم إلى صفر ثم إلى تربة ثم إلى الفتق ثم إلى الجدد ثم إلى الغمرة وطريقها القاصدة على الطائف ولم أسلكها. ومن مكة إلى الطائف طريقان تأخذ من بئر ابن المرتفع مرحلة ثم إلى قرن مرحلة ثم إلى الطائف مرحلة والاخرى على عرفات مرحلتين في الجبل. ومن أرادها من ويلة وهي طريق حجاج الغرب كلها طرق عدة، أما طريق الساحل فتأخذ من ويلة إلى شرف البعل مرحلة ثم إلى الصلا مرحلة ثم إلى النبك مرحلة ثم إلى ضبه مرحلة ثم إلى عونيد مرحلة ثم إلى الرحبة مرحلة ثم إلى منخوس مرحلة ثم إلى البحيرة مرحلة ثم إلى الاحساء مرحلة. ثم إلى الاعراء مرحلة ثم إلى الكلاية مرحلة ثم إلى شغب مرحلة ثم إلى بداً مرحلة ثم إلى السرحتين مرحلة ثم إلى البيضاء مرحلة ثم إلى قرح مرحلة ثم إلى سقيا يزيد مرحلة. وأما طريق اليمن فلا أكاد أضبط مراحلها كغيرها من الكور غير أني أذكر ما عرفت وأجمل ما سمعت فمن صنعاء إلى صداء 42 فرسخاً، ومن صنعاء إلى حضرموت 74 فرسخاً، ومن صنعاء إلى ذمار 16 فرسخاً، ثم إلى نسفان وكحلان مرحلة ثم إلى حجر وبدر25 فرسخاً، ثم إلى عدن 24 فرسخاً، ومن ذمار إلى يحصب مرحلة ثم إلى السحول مرحلة ثم إلى الثجة مثلها ثم إلى الجند مثلها ومن صنعاء إلى الجند 48 فرسخاً، ومن صنعاء إلى العرف مرحلة ثم إلى ألهان 15 فراسخ ثم إلى جبلان 14 ثم إلى زبيد 12، ومن صنعاء إلى شبام مرحلة ومن صنعاء إلى عثر 10 مراحل ومن عدن إلى أبين 3 فراسخ. (1/38)
إقليم العراق
هذا إقليم الظرفاء، ومنبع العلماء. لطيف الماء، عجيب الهواء، ومختار الخلفاء. أخرج أبا حنيفة فقيه الفقهاء، وسفيان سيد القراء. ومنه كان أبو عبيدة والفراء، وأبو عمرو صاحب المقراء. وحمزة والكسائي وكل فقيه ومقريء وأديب، وسري وحكيم وداه وزاهد ونجيب، وظريف ولبيب. به مولد ابراهيم الخليل، وإليه رحل كل صحابي جليل. أليس به البصرة التي قوبلت بالدنيا، وبغداد الممدوحة في الورى، والكوفة الجليلة وسامرا، ونهره من الجنة بلا مرا. وتمور البصرة فلا تنسى، ومفاخره كثيرة لا تحصى. وبحر الصين يمس طرفه الأقصى، والبادية إلى جانبه كما ترى. والفرات بقربه من حيث جرى، غير أنه بيت الفتن والغلا. وهو في كل يوم إلى وراء، و.، الجور والضرائب في جهد بلاء. مع ثمار قليلة، وفواحش كثيرة، ومؤن ثقيلة. وهذا شكله ومثاله والله أعلم وأحكم. وقد جعلناه ست كور وناحية، وكانت الكور في القديم غير هذه إلا حلوان، ولكنا أبداً نجري الأمر على ما عليه الناس، وأدخلنا الكور القديمة والقصبات في الاجناد وأسم هذه الكور والقصبات واحد فأولها من قبل ديار العرب الكوفة ثم البصرة ثم واسط ثم بغداد ثم حلوان ثم سامرا. فأما الكوفة فمن مدنها: حمام ابن عمر، الجامعين، سورا، النيل، القادسية، عين التمر. وأما البصرة فمن مدنها: الأبلة، شق عثمان، زبان، بدران، بيان، نهر الملك دبا، نهر الامير أبو الخصيب، سليمانان، عبادان، المطوعة، والقندل، المفتح، الجعفرية. وأما واسط فمن مدنها: فم الصلح، درمكان، قراقبة، سيادة، باذبين، السكر، الطيب، قرقوب، قرية ا لرمل، نهر تيرى، لهبان، بسامية أودسة. وأما بغداد فمن مدنها: النهروان، بردان، كارة، الدسكرة، طراستان، ها رونية، جلولا، باجسري، با قبة، إسكاف، بوهرز، كلواذى، درزيجان، المداين، كيل، سيب، دير العاقول، النعمانية، جرجرايا، جبل، نهر سابس، عبرتا، بابل، عبدس، قصر هبيرة. وأما حلوان فمن مدنها: خانقين، زبوجان، شلاشان، الجامد، الحر، السيروان، بندنيجان. وأما سامرا فمن مدنها: الكرخ، عكبرا، الدور، الجامعين، بت راذانان، قصر الجص، جوى، أيوا نا، بريقا، سند ية، راقفروبة، دمما، الأنبار، هيت، تكريت، 1 لسن. فإن قال قائل لم جعلت بابل في الجند وإليها كان ينسب الإقليم في القديم، ألا ترى أن الجيهاني ابتدأ بذكر هذه النواحي وسماها إقليم بابل، وكذلك سماها وهب في المبتدأ وغيره من العلماء. قيل له قد تحرزنا من هذا السؤال. ونظائره بأنا أجرينا علمنا على التعارف كاالإيمان، ألا ترى أن رجلاً لو حلف أن لا يأكل رؤوساً فأكل من رؤوس البقر والغنم حنث. وقال أبو يوسف ومحمد لا يحنث، وسمعت الأئمة من مشايخنا يقولون لا نعد هذا خلافاً بينهم لأن في وقت أبي حنيفة كانت تباع وتؤكل ثم زالت تلك العادة في زمانهما. وقد شققنا الاسلام طولاً وعرضاً فما سمعنا الناس يقولون ألا هذا إقليم العراق وأكثر الناس لا يعلمون أين بابل، ألا ترى إلى جواب أبي بكر لعمر لما سأله أن يبعث جيوشه إلى هذه الناحية فقال: لان يفتح الله على يدي شبرا من الأرض المقدسة أحب إلى من رستاق من رساتيق العراق ولم يقل من رساتيق بابل. فإن قال في قول الله تعالى: " وما أنزل على الملكين ببابل " دليل على ماذكرنا قيل له هذا الاسم قد يجوز أن يتناول الإقليم والمدينة جميعاً، ووقوعه على المدينة مجمع عليه، لأن أحداً لا ينازع أحداً في اسمها، وفي وقوعه على الإقليم اختلاف فمن أوقعه عليه وجب عليه الدليل. (1/39)
الكوفة: قصبة جليلة خفيفة حسنة البناء جليلة الاسواق كثيرة الخيرات جامعة رفقة. مصرها سعد بن أبي وقاص أيام عمر، وكل رمل خالطه حصى فهو كوفة ألا ترى إلى أرضها، وكان البلد في القديم الحيرة وقد خربت. وأول من نزلها من الصحابة علي بن أبي طالب، وتبعه عبد الله بن مسعود وأبو الدرداء ثم تتابعوا كلها. والجامع على ناحية الشرق على أساطين طوال من الحجار الموصلة بهى حسن، والنهر على طرفها من قبل بغداد. ولهم آبار عذيبية حولها نخيل وبساتين، ولهم حياض وقني. محلة الكناسة: من قبل البادية، وهو بلد مختلٌ قد خرب أطرافه وقد كان نظير بغداد. والقادسية: مدينة على سيف البادية، تعمر أيام الحاج ويحمل إليها كل خير، لها بابان وحصن طين، وقد شق لهم نهر من الفرات إلى حوض على باب بغداد، وثم عيون عذيبية وماءٌ آخر يجرونه عند باب البادية أيام الحاج، وهي سوق واحد الجامع فيه. سورا: مدينة بها فواكه كثيرة وأعناب، آهلة وسائر المدن صغار آهلات. عين التمر: حصينة في أهلها شرهٌ. (1/40)
البصرة: قصبة سرية أحدثها المسلمون أيام عمر، كتب إلى صاحبه ابن للمسلمين مدينةً بين فارس وديار العرب وحد العراق على بحر الصين، فاتفقوا على موضع البصرة، ونزلها العرب ألا تراها إلى اليوم خططاً، ثم مصرها عتبة بن غزوان، وهي شبه طيلسان قد شق إليها من دجلة نهران نهر الابلة ونهر معقل، فإذا اجتمعا مدا عليها، وتشعب إليها أنهار إلى ناحية عبادان وناحية المذار، فطولها ممتد على النهر، ودورها في البر إلى البادية، ولها من هذا الوجه باب واحد، وهي من النهر إلى الباب نحو ثلاثة أميال. وبها ثلاثة جوامع أحدها في الاسواق بهيٌ جليل عامر آهل ليس بالعراق مثله على أساطين مبيضة، وجامع آخر على باب البادية وهو كان القديم، وآخر على طرف البلد. وأسواقها ثلاث قطع الكلاء على النهر، وسوق الكبير، وباب الجامع، وكل أسواقها حسنة. والبلد أعجب إلى من بغداد لرفقها وكثرة الصالحين بها. وكنت بمجلس جمع فقهاء بغداد ومشايخها فتذاكروا بغداد والبصرة فتفرقوا على أنه إذا جمعت عمارات بغداد وأندر خرابها لم تكن أكبر من البصرة. وقد خرب طرف البصرة البري. واشتق اسمها من الحجارة السود كان يثقل بها مراكب اليمن فتلقى ثم وقيل لا بل حجارة رخوة تضرب إلى البياض، وقال قطرب من الأرض الغليظة. وحماماتها طيبة والأسماك والتمور بها كثيرة ذات لحم وخضر وأقطان وألبان وعلوم وتجارات، غيرأنها ضيقة الماء، منقلبة الهواء عفنة عجيبة الفتن. الأبلة: على دجلة عند فم نهر البصرة من قبل الشمال، الجامع أعلى القرية، عامرة كبيرة أرفق من البصرة وأرحب. شق عثمان: بازائها من نحو الجنوب، الجامع في آخرها حسن. وسائر المدن على أنهار من جانبي دجلة عن يمين وشمال وجنوب وشمال، كلهن جليلات كبار. غبادان: مدينة في جزيرة بين دجلة العراق ونهر خوزستان على البحر، ليس وراءها بلد ولا قرية ا إلا البحر، فيها رباطات وعباد وصالحون وأكثرهم صناع الحصر من الحلفاء، غير أن الماء بها ضيق والبحر عليها مطبق. واسط: قصبة عظيمة ذات جانبين وجامعين وجسر بينهما، كثيرة الخير ومعدن السمك، جامع الحجاج وقبته في الغربي في طرف الأسواق بعيد عن الشط متشعث عامر بالقرآن، اختطها الحجاج وسميت واسط لأنها بين قصبات العراق وبين الأهواز، رفقة صحيحة الهواء عذبة الماء حسنة الأسواق واسعة السواد، وقد جعل في طرفي الجسر موضعان يدخل فيهما السفن، وفيهم ظرف. وسائر مدنها صغار مختلة أعمرها الطيب وقرقوب، إلا أن ناحيتها جيدة. الصليق: مدينة على بحيرة طولها أربعون فرسخاً، يتصل ضياعها بسواد الكوفة، شديدة الحر كربة بليذة بقٌ مهلك وعيش ضيق، أدامهم السمك وماؤهم حميم وليلهم عذاب وعقلهم سخيف ولسانهم قبيح مع ملح قليل وكرب عظيم، إلا أنها معدن الدقيق وسلطان رفيق وماءٌ غزير وسمك خطير واسم كبير، وفي الحرب كل صبور وبالنهركل بصير، ولهم موضع يشاكل نهر الأبلة حسن. يليها في الكبر الجامدة وهما من دجلة على ناحية وسائر المدن دونهما، وهذه البطائح بحيرات ومياه ثم مزارع، وللعراق منها رفق عظيم.
بغداد: مصر الاسلام، وبها مدينة السلام. ولهم الخصائص والظرافة، والقرائح واللطافة، هواءٌ رقيق، وعلم دقيق. كل جيد بها، وكل حسن فيها. وكل حاذق منها، وكل ظرف لها. وكل قلب إليها، وكل حرب عليها، وكل ذب عنها. هي أشهر من أن توصف وأحسن من أن تنعت وأعلى من أن تمدح. أحدثها أبو العباس السفاح ثم بنى المنصور بها مدينة السلام وزاد فيها الخلفاء من بعده. ولما أراد بناء مدينة السلام سأل عن شتائها وصيفها والأمطار والبق والهواء، وأمر رجالاً حتى يناموا فيها فصول السنة حتى عرفوا ذلك ثم استشار أهل الرأي من أهلها فقالوا نرى أن تنزل أربع طساسيج في الجانب الشرقي بوق وكلواذي، وفي الغربي قطربل وبادوريا، فتكون بين نخل وقرب ماءٍ، فإن أجدب طسوج أو أخرت عمارته كان في الآخر فرج، وأنت على الصراة تجيئك الميرة في السفن الفراتية، والقوافل من مصر والشام في البادية، وتجيئك آلات من الصين في البحر، ومن الروم والموصل في دجلة، فأنت بين أنهار لا يصل إليك العدو إلا في سفينة أو على قنطرة على دجلة وفرات. فبناها أربع قطع مدينة السلام وبادوريا والرصاقة وموضع دار الخليفة اليوم. وكانت أحسن شيء للمسلمين وأجل بلدٍ وفوق ما وصفنا حتى ضعف أمر الخلفاء فاختلت، وخف أهلها، فأما المدينة فخراب، والجامع فيها يعمر في الجمع، ثم يتخللها بعد ذلك الخراب. اعمر موضع بها قطيعة الربيع والكرخ في الجانب الغربي، وفي الشرقي باب الطاق وموضع دار الأمير، والعمارات والأسواق بالغربي أكثر، والجسر عند باب الطاق إلى جانبه بيمارستان بناه عضد الدولة، حصل في كل طسوج مما ذكرنا جامع، وهي في كل يوم إلى ورا، وأخشى أنها تعود كسامرا. مع كثرة الفساد والجهل والفسق وجور السلطان. أخبرنا أبو بكر الاسماعيلي بجرجان، قال: حدثنا ابن ناجية، قال: حدثنا ابراهيم الترجماني، قال: حدثنا سيف بن محمد، قال: حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي، قال: كنت مع جرير بن عبد الله (1/41)
فقال: أي شيءٍ يدعى هذا النهر، قالوا: دجلة، قال: فهذا النهر الآخر، قالوا: دجيل. قال: فهذا النهر، قالوا: صراة، قال: النخل، قا لوا: قطربل، قال: فركب فرسه وأسرع ثم قال: سمعت رسمول الله صلى الله عليه وسلم يقول تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة تجبي إليها خزائن الأرض وجبابرتها يخسف بهم فهم أسرع هوياً في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة ه. وأنهار الفرات تقلب في دجلة في جنوبيها وما حاذى المدينة وما شماليها دجلة حسب. وتجرى في هذه الشعب الفراتية السفن إلى الكوفة وفي دجلة إلى الموصل. وذكر الشمشاطي في تاريخه أن المنصور لما أراد بناء مدينة السلام، أحضر أكبر من عرف من أهل الفقه والعدالة والأمانة والمعرفة بالهندسة، وكان فيهم أبو جنيفة النعمان ابن ثابت والحجاج بن أرطاة، وحشر الصناع والفعلة من الشام والموصل والجبل وسائر أعماله وأمر بخطها وحفر الأساسات في سنة 145 وتمت في سنة 49. وجعل عرض السور من أسفل خمسين ذراعاً، وجعلها بثمانية أبواب أربعة داخلة صغار وأربعة خارجة كبار، باب البصرة وباب الشام وباب خراسان وباب الكوفة، وجعل الجامع والقصر وسطها، وقبلة جامع الرصافة أصح منه. ووجدت في بعض خزائن الخلفاء أن المنصور أنفق على مدينة السلام أربعة آلاف ألف ئمانمائة وثلاثة وثلاثين درهماً، لأن أجرة الاستاذ كانت قيراطاً والروزكاري حبتين. النهروان: مدينة ذات جانبين الشرقي أعمر، رحبة عامرة، بينهما الجسر الجامع في الجانب الشرقي، والحاج ينزلون على هذا الشط. الدسكرة: مدينة صغيرة، سوقها واحد طويل الجامع أسفله غامٌ بآزاج. جلولا: حولها أشجار غير حصينة، وهذه المدن وخانقين على جادة حلوان ليس لهن بهاءٌ ولا هن لائقات ببغداد. صرصر: إيضاً كبعض قرى فلسطين، النهر إلى جانبها وكذلك نهر الملك والضراة قرى. وأما قصر هبيرة فمدينة كبيرة جيدة الأسواق، يجيئهم الماء من الفرات، كثيرة الحاكة واليهود والجامع في السوق. بابل: صغيرة نائية عن الطريق، والجادة على جسرها. وسائر مدن هذا الوجه على ما وصفنا مثل النيل وعبدس وكوثا ومدينة ابراهيم كوثاربا. وثم تلال قالوا هي رماد نار نمرود، وبقرب كوثا الطريق شبه منارة لهم فيها كلام. وليس على دجلة من نحو واسط مدينة أجل من دير العاقول كبيرة عامرة آهلة، الجامع ناءٍ عن السوق والأسواق متشعبة جيدة تشاكل مدن فلسطين. تليها في الكبر جبل عامرة. آهلة الجامع في السوق لطيف. ثم النعمانية صغيرة الجامع في السوق. ثم جرجرايا وقد كانت عظيمة، وهي اليوم مختلة متقطعة العمارة الجامع بقرب الساحل عامر، ولهم ماءٌ يدور حول قطعة من المدينة. وهذه المدن التي ذكرنا على غربي دجلة وسائر المدن صغار. وفي وجه سامرا مدينة عكبرا وهي كبيرة عامرة، كثيرة الفواكه جيدة الاعناب سرية. وأما المداين فهي من نحو واسط عامرة بناؤهم من الآجر والجامع في السوق. ومن نحو الشرق أسبانبر ثم قبر سلمان وايوان كسرى. فهذه مدن بغداد، وبخراسان قرى كثيرة أجل من أكثر هذه المدن. (1/42)
سامرا: كانت مصراً عظيماً ومستقر الخلفاء في القديم، اختطها المعمصم وزاد فيها بعده المتوكل، وصارت مرحلة، وكانت عجيبة حسنة حتى سميت سرور من رأى ثم اختصر فقيل سرمري، وبها جامع كبير كان يختار على جامع دمشق قد لبست حيطانه بالميناء وجعلت فيه اساطين الرخام وفرش به وله منارة طويلة وأمور متقنة وكانت بلداً جليلاً والآن قد خربت، يسير الرجل الميلين والثلاثة لا يرى عمارة وهي من الجانب الشرقي وفي الغربي بساتين، وكان قد بنى ثم كعبة وجعل طوافاً واتخذ منى وعرفات، غربه أمراء كانوا معه لما طلبوا الحج خشية أن يفارقوه، فلما خربت وصارت إلى ما ذكرنا سميت ساء من رأي ثم اختصرت فقيل سامرا. الكرخ: مدينة متصلة بها، واعمر منها من نحو الموصل، وسمعت يوماً القاضي أبا الحسين القزويني يقول: ما أخرجت بغداد فقيهاً قط إلا أبا موسى الضرير، قلت: فأبو الحسن الكرخي، قال: لم يكن من كرخ بغداد وإنما كان من كرخ سامرا. الأنبار: مدينة كبيرة أول ما نزل المنصور بها وثم داره وقد خفت. هيت: كبيرة عليها سور على الفرات بقرب البادية. تكريت: كبيرة معدن السمسم وصناع الصوف، وللنصارى بها دير يقصد. علث. مدينة كبيرة يجر إليها نهر من دجلة وآبارها قريبة حلوة آهلة كثيرة الاجلة. السن: كبيرة على دجلة عليها من الشرق نهر الزاب والجامع في الأسواق بناؤهم حجارة والجبال منها قريبة على تخوم أقور. ومدن سامرا أجل من مدن بغداد. (1/43)
حلوان: قصبة صغيرة سهلية جبلية يحيط بها بساتين وأعناب وتين، قريبة من الجبال ولها سوق طويل وحصن عتيق ونهر صغير وقهندز فيه الجامع، ولها ثمانية دروب: درب خراسان درب الباقات درب المصلى درب اليهود درب بغداد درب برقيط درب اليهودية درب ماجكان. وثم كنيسة اليهود يعظمونها خارج البلد من الجص والحجارة، وبيت المقدس أكبر وأجل وأعمر وأظرف وأكثر مشايخ وعلماء منها. ومدائن هذه الكورة صغارخراب لا يسوى ذكرها. وأما دجلة: فإنها ماءٌ أنثى، لطيف جيد للمتفقهة، وكان أبو بكر الجصاص يأمر أن يحمل له لماء من فوق نهر الصراة قبل أن يلقاه الفرات، وهذه دجلة تظهر من أقور، وسنذكر أصلها فيه، ثم يلقاها عدة من الأنهار في هذا الإقليم وينحدر عليها من الفرات بكورة بغداد أربعة أنهار: الصراة نهر عيسى نهر صرصر نهر الملك، ويلقاها من الشرق مياه النهروانات تحت بغداد، فإذا جاوزت واسط تبطحت وصعب سلوكها إلى تخوم البصرة، والسفن فيها أبداً شبالاً وزقافاً ولهم في ذلك رفق. والناس ببغداد يذهبون ويجيئون ويعبرون في السفن وترى لهم جلبة وضوضاءً، وثلثا طيب بغداد فى ذلك الشط.
وأما الفرات: فإنه نهر ذكرٌ، فيه صلابة وأصله من بلد الروم، يتقوس على طائفة من هذا الإقليم ثم يصل إلى الكوفة بعد ما تشعب ثم ينحدر إلى غربي واسط فيتبطح في بحيرة عظيمة يحيط بها قرى عامرة ولا يجاوزها، وتجري فيه السفن من الرقة. وأعلم أن العراق ليس ببلد رخاءٍ ولكن جل وعمر بهذين النهرين وما يحمل فيهما وببحر الصين المجاور له، واختصت بغداد برقة الهواء الذي لا يرى مثله، بلى قل في البصرة ما شئت من مياهها وبركها ومدها وجزرها. أخبرنا أبو الحسن مطهر بن محمد برامهرمز، قال: حدثنا أحمد بن عمروبن زكرياء، قال: حدثنا الحسن بن علي بن بحر، قال: حدثنا أبو شعيب القيسي، قال: حدثني أشرس، قال: سألت ابن عباس عن الجزر والمد، قال: ملك موكل بقاموس البحر أذا وضع رجله فاض فإذا رفع رجله غاض الماء، والجزر والمد أعجوبة على أهل البصرة ونعمة يزورهم الماء في كل يوم وليلة مرتين، ويدخل الأنهار ويسقي البساتين ويحمل السفن إلى القرى. فإذا جزر أفاد أيضاً عمل الأرحية لأنها على أفواه الأنهار، فإذا خرج الماء أدارها، ويبلغ المد إلى حدود البطائح وله وقت يدور مع دور الاهلة.
جمل شؤون هذا الإقليم
هواء هذا الإقليم مختلف، فبغداد وواسط وما دخل في هذا الصقع بلد رقيق
الهواء سريع الانقلاب ربما توهج في الصيف وآذى ثم انقلب سريعاً، والكوفة بخلافه، ويكون بالبصرة حر عظيم، غير أن الشمال ربما هبت فطاب. وقرأت في أخبار البصرة عيشنا في البصرة عيش ظريف، أن هبت شمال فنحن في طيب وريف، وإن كانت جنوب فانا في كنيف. ورأيتهم إذا كانت جنوب في ضيق صدر، يلقى الرجل صاحبه فيقول ألا ترى ما نحن فيه فيجيبه نرجو من الله الفرج، وربما نزل عليهم شبيه الدبس بالليل. وحلوان معتدلة الهواء، البطائح نعوذ بالله منها ومن شاهدها في الصيف رأى العجب، إنما ينامون في الكلل، وثم بق له حمة كالإبرة إنما هي نحيرة. (1/44)
والمدينة كثيرة الفقهاء والقراء والأدباء والأئمة والملوك بخاصية بغداد والبصرة وللمذكرين به أدنى صيت، ويحمل إليهم الثلج من البعد وهو بارد في الشتاء ربما جمد الماء في البصرة وجميع بغداد، وأهل الكوفة والبصرة سمر. وبه مجوس كثيرة وذمته نصارى ويهود، وقد حصل به عدة من المذاهب الغلبة ببغداد للحنابلة والشيعة، مع جليلة فقهاء العراقين بالأعوام، به مالكية وأشعرية ومعتزلة ونجارية، وبالكوفة الشيعة إلا الكناسة فإنها سنة، وبالبصرة مجالس وعوام السالمية وهو قوم يدعون الكلام والزهد وأكثر المذكرين بها منهم ولا يتعاطون الفقه فمن تفقه منهم تفقه لمالك، وذكروا أن صاحبهم ابن سالم كان يتفقه لأبي حنيفة، وسالم كان غلام سهل بن عبد الله التستري، ورأيتهم قوماً فيهم رزق وصالحون إلا أنهم يفرطون في أطراء صاحبهم، وقد اختلفت إليهم المدة المديدة وعرفت سرائرهم وحللت من قلوبهم لأني رجل أحب أهل النسك وأميل إلى أهل الزهد كائناً ما كانوا، ولهم رقة في الكلام وتصانيف وترفع مجالسهم وبعد خلافهم. وأكثر أهل البصرة قدرية وشيعة وثم حنابلة، وببغداد غالية يفرطون في حب معاوية ومشبهة وبربهارية. وكنت يوماً بجامع واسط وإذا برجل قد اجتمع عليه الناس، فدنوت منه فإذا هو يقول حدثنا فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يدني معاوية يوم القيامة فيجلسه إلى جنبه ويغلفه بيده ثم يجلوه على الخلق كالعروس، فقلت له بماذا بمحاربته علياً رضي الله عن معاوية، وكذبت أنت يا ضال، فقال: خذوا هذا الرافضي فاقبل الناس علي فعرفني بعض الكتبة فكركرهم عني.
والغالب على فقهاء هذا الإقليم وقضاته أصحاب أبي حنيفة. وكنت يوماً في مجلس أبي محمد السيرافي، فقال: أنت رجل شاميٌ وأهل ناحيتك أصحاب حديث يتفقهون للشافعي فلم تفقهت لأبي حنيفة، قلت: لخلال ثلاثٍ أيد الله الفقيه، قال: وما هن، قلت: أما واحدة فأني رأيت اعتماده على قول علي رضي الله عنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا مدينة العلم وعليٌ بابها وقال أقضاكم علي يعني افقهكم، وعلى قول عبد الله بن مسعود وقال عم رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد وقال كنيف ملئ علماً وقال خذوا ثلثي دينكم عن ابن أم عبد وعلم أهل الكوفة عن هذين الرجلين لا محالة. والخلة الثانية رأيته أقدم الأئمة وأقربهم إلى الصحابة وأورعهم وأعبدهم، وقد قال: عليكم بالعتيق وقال النبي صلى الله عليه وسلم " خياركم القرن الذي أنا فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب وكان في زمن الصدق والصادقين " . والخلة الثالثة رأيت الجميع قد فارقوه في مسألة أصاب فيها عياناً واخطأوا، قال: وما هي، قلت: قد علم الشيخ أن من مذهبه أنه لا يجوز أخذ الأجرة على القرب، ورأيت من حج بأجرة انتكس قلبه، فإن عاد أزداد نكوساً وقل ورعه حتى ربما أخذ الحجتين والثلاث ولم أر لهم بركة ولا جمعوا منه مالاً قط، وكذلك الأئمة والمؤذنون ونظائرهم، لأنهم استحقوا أجرهم على الله فأخذوه من خلقه، قال: لقد دققعت النظر يا مقدسي واحتطت لنفسك، فإن قال قائل أبو حنيفة مطعون عليه قيل له إعلم أن الخلق على ثلاثة ضروبٍ: ضرب قد اجمع الناس على سدادهم وضرب قد اجمع الجمهور على فسادهم وضرب قد مدحهم بعضٌ وذمهم بعض وهم أفضل الثلاثة فخذ قياسهم من الصحابة. فالمحمودون ابن مسعود ومعاذ وزيد، والمذمومون عبد الله بن أبي، والأفضلون الخلفاء الأربعة. وقد علمت ما يقول فيهم الخوارج وجهال الشيعة، فأبو حنيفة إن كان طائفة من الحمقى يذمونه فخلائق من أهل الفضل يدعون له ويحمدونه مع ما فتح الله على قلبه حتى فرع الشريعة واراح الخليقة ثم اختياره الضرب والسجن على القضاء فمثل أبي حنيفة لايرى.
والقراءات السبع مستعملة في الإقليم وكانت في القديم ببغداد حروف حمزة وحروف يعقوب الحضرمي بالبصرة ورأيت أبا بكر الجرتكي يؤم بها في الجامع ويذكر أنها قراءة المشايخ. ولغاتهم مختلفة أصحها الكوفية لقربهم من البادية وبعدهم عن النبط ثم هي بعد ذلك حسنة فاسدة بخاصة بغداد. وأما البطائح فنبط لا لسان ولا عقل. ولا بأس بالتجارات فيه، ألم تسمع بخز البصرة وبزها وطرائفها وبأرزها، هي معدن اللآلي والجواهر وفرضة البحر ومطرح البر وبها يصنع الراسخت والزنجفر والزنجار والمرداسنج، ومنها تحمل التمور إلى الأطراف والحناء ولهم خزٌ وبنفسج وماورد. وبالأبلة تعمل ثياب الكتان الرفيعة على عمل القصب. وبالكوفة عمائم الخز والبنفسج في غاية الجودة. وبمدينة السلام الطرائف وألوان ثياب القز وغير ذلك وبه عبادانيٌ حسن وسامان رفيع. ومن خصائصهم بنفسج الكوفة وأزاذها، ومحكم بغداد وطرائفها، ومعقلى البصرة، وتين حلوان، وشيم واسط وبنيها، ويصنع بالنعمانية أكسية وثياب صوف عسلية حسنة، وببغداد أزر وعمائم يكانكي رفيعة ومناديل القصرية والبويبية، وصوف تكريت، والستور الواسطية. ومكاييلهم القفيز ثلاثون منا، والمكوك خمسة امناء، والكيلجة منوان، ورطلهم نصف المن. ونقودهم بالوزن غير أن سنجهم أشف من الخراسانية. من رسومهم التجمل والتطيلس يكثرون التنعل وتسطيل العمائم ولبس الشروب أقل ما يقورون الطيالسة. وإذا كان بوقت حمل التمر الحديث إلى واسط نظر أول سفينة تصل فيزين لها ذلك البيع الشط إلى دكانه بالأنماط والستور. ويجعلون على جنائز النساء قباباً عالية وحشةً. وللهراسين مواضع فوق دكاكينهم فيها الحصر والموائد والمري خدام وطشوت وأباريق وأشنان، فإذا انحدر الرجل دفع دانقاً. وإذا كان أول البنفسج داروا به في الأسواف وتجملوا عليه. وعلى أبواب الجامع مياضيء بالكرى. ويلبس الخطباء الأقبية والمناطق ولا يطربون في الأذان ولهم رسوم كثيرة حسان. (1/45)
وأكثر مياههم ماء دجلة والفرات والزاب والنهروانات ومنها سقي مزارعهم، والماء بالبصرة ضيق لأنه يحمل في السفن من الأبلة، وأما الماء الملاصق لها فغيرحلو ولا طيب ويقال فيه ثلثه ماء البحر وثلثه ماء الجزر وثلثه ماخ الحجر لأن الماء إذا جزر شمرت شطوط الأنهار فبلذ الناس عليها ثم يقبل المد فيحمل تلك البلاذات. وإذا هبت الجنوب سخن الماء. تقع عصبإت وحشة بالبصرة بين الربعيين وهم شيعة وبين السعديين وهم سنة، ويدخل فيها أهل الرساتيق، وقل بلد إلا وبه عصبيات على غير المذهب. والمشاهد به كثيرة بكوثا ولد ابراهيم واوقدت ناره، وبالكوفة بنى نوح سفينته وفارتنوره، وثم آثارات علي وقبره وقبرالحسين ومقتله. وبالبصرة قبر طلحة وزبير وأخي النبي والحسن البصري وأنس بن مالك وعمران بن حصين وسفيان الثوري ومالك بن دينار وعتبة الغلام ومحمد بن واسع وصالح المري وأيوب السختياني وسهل التستري ورابعة العدوية وثم قبر ابن سالم. وببغداد قبر أبي حنيفة قد بنى عليه أبو جعفر الزمام صفة، وقبر إلى جانبه خلف سوق يحيى وقبر أبي يوسف في مقبرة قريش وقبرأحمد بن حنبل ومعروف الكرخي وبشر الحافي وغيرهم. وقبر سلمان بالمداين، وبالكوفة قبر نبي أظنه يونس عليه السلام. وفي أخلاقهم وطاءٌ وهم أهل الظرف غير أن العيارين إذا تحركوا ببغداد هلكوا والفساد كثير، وبالبصرة صالحون وزهاد وورعون ومستورون ويؤخرون الظهر ويعجلون العصر ويستقرون بالجامع ليجتمع الناس من الأطراف ويخطب الإمام كل غداة ويدعو، قالوا هي سنة ابن عباس رضي الله عنه. وأما الولايات فهي مستقر خلفاء ولد العباس رضي الله عنه وكان أبداً الأمر أمرهم حتى ضعفوا وغلب عليهم الديلم والآن لا يرون ولا يلتفت إلى رأيهم. فأولهم كان أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، بويع له سنة 132 ومات سنة 36 بالأنبار، وكان قاضيه يحيى بن سعيد الأنصاري. ثم بويع للمنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد سنة 136 ومات سنة 158، وكان قاضيه عبيد الله بن صفوان وشريك والحسن بن عمارة. ثم جلس بعده المهدي أبو عبد الله بن المنصور سنة 158، وكان قاضيه محمد بن عبد الله بن علاقة وعافية ابن يزيد توفي سنة 169. وبويع للهادي أبي محمد موسى بن المهدي، وكان قاضيه أبو يوسف وسعيد بن عبد الرحمن توفي سنة 70. وجلس بعده الرشيد أبو جعفر هرون بن المهدي ليلة الجمعة رابع عشر ربيع الأول سنة 170، قاضيه الحسين بن الحسن الصوفي ثم عون بن عبد الله المسعودي وحفص بن غياث مات بطوس سنة 193. فبويع الأمين محمد ابنه لسبع خلون من جمادي الآخرة سنة 193 ثم خرج إليه أخوه المأمون فقتله وبويع له سنة 198، قضاته الواقدي ومحمد بن عبد الرحمان المخزومي ثم بشر بن الوليد ثم يحيى بن أكثم وتوفي سنة 218 بطرسوس. وبويع لأبي إسحاق محمد بن الرشيد المعتصم، قاضية أحمد بن أبي دوأد ومات سنة 227. ثم بويع لأبنه أبي جعفر هرون، قاضيه أحمد بن أبي دوأد توفي سنة 232. فبويع لأخيه أبي الفضل جعفر المتوكل، قاضيه جعفربن عبد الواحد الهاشمي وتوفي سنة 247. فبويع لأبنه المنتصر أبي جعفر محمد، قاضيه جعفر بن عبد الواحد توفي سنة 248. ثم بويع لأبنه أبي العباس أحمد المستعين، قاضيه جعفربن محمد ابن عمار، ثم خلع نفسه بعد ثلاث سنين وثمانية أشهر. وبويع للمعتز بن المتوكل، قاضيه الحسن بن محمد بن أبي الشوارب. ثم بويع للمعتمد أبي العباس أحمد بن المتوكل سنة 56، قاضيه ابن أبي الشوارب ومات سنة 79. ثم بويع لأبنه أبي العباس أحمد بن أبي أحمد المعتضد، قاضيه إسماعيل بن إسحاق ويوسف بن يعقوب وابن أبي الشوارب توفي سنة 89. ثم بويع ابنه أبو محمد علي المكتفي، قاضيه يوسف بن يعقوب وابنه محمد توفي سنة95. ثم بويع ابنه أبو الفضل جعفر المقتدر بالله، قاضيه محمد بن يوسف بن يعقوب ثم ابنه يوسف ثم يعقوب أبو عمرو قتل سنة 320. ثم جلس القاهر سنة وستة أشهر ثم الراضي سبع سنين وعشرة أيام ثم المتقي ثلاث سنين واحد عشر شهراً. ثم المستكفي سنة 333، قاضيه أبو عبد الله ابن أبي موسى الضرير ثم كحل سنة 334. واجلسوا المطيع أبا القاسم الفضل، وكل هؤلاء أبناء المعتضد، فبقي له الأمر إلى سنة 363. ثم خلع نفسه وأجلس إبنه عبد الكريم أبا بكر الطائع، قاضيه أبو محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف. وأول من أستولى من الديلم أبو الحسن ابن (1/46)
بويه ثم إبنه بختيار ثم عضد الدولة ثم إبنه بلكارزار ثم إبنه الأكبر أبو الفوارس. وأما الخراج فاعلم أن جربان هذا الإقليم ستة وثلاثون ألف ألف جريب، على جريب الحنطة أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمان، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، هذا ما قدره عمر وختم على خمسمائة ألف من الجوالي، فبلغ جباية السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم. ثم جبا عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم. وجبا الحجاج ثمانية عشر ألف ألف ليس فيها مائة ألف ألف. وأما البصرة والكوفة فعشرية. وقرأت في كتاب بخزانة عضد الدولة أن إثمان غوال السواد ستة وثمانون ألف ألف وسبعمائة ألف وثمانون ألف درهم، ومن أبواب المال بالسواد أربعة آلاف ألف وثمانية آلاف درهم، وخراج دجلة ثمانية آلاف ألف وخمسمائة ألف درهم. والعراق يفصل بالطساسيج وهي ستون، لكورة حلوان خمسة ولشاذقباذ ثمانية ولبرماسيان ثلاثة ولبهقباذ لأعلى ستة وللأوسط أربعة ولاردشير بابكان خمسة ولشاذسابور أربعة ولشاذبهمن أربعة ولاستان العال أربعة ولبهقباذ الأسفل خمسة ولشاذهرمز سبعة وللنهروانات خمسة. وأما الضرائب فثقيلة كثيرة محدثة في النهر والبر، وفي البصرة تفتش صعب وشوكات منكرة وكذلك بالبطائح تقوم الأمتعة وتفتش. وأما القرامطة فلهم ديوان على باب البصرة وللديلم ديوان آخر حتى إنه يؤخذ على الغنمة الواحدة أربعة دراهم ولا يفتح إلا ساعة من النهار. وإذا رجع الحاج مكسوا أحمال الآدم والجمال الأعرابية، وكذلك بالكوفة وبغداد، ويؤخذ من الحاج للمحمل ستون ومن الكنيسة أو حمل البز مائة ومن العمارية خمسون، ومائة بالبصرة والكوفة. ومساحة العراق طولاً من البحر إلى السن مائة فرسخ وخمسة وعشرون، وعرضه من العذيب إلى عقبة حلوان ثمانون، فإذا كسرته كان عشرة آلاف فرسخ. وأما المسافات فتأخذ من بغداد إلى نهر الملك مرحلة ثم إلى القصر مرحلة ثم إلى حمام ابن عمر مرحلة ثم إلى الكوفة مرحلة ثم إلى القادسية مرحلة. وتأخذ من بغداد إلى المداين مرحلة ثم إلى السيب مرحلة ثم إلى دير العاقول مرحلة ثم إلى جرجرايا مرحلة ثم إلى النعمانية مرحلة ثم إلى جبل مرحلة ثم إلى نهر سابس مرحلة ثم إلى مطارة بريدين ثم إلى الحارله مثلها ثم إلى الإسحاقية مرحلة ثم إلى المحراقة بريدين ثم إلى الحدادية مثلها ثم إلى ترمانة مرحلة ثم إلى واسط مرحلة. وإن شئت فخذ من الحدادية إلى الزبيدية مرحلة ثم إلى واسط بريدين. ومن المحراقة إلى الجامدة بريدين ومن الحدادية إلى الصليق بريدين. وتأخذ من البصرة إلى الأبلة بريدين ثم إلى بيان مرحلة ثم إلى عبادان مرحلة. وتأخذ من بغداد إلى السيلحين بريدين ثم إلى الأنبار مرحلة ثم إلى الربّ مرحلة ثم إلى هيت مرحلتين. وتأخذ من بغداد إلى البردان بريدين ثم إلى عكبرا مرحلة ثم إلى باحمشا نصف مرحلة ثم إلى القادسية مرحلة ثم إلى الكرخ مرحلة ثم إلى جبلتا مرحلة ثم إلى السودقانية مثلها ثم إلى بارما مثلها ثم إلى السن مثلها. وتأخذ من بغداد إلى النهروان بريدين ثم إلى دير بازما مثلها ثم إلى الدسكرة مرحلة ثم إلى جلولا مرحلة ثم إلى خانقين مرحلة. وتأخذ من هيت إلى الناؤوسة مرحلة ثم إلى عانة مرحلة ثم إلى آلوسة مرحلة ثم إلى الفحيمة مرحلة ثم إلى الحديثة مرحلة ثم إلى النهية مرحلة. وتأخذ من حلوان إلى ماذرواستان بريدين ثم إلى المرج مرحلة ثم إلى قصريزيد بريدين ثم إلى الزبيدية مرحلة ثم إلى قصر عمرو مرحلة ثم إلى قرماسين نصف مرحلة. وتأخذ من حلوان إلى قصر شيرين مرحلة ثم إلى خانقين مرحلة. وتأخذ من الأبلة إلى الخزية مرحلة في الماء ومن الأبلة إلى نهردبا مرحلة ثم إلى فم العضدي مرحلة وعسكر أبي جعفر بازاء الأبلة يعبر إليه. وسميص واسط لأن منها إلى بغداد أو إلى الكوفة أو إلى البصرة أو إلى حلوان أو إلى الأهواز خمسين خمسين فرسخاً، وليست وسط العراق إنما وسطه دير العاقول، والطريق من الكوفة.يه ثم إبنه بختيار ثم عضد الدولة ثم إبنه بلكارزار ثم إبنه الأكبر أبو الفوارس. وأما الخراج فاعلم أن جربان هذا الإقليم ستة وثلاثون ألف ألف جريب، على جريب الحنطة أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمان، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، هذا ما قدره عمر وختم على خمسمائة ألف من الجوالي، فبلغ جباية السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم. ثم جبا عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم. وجبا الحجاج ثمانية عشر ألف ألف ليس فيها مائة ألف ألف. وأما البصرة والكوفة فعشرية. وقرأت في كتاب بخزانة عضد الدولة أن إثمان غوال السواد ستة وثمانون ألف ألف وسبعمائة ألف وثمانون ألف درهم، ومن أبواب المال بالسواد أربعة آلاف ألف وثمانية آلاف درهم، وخراج دجلة ثمانية آلاف ألف وخمسمائة ألف درهم. والعراق يفصل بالطساسيج وهي ستون، لكورة حلوان خمسة ولشاذقباذ ثمانية ولبرماسيان ثلاثة ولبهقباذ لأعلى ستة وللأوسط أربعة ولاردشير بابكان خمسة ولشاذسابور أربعة ولشاذبهمن أربعة ولاستان العال أربعة ولبهقباذ الأسفل خمسة ولشاذهرمز سبعة وللنهروانات خمسة. وأما الضرائب فثقيلة كثيرة محدثة في النهر والبر، وفي البصرة تفتش صعب وشوكات منكرة وكذلك بالبطائح تقوم الأمتعة وتفتش. وأما القرامطة فلهم ديوان على باب البصرة وللديلم ديوان آخر حتى إنه يؤخذ على الغنمة الواحدة أربعة دراهم ولا يفتح إلا ساعة من النهار. وإذا رجع الحاج مكسوا أحمال الآدم والجمال الأعرابية، وكذلك بالكوفة وبغداد، ويؤخذ من الحاج للمحمل ستون ومن الكنيسة أو حمل البز مائة ومن العمارية خمسون، ومائة بالبصرة والكوفة. ومساحة العراق طولاً من البحر إلى السن مائة فرسخ وخمسة وعشرون، وعرضه من العذيب إلى عقبة حلوان ثمانون، فإذا كسرته كان عشرة آلاف فرسخ. وأما المسافات فتأخذ من بغداد إلى نهر الملك مرحلة ثم إلى القصر مرحلة ثم إلى حمام ابن عمر مرحلة ثم إلى الكوفة مرحلة ثم إلى القادسية مرحلة. وتأخذ من بغداد إلى المداين مرحلة ثم إلى السيب مرحلة ثم إلى دير العاقول مرحلة ثم إلى جرجرايا مرحلة ثم إلى النعمانية مرحلة ثم إلى جبل مرحلة ثم إلى نهر سابس مرحلة ثم إلى مطارة بريدين ثم إلى الحارله مثلها ثم إلى الإسحاقية مرحلة ثم إلى المحراقة بريدين ثم إلى الحدادية مثلها ثم إلى ترمانة مرحلة ثم إلى واسط مرحلة. وإن شئت فخذ من الحدادية إلى الزبيدية مرحلة ثم إلى واسط بريدين. ومن المحراقة إلى الجامدة بريدين ومن الحدادية إلى الصليق بريدين. وتأخذ من البصرة إلى الأبلة بريدين ثم إلى بيان مرحلة ثم إلى عبادان مرحلة. وتأخذ من بغداد إلى السيلحين بريدين ثم إلى الأنبار مرحلة ثم إلى الربّ مرحلة ثم إلى هيت مرحلتين. وتأخذ من بغداد إلى البردان بريدين ثم إلى عكبرا مرحلة ثم إلى باحمشا نصف مرحلة ثم إلى القادسية مرحلة ثم إلى الكرخ مرحلة ثم إلى جبلتا مرحلة ثم إلى السودقانية مثلها ثم إلى بارما مثلها ثم إلى السن مثلها. وتأخذ من بغداد إلى النهروان بريدين ثم إلى دير بازما مثلها ثم إلى الدسكرة مرحلة ثم إلى جلولا مرحلة ثم إلى خانقين مرحلة. وتأخذ من هيت إلى الناؤوسة مرحلة ثم إلى عانة مرحلة ثم إلى آلوسة مرحلة ثم إلى الفحيمة مرحلة ثم إلى الحديثة مرحلة ثم إلى النهية مرحلة. وتأخذ من حلوان إلى ماذرواستان بريدين ثم إلى المرج مرحلة ثم إلى قصريزيد بريدين ثم إلى الزبيدية مرحلة ثم إلى قصر عمرو مرحلة ثم إلى قرماسين نصف مرحلة. وتأخذ من حلوان إلى قصر شيرين مرحلة ثم إلى خانقين مرحلة. وتأخذ من الأبلة إلى الخزية مرحلة في الماء ومن الأبلة إلى نهردبا مرحلة ثم إلى فم العضدي مرحلة وعسكر أبي جعفر بازاء الأبلة يعبر إليه. وسميص واسط لأن منها إلى بغداد أو إلى الكوفة أو إلى البصرة أو إلى حلوان أو إلى الأهواز خمسين خمسين فرسخاً، وليست وسط العراق إنما وسطه دير العاقول، والطريق من الكوفة. (1/47)
إقليم آقور (1/48)
هذا ايضاً إقليم نفيس، ثم له فضل لأن به مشاهد الأنبياء ومنازل الأولياء، به استقرت سفينة نوح على الجودي وبه سكن أهلها، وبنوا مدينة ثمانين وبه تاب الله على قوم يونس وأخرج منه العين، ومنه دخل الظلمات ذو القرنين، وبه كانت عجائب جرجيس مع داذيانه، وفيه أنبت الله تعالى ليونس اليقطينة، ومنه خرج نهر الملة المبارك المذكور دجلة، أليس به مسجد يونس بتل توبة يقولون سبع زورات له يعدلن حجةً مع مشاهد كثيرة وفضائل جمة، ثم هو ثغر من ثغور المسلمين ومعقل من معاقلهم لأن آمد اليوم دار جهادهم والموصل من أجل انضادهم. وجزيرة ابن عمر أحد منازههم، ومع ذلك هو واسطة بين العراق والشام ومنازل العرب في الإسلام. ومعدن الخيل العتاق، ومنه ميرة أكثر العراق. رخيص الاسعار جيد الثمار ومعدن الأخيار. أخبرنا الحاكم أبو نصر منصور بن محمد الحربي محتسب بخارا، قال: حدثنا الهيثم بن كليب، قال: حدثنا أبو يعلى الحسن بن اسماعيل وأبوسليمان محمد بن منصور الفقيه، قالا: حدثنا اسماعيل هو ابن أبي أويسٍ، قال: حدثني كثيربن عبد الله عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أجبل من جبال الجنة وأربعة أنهار من أنهار الجنة وأربعة ملاحم من ملاحم الجنة، قيل ما الأجبل، قال: أحدٌ يحبنا ونحبه، ومجنة جبل من جبال الجنة، والطور جبل من جبال الجنة. والأنهار النيل والفرات وسيحان وجيحان. والملاحم بدر وأحد والخندق وحنين. والفرات يتقوس على هذا الإقليم وله هذا الفضل، ودجلة ينبع منه ولها الذكر. وبه النعم والمشاهد والثغور والمساجد، إلا أنه بيت الذعار والطريق فيه صعبة، وقد خربت الروم ثغوره. وهذا مثاله وشكله. وقد قسمنا هذا الاقليم على بطون العرب لتعرف ديارهم وتميزها وجعلناه ثلاث كور على على عدة بطونهم، أولها من قبل العراق ديار ربيعة ثم ديار مضر ثم ديار بكر وبه أربع نواحٍ. وأما ديار ربيعة فقصبتها الموصل ومن مدنها: الحديثة، معلثاى، الحسنية، تلعفر، سنجار، الجبال، بلد، أذرمة، برقعيد، نصيبين، دارا، كفرتوثا، رأس العين، ثمانين، وأما ناحيتها فجزيرة آبن غمر ومدنها: فيشابور، باعيناثا، المغيثة، الزوزان. وأما ديار مضر فقصبتها الرقة ومن مدنها: المحترقة، الرافقة، خانوقة، الحريش، تل محرى، باجروان، حصن مسلمة، ترعوز، حران، الرها. والناحية سروج، كفرزاب، كفرسيرين. وأما ديار بكر فقصبتها آمد ومن مدنها: ميافارقين، تل فافان، حصن كيفا، الفار، حاذية، وغيرهن. ومدن الفراتية أكبرهن رحبة ابن طوق، قرقيسيا، عانة، الدالية، الحديثة. ومدن الخابور قصبتها عرايان ومن مدنها: الحصين، الشمسينية، ميكسين، سكير العباس، الخيشة، السكينية، التنانير.
الموصل: هومصرهذا الإقليم بلد جليل حسن البناء طيب الهواء صحيح الماء، كبير الاسم قديم الرسم، حسن الأسواق والفنادق، كثير الملوك والمشايخ لا يخلو من أسناد عالٍ وفقيه مذكور. منها ميرة بغداد وإليه قوافل الرحاب، وله منازه خصائص وثمار حسنة وحمامات سرية ودور بهية ولحوم جيدة وأمور جامعة، غير أن البساتين بعيدة وريح الجنوب مؤذية وماء النهر بعيد المستقى. والبلد شبه طيلسان مثل البصرة ليس بالكبير، في ثلثه شبه حصن يسمى المربعة على نهر زبيدة ويعرف بسوق الأربعاء داخله فضاء واسع به يجتمع الأكرة والحواصيد، على كل ركن فندق وبين الجامع والشط رمية سهم على نشزة يصعد إليه بدرج من نحو الشط ودرجه من قبل الأسواق أقل، كله آزاجات من حجارة باناط، ووجه المغطى بلا أبواب وأكثر الأسواق مغطاة، والآبار مالحة وشربهم من دجلة ومن نهر زبيدة. من دروبه درب دير الأعلى باصلوت درب الجصاصين درب بني ميدة درب الجصاصة درب رحى أمير المؤمنين درب الدباغين درب جميل. والبلد على الشط، وقصر الخليفة على نصف فرسخ من الجانب الآخر عند نونوى القديمة.
وكان اسم الموصل خولان فلما وصل العرب بها عمارتهم ومصروها سميت الموصل. ونونوى: بقرب الموصل وهي مدينة يونس بن متى، عليها حصن قد أقلبه الريح، وهي الآن مزارع على جانب منها نهر الخوصر. مر جهينة: على دجلة من نحو الموصل ومن نحو العراق، كثيره أبراج الحمام، والحصن من جص وحجر، والجامع وسط البلد. الحديثة: على دجلة أيضاً عند جرف يصعد إليها بدرج والجامع قرب الشط طيلسان بنيانهم طين والجامع وهي شرقية. معلثايا: من نحو آمد صغيرة كثيرة البساتين على نهر بنيانهم طين والجامع على تل. الحسنية: على نهر يقبل من أرمية وهو الذي عليه قنطرة سنجة، والجامع وسط البلد والنهر على جانب. ثمانين: مدينة على نهر غزير يقبل من أرمينية تحت الجودي، وحدثنا أبو سعيد بن حمدان، قال: حدثنا أبو حامد الجلودي، قال: حدثنا أبو هانئ، قال: قرأ أبي علي عبد المنعم بن ادريس عن أبيه عن وهب بن منبه، قال: لما خرج نوح من السفينة بنى قرية وسماها ثمانين وكانت أول قرية بعد الطوفان بناها نوح بعددهم لكل رجل ممن معه بيتاً، فهي أول مدينة بنيت بالجزيرة، جزيرة ابن عمر: بلد كبير، يدور عليه الماء من ثلاثة جوانب ودجلة بينها وبين الجبل، وهي طيبة نزيهة بناؤهم حجارة شرقي دجلة وحلة في الشتاء. باعيناثا: نزهة. طيبة، وهي خمس وعشرون محلة يتخللها البساتين والمياه، ليس مثلها بالعراق مع رفق ورخص. بلد: غزير الدخلة كثيرة القصور حسنة البنيان من جص وحجر، فرجة الأشواق والجامع وسط البلد. أذرمة: صغيرة في البرية، شربهم من آبار وبنيانهم قباب، وبرقعيد كذلك إلا إنها أكبر. نصيبين: هي أنزه وأصغر وأرحب من الموصل، كثيرة الفواكه بها حمامات حسنة وقصور منيفة، ولهم يسار ولباقة، سوقها من الباب إلى الباب، عليها حصن من حجر وكلس، والجامع وسط البلد، ونعوذ بالله من عقاربها. دارا: صغيرة طيبة، لهم قناة تعم البلد وتجري فوق السطوح وتقر في الجامع ثم تنحدر إلى وادٍ، بنيانهم حجارة سود وكلس. سنجار: في مفازة بها نخل كثير، كثيرة الأساكفة، الجامع فيهم، شربهم من ضهر عذيبي وعيون كثيرة، رأس العين: في سهلة أسفلها متخرق بالماء يتفجرعيوناً، ولهم بحيرة صغيرة رأس الماء نحو من قامتين، زلال يطرح الدرهم فلا يخفي في أسفله، بنيانهم حجارة وجصٌ، ولهم بساتين ومزارع، ويقع إليها ثلاثمائة وستون عيناً عذبة تمد إلى الرقة. (1/49)
آمد: بلد حصين حسن عجيب البناء على عمل إنطاكية، بفصيل شبه كرسي له أبواب وعليه شرف، بينه وبين الحصن فضاءٌ، وهي أصغر من إنطاكية بحجارة سود صلبة وكذلك أساسات الدور، وفيها عيون غربي دجلة رحبة طيبة، ثغر للمسلمين وحصن حصين، الجامع وسط البلد، لها خمسة أبواب باب الماء وباب الجبل وباب الروم وباب التل وباب أنس، صغير يحتاج إليه وقت الحرب، وبعض الحصن على الجبل ولا أعرف للمسلمين اليوم بلداً أحصن ولا ثغراً أجل منها. ميافارقين: بلد طيب حصين له شرف وفصيل بحجارة وخندق، قليلة العلم والبساتين، شربهم من عيون ونهر وحلة في الشتاء بليذة هي كنيف الإقليم. الجبال: حصينة بها قلعة وربض، فيه الجامع على طرفٍ، شربهم من قنى عذيبية، وبناؤهم من حجر وطين وسورهم غير منيع. تل فافان: من ناحية الجبل بين دجلة ورزم، حولها بساتين والأسعار بها رخيصة، وأسواقها مغطاة، بناوهم طين. حصن كيفا: كثيرة الخير، وبها قلعة حصينة وكنائس كثيرة، شربهم من دجلة. والفار وحاذية دونهن. فهذا ما عرفنا من مدن هذه الكورة، وفي بدليس كلام واختلاف نذكره في إقليم الرحاب.
الرقة قصبة ديار مضر على الفرات بحصن عريض يسيرعلى متنه فارسان، غيركبيرة، ولها بابان، غير أنها طيبة نزهة قديمة الخطة حسنة الأسواق كثيرة القرى والبساتين والخيرات ومعدن الصابون الجيد والزيتون، ولها جامع عجيب، وحمامات طيبة، قد ظللت أسواقها وبربقت قصورها وانتشر في الإقليمين ذكرها، فالشام على تخمها والفرات إلى جنبها والعلم كثير بها، إلا أن الأعراب بها محيطة والطرق إليها صعبة. والرقة المحترقة قريبة منها قد خفت وخربت الرافقة هي ربض الرقة، الجامع في الصاغة وجامع الرقة في البزازين فيه شجرتا عناب وشجرة توت، وبالقرب مسجد معلق على عمود. حران: مدينة نزيهة وعليها حصن من حجارة على عمل إيليا في حسن البناء بها قناة لا يعلم من أين تقبل، والجامع متطرفٌ، وسقي مزارعهم من آبار وهي جيدة الأقطان، وبصحة موازينهم تضرب الأمثال. الرها: على عمل الطيب محصنة، والجامع على طرف شعث، وبها كنيسة عجيبة بازاج ملبسة بالفسافساء هي أحد عجائب الدنيا. وأما ناحية الخابور فقصبتها عرابان وهي تل رفيع، حولها بساتين والأسعار بها رخيصة ولهم مزارع كثيرة، وسائر المدن رحبة. وناحية الفرات أجلها الرحبة: مدينة كبيرة من نحو البادية طيلسان، ولها حصن وربض. وبقية المدن من جانب البادية عامرات. (1/50)
جمل شؤون هذا الإقليم
أما الهواء والرسوم فمقاربة للشام مشابهة للعراق، وبه مواضع حارة، وبه نخيل مثل سنجار ومدن الفرات، وكورة آمد باردة لقربها من الجبال واصح بلدانة هواءً الموصل. وأكثر بنيانهم الحجارة ولا أعرف به ماءً ردياً ولا وادياً وبياً ولا طعاماً لا تجده مرياً. وليس به مجوس ومعدن الصابئين بالرها وحران في جميع المملكة. وليس فيه بحيرة ولا يتصل ببحر ولا للمذكرين به صيت ولا للرزق به سوق.
ومذاهبهم سنة وجماعة إلا عانة فإنها كثيرة المعتزلة ولا ترى في الرأي غير مذهب أبي حنيفة والشافعي وفيه حنابلة وجلبة للشيعة، لم تقسم الأهواء قلوبهم ولا يتعاطى الكلام فقهاؤهم يختارون قراءة عبد الله بن عامر. واتفق حرب البجاة مع الحبوش وقت كوني بزبيد، فاستخلفني القاضي اصلي بهم العشائين، فقال لي يوماً القوم لك شاكرون وأنا لك لائم، قلت: على ماذا أيد الله القاضي، قال: أنت رجل تتفقه لأهل الكوفة فلم لا تقرأ بحروفهم وما الذي أمالك إلى قراءة ابن عامر، قلت: خلال أربع، قال: وماهن، قدت: أما الأولى فإن ابن مجاهد روى عن ابن عامر ثلاث روايات إحداهن أنه قرأ على عثمان بن عفان، والثانية أنه سمع القرآن من عثمان وهو صبي، والثالثة أنه قرأ على من قرأ على عثمان وليس هذا لغيره من أئمة القراء، بل بين كل واحد وبين علي وعبد الله وأبى وابن عباس رجلان أو ثلاثة، فمن بينه وبين عثمان الذي قد اجمع المسلمون على مصحفة واتفقوا على جمعه وتداولوه رجل أحق بأن يقرأ له ممن بينه وبين من لا يستعمل جمعه ولا وقع الإتفاق على مصحفه رجلان وثلاثة وايضاً رأيت المصاحف القديمة بالشام ومصر والحجاز المنسوبة إلى عثمان فإذا هي لا تخالف حروف ابن عامر في شيء. والخلة الثانية رأيت قراءة ابن عامر قياسية، إذا استعمل التاء أو التثقيل في موضع أجراه في جميع النظائر، وغيره يقول في سورة كذا بالتاء وفي سورة كذا بالياء وفي موضع سداً وموضع آخر سدًا وخراجاً وخرجاً وكرهاً وكرهاً وأمثال هذا كثير، وكنت رجلاً قد اردت التففه فرايتها علي أهون وإلى طريقة الفقه أقرب. والخلة الثالثة رأيت بقية القراء قد اختلفت عنهم الروايات من ثلاث إلى ثلاثين، وابن عامر لم يرو عنه إلا يحيى حسب وإنما وقع الإختلاف عن يحيى لأن ابن ذكوان وهشام بن عمار قرءا على يحيى، فعلمت أنه كان متقناً على يقين من قراءته. والرابعة إني رجل شامي وقد فارقتهم في المذهب فلم أحب أن أفارقهم في المقرأ بعد ما صح الرجحان عندي. فقال القاضي لله درك يابا عبد الله ما أحسن ما أتيت به، ولقد جلت هذه القراءة عندي بعد ما كنت فيها من الزاهدين. فان قال خصم أوليس قد ناقض ابن عامر في غيرموضع اجبناه لو لم يناقض لزهدنا في قراءته وظننا به الظنون، لأن القراءات لا تؤخذ بالقياس فلما ناقضنا علمنا أنه متبع وناقل إلا أن نقله وافق القياس. فإن قال أوليس قد طعن فيه السلف ولحنوه في حروف اجبناه أن أحداً من أئمة القراء لم يسلم من الطعن، الا ترى أنهم قد طعنوا على عاصم وحمزة في ضعف وعلى أبي عمرو في ننسأها وفي هذين وقد احتج الكبراء للجميع وصوبوا مذاهبهم، ولا يطعن في الأئمة إلا جاهل. فإن قال ابن عامر مجهول وقراءته غيرمشهورة جبناه لو كان ابن عامر بالحجاز أو بالعراق ما جهل ولا شذت قراءته، لكنه لما كان بمصر متطرفاً قل الواردون عليه والناقلون عنه، الا ترى أن الأوزاعي كان من أئمة الفقه وقد بطل مذهبه لهذا المعنى، فلوكانا على سابلة الحاج لنقل مذهبيهما أهل الشرق والغرب. فإن قال الست ممن لقي مشايخ العلم والورع وأكثرهم ينهون عن التجريد ويختارون قراءة العامة اجبناه بلى، لكني لما سافرت وشاهدت أئمة المقرئين أحببت التلاوة عليهم وأخذ الفوائد منهم، فكنت إذا قرأت بالجائز هونوا امري وأحالوني على تلاميذهم فإذا جردت أقبلوا علي. والمياه واسعة أكثرها من دجلة والفرات والخابور وهو نهر من عيون تجتمع وتصب إلى الفرات، وأما أصل دجلة العراق فإنها تخرج من تحت كهف الظلمات ماءً أخضر ثم تلقاها عدة أنهار الى الزاب، وأول مبدأها لا تدير أكثر من رحا واحدة أول مايختلط بها نهر الذيب ثم الرمس ثم المسوليات ثم تبر الكاروخة ثم سربط ثم عين تل فافان ثم نهر الرزب ثم الزاب ثم أنت في العراق، ويقال الفرات مبارك ودجلة ملعونة. وبه تجارات ترتفع من الموصل الحبوب والعسل النمكسود والفحم والشحوم والجبن والمن والسماق وحب الرمان والقير والحديد والأسطال والسكاكين والنشاب والطريخ الفائق والسلاسل. ومن سنجار فرك اللوز وحب رمان والقصب والسماق. ومن نصيبين شاه بلوط وهو شيء أكبر من البندق وأطيب ليس بمدور والفواكه المقددة والموازين والدوايات والكواذين. ومن الرقة الصابون والزيت والأقلام. ومن حران القبيط وعسل النحل في أدنن والقطن والموازين. ومن الجزيرة الجوز (1/51)
واللوز والسمن والخيل الجياد. ومن الحسنية الجبن والقبج والجواجيق والشواريز والفواكه المقددة والزبيب. ومن معلثايا الألبان والفحم والأعناب والفواكه الرطبة والشاهدانق والقنب والنمكسود. ومن بلد اللبأ في القدور في الزواريق القدر بخمس دوانيق امناءٍ. ومن الرحبة السفرجل الفائق الرائق. ومن آمد ثياب الصوف والكتان الرومية على عمل الصقلي وخصائص هذا الإقليم الخيل والصابون والسلاسل والسيور وقبيط حران وقطنها وموازينها. وأما مكاييلهم فلهم المد والمكوك والقفيز والكارة، فالمكوك خمسة عشر رطلاً، والمد ربعه، والكار مائتان وأربعون رطلاً، والقفيز ربعها، والمكوك ربع القفيز، وأرطالهم بغدادية، وفرقهم بغدادي ستة وثلاثون رطلاً.وز والسمن والخيل الجياد. ومن الحسنية الجبن والقبج والجواجيق والشواريز والفواكه المقددة والزبيب. ومن معلثايا الألبان والفحم والأعناب والفواكه الرطبة والشاهدانق والقنب والنمكسود. ومن بلد اللبأ في القدور في الزواريق القدر بخمس دوانيق امناءٍ. ومن الرحبة السفرجل الفائق الرائق. ومن آمد ثياب الصوف والكتان الرومية على عمل الصقلي وخصائص هذا الإقليم الخيل والصابون والسلاسل والسيور وقبيط حران وقطنها وموازينها. وأما مكاييلهم فلهم المد والمكوك والقفيز والكارة، فالمكوك خمسة عشر رطلاً، والمد ربعه، والكار مائتان وأربعون رطلاً، والقفيز ربعها، والمكوك ربع القفيز، وأرطالهم بغدادية، وفرقهم بغدادي ستة وثلاثون رطلاً. (1/52)
ولغتهم لغة حسنة أصح من لغة الشام لأنهم عرب، أحسنها الموصلية وهم أحسن وجوهاً وهي أصح هواءً من سائر الإقليم وقد جمعت أكثر القبائل أكثرهم حارثيون.
ولهم مشاهد ثم بسواد الموصل مسجد يونس وآثاره عند نونوى القديمة موضع يسمى تل توبة، على رأسه مسجد ودور للمجاورين بنته جميلة ابنة ناصر الدولة، وأوقفت عليه أوقافاً جليلة، يزعمون أن سبع زورات يعدلن حجة، يقصد ليالي الجمع، وهو الموضع الذي خرج إليه قوم يونس لما ايقنوا بالعذاب، وعلى نصف فرسخ منه عين يونس، وبظاهر بلد عين يزعمون أن يونس خرج منها يستشفى بمائها من البرص، وثم له مسجد وموضع شجرة اليقطين. على فرسخ من ميافارقين دير توما فيه جسد قائم يزعمون أنه من الحواريين يابس. رباط ذي القرنين على طريق الرحاب حصين عامر تحته كهف الظلمات التي دخلها ذو القرنين، وحرص مسلمة بن عبد الملك في دخولها واستعد المشاعل والشموع فانطفأت ورجع. ومن العجائب بنصميبين عين ينبع منها كلس أبيض يستعملونه كما يستعمل في الحمامات والدور. بأرض الموصل ديرالكلب يحمل إليه من عضة كلب عقور فيقيم عند رهبانه خمسين يوماً فيبرأ بإذن الله تعالى. وبهذا الرستاق عين من شرب منها مات بعد ثلاثة أيام. على بريد من الموصل قرية باعشيقابها نبت من قلعه وبه بواسير أو خنازير سقطت عنه، فإن بعث من به هاتان العلتان رجلا بدرهم ومسلة إلى قوم ثم يتوارثونها فحملها أحدهم إلى ذلك النبت فقلعه على اسم صاحب العلة بريء، ولو كان بالشاش، ويستنفع الرجل بالدرهم. وكان يقال عجائب الدنيا ثلاث: منارة الاسكندرية، وقنطرة سنجة، وكنيسة الرها. فلما بني المسجد الأقصى جعل بدل الكنيسة، فلما هدمته الزلزلة جعل موضعه جامع دمشق، وهذه القنطرة على خمسة فراسخ من جبل الجودي، كبيرة شاهقة متصلة بالجبل على حجر مخوخ مركبة إذا زاد عليها الماء اهتزت. ويجب أن نذكر أسباب القسطنطينية لأن للمسلمين بها داراً يجتمعون فيها ويظهرون الإسلام بها، وقد كثر الأختلاف والكذب فيها وأمر البلد ومساحته وبنيانه، فرأيت أن أصور ذلك للعيون واوضحه للقلوب وأذكر الطرق إليها لحاجة المسلمين إلى ذلك وقصدهم في شراء الأساري والرسالات والغزو والتجارات. أعلم أن مسلمة بن عبد الملك لما غزا بلد الروم ودخل هذا المصر، شرط على كلب الروم بناء دار بازاء قصره في الميدان ينزلها الوجوه والأشراف إذا أسروا ليكونوا تحت كنفه، وتعاهده فأجابه إلى ذلك وبنى دار البلاط، والبلاط خلف الميدان يصنع به الديباج الملكي. فالقسطنطينية تكون في العظم مثل البصرة أو أصغر، بناؤهم حجر وهي محصنة كسائر البلدان منيعة بحصن واحد لا غير. والبحر من جانب على حافته الميدان ودار البلاط ودار الملك على صف، والميدان بين الدارين، أبوابها متقابلة في وسط الميدان دكة بدرج، ولا يسكن دار البلاط من المسلمين إلا وجيه في إجراءٍ وتعاهد وتنزه. وسائر الأساري من عامة المسلمين يستعبدون ويستعملون في الصنائع، فالحازم. الذي إذا سئل عن صنعته لم يقر بها وربما اتجر الأساري بينهم وأنتفعوا، ولا يكرهون أحداً على أكل لحم الخنزير ولا يثقبون أنفاً ولا يشقون لساناً. ومن دار الكلب إلى دار البلاط حبل ممدود فيه صورة فرس من نحاس، ولهم أوقات يجتمعون فيها للعب، واسم الملك وينطوا واسم الوزير براسيانا فإذا أرادوا أن يتفاءلوا في لعبهم صاروا حزبين، وأرسلوا الخيل حول الدكة فإن سبقت خيل حزب الكلب قالوا ستكون الغلبة للروم، فصاحوا وينطوا وينطوا، وأن غلبت خيل حزب الوزير قالوا ستكون الغلبة للمسلمين، فصاحوا براسيانا براسيانا، وذهبوا إلى المسلمين فيخلعون عليهم ويصلونهم لكون الغلبة لهم. وللبلد أسواق حسنة والأسعار به رخيصة والفواكه كثيرة. وبمدن التبن مسلمون وكذلك بمعدن النحاس وبأطرابزٌند أيضاً مسلمون. وأقصد الطرق الى القسطنطينية من هذا الإقليم لاجل ذاك وصفناها فيه، وكان ثغر هذا الإقليم ملطية وبلدانها وقد خربها العدو. وأما المسافات فتأخذ من الموصل إلى مرجهينة أو إلى بلد أو إلى المخلبية أو إلى مزارعي مرحلة مرحلة ثم من مرجهينة إلى الحديثة مرحلة ثم إلى البقيعة مرحلة ثم إلى السن مرحلة.، تأخذ من بلد إلى برقعيد مرحلة ثم إلى أذرمة مرحلة ثم الى المونسة مرحلة ثم إلى نصيبين مرحلة ثم إلى دارا مرحلة. وتأخذ من المحلبية الى الشحاجية مرحلة ثم إلى تل أعفر مرحلة ثم إلى سنجار مرحلة. وتأخذ من مزارعي إلما معلثايا مرحلة ثم إلى الحسنية مرحلة ثم الى ثمانين مرحلة ثم إلى جزيرة ابن عمر مرحلة ثم (1/53)
الى تل فافان مرحلة. ومن الموصل إلى شهرزور 60 فرسخاً. وتأخذ من آمد إلى ميافارقين مرحلة ثم إلى أرزن مرحلة ثم إلى مسجد أويس مرحلة ثم إلى المعدن مرحلة ثم إلى بدليس مرحلة. وتأخذ من آمد إلى شمشاط مرحلة ثم إلى تل حوم مرحلة ثم إلى جرنان مرحلة ثم إلى بامقرا مرحلة ثم إلى جلاب مرحلة ثم إلى الرها بريدين ثم إلى حران مثلها ثم إلى باجروان مرحلة ثم إلى الرقة نصف مرحلة. وتأخذ من الرحبة إلى قرقيسيا مرحلة ثم إلى الدالية أو إلى بيرا مرحلة ومن قرقيسيا إلى فدين مرحلة تم إلى السكير مرحلة. وتأخذ من آمد إلى تل حور مرحلة ثم إلى ملطين مرحلة ثم إلى طبوس مرحلة ئم إلى شمشاط مرحلة ثم إلى الفعونية مرحلة ثم إلى حصن زياد مرحلة ثم إلى ملطين مرحلة ثم إلى عرقة مرحلة ثم إلى الصفصاف مرحلة ثم إلى الرمانة مرحلة ثم إلى سمندو مرحلتين ثم إلى مرج قيسارية مرحلة نم إلى أنقرة 4 مراحل ثقالاً ثم إلى جسر شاغر في بلد ابن الملاين 3 مراحل ثم إلى النقموذية مرحلة ثم إلى ملعب الملك مرحلة ثم إلى حارفة مرحلة ثم إلى القسطنطينية مرحلة. وان شئت تأخذ من ميافارقين إلى موش 4 مراحل ثم قنب مرحلة ثم إلى سن نحاس مرحلة وهي صليب طريق قاليقلا وطريق ملازكرد وطريق موش وطريق الخالديات مرحلتان ثم إلى سموقموش مثلها ثم إلى قلونية العوفي مرحلتين ثم إلى نفشارية 4 مراحل ثم إلى عقبة الشهداء مرحلة ثم إلى الأفلاغونية مرحلة ثم إلى السونشة مرحلة ثم إلى دوملصة مرحلة ثم إلى بلد ابن لسوانيطي مرحلة ثم إلى دوسنية ثم إلى باحورية مرحلة ثم إلى قطابولى فيها جيش للمسلمين مرحلة ثم إلى بلد ابن الملاين مرحلتين فيه ضيافة للمسلمين ثم إلى البحيرة الحلوة مرحلة ثم إلى حصن صاعس مرحلة.الى تل فافان مرحلة. ومن الموصل إلى شهرزور 60 فرسخاً. وتأخذ من آمد إلى ميافارقين مرحلة ثم إلى أرزن مرحلة ثم إلى مسجد أويس مرحلة ثم إلى المعدن مرحلة ثم إلى بدليس مرحلة. وتأخذ من آمد إلى شمشاط مرحلة ثم إلى تل حوم مرحلة ثم إلى جرنان مرحلة ثم إلى بامقرا مرحلة ثم إلى جلاب مرحلة ثم إلى الرها بريدين ثم إلى حران مثلها ثم إلى باجروان مرحلة ثم إلى الرقة نصف مرحلة. وتأخذ من الرحبة إلى قرقيسيا مرحلة ثم إلى الدالية أو إلى بيرا مرحلة ومن قرقيسيا إلى فدين مرحلة تم إلى السكير مرحلة. وتأخذ من آمد إلى تل حور مرحلة ثم إلى ملطين مرحلة ثم إلى طبوس مرحلة ئم إلى شمشاط مرحلة ثم إلى الفعونية مرحلة ثم إلى حصن زياد مرحلة ثم إلى ملطين مرحلة ثم إلى عرقة مرحلة ثم إلى الصفصاف مرحلة ثم إلى الرمانة مرحلة ثم إلى سمندو مرحلتين ثم إلى مرج قيسارية مرحلة نم إلى أنقرة 4 مراحل ثقالاً ثم إلى جسر شاغر في بلد ابن الملاين 3 مراحل ثم إلى النقموذية مرحلة ثم إلى ملعب الملك مرحلة ثم إلى حارفة مرحلة ثم إلى القسطنطينية مرحلة. وان شئت تأخذ من ميافارقين إلى موش 4 مراحل ثم قنب مرحلة ثم إلى سن نحاس مرحلة وهي صليب طريق قاليقلا وطريق ملازكرد وطريق موش وطريق الخالديات مرحلتان ثم إلى سموقموش مثلها ثم إلى قلونية العوفي مرحلتين ثم إلى نفشارية 4 مراحل ثم إلى عقبة الشهداء مرحلة ثم إلى الأفلاغونية مرحلة ثم إلى السونشة مرحلة ثم إلى دوملصة مرحلة ثم إلى بلد ابن لسوانيطي مرحلة ثم إلى دوسنية ثم إلى باحورية مرحلة ثم إلى قطابولى فيها جيش للمسلمين مرحلة ثم إلى بلد ابن الملاين مرحلتين فيه ضيافة للمسلمين ثم إلى البحيرة الحلوة مرحلة ثم إلى حصن صاعس مرحلة. (1/54)
إقليم الشام
إقليم الشام جليل الشأن ديار النبيين، ومركز الصالحين. ومعدن البدلاء، ومطلب الفضلاء. به القبلة الأولى، وموضع الحشر والمسرى. والأرض المقدسة والرباطات الفاضلة والثغور الجليلة والجبال الشريفة ومهاجر ابراهيم وقبره وديار أيوب وبئره ومحراب داود وبابه وعجائب سليمان ومدنه وتربة إسحاق وأمه ومولد المسيح ومهده وقرية طالوت ونهره ومقتل جالوت وحصنه وجب ارميا وحبسه ومسجد اوريا وبيته وقبة محمد وبابه وصخرة موسى وربوة عيسى ومحراب زكريا ومعرك يحيى ومشاهد الأنبياء وقرى أيوب ومنازل يعقوب. والمسجد الأقصى، وجبل زيتا. ومدينة عكا، ومشهد صديقا. وقبرموسى ومضجع ابراهيم ومقبرته ومدينة عسقلان، وعين سلوان. وموضع لقمان، ووادي كنعان. ومدائن لوط وموضع الجنان، ومساجد عمر ووقف عثمان. والباب الذي ذكره الرجلان، والمجلس الذي حضره الخصمان. والسور الذي بين العذاب والغفران، والمكان القريب ومشهد بيسان، وباب حطة ذو القدر والشأن. وباب الصور وموضع اليقين وقبر مريم وراحيل ومجمع البحرين، ومفرق الدارين. وباب السكينة وقبة السلسلة ومنزل الكعبة مع مشاهد لا تحصى، وفضائل لا تخفى. وفواكه ورخاء وأشجار ومياه. وآخرة ودنيا، به يرق القلب وينبسط للعبادة الأعضاء، ثم به دمشق جنة الدنيا، وصغر البصرة الصغرى. والرملة البهية وخبزها الحواري، وإيليا الفاضلة بلا لأوى. وحمص المعروفة بالرخص وطيب الهوا، وجبل بصرى وكرومه فلا تنسى، وطبرية الجليلة بالدخل والقرى. ثم البحر يمد على غربية فالحمولات فيه إليه أبداً وبحر الصين متصل بطرفه الأقصى، له سهل وجبل وأغوار وأشياء. والبادية على تخومة كالزقاق منه إلى تيماء، وبه معادن الرخام وعقاقير كل دواء ويسار وتجار ولباقة وفقهاء، وكتاب وصناع وأطباء. إلا أنهم على خوف من الروم وفي جلاء، والأطراف قد خربت وأمر الثغور قد انقضى. وليسوا كالأعاجم في العلم والدين والنهي، بعض قد ارتد وبعض للجزية في أداء، يقدمون طاعة المخلوق على طاعة ربّ السماء. عامتهم جهال أو غوغاء، لا نهضة في جهادٍ ولا حمية على الأعد اء. (1/55)
ويقال إنما سميت الشام لأنها شامة الكعبة، وقيل بل من تشاءم الناس إليها، وقيل بل لشامات بها حمر وبيض وسود. وأهل العراق يسمون كل ما كان وراء الفرات شاماً ولهذا أرسل محمد بن الحسن القول في دواوينه وليس وراء الفرات من الشام غير كورة قنسرين حسب، والباقي بادية العرب والشام من ورائها، وإنما أراد محمد التقريب والمتعارف بين الناس كما يقال لخراسان المشرق وإنما هو من ورائها، وإنما الشام كلما قابل اليمن وكان الحجاز بينهما. فإن قال قائل ما تنكر أن يكون طرف البادية إلى حدود العراق من الشام ليصح ما قاله أهل العراق، قيل قد قسمنا الأقاليم ورسمنا الحدود فلا ينبغي لنا أن ندخل في إقليم من غيره. فإن قال قائل فمن أين لك أنه ليس منه في القديم، قيل له لم يختلف فقهاء الشريعة وأهل هذا العلم أن هذه الأرض المتنازع فيها أنها من جزيرة العرب ولو جعلها أحد من الشام لا مجازاً لكان لنا أن نقول له حدود الشام التي رسمناها مجمع عليها وما زدتم مختلف فيه وعلى من ادعى الزيادة الدليل. وقد أعرضنا عن ذكر طرسوس وأعمالها لأنها بيد الروم، وأما الكهف فإن المدينة هي طرسوس وبها قبر دقيانوس وبرستاقها تل عليه مسجد قالوا هو على الكهف. وحدثنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن عمر البخاري، قال: حدثنا أبو طالب اليماني، قال: حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن سهل الخراساني، قال: قرأت على هشام بن محمد حدثنا مجاهد بن يزيد، قال: خرجت مع خالد البريدي في أيام وجه إلى الطاغية سنة 102 وليس معنا ثالث من المسلمين، فقدمنا القسطنطينية ثم خرجنا منصرفين إلى عمورية، ثم أتينا اللاذقية ا المحترقة في أربع ليال، ثم انتهينا إلى الهوية وهي جوف جبل، فذكر لنا أن بها أمواتاً لا يدرى ما هم وعليهم حراس فادخلونا سرباً طوله نحو من خمسين ذراعاً في عرض ذراعين بالسرج، وإذا وسط السرب باب من حديد مكمن لعيالهم إذا جاءهم العرب، وإذا خربة عظيمة وسطها نقرة من ماءٍ عرضها نحو من خمسة عشر ذراعاً يرى منها السماء وإذا كهف ذلك المكان إلى جوف ذلك الجبل، فانطلق بنا إلى كهف مما يلي الجوف من الهوية طوله نحو من عشرين ذراعاً وإذا فيه ثلاثة عشر رجلاً رقوداً على اقفيتهم، على كل رجل منهم جبة لا أدري من صوف أو وبر إلا إنها غبراء، وكساءٌ أغبر يتقعقع كما يتقعقع الرق وقد غطى بكسائه وجهه وسائر جسده، وإذا هي ذوات أهداب، وعلى بعضهم خفاف إلى أنصاف سوقهم وبعض بنعال وبعض بشمشكات، والجميع جدد فكشفت عن وجه أحدهم فإذا شعر رأسه ولحيته لم يتغير وإذا بشرة وجهه منيرة ودم وجهه ظاهر كأنما رقدوا تلك الساعة وإذا أعضاؤهم كألين ما يكون من أعضاء الرجل الحي وكلهم شباب، غير أن بعضهم. قد وخطه الشيب، وإذا بأحدهم قد ضربت عنقه فسألتهم عن ذلك فقالوا غلبت علينا العرب وملكت الهوية، فأخبرناهم خبرهم فلم يصدقونا فضرب أحدهم عنق هذا، وزعم أهل الهوية أنه إذا كان رأس كل سنة في يوم عيد لهم يجتمعون فيه يقيمونهم رجلاً رجلاً، فيتركونهم قياماً ويمسحونهم وينفضون غبار ثيابهم ويسوون اكسبتهم عليهم فلايسقطون ولا يتجرجون ويضجعونهم وأنهم يقلمون أظفارهم في السنة ثلاث مرات ثم تنبت، فسألناهم عن أسبابهم وأمرهم فزعموا أنهم لا علم لهم بشيء من أمرهم غير أنا نسميهم الأنبياء. قال مجاهد وخالد فيظن أنهم أصحاب الكهف والله أعلم. وهذا شكل الإقليم ومثاله في الصفحة المنقلبة. وقد قسمنا هذا الإقليم ست كور، أولها من قبل أقور قنسرين ثم حمص ثم دمشق ثم الأردن ثم فلسطين ثم الشراة. فأما قنسرين فقصبتها حلب ومن مدنها: أنطاكية، با لس، السويدية، سميساط، منبج، بياس، التينات، قنسرين، مرعش، إسكندرونة، لجون، رفنية، جوسية، حماة، شيزر، وادي بطنان، معرة النعمان، معرة قنسرين. وأما حمص فاسم القصبة أيضاً ومن مدنها: سلمية، تدمر، الخناصرة، كفرطاب، اللاذ قية، جبلة، أنطرسوس، بلنياس، حصن الخوابي. وأما دمشق فاسم القصبة أيضاً ومدنها: بانياس، صيدا، بيروت، أطرابلس، عرقة، وناحية البقاع مدينتها: بعلبك، ولها كامد، عرجموش، الزبداني، ولدمشق ست رساتيق: الغوطة، حوران، البثنية، الجولان، البقاع، الحولة. وأما الأردن فقصبتها طبرية ومن مدنها: قدس، صور، عكا، اللجون، كابل، بيسان، أذرعات. وأما فلسطين فقصبتها الرملة ومدنها: بيت المقدس (1/56)
بيت جبريل، غزة، ميماس، عسقلان، يافه، أرسوف، قيسارية، نابلس، أريحا، عمان. وأما الشراة فجعلنا قصبتها صغر ومدنها: مآب، معان، تبوك، أذرح، ويلة، مدين. وفي هذا الإقليم قرىً أجل وأكبر من أكثر مدن الجزيرة مثل داريا، وبيت لهيا، وكفرسلام، وكفرسابا، غير أنها على رسوم القرى معدودة فيها وقد قلنا أن عملنا موضوع على التعارف. وأما حلب فبلد نفيس خفيف حضين، وفي أهلها ظرف ولهم يسار وعقول، مبنيٌ بالحجارة عامر في وسط البلد قلعة حصينة واسعة فيها ماءٌ وخزائن السلطان، والجامع في البلد، شربهم من نهر قويق يدخل إلمط البلد إلى دار سيف الدولة في شباك حديد، والقصبة ليست بكبيرة إلا أن بها مستقر السلطان، لها سبعة أبواب باب حمص باب الرقة باب قنسرين باب اليهود باب العراق باب دار البطيخ باب إنطاكية وباب الأربعين مسدود. بالس: رأس الحد من قبل الرقة عامرة. قنسرين: مدينة قد خف أهلها، حدثنا الشيخ العدل أبو سعيد أحمد بن محمد بنيسابور قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أبو عمار بن حريث المروزي قال: حدثنا الفضل أبو موسى عن عيسى بن عبيد عن غيلان بن عبد الله العامري عن أبي زرعة عن عمرو ابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلى أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين. فإن قال قائل لم جعلت قصبة الكورة حلب وههنا مدينة على اسمها قيل له قد قلنا أن مثل القصبات كالقواد، والمدن كالجند، ولا يجوز أن نجعل حلب على جلالتها وحلول السلطان بها وجمع الدواوين إليها وإنطاكية ونفاستها وبالس وعمارتها جناداً لمدينة خربة صغيرة. فإن قال هلا استعملت هذا القياس في شيراز فاضفت إليها اصطخر ومدنها، قيل لما وجدنا بشيراز مدناً أحدقت بها وتباعدت اصطخر عنها استحسنا ما فعلناه، ثم والأستحسان في علمنا هذا ربما غلب القياس كما قلنا في مسائل المكاتب، ألا ترى أن التأجيل بالنيروز والمهرجان باطل في سائر الأحكام جائز في الكتابة استحساناً. حمص: ليس بالشام بلد أكبر منها، وفيها قلعة متعالية عن البلد ترى من خارج، أكثر شربهم من ماء المطر ولهم أيضاً نهر، ولما فتحها المسلمون عمدوا إلى الكنيسة فجعلوا نصفها جامعاً عنده بالسوق قبة على رأسها شبه من رجل نحاس واقف على سمكة تديرها الأرياح الأربع، وفيه أقاويل لا تصح، والبلد شديد الأختلال متداعٍ إلى الخراب والقوم حمقى. وسائر المدن مختلة والأسعار بها رخيصة وما كان منها على الساحل حصينة، وكذلك تدمر وهي على مثل كرسي من مدن سليمان بن داود، والقصبة قريبة من البادية رحبة طيبة.يت جبريل، غزة، ميماس، عسقلان، يافه، أرسوف، قيسارية، نابلس، أريحا، عمان. وأما الشراة فجعلنا قصبتها صغر ومدنها: مآب، معان، تبوك، أذرح، ويلة، مدين. وفي هذا الإقليم قرىً أجل وأكبر من أكثر مدن الجزيرة مثل داريا، وبيت لهيا، وكفرسلام، وكفرسابا، غير أنها على رسوم القرى معدودة فيها وقد قلنا أن عملنا موضوع على التعارف. وأما حلب فبلد نفيس خفيف حضين، وفي أهلها ظرف ولهم يسار وعقول، مبنيٌ بالحجارة عامر في وسط البلد قلعة حصينة واسعة فيها ماءٌ وخزائن السلطان، والجامع في البلد، شربهم من نهر قويق يدخل إلمط البلد إلى دار سيف الدولة في شباك حديد، والقصبة ليست بكبيرة إلا أن بها مستقر السلطان، لها سبعة أبواب باب حمص باب الرقة باب قنسرين باب اليهود باب العراق باب دار البطيخ باب إنطاكية وباب الأربعين مسدود. بالس: رأس الحد من قبل الرقة عامرة. قنسرين: مدينة قد خف أهلها، حدثنا الشيخ العدل أبو سعيد أحمد بن محمد بنيسابور قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أبو عمار بن حريث المروزي قال: حدثنا الفضل أبو موسى عن عيسى بن عبيد عن غيلان بن عبد الله العامري عن أبي زرعة عن عمرو ابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلى أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين. فإن قال قائل لم جعلت قصبة الكورة حلب وههنا مدينة على اسمها قيل له قد قلنا أن مثل القصبات كالقواد، والمدن كالجند، ولا يجوز أن نجعل حلب على جلالتها وحلول السلطان بها وجمع الدواوين إليها وإنطاكية ونفاستها وبالس وعمارتها جناداً لمدينة خربة صغيرة. فإن قال هلا استعملت هذا القياس في شيراز فاضفت إليها اصطخر ومدنها، قيل لما وجدنا بشيراز مدناً أحدقت بها وتباعدت اصطخر عنها استحسنا ما فعلناه، ثم والأستحسان في علمنا هذا ربما غلب القياس كما قلنا في مسائل المكاتب، ألا ترى أن التأجيل بالنيروز والمهرجان باطل في سائر الأحكام جائز في الكتابة استحساناً. حمص: ليس بالشام بلد أكبر منها، وفيها قلعة متعالية عن البلد ترى من خارج، أكثر شربهم من ماء المطر ولهم أيضاً نهر، ولما فتحها المسلمون عمدوا إلى الكنيسة فجعلوا نصفها جامعاً عنده بالسوق قبة على رأسها شبه من رجل نحاس واقف على سمكة تديرها الأرياح الأربع، وفيه أقاويل لا تصح، والبلد شديد الأختلال متداعٍ إلى الخراب والقوم حمقى. وسائر المدن مختلة والأسعار بها رخيصة وما كان منها على الساحل حصينة، وكذلك تدمر وهي على مثل كرسي من مدن سليمان بن داود، والقصبة قريبة من البادية رحبة طيبة. (1/57)
دمشق: هي مصر الشام ودار الملك أيام بني أمية وثم قصورهم وآثارهم، بنيانهم خشب وطين وعليها حصن أحدث وأنا به من طين، أكثر أسواقها مغطاة ولهم سوق على طول البلد مكشوف حسن، وهو بلد قد خرقته الأنهار، وأحدقت به الأشجار. وكثرت به الثمار، مع رخص أسعار. وثلج وأضداد لا ترى أحسن من حماماتها ولا أعجب من فواراتها ولا أحزم من أهلها، الذي عرفت من دروبها باب الجابية باب الصغير باب الكبير باب الشرقي باب توما باب النهر باب المحامليين، وهي طيبة جداً غير أن في هوائها يبوسة، وأهلها غاغة، وثمارها تفهة، ولحومها عاسية، ومنازلها ضيقة، وأزقتها غامة، وأخبازها ردية، والمعايش بها ضيقة تكون نحو نصف فرسخ في مثله في مستوى، والجامع أحسن شيءٍ للمسلمين اليومٍ، ولايعلم لهم مال مجتمع أكثر منه، قد رفعت قواعده بالحجارة الموجهة كباراً مؤلفة وجعل عليها شرف بهية، وجعلت أساطينها أعمدة سوداً ملساً على ثلاثة صفوف واسعة جداً، وفي الوسط ازاء المحراب قبة كبيرة، وأدير على الصحن أروقة متعالية بفراخ فوقها، ثم بلط جميعه بالرخام الأبيض وحيطانه إلى قامتين بالرخام المجزع ثم إلى السقف بالفسافساء الملونة في المذهبة صور أشجار وأمصار وكتابات على غاية الحسن والدقة ولطافة الصنعة، وقل شجرة أو بلد مذكور إلا وقد مثل على تلك الحيطان، وطليت رؤوس الأعمدة بالذهب، وقناطر الأروقة كلها مرصعة بالفسيفساء، وأعمده الصحن كلها رخام أبيض، وحيطانه بما يدور والقناطر وفراخها بالفسيفساء نقوش وطروح، والسطوح كلها ملبسة بشقاق الرصاص، والشرافيات من الوجهين بالفسيفساء، وعلى الميمنة في الصحن بيت مال على ثمانية عمد مرصع حيطانه بالفسافساء، وفي المحراب وحوله فصوص عقيقية وفيروزجية كأكبر ما يكون من الفصوص، وعلى الميسرة محراب آخر دون هذا للسلطان، وقد كان تشعث وسطه فسمعت إنه أنفق عليه خمسمائة دينار حتى عاد إلى ما كان، وعلى رأس القبة ترنجة فوقها رمانة كلاهما ذهب، ومن أعجب شيءٍ فيه تأليف الرخام المجزع كل شامة إلى أختها، ولو أن رجلاً من أهل الحكمة أختلف إليه سنةً لأفاد منه كل يوم صيغة وعقدة أخرى، ويقال أن الوليد جمع لبنائه حذاق فارس والهند والمغرب والروم، وأنفق عليه خراج الشام سبع سنين مع ثماني عشرة سفينة ذهب وفضة أقلعت من قبرص سوى ما أهدى إليه ملك الروم من الآلات والفسافساء، ويدخل إليه العامة من أربعة أبواب: باب البريد عن اليمين كبير له فرخان عن يمين وشمال على كل واحدٍ من الباب الأعظم والفرخين مصراعان مصفحة بالصفر المذهب وعلى لباب والفرخين ثلاثة أروقة كل باب منهما يفتح إلى رواق طويل قد عقدت قناطره على أعمدة رخام، لبست حيطانه على ما ذكرنا، وجمع السقوف مزوقة أحسن تزوبق، وفي هذه الأروقة موضع الوراقين ومجلس خليفة القاضي، وهذا الباب بين المغطى والصحن يقابله عن اليسار باب جيرون على ما ذكرنا، غير أن الأروقة معقودة بالعرض يصعد إليه في درج يجلس فيه المنجمون وأضرابهم، وباب الساعات في زاوية المغطى الشرقية مصراعان سواذج عليه أروقة يجلس فيه الشروطيون وأشباههم، والباب الرابع باب الفراديس مصراعان قبال المحراب في أروقة بين زيادتين عن يمين وشمال عليه منارة محدثة مرصعة على ما ذكرنا، وعلى كل من هذه الأبواب ميضأة مرخمة ببيوت ينيع فيها الماء وفوارات خارجة في قصاع عظيمة من رخام. ومن الخضراء وهي دار السلطان أبواب إلى المقصورة مصفحة مطلية، وقلت يوماً لعمي يا عم لم يحسن الوليد حيث أنفق أموال المسلمين على جامع دمشق ولو أصرف ذلك في عمارة الطرق والمصانع ورم الحصون لكان أصوب وأفضل، قال: لا تفعل يا بني أن الوليد وفق وكشف له عن أمر جليلٍ وذلك أنه رأى الشام بلد النصارى، ورأى لهم فيها بيعاً حسنة قد أفتن زخارفها وانتشر ذكرها، كالقمامة وبيعة لد والرها. فاتخذ للمسلمين مسجداً أشغلهم به عنهن وجعله أحد عجائب الدنيا، ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظم قبة القمامة وهيأتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين، فنصب على الصخرة قبةً على ما ترى. ووجدت في كتاب بخزائن عضد الدولة عروسا الدنيا دمشق والري. وقال يحيى بن أكثم ليس بالأرض أنزه من ثلاث بقاع سمرقند، وغوطة دمشق، ونهر الأبلة. ودمشق بناها دمشق بن قاني بن مالك بن ارفخشذ بن سام قبل مولد ابراهيم بخمس سنين وقال الأصمعي لا بل اشتق اسمها (1/58)
من دمشقوها أي أسرعوها. ويقال أن عمر بن عبد العزيز أراد أن ينقص الجامع ويجعله في مصالح المسلمين حتى ناظروه في ذلك. وقرأت في بعض الكتب إنما أنفق عليه ثمانية عشرحمل بغل ذهب. وقد قال بعض من يهجوهم:من دمشقوها أي أسرعوها. ويقال أن عمر بن عبد العزيز أراد أن ينقص الجامع ويجعله في مصالح المسلمين حتى ناظروه في ذلك. وقرأت في بعض الكتب إنما أنفق عليه ثمانية عشرحمل بغل ذهب. وقد قال بعض من يهجوهم: (1/59)
يا ايها السائل عن ادياينا ... لما رأى هيئة أحبارهم
وحسن سمتٍ لهم ظاهراً ... إعلانهم ليس كاسرارهم
ما إن لهم فخرٌ سوى مسجدٍ ... به تعدوا فوق أطوارهم
لوجاءهم جارٌ لهم قابساً ... ما قبسوه الدهر من نارهم
أسدٌ على الجيران أعداؤهم ... آمنةٌ تخطر في دارهم
وكذب في هذا البيت لأن الأعداء ابداً يخافونهم.
ومدينة بانياس: على طرف الحولة وحد الجبل أرخى وأرفق من دمشق وإليها انتقل أكثر أهل الثغور لما اخذت طرسوس، وزادوا فيها وهي كل يوم في زيادة، لهم نهر شديد البرودة يخرج من تحت جبل الثلج وينبع وسط المدينة، وهي خزانة دمشق رفقة بأهلها بين رساتيق جليلة غير أن ماءها ردى. وصيدا وبيروت. مدينتان على الساحل حصينتان. وكذلك طرابلس إلا أنها أجل. بعلبك: مدينة قديمة فيها مزراع وعجائب معدن الأعناب، وسائر مدنها طيبة رحاب. وبحوران والبثنية ضياع أيوب ودياره مدينتها نوى معدن القموح والحبوب. الحولة: معدن الأقطان والأزهار وهي أغوار و أنهار. الغوطة: تكون مرحلة في مثلها يعجزعن وصفها.
طبرية: قصبة الأردن وبلد وادي كنعان موضوعة بين الجبل والبحيرة، فهي ضيقة كربة في الصيف مؤذية، طولها نحو من فرسخ بلا عرض، وسوقها من الدرب إلى الدرب، والمقابر على الجبل، بها ثماني حمامات بلا وقيد، ومياض عدة حارة الماء، والجامع في السوق كبير حسن قد فرش أرضه بالحصى على أساطين حجارة موصولة. ويقال أهل طبرية شهرين يرقصون وشهرين يقمقمون وشهرين يثاقفون وشهرين عراة وشهرين يزمرون وشهرين يخوضون يعني يرقصون من كثرة الراغيث ويلوكون النبق ويطردون الزنابير عن اللحم والفواكه بالمذاب، وعراة من شدة الحر، ويمصون قصب السكر ويخوضون الوحل. وأسفل البحيرة جسر عظيم عليه طريق دمشق وشربهم منها. عليها بما يدور قرى ونخيل والسفن فيها تذهب وتجيء، وماء الحمامات والدواميس إليها لا يستطيبها الغرباء، كثيرة الأسماك خفيفة الماء، والجبل مطل على البلد شاهق. قدس: مدينة صغيرة على سفح جبل كثيرة الخير، رستاقهاجبل عاملة، بها ثلاث عيون شربهم منها وحمامهم واحد تحت البلد، والجامع في السوق فيه نخلة، وهو بلد حارٌ، ولهم بحيرة على فرسخ تصب إلى بحيرة طبرية، قد عمد إلى النهر فسجر ببناءٍ عجيب حتى يتبحر، إلى جنبها غابة حلفاء رفقهم منها، أكثرهم ينسجون الحصر وبفتلون الحبال، وفي البحيرة أنواع من السمك منه البني حمل من واسط، كثيرة الذمة. جبل عاملة: ذو قرى نفيسة وأعناب وأثمار وزيتون وعيون المطر يسقي زروعهم، يطل على البحر ويتصل بجبل لبنان. أذرعات: مدينة قريبة من البادية، رستاقها جبل جرش يقابل جبل عاملة كثير القرى وجلت طبرية بهذين الجبلين. بيسان: على النهر كثيرة النخيل وأرزاز فلسطين والأردن منها، غزيرة المياه رحبة، إلا أن ماءها ثقيل. اللجون: مدينة على رأس حد فلسطين في الجبال.، بها ماءٌ جار رحبة نزيهة. كابل: مدينة ساحلية، بها مزارع الأقصاب وبها لطبخ السكر الفائق. الفراذية: قرية كبيرة بها منبر، معدن الأعناب والكروم، بها ماءٌ غزير وموضع نزيه. عكا: مدينة حصينة على البحر، كبيرة الجامع فيه غابة زيتون تقوم بسرجه وزيادةٍ، ولم تكن على هذه الحصانة حتى زارها ابن طيلون، وقد كان رأى صور ومنعتها واستدارة الحائط على مينائها، فأحب أن يتخذ لعكا مثل ذلك الميناء، فجمع صناع الكورة وعرض عليهم ذلك فقيل لا يهتدي أحد إلى البناء في الماء في هذا الزمان، ثم ذكر له جدنا أبو بكر البناء، وقيل أن كان عند أحدٍ علم هذا فعنده، فكتب إلى صاحبه على بيت المقدس حتى أنهضه إليه، فلما صار إليه وذكر له ذلك قال هذا أمر هين، علي بفلق الجميز الغليظة، فصفها على وجه الماء بقدر الحصن البري وخيط بعضها ببعض وجعل لها باباً من الغرب عظيماً، ثم بنى عليها بالحجارة والشيد وجعل كلما بنى خمس دوامس ربطها بأعمدة غلاظ ليشتد البناء، وجعلت الفلق كلما ثقلت نزلت حتى إذا علم أنها قد جلست على الرمل تركها حولاً كاملاً حتى أخذت قرارها، ثم عاد فبنى من حيث ترك، كلما بلغ البناء إلى الحائط القديم داخله فيه وخيطه به، نم جعل على الباب قنطرة فالمراكب في كل ليلة تدخل المينا وتجر السلسلة مثل صور قال فدفع إليه ألف دينار سوى الخلع وغيرها من المركوب واسمه عليه مكتوب، وقد كان العدو قبل ذلك يغير على المراكب. الجش: قرية وهي قريبة من القصبة، موضوعة بين أربعة من الرساتيق قريبة من البحر. صور: مدينة حصينة على البحر، بل فيه يدخل إليها من باب واحد على جسرٍ واحدٍ قد أحاط البحر بها، ونصفها الداخل حيطان ثلاثة بلا أرض تدخل فيه المراكب كل ليلة ثم تجر السلسلة التي ذكرها محمد بن الحسن في كتاب الأكراه، ولهم ماء يدخل في قناة معلقة، وهي مدينة جليلة نفيسة بها صنائع ولهم خصائص، وبين عكا وصور شبه خليج ولذلك يقال عكا حذاء صور، إلا أنك تدور، يعني حول الماء. (1/60)
الرملة: قصبة فلسطين، بهية حسنة البناء خفيفة الماء مرية واسعة الفوإكه، جامعة الأضداد بين رساتيق جليلة ومدن سرية ومشاهد فاضلة وقرى نفيسة، والتجارة بها مفيدة والمعايش حسنة، ليس في الإسلام أبهى من جامعها، ولا أحسن وأطيب من حواريها، ولا أبرك من كورتها، ولا ألذ من فواكهها، موضوعة بين رساتيق زكية ومدن محيطة ورباطات فاضلة، ذات فنادق رشيقة وحمامات أنيقة وأطعمة نظيفة وأدامات كثيرة ومنازل فسيحة ومساجد حسنة وشوراع واسعة وأمور جامعة، قد خطت في السهل وقربت من الجبل والبحر وجمعت التين والنخل وانبتت الزروع على البعل وحوت الخيرات والفضل، غير أنها في الشتاء جزيرة من الوحل وفي الصيف ذريرة من الرمل لا ماء يجري ولا خضر ولا طين جيد ولا ثلج، كثيرة البراغيث، عميقة الآبار مالحة، وماء المطر في جباب مقفلة، فالفقير عطشان والغريب حيران، وفي الحمام ديوان ويدور في الدولاب خدام، وهي ميل راجح في ميل بنيانهم حجارة منحوتة حسنة وطوب، الذي أعرف من دروبها درب بئر العسكر درب مسجد عنبة درب بيت المقدس درب بيلعة درب لد درب يافا درب مصر درب داجون، يتصل بها مدينة تسمى داجون فيها جامع، وجامع القصبة في الأسواق أبهى وأرشق من جامع دمشق يسمى الأبيض ليس في الإسلام أكبر من محرابه ولا بعد منبر بينت المقدس أحسن من منبره وله منارة بهية بناه هشام بن عبد الملك، وسمعت عمي يقول لما أراد بناءه قيل له أن للنصارى أعمدة رخام مدفونة تحت الرمل أستعدوها لكنيسة بالعة فقال لهم هشام بن عبد الملك أما أن تظهروها وأما أن نهدم كنيسة لد فنبني هذا الجامع على أعمدتها، فاظهروها وهي غليظة طويلة حسنة وأرض المغطى مفروشة بالرخام والصحن بالحجارة المؤلفة وأبواب المغطى من الشربين والتنوب مداخلة محفورة حسنة جداً. (1/61)
بيت المقدس: ليس في مدائن الكور أكبر منها وقصبات كثيرة أصغر منها، كاصطخر وقاين والفرما، لا شديدة البرد وليس بها حر وقل ما يقع بها ثلج، وسألني القاضي أبو القاسم ابن قاضي الحرمين عن الهواء بها فقلت: سجسج لا حر ولا برد شديد، قال: هذا صفة الجنة. بنيانهم حجر لا ترى أحسن منه ولا أتقن من بنائها ولا أعف من أهلها ولا أطيب من العيش بها ولا أنظف من أسواقها ولا أكبر من مسجدها ولا أكثر من مشاهدها. عنبها خطير، وليس لمعنقتها نظير. وفيها كل حاذق وطبيب، وإليها قلب كل لبيب، ولا تخلو كل يوم من غريب. وكنت يوماً في مجلس القاضي المختار أبي يحيى بن بهرام بالبصرة فجرى ذكر مصر إلى أن سئلت أي بلدٍ أجل، قلت: بلدنا، قيل: فأيها أطيب، قلت: بلدنا، قيل: فأيها أفضل، قلت: بلدنا، قيل: فأيها أحسن، قلت: بلدنا، قيل: فأيها أكثر خيرات، قلت: بلدنا، قيل: فأيها أكبر، قلت: بلدنا. فتعجب أهل المجلس من ذلك، وقيل: أنت رجل محصل وقد أدعيت ما لا يقبل منك وما مثلك إلا كصاحب الناقة مع الحجاج، قلت: أما قولي أجل فلانها بلدة جمعت الدنيا والآخرة فمن كان من أبناء الدنيا وأراد الآخرة وجد سوقها ومن كان من أبناء الآخرة فدعته نفسه إلى نعمة الدنيا وجدها. وأما طيب الهواء فإنه لا سم لبردها ولا أذى لحرها. وأما الحسن فلا ترى أحسن من بنيانها ولا أنظف منها ولا أنزه من مسجدها. وأما كثرة الخيرات فقد جمع الله تعالى فيها فواكه الأغوار والسهل والجبال والأشياء المتضادة كالأترج واللوز والرطب والجوز والتين والموز. وأما الفضل فلانها عرصة القيامة ومنها المحشر وإليها المنشر، وإنما فضلت مكة والمدينة بالكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة تزفان إليها فتحوي الفضل كله. وأما الكبر فالخلائق كلهم يحشرون إليها فأي أرض أوسع منها فاستحسنوا ذلك وأقروا به. إلا أن له عيوباً عدة يقال أن في التورية مكتوب بيت المقدس طشت ذهب مليء عقارب، ثم لا ترى أقدر من حماماتها، ولا أثقل مؤنة، قليلة العلماء كثيرة النصارى، وفيهم جفاءٌ على الرحبة والفنادق، ضرائب ثقال على ما يباع، فيها رجالة على الأبواب فلا يمكن أحداً أن يبيع شيئاً مما يرتفق به الناس إلا بها مع قلة يسار، وليس للمظلوم أنصار، والمستور مهموم والغني محسود، والفقيه مهجور والأديب غير مشهود، لا مجلس نظر ولا تدريس، قد غلب عليها النصارى واليهود وخلا المسمجد من الجماعات والمجالس. وهي أصغر من مكة وأكبر من المدينة، عليها حصن بعضه على جبل وعلى بقيته خندق، ولها ثمانية أبواب حديد (1/62)
باب صهيون باب التيه باب البلاط باب جب ارميا باب سلوان باب أريحا باب العمود باب محراب داود. والماء بها واسع ويقال ليس ببيت المقدس أمكن من الماء والأذان، قل دار ليس بها صهريج وأكثر، وبها ثلاث برك عظيمة بركة بني اسرائيل بركة سليمان بركة عياض عليها حماماتهم، لها دواعٍ من الازقة وفي المسجد عشرون جباً متبحرة، وقل حارة إلا وفيها حب مسبل غير أن مياهها من الأزقة، وقد عمد إلى وادٍ فجعل بركتان يجتمع إليهما السيول في الشتاء وشق منهما قناة إلى البلد تدخل وقت الربيع فتملأ صهاريج الجامع وغيرها. وأما المسجد الأقصى فهو على قرنة البلد الشرقي نحو القبلة، أساسه من عمل داود، طول الحجر عشرة أذرع وأقل منقوشة موجهة مؤلفة صلبة، وقد بنى عليه عبد الملك بحجارة صغار حسان وشرفوه وكان أحسن من جامع دمشق، لكن جاءت زلزلة في دولة بنى العباس فطرحت المغطى إلا ما حول المحراب، فلما بلغ الخليفة خبره قيل له: لا يفي برده إلى ما كان بيت مال المسلمين. فكتب إلى امراءٍ الأطراف وسائر القواد أن يبني كل واحد منهم رواقاً، فبنوه أوثق وأغلظ صناعةً مما كان، وبقيت تلك القطعة شامة فيه وهي إلى حد أعمدة الرخام وما كان من الأساطين المشيدة فهو محدث، وللمغطى ستة وعشرون باباً، باب يقابل المحراب يسمى باب النحاس الأعظم مصفح بالصفر المذهب لا يفتح مصراعه إلا رجل شديد الباع قوي الذراع، عن يمينه سبعة أبواب كبار في وسطها باب مصفح مذهب، وعلى اليسار مثلهن، ومن نحو الشرق أحد عشر بابا سواذج وعلى الخمسة عشر رواق على أعمدة رخام أحدثه عبدالله بن طاهر، وعلى الصحن من الميمنة أروقة على أعمدة رخام وأساطين، وعلى المؤخر أروقة آزاج من الحجارة، وعلى وسط المغطى جمل عظيم خلف قبة حسنة، والسقوف كلها إلا المؤخرملبسة بشقاق الرصاص، والموخر مرصوص بالفسيفساء الكبار، والصحن كله مبلط وسطه دكة مثل مسجد يثرب يصعد إليها من الأربع جوانب في مراقٍ واسعة، وفي الدكة أربع قباب: قبة السلسلة قبة المعراج قبة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الثلاث لطاف ملبسة بالرصاص على أعمدة رخام بلا حيطان، وفي الوسط قبة الصخرة على بيت مثمن بأربعة أبواب كل باب يقابل مرقاة: باب القبلي باب اسرافيل باب الصور باب النساء يفتح إلى الغرب جميعها مذهبة، في وجه كل واحد باب ظريف من خشب التنوب مداخل حسن أمرت بهن أم المقتدر بالله، وعلى كل باب صفة مرخمة بالتنوبية تطبق على الصفرية من خارج، وعلى أبواب الصفاف أبواب أيضاً سواذح، داخل البيت ثلاثة أروقة دائرة على أعمدة معجونة أجل من الرخام وأحسن لا نظير لها قد عقدت عليها أروقة لاطية، داخلها رواق آخر مستدير على الصخرة لا مثمن على أعمدة معجونة بقناطر مدورة، فوق هذه منطقة متعالية في الهواء فيهاطيقان كبار، والقبة من فوق المنطقة طولها عن القاعدة الكبرى مع السفود في الهواء مائة ذراع، ترى من البعد، فوقها سفود حسن طول قامة وبسطة، والقبة على عظمها ملبسة بالصفر المذهب، وأرض البيت وحيطانه مع المنطقة من داخل وخارج على ما ذكرنا من جامع دمشق، والقبة ثلاث سافات: الاولى من ألواح مزوقة والثانية من أعمدة الحديد قد شبكت لئلاتميلها الرياح ثم الثالثة من خشب عليها الصفائح وفي وسطها طريق إلى عند السفود يصعدها الصناع لتفقدها ورمها، فإذا بزغت عليها الشمس أشرقت القبة وتلألأت المنطقة ورأيت شيئاً عجيباً، وعلى الجملة لم أر في الاسلام ولا سمعت أن في الشرك مثل هذه القبة. ويدخل إلى المسجد من ثلاثة عشر موضعاً بعشرين باباً: باب حطه، بابي النبي صلى الله عليه وسلم، أبواب محراب مريم، بابي الرحمة، باب بركة بني إسرائيل، أبواب الأسباط، أبواب الهاشميين، باب الوليد، باب إبراهيم، باب أم خالد، باب داود. وفيه من المشاهد محراب مريم وزكريا ويعقوب والخضر ومقام النبي وجبرئيل وموضع النمل والنور والكعبة والصراط متفرقة فيه، وليس على الميسرة أروقة والمغطى لا يتصل بالحائط الشرقي، ومن أجل هذا يقال لا يتم فيه صف أبداً وإنما ترك هذا البعض لسببين: أحدهما قول عمر اتخذوا في غربي هذا المسجد مصلى للمسلمين فتركت هذه القطعة لئلا يخالف، والثاني أنهم لو مدوا المغطى إلى الزاوية لم تقع الصخرة حذاء المحراب فكرهوا ذلك والله أعلم. وطول المسجد ألف ذراع بذراع الملك الأشباني وعرضه سبعمائة، وفي (1/63)
سقوفه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام، وعلى السطح خمسة وأربعون ألف شقفة رصاص، وحجم الصخرة ثلاتة وثلاثون ذراعاً في سبعة وعشرين، والمغارة التي تحتها تسع تسعاً وستين نفساً. وكانت وظيفته في كل شهر مائة قسط زيت، وفي كل سنة ثمان مائة ألف ذراع حصر، وخدامه مماليك له أقامهم عبد الملك من خمس الأسارى ولذلك يسمون الأخماس لا يخدمه غيرهم، ولهم نوب يحفظونها.ه من الخشب أربعة آلاف خشبة وسبعمائة عمود رخام، وعلى السطح خمسة وأربعون ألف شقفة رصاص، وحجم الصخرة ثلاتة وثلاثون ذراعاً في سبعة وعشرين، والمغارة التي تحتها تسع تسعاً وستين نفساً. وكانت وظيفته في كل شهر مائة قسط زيت، وفي كل سنة ثمان مائة ألف ذراع حصر، وخدامه مماليك له أقامهم عبد الملك من خمس الأسارى ولذلك يسمون الأخماس لا يخدمه غيرهم، ولهم نوب يحفظونها. (1/64)
سلوان: محلة في ربض المدينة تحتها عين عذيبية تسقي جناناً عظيمة، أوقفها عثمان بن عفان على ضعفاء البلد، تحتها بئرأيوب ويزعمون أن ماء زمزم يزور ماء هذه العين ليلة عرفة. وادي جهنم: على قرنة المسجد إلى آخره قبل الشمرق، فيه بساتين وكروم وكنائس ومغاير وصوامع ومقابر وعجائب ومزارع، وسطه كنيسة على قبر مريم، ويشرف عليه مقابر فيها شداد بن أوس الخزرجي وعبادة بن الصامت. جبل زيتا: مطل على المسجد شرقي هذا الوادي، على رأسه مسجد لعمر نزله أيام فتح البلد، وكنيسة على الموضع الذي صعد منه عيسى عم، وموضع يسمونه الساهرة، وحدثونا عن ابن عباس أن الساهرة هي أرض القيامة بيضاء لم يسفك عليها دم. بيت لحم: قرية على طرف فرسخ من نحو حبري، بها ولد عيسى، وثم كانت النخلة وليس يرطب النخيل بهذا الرستاق، ولكن جعلت لها آية وبها كنيسة ليس بالكوره مثلها. حبري: هي قرية إبراهيم الخليل عم، فيها حصن منيع يزعمون أنه من بناء الجن من حجارة عظيمة منقوشة وسطه قبة من الحجارة اسلامية على قبر إبراهيم، وقبر إسحاق قدام في المغطى، وقبريعقوب في المؤخر حذاء كل نبي امرأته، وقد جعل الحيرمسجداً وبني حوله دور للزوار وأختلطت به العمارة، ولهم قناة ضعيفة وهذه القرية إلى نحو نصف مرحلة من كل جانب قرى وكروم وأعناب وتفاح، يسمى جبل نضرة لايرى مثله ولا أحسن من فواكه عامتها تحمل إلى مصر وتنشر، وفي هذه القرية ضيافة دائمة وطباخ وخباز وخدام مرتبون يقدمون العدس بالزيت لكل من حضر من لفقراء ويدفع إلى الأغنياء إذا اخذوا، ويظن أكثر الناس أنه من قرى إبراهيم وإنما هو وقف تميم الداري وغيره، والأفضل عندي التورع عنه. وعلى فرسخ من حبري جبل صغير مشرف على بحيرة صغر، وموضع قريات لوط، ثم مسجد بناه أبو بكر الصباحي فيه موضع مرقد إبراهيم عم قد غاص في القف نحو ذراع، يقال أن إبراهيم لما رأى قريات لوط في الهواء رقد ثم وقال أشهد أن هذا هو الحق اليقين. وحد القدس ما حول إيليا إلى أربعين ميلاً يدخل في ذلك: القصبة ومدنها. واثنا عشرميلاً في البحر، وصغر ومآب، وخمسة أميال من البادية، ومن قبل القبلة إلى ما وراء الكسيفة وما يحاذيها، ومن قبل الشمال تخوم نابلس، وهذه الأرض مباركة كما قال الله تعالى، مشجرة الجبال زريعة السهول من غير. سقي ولا أنهار وكما قالى الرجلان لموسى ابن عمران وجدنا بلداً يفيض لبناً وعسلاً.
بيت جبريل: مدينة سهلية جبلية، رستاقها الداروم فيه مقاطع الرخام وميرة القصبة وخزانة الكورة، بلد الغوال والرخاء ذات ضياع جليلة، إلا أنها قد خفت وهي كثيرة المخنثين. غزة: كبيرة على جادة مصر وطرف البادية وقرب البحر، بها جامع حسن وفيها أثر عمر بن الخطاب ومولد الشافعي وقبر هاشم بن عبد مناف. ميماس: على البحر حصينة صغيرة تنسب إلى غزة. عسقلان: على البحر جليلة كثيرة المحارس والفواكه ومعدن الجميز، جامعها في البزازين قد فرش بالرخام، بهية فاضلة طيبة حصينة قزها فائق وخيرها دافق والعيش بها رافق، أسواق حسنة ومحارس نفيسة إلا أن ميناءها ردي وماءها عذيبي ودلمها مؤذٍ. يافة: على البحر صغيرة إلا أنها خزانه فلسطين وفرضة الرملة، عليها حصن منيع بأبواب محددة وباب البحر كله حديد، والجامع مشرف على البحر نزه، وميناؤها جيد. أرسوف: أصغر من يافة حصينه عامرة، بها منبرحسن بني للرملة ثم كان صغيراً فحمل إلى أرسوف. قيسارية: ليس على بحر الروم بلد أجل ولا أكثر خيرات منها، تفور نعماً وتندفق خيرات طيبة، الساحة حسنة الفواكه، عليها حصن منيع وربض عامر قد أدير عليه الحصن، شربهم من آبلا وصهاريج، ولها جامع حسن. نابلس: في الجبال كثيرة الزيتون يسمونها دمشف الصغرى، وهي في وادٍ قد ضغطها جبلان، سوقها من الباب إلى الباب وآخر إلى نصف البلد، والجامع وسطها، مبلطة نظيفة لها نهر جارٍ، بناؤهم حجاره ولهم دواميس عجيبة. أريحاء: هي مدينة الجبارين، وبها الباب الذي ذكره الله لبني إسرائيل، وهي معدن النيل والنخيل، رستاقها الغور وزروعهم تسقى من العيون، شديدة الحر، معدن الحيات والعقارب، أهلها سمر وسودان، كثيرة البراغيث، غير أن ماءها أخف ماءٍ في الإسلام، كثيرة الموز والارطاب والريحان. عمان: على سيف البادية ذات قرىً ومزارع، رستاقها البلقاء، معدن الحبوب والأغنام، بها عدة أنهار وارحية يديرها الماء، ولها جامع ظريف بطرف السوق مفسفس الصحن وقد قلنا إنه شبه مكة، وقصرجالوت على جبل يطل عليها، وبها قبر أوريا عليه مسجد وملعب سليمان، رخيصة الأسعار كثيرة الفواكه غير أن أهلها جهال وإليها الطرق الصعبة. (1/65)
الرقيم: قر ية على فرسخ من عمان على تخوم البادية، فيها مغارة لها بابان صغير وكبير يزعمون أن من دخل الكبير ولم يمكنه الدخول من الصغير فهو ممذر، وفي المغارة ثلاثة قبور وهي التي حدثنا أبو الفضل محمد بن منصور قال: حدثنا أبو بكر بن سعيد، قال: حدثنا الفضل بن حماد، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، قال: أخبرني نافع عن عبد الله ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بينما نفر ثلاثة يتماشون إذ أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت إلى فم غارهم صخرة من الجبل فاطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها لله عز وجل صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها، فقال أحدهم: اللهم كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي اسقيتهما قبل ولدي، وأنه نابني السخريوماً فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسها أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية ينضاعون فلم نزل كذلك حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجةً نرى منها السماء، ففرج إلله تعالى فرجة رأوا منها السماء، وقال الآخر: اللهم أنه كانت لي ابنة عم أحببمها كأشد ما يحب الرجال، فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها، قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها فإن كنت تعلم إني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجاً. ففرج الله لهم فرجة. وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بعرف من ارز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً وراعيها، فجاءني وقال اتق الله ولا تظلمني وأعطني حقي فقلت إذهب إلى تلك البقر وراعيها، فخذها، فقال اتق الله ولا تهزأ بي، فقلت إني لا اهزأ بك خذ تلك البقر وراعيها، فأخذها وانطلق بها، فإن كنت تعلم إني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي. ففرج الله عنهم.
ولهذه الكورة قرى جليلة ذات منابر أعمر وأجل من أكثر مدن الجزيرة، وهي مذكورة غير أنه لما لم يكن لها قوة المدن في الآئين ولا ضعف القرى في المعمول وتردد أمرها بين الرتبتين وجب أن نستظهر بذكرها ونبين مواضعها. منها لد: وهي على ميل من الرملة، بها جامع يجمع به خلق كثيرمن أهل القصبة وما حوله من القرى وبها كنيسة عجيبة على بابها يقتل عيسى الدجال. كفرسابا: كبيرة بجامع على جادة دمشق. عاقر: قرية كبيرة بها جامع كبير، لهم رغبة في الخير، وليس مثل خبزهم على جادة مكة. يبنا: بها جامع نفيس، معدن التين الدمشقي الفائق. عمواس: ذكروا أنها كانت القصبة في القديم. وإنما تقدموا إلى السهل والبحر من أجل الآبار لأن هذه على حد الجبل. كفرسلام: من قرى قيسارية كبيرة آهلة، بها جامع على الجادة. (1/66)
ولهذه القصبة رباطات على البحريقع بها النفير، وتقلع إليها شلنديات الروم وشوانيهم معهم أساري المسلمين للبيع كل ثلاثة بمائة دينار، وفي كل رباط قوم يعرفون لسانهم ويذهبون إليهم في الرسالات ويحمل إليهم أصناف الأطعمة، وقد ضج بالنفير لما تراءت مراكبهم، فإن كان ليل أوقدت منارة ذلك الرباط وإن كان نهار دخنوا، ومن كل رباط إلى القصبة عدة مناير شاهقة قد رتب فيها أقوام،، فتوقد المنارة التي للرباط ثم التي تليها ثم الأخرى، فلا يكون ساعة إلا وقد أنفر بالقصبة وضرب الطبل على المنارة ونودي إلى ذلك الرباط وخرج الناس بالسلاح والقوة، واجتمع أحداث الرساتيق ثم يكون الفداء، فرجل يشتري رجلاً وآخر يطرح درهماً أو خاتماً حتى يشترى ما معهم. ورباطات هذه الكورة التي يقع بهن الفداء: غزة، ميماس، عسقلان، ماحوز أزذود، ماحوز يبنا، يافه، أرسوف.
ضغر: أهل الكورتين يسمونها صقر، وكتب مقدسيئ إلى أهله من سقر االسفلى إلى الفردوس الأعلى، وذلك أنه بلد قاتل للغرباء ردي الماء ومن أبطأ عليه ملك الموت فليرحل إليها، ولا أعرف في الإسلام لها نظيراً في هذا الباب، وقد رأيت بلداناً وبيةً ولكن ليس كهذه، أهلها سودان غلاظ وماؤها حميم وكأنها جحيم، إلا إنها البصرة الصغرى والمتجر المربح، وهي على البحيرة المقلوبة وبقية مدائن لوط، وإنما نجت لأن أهلها لم يكونوا يعملون الفاحشة، والجبال منها قريبة. مآب: في الجبل، كثيرة القرى واللوز والأعناب، قريبة من البادية ومؤتة من قراها، وثم قبر جعفر الطيار، وعبدالله بن رواحة. أذرح: مدينة متطرفة حجازية شامية، وعندهم بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده وهو مكتوب في أديم. ويلة: مدينة على طرف شعبة بحر الصين عامرة جليلة ذات نخيل وأسماك، فرضة فلسطين وخزانة الحجاز، والعام يسمونها أيلة، وأيلة قد خربت على قرب منها وهي التي قال الله تعالى " وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " مدين: على تخوم الحجاز في الحقيقة، لأن جزيرة العرب كلما دار عليه البحر ومدين في هذه الخطة، وثم الحجر الذي رفعه موسى عم حين سقى غنم شعيب، والماء بها غزير، وأرطالهم ورسومهم شامية. وفي ويلة تنازع بين الشاميين والحجازيين والمصريين كما في عبادان واضافتها إلى الشام أصوب. لأن رسومهم وأرطالهم شامية وهي فرضة فلسطين ومنها يقع جلائبهم. تبوك: مدينة صغيرة بها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
جمل شؤون هذا الإقليم
هو إقليم متوسط الهواء إلا وسطه من الشراة إلى الحولة، فإنه بلد الحر والنيل والموز والنخيل، وقال لي يوماً غسان الحكيم ونحن باريحاء ترى هذا الوادي قلت بلى، قال: هو يمد إلى الحجاز ثم يخرج إلى اليمامة ثم إلى عمان وهجر ثم إلى البصرة ثم إلى بغداد ثم يصعد إلى ميسرة الموصل إلى الرقة وهو وادي الحر والنخيل. وأشد هذا الاقليم برداً بعلبك وما حولها، ومن أمثالهم قيل للبرد أين نطلبك قال بالبلقاء، قال فإن لم نجدك قال بعلبك بيتي. وهو إقليم مبارك بلد الرخص والفواكه والصالحين وكلما علا منه نحو الروم كان أكثر أنهاراً وثماراً وأبرد هواءً، وما سفل منه فإنه أفضل وأطيب وألذ ثماراً وأكثر نخيلاً. وليس فيه نهريسافر فيه إنما يعبر، قليل العلماء كثير الذمة والمجذمين، ولا خطر فيه للمذكرين، والسامرة فيه من فلسطين إلى طبرية ولا تجد فيه مجوسياً ولا صابئاً.
مذاهبهم مستقيمة أهل جماعة وسنة وأهل طبرية ونصف نابلس وقدس وأكثر عمَان شيعة، ولا ماء فيه لمعتزلي إنما هم في خفية، وببيت المقدس خلق من الكرامية لهم خوانق ومجالس، ولا ترى به مالكياً ولا داودياً وللأوزاعية مجلس بجامع دمشق والعمل كان فيه على مذهب أصحاب الحديث، والفقهاء شفعوية وأقل قصبة أو بلد ليس فيه حنفي وربما كانت القضاة منهم، فإن قيل لِم لَم يقل والعمل فيه على مذهب الشافعي والصدور ثم شفعوية، قيل له هذا كلام من لا تمييز له لأن مذهب الشافعي الجهر بالبسملة والقنوت في الفجر، ولا نقنت إلا في النصف الأخير من شهررمضان في الوتر وغيرذلك ما لم يكن يستعمله أهل الشام وينكرونه، ألا ترى أن ملكهم لما أمر بالجهر بالبسملة بطبرية كيف تظلموا منه إلى كافور الأخشيدي واستبشعوا ما فعله، واليوم أكثر العمل على مذاهب الفاطمي ونحن نذكرها مع رسومهم في إقليم المغرب إن شاء الله تعالى. (1/67)
والغالب فيه من القراءات حروف أبي عمرو، إلا بدمشق فإنه لا يؤم في الجامع إلا من يقرأ لابن عامر وهي شائعة فيهم مختارة عندهم، وقد فشت قراءة الكسائي في الاقليم ويستعملون السبع ويجتهدون في ضبطها.
والتجارات به مفيدة، يرتفع من فلسطين الزيت والقطين والزبيب والخرنوب والملاحم والصابون والفوط. ومن بيت المقدس الجبن والقطن وزبيب العينوني والدوري غاية، والتفاح وقضم قريش الذي لا نظير له والمرايا وقدور القناديل والإبر. ومن أريحاء نيل غاية. ومن صغر وبيسان النيل والتمور. ومن عمان الحبوب والخرفان والعسل. ومن طبرية شقاق المطارح والكاغد وبز. ومز قدس ثياب المنيرة والبلعيسية والحبال. ومن صور السكر والخرز والزجاج المخروط والمعمولات. ومن مآب قلوب اللوز. ومن بيسان الرز. ومن دمشق المعصور والبلعيسي وديباج ودهن بنفسج دون والصفريات والكاغد والجوز والقطين والزبيب. ومن حلب القطن والثياب والأشنان والمغرة. ومن بعلبك الملابن. ولا نظير لقطين وزيت الأنفاق وحواري وميازر الرملة، ولا لمعنقة وقضم قريش وعينوني ودوري وترياق وترذوغ وسبح بيت المقدس. وأعلم إنه قد اجتمع بكورة فلسطين ستة وثلاثون شيئاً ولا تجتمع في غيرها. فالسبعة الأولى لا توجد إلا بها، والسبعة الثانية غريبة في غيرها، والاثنان والعشرون لا تجتمع إلا بها. وقد يجتمع أكثرها في غيرها مثل قضم قريش والمعنقة والعينوني والدوري وانجاص الكافوري وتين السباعي والدمشقي والقلقاس والجميز والخرنوب والعكوب والعناب وقصب السكر والتفاح الشامي والرطب والزيتون والأترج والنيل والراسن والنارنج واللقاح والنبق والجوز واللوز والهليون والموز والسماق والكرنب والكمأة والترمس والطري والثلج ولبن الجواميس والشهد وعنب العاصمي والتين التمري. وأما القبيط فقد يرى مثله غير أن له طعماً آخر، وقد ترى الخس غير أنه في جملة البقل إلا بالأهواز فإنه غاية ويفرد عن البقل أيضاً بالبصرة.
وأما المكاييل فلأهل الرملة القفيز والويبة والمكوك والكيلجة، فالكيلجة نحو صاع ونصف، والمكوك ثلاث كيالج، والويبة مكوكان، والقفيز أربع ويبات، وينفرد أهل ايليا بالمدى وهو ثلثاً القفيز، وبالقب وهو ربع المدى، ولا يستعمل المكوك إلا في كيل السلطان، ومدى عمان ست كيالج وقفيزهم نصف كيلجة وبه يبيعون الزبيب والقطين، وقفيز صور مدى ايليا وكيلجتهم صاع، وغرارة دمشق قفيز ونصف بالفلسطيني.
والأرطال من حمص إلى الجفار ستمائة، غير أنه يتفاوت فاملاه رطل عكا، وأزله الدمشقي، وأوقيتهم من خمسين إلى بضع وأربعين. وكل رطل اثنا عشر أوقية، ورطل قنسرين ثلثا هذا.
والسنج متقاربة: الدرهم ستون حبة، وحبتهم شعيرة واحدة، والدانق عشر حبات، والدينار أربعة وعشرون قيراطاً، والقيراط ثلاث شعيرات ونصف. ورسومهم إنهم يقدون القناديل في مساجدهم على الدوام يعلقونها بالسلاسل مثل مكة، وفي كل قصبة بيت مالٍ بالجامع معلق على أعمدة، وبين المغطى والصحن أبواب إلا اريحاء، ولا ترى الحصى إلا في صحن جامع طبرية، والمناير مربعة، وأوساط سقوف المغطى مجملة، وعلى أبواب الجوامع وفي الأسواق مطاهر، ويجلسون بين كل سلامين من التراويح وبعض يوترون بواحدة وكان وترهم في القديم ثلاثاً، وفي أيامي أمر أبو إسحاق المروزي حتى قطعوه بايليا وإذا قام إلى كل ترويحة نادى منادى الصلاة رحمكم الله، ويصلون بايليا ست ترويحات، والمذكرون به قصاص، ولأصحاب أبي حنيفة بالمسجد الأقصى مجلس ذكر يقرأون في دفتر، وكذلك الكرامية في خوانقهم، وكان الحراس يهللون بعد صلاة الجمعة ويجلس الفقهاء بين الصلاتين وبين العشائين، وللقراء مجالس في الجوامع. ومن أعياد النصارى التي يتعارفها المسلمون ويقدرون بها الفصول: الفصح وقت النيروز، والعنصرة وقت الحر، والميلاد وقت البرد، وعيد بربارة وقت الأمطار. ومن أمثال الناس إذا جاء عيد بربارة فليتخذ البناء زماره، يعني فليجلس في البيت والقلندس، ومن أمثالهم إذا جاء القلندس فتدفيء واحتبس. وعيد الصليب وقت قطاف العنب، وعيد لد وقت الزرع. وشهورهم رومية: تشرين الأول والثاني كانون الأول والثاني شباط آذار نيسان آيار حزيران تموز آب إيلول. وأقل ما ترى به فقيهاً له بدعة أو مسلماً له كتابة إلا بطبرية فإنها ما زالت تخرج الكتاب وإنما الكتبة به، وبمصر نصارى لأنهم اتكلوا على لسانهم فلم يتكلفوا الأدب كالأعاجم، وكنت إذا حضرت مجلس قاضي القضاة ببغداد اخجل من كثرة ما يلحن، ولا يرون ذلك عيباً وأكثر الجهابذة والصباغين والصيارفة والدباغين بهذا الاقليم يهود، وأكثر الاطباء والكتبة نصارى. وأعلم أن خمساً في خمسة مواضع من الإسلام حسن: رمضان بمكة وليلة الختمة بالمسجد الأقصى والعيدين باصقلية ويوم عرفة بشيراز ويوم الجمعة ببغداد وأيضاً ليلة النصف من شعبان بايليا ويوم عشوراء بمكة حسن. ولهم تجمل يلبسون الأردية كل عالم وجاهل ولا يتخففون في الصيف إنما هي نعال الطاق، وقبورهم مسنمة ويمشون خلف الجنائز ويسلون الميت ويخرجون إلى المقابر لختم القرآن ثلاثة أيام إذا مات ميت، ويكشفون المماطر ولا يقورون الطيالسة، ولا جلة البزازين بالرملة حمر مصرية بسروج، ولا يركب به الخيل إلا أمير أو رئيس، ولا يتدرع إلا أهل القرى والكتبة، ولباس القرياتيين برستاق ايليا ونابلس كساء واحد حسب بلا سراويل ولهم الأفرنة، وللقرياتيين الطوابين تنور في الأرض صغير قد فرش بالحصى فيوقد الزبل حوله وفوقه فإذا أحمر طرحت الأرغفة على الحصى، وبه طباخون للعدس والبيسار ويقلون الفول المنبوت بالزيت ويصلقونه ويباع مع الزيتون، ويملحون الترمس ويكثرون أكله، ويصنعون من الخرنوب ناطفاً يسمونه القبيط، ويسمون ما يتخذون من السكر ناطفاً، ويصنعون زلابيةً في الشتاء من العجين غير مشبكة، وعلى أكثر هذه الرسوم أهل مصر وعلى أقلها أهل العراق وأقور. (1/68)
وبه معادن حديد في جبال بيروت، وبحلب مغرة جيدة، وبعمان دونها، وبه جبال حمر يسمى ترابها السمقة وهو تراب رخو، وجبال بيض تسمى الحوارة فيه أدنى صلابة يبيض به السقوف ويطين به السطوح وبفلسطين مقاطع حجارة بيض، ومعدن للرخام ببيت جبريل، وبالأغوار معادن كبريت وغيره. ويرتفع من البحيرة المقلوبة ملح منثور، وخير العسل ما رعى السعتر بايليا وجبل عاملة، وأجود المري ما عمل باريحاء. وقد ذكرنا أكثر المشاهد في عنوان الاقليم وأن ذكرنا مواضعها طال الكتاب غير أن أكثرها بايليا ثم بسائر فلسطين ثم بالاردن.
ومياه هذا الاقليم جيدة إلا ماء بانياس فإنه يطلق، وماء صور يحصر، وماء بيسان ثقيل، ونعوذ بالله من صغر، وماء بيت الرام ردي ولا ترى أخف من ماء اريحاء، وماء الرملة مري، وماء نابلس خشن، وفي ماء دمشق وايليا أدنى خشونة، وفي الهواء أدنى يبوسة.