صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب : الموسوعة الفقهية الكويتية
المصدر : ملتقى أهل الحديث.
المؤلف : وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بالكويت
الجزء : من حرف النون ناقصا بعض المصطلحات في النهاية ,إلى حرف الواو كلمة : وضوء.
قام بتنسيقه وفهرسته للموسوعة الشاملة 2 أبوعمر(80)
لملتقى أهل الحديث
www.ahlalhdeeth.com
سائلا الله عز وجل أن يغفر له ولوالديه بمنه وكرمه
وأن يجعل عمله خالصا لوجهه الكريم
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

أما الذي يتعلق بالزوج في نكاح زوجته فعدم تمليكه الطلاق منها أو من غيرها، بأن يقول لامرأته اختاري أو أمرك بيدك ينوي الطلاق، أو طلقي نفسك، أو أنت طالق إن شئت، أو يقول لرجل طلق امرأتي إن شئت، كذا عدم التطليق بشرط، والإضافة إلى وقت، لأنه بالتمليك جعل النكاح بحال لا يتوقف زواله على اختياره، وكذا بالتعليق والإضافة، وهذا معنى عدم بقاء النكاح لازما.
وأما الذي يتعلق بالمولى في نكاح أمته فهو أن لا يعتق أمته المنكوحة حتى لو أعتقها لا يبقى العقد لازما وكان لها الخيار، وهو المسمى بخيار العتاقة .
وقال المالكية شروط صحة النكاح أن يكون بصداق، ولو لم يذكر حال العقد فلا بد من ذكره عند الدخول، أو تقرر صداق المثل.
وصحته أيضا بشهادة رجلين عدلين غير الولي، وإن حصلت الشهادة بهما بعد العقد وقبل الدخول، فلا يصح النكاح بلا شهادة، أو شهادة رجل وامرأتين، ولا بشهادة فاسقين، ولا بعدلين أحدهما الولي، قال الصاوي ليس المراد بالولي من يباشر العقد، بل من له ولاية النكاح ولو تولى العقد غيره بإذنه، ولا تصح شهادة المتولى أيضا لأنها شهادة على فعل النفس، وقال ومثل الفاسقين في عدم صحة النكاح بشهادتهما مستورا الحال، فإن عدم العدول فيكفي مستورا الحال، وقيل يستكثر من الشهود، وهو المطلوب في هذه الأزمنة .
الشروط في عقد النكاح
41 305 الشروط في عقد النكاح
133 - اختلف الفقهاء في الشروط في عقد النكاح، هل تبطل النكاح أو لا تبطله؟ ولهم في ذلك تفصيل
يرى الحنفية أن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة فيصح النكاح ويلغو الشرط.
ومن أمثلة ذلك أن يتزوج الرجل المرأة على ألف بشرط أن لا يتزوج عليها، فإن وفى بما شرط فلها المسمى لأنه يصلح مهرا وقد تراضيا به، وإن لم يوف فلها مهر مثلها لأنها ما رضيت بالألف - وهو دون مهر مثلها - إلا مع ما ذكر لها من المنفعة فيكمل لها مهر المثل، لأنها ما رضيت بالمسمى وحده فكأنه ما سمى .
ومن ذلك ما لو تزوجها على ألف وكرامتها - أي بأن يحسن إليها بشيء تسر به - فلها مهر مثلها لا ينقص عن ألف لأنه رضي بها، وإن طلقها قبل الدخول! فلها نصف الألف لأنه أكثر من المتعة.
وإن قال علي ألف إن أقام بها وألفين إن أخرجها، فإن أقام فلها الألف، وإن أخرجها فمهر مثلها لا يزاد على ألفين ولا ينقص عن ألف، وهذا عند أبي حنيفة .
وقال الصاحبان الشرطان جائزان، وعند زفر فاسدان، وعلى هذا علي ألف إن لم يتزوج عليها وألفان إن تزوج.
دليل زفر أن كل واحد منهما على خطر الوجود فكان المهر مجهولا.
ودليلهما أن كل واحد منهما فيه غرض صحيح وقد سمى فيه بدلا معلوما.
ولأبي حنيفة أن الشرط الأول صح وموجبه المسمى، والشرط الثاني ينفي موجب الأول، والتسمية متى صحت لا يجوز نفي موجبها فيبطل الشرط الثاني.
ولو تزوجها على ألف إن كانت قبيحة وألفين إن كانت جميلة صح الشرطان، والفرق أنه لا مخاطرة هنا لأن المرأة على صفة واحدة إلا أن الزوج يجهلها، وفي المسألة الأولى المخاطرة موجودة في التسمية الثانية، لأنه لا يدرى أن الزوج هل يفي بالشرط الأول أم لا .
134 - وقال المالكية إن تزوج الرجل امرأة على شرط أن لا تأتيه أو أن لا يأتيها إلا نهارا أو ليلا فقط فسخ النكاح قبل الدخول لا بعده، لأن ذلك مما يناقض مقتضى النكاح، ولما فيه من الخلل في الصداق، ولذا كان يثبت بعد الدخول بصداق المثل لأن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط .
ولو وقع النكاح بخياره يوما أو أكثر لأحد 41 306 الزوجين أو لهما أو لأجنبي فسخ قبل الدخول، وثبت بعده بالمسمى إن كان، وإلا فبصداق المثل، إلا خيار المجلس فإنه جائز هنا إذا اشترط.
ولو وقع النكاح على شرط أنه إذا لم يأت بالصداق لوقت كذا فلا نكاح فيفسخ قبل الدخول فقط إن جاء به في الوقت المذكور أو قبله، فإن لم يأت به فسخ أبدا.
وقالوا كل ما وقع على شرط يناقض المقصود من النكاح؟ كأن وقع على شرط أن لا يقسم بينها وبين ضرتها في المبيت، أو على شرط أن يؤثر عليها ضرتها، أو شرط أن نفقتها عليها أو على أبيها، أو أن لا ميراث بينهما، أو شرطت على الزوج أن ينفق على ولدها من غيره أو على أمها أو أختها، أو شرطت عليه أن أمرها بيدها، أو شرطت زوجة الصغير أو السفيه أو العبد أن نفقتها على الولي أو السيد فإن النكاح يفسخ في الجميع قبل الدخول، ويثبت بعده بمهر المثل، ويلغى الشرط .
135 - وقال الشافعية الشرط في النكاح إن لم يتعلق به غرض فهو لغو، وإن تعلق به لكن لا يخالف مقتضى النكاح، بأن شرط أن ينفق عليها، أو يقسم لها، أو يتسرى، أو يتزوج عليها إن شاء، أو يسافر بها، أو لا تخرج إلا بإذنه فهذا لا يؤثر في النكاح .

(81/40)


وإن شرط ما يخالف مقتضاه فهو ضربان أحدهما ما لا يخل بالمقصود الأصلي من النكاح فيفسد الشرط، سواء كان لها بأن شرط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، أو لا يطلقها، أو يطلق ضرتها، أو كان الشرط عليها بأن شرط أن لا يقسم لها، أو لا ينفق عليها، أو يجمع بينها وبين ضراتها في سكن واحد، ثم فساد الشرط لا يفسد النكاح على المشهور، وفي وجه أو قول حكاه الحناطي يبطل النكاح.
الضرب الثاني ما يخل بمقصود النكاح كأن شرط الزوج أن لا يطأ زوجته أصلا، أو أن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة، أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط، أو إلا نهارا، أو أن يطلقها ولو بعد الوطء بطل النكاح، لأنه ينافي مقصود النكاح فأبطله.
قال الشربيني الخطيب ما جرى عليه المصنف - أي النووي في المنهاج - من البطلان فيما إذا شرط عدم الوطء هو ما صححه في المحرر، وفي الشرح الصغير أنه الأشبه، والذي صححه في الروضة وأصلها 41 307 وتصحيح التنبيه فيما إذا شرطه الصحة، لأنه حقه فله تركه والتمكين عليها، وهذا هو الذي عليه الجمهور كما قاله الأذرعي وغيره، وقال في البحر إنه مذهب الشافعي .
ولو شرط الزوج أن الزوجة لا ترثه أو أنه لا يرثها أو أنهما لا يتوارثان، أو أن النفقة على غير الزوج بطل النكاح أيضا، كما قاله في أصل الروضة عن الحناطي وجرى عليه ابن المقري ، وصحح البلقيني الصحة وبطلان الشرط.
ولو شرط أحد الزوجين خيارا في النكاح بطل، لأن النكاح مبناه على اللزوم، فشرط ما يخالف قضيته يمنع الصحة، فإن شرط ذلك على تقدير عيب مثبت للخيار قال الزركشي ينبغي أن يصح، لأنه تصريح بمقتضى العقد، قال الشربيني الخطيب وهو مخالف لإطلاق الأصحاب.
ولو شرط أحد الزوجين خيارا في المهر فالأظهر صحة النكاح، لأن فساد الصداق لا يؤثر في النكاح، ولا يصح المهر في الأظهر بل يفسد ويجب مهر المثل، لأن الصداق لا يتمحض عوضا بل فيه معنى النحلة فلا يليق به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمى إلا بالخيار، والثاني يصح المهر، والثالث يفسد النكاح لفساد المهر أيضا.
136 - وقالت الحنابلة محل المعتبر من الشروط ما ورد في صلب العقد أو قبله، كأن يقول زوجتك بنتي فلانة بشرط كذا ونحوه ويقبل الزوج على ذلك، وكذا توافق الزوجان عليه قبل العقد، لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناوله ذلك تناولا واحدا، ولا يلزم الشرط بعد العقد ولزومه لفوات محل الشرط.
والشروط في النكاح قسمان
القسم الأول صحيح وهو نوعان
أحدهما ما يقتضيه العقد، كتسليم الزوجة إلى الزوج وتمكينه من الاستمتاع بها، وتسليمها المهر وتمكينها من الانتفاع به فوجوده كعدمه، لأن العقد يقتضي ذلك.
والثاني شرط ما تنتفع به المرأة مما لا ينافي العقد كزيادة معلومة في مهرها أو في نفقتها الواجبة، أو اشتراط كون مهرها من نقد معين، أو تشترط عليه أن لا ينقلها من دارها أو بلدها أو أن لا يسافر بها، أو أن لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها، أو على أن ترضع ولدها الصغير، أو شرطت أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى، أو شرط لها طلاق ضرتها أو بيع أمته فهذا النوع صحيح لازم للزوجة بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه، لما روى الأثرم بإسناده أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر 41 308 رضي الله تعالى عنه فقال لها شرطها، فقال الرجل إذن يطلقننا، فقال عمر مقاطع الحقوق عند الشروط، ولأنه شرط لها منفعة مقصودة لا تمنع المقصود من النكاح فكان لازما .
والشرط الصحيح لا يجب الوفاء به بل يسن؟ لأنه لو وجب لأجبر عمر رضي الله تعالى عنه الزوج عليه ولم يجبره بل قال لها شرطها، فإن لم يف الزوج بشرطها فلها الفسخ، لما تقدم من أثر عمر، ولأنه شرط لازم في عقد فثبت حق الفسخ بترك الوفاء به، كالرهن والضمين في البيع .
وحيث قلنا تفسخ فبفعله ما شرط أن لا يفعله لا بعزمه عليه، لأن العزم على الشيء ليس كفعله، والفسخ على التراخي.
ولا تلزم هذه الشروط إلا في النكاح الذي شرطت فيه، فإن بانت المشترطة منه ثم تزوجها ثانية لم تعد الشروط، لأن زوال العقد زوال لما هو متربط به .
ولو شرط أن لا يخرجها من منزل أبويها، فمات الأب أو الأم بطل الشرط، لأن المنزل صار لأحدهما بعد أن كان لهما، فاستحال إخراجها من منزل أبويها، فبطل الشرط . ولو تعذر سكن المنزل الذي اشترطت سكناه - بخراب وغيره - سكن بها الزوج حيث أراد، وسقط حقها من الفسخ، لأن الشرط عارض - وقد زال - فرجعنا إلى الأصل، والسكنى محض حقه، وقال ابن تيمية فيمن شرطها لها أن يسكنها بمنزل أبيه فسكنت، ثم طلبت سكنى منفردة وهو عاجز لا يلزمه ما عجز عنه بل ولو كان قادرا.
ولو شرطت عليه. نفقة ولدها من غيره وكسوته مدة معينة صح الشرط وكانت من المهر، وظاهره إن لم يعين المدة لم يصح للجهالة.
والقسم الثاني من الشروط في النكاح فاسد، وهو نوعان
أحدهما ما يبطل النكاح، وهو أربعة أشياء

(81/41)


أحدها نكاح الشغار، وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما، لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ( "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار " )
وتفصيل ما يكون به الشغار المنهي عنه، 41 309 وأحكامه في مصطلح ( شغار ف وما بعدها ، ونكاح منهي عنه ف 5- 9 ).
الثاني نكاح المحلل، بأن يتزوج رجل المطلقة ثلاثا بشرط أنه متى أحلها للأول طلقها، أو لا نكاح بينهما، أو اتفقا عليه وهذا النكاح حرام غير صحيح لحديث ابن مسعود رضي الله عنه ( "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له " ) والتفصيل في ( تحليل ف 6- 11 ).
الثالث نكاح المتعة، وهو أن يتزوج الرجل المرأة إلى مدة، أو يقول أمتعيني نفسك فتقول أمتعتك نفسي، لا بولي ولا شاهدين، لما روى الربيع بن سبرة عن أبيه ( "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء " )
والتفصيل في مصطلح ( نكاح منهي عنه ف 11-15 ).
الرابع إذا شرط نفي الحل في نكاح، بأن تزوجها على أن لا تحل له، فلا يصح النكاح لاشتراطه ما ينافيه، أو على ابتداء النكاح على شرط مستقبل غير مشيئة الله تعالى، كقوله زوجتك ابنتي إذا جاء رأس الشهر، أو إذا رضيت أمها، أو إذا رضي فلان، لأن ذلك وقف النكاح على شرط، ولأنه عقد معاوضة فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع، ويصح زوجت، وقبلت إن شاء الله تعالى، وتعليقه على شرط ماض أو حاضر.
والنوع الثاني من الشروط الفاسدة في النكاح إذا شرط الزوجان أو أحدهما الخيار في النكاح أو في المهر، أو شرطا أو أحدهما عدم الوطء، أو شرطت إن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما، أو شرط الزوج عدم المهر، أو النفقة، أو قسم لها أقل من ضرتها أو أكثر، أو إن أصدقها رجع عليها بما أصدق أو ببعضه، أو يشترط أن يعزل عنها، أو شرطت أن لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة، أو لا تسلم نفسها إليه أو إلا بعد مدة معينة، أو شرطت عليه أن يسافر بها إذا أرادت انتقالا، أو أن يسكن بها حيث شاءت أو حيث شاء أبوها أو غيره، أو شرطت أن تستدعيه للجماع وقت حاجتها أو وقت إرادتها، أو شرط لها النهار دون الليل ففي هذه الصور كلها يبطل الشرط لأنه ينافي مقتضى العقد ويتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، ويصح العقد لأن 41 310 هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله، ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتق .
وإن تزوج رجل امرأة على أنها مسلمة فبانت كتابية، أو قال الولي زوجتك هذه المسلمة فبانت كافرة كتابية فله الخيار في فسخ النكاح، لأنه شرط صفة مقصودة فبانت بخلافها، فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة .
وإن شرطها كافرة فبانت مسلمة، أو أمة فبانت حرة، أو ذات نسب فبانت أشرف، أو على صفة دنية فبانت أعلى منها فلا خيار له لأن ذلك زيادة خير فيها.
وإن شرطها بكرا فبانت ثيبا، أو جميلة نسيبة أو بيضاء أو طويلة، أو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها النكاح - كالعمى والخرس والصمم والشلل ونحوه - فبانت بخلاف ما شرط فله الخيار نصا، لأنه شرط وصفا مقصودا فبانت بخلافه، ولا يصح فسخ في خيار الشرط إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه .
آثار النكاح الصحيح
أولا الحقوق المشتركة بين الزوجين
أ- المعاشرة بالمعروف
آثار النكاح الصحيح
الآثار التي رتبها الشارع الحكيم على عقد النكاح الصحيح إما أن تكون مشتركة بين الزوجين، أو خاصة بكل منهما.
أولا الحقوق المشتركة بين الزوجين
أ- المعاشرة بالمعروف
137 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المعاشرة بالمعروف واجبة على كل واحد من الزوجين، فيلزم على كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر المعروف من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وأن لا يماطل بحقه مع قدرته، ولا يظهر الكراهة لبذله، بل يبذله ببشر وطلاقة، ولا يتبعه منة ولا أذى، لأن هذا من المعروف المأمور به، لقوله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } وقوله { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } قال أبو زيد تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيكم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي لأن الله تعالى يقول { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقوله تعالى { وللرجال عليهن درجة }
ويسن لكل واحد منهما تحسين الخلق لصاحبه، والرفق له، واحتمال أذاه لقوله تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا 41 311 وبالولدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب } قيل الصاحب بالجنب هو كل واحد من الزوجين، قال ابن الجوزي معاشرة المرأة بالتلطف لئلا تقع النفرة بين الزوجين مع إقامة هيبة الزوج لئلا تسقط حرمته عندها .

(81/42)


وقال الحنفية هي أمر مندوب إليه ومستحب، قال الله تعالى { وعاشروهن بالمعروف } قيل المعاشرة بالفضل والإحسان قولا وفعلا وخلقا، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي " )
ب- استمتاع كل من الزوجين بالآخر
ب- استمتاع كل من الزوجين بالآخر
138 - ذهب الفقهاء إلى أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر، ولهم في ذلك تفصيل
نص الشافعية والحنابلة على أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر كما يحل له النظر إلى جميع بدن صاحبه وكذا لمسه لحديث ( "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " )
وقال الحنفية إن من أحكام النكاح الأصلية حل وطء الزوج لزوجه إلا في حالة الحيض والنفاس والإحرام وفي الظهار قبل التكفير قال تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقال صلى الله عليه وسلم ( "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " ) وكلمة الله هي الإنكاح والتزويج، ولأن النكاح ضم وتزويج لغة فيقتضي الانضمام والازدواج، ولا يتحقق 41 312 ذلك إلا بحل الوطء والاستمتاع، وحل الاستمتاع مشترك بين الزوجين، فإن المرأة كما تحل لزوجها فزوجها يحل لها، قال الله عز وجل { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وللزوج أن يطالبها بالوطء متى شاء إلا عند اعتراض أسباب مانعة من الوطء كالحيض والنفاس والظهار والإحرام وغير ذلك.
وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء، لأن حله لها حقها، كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين الله تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح فلا يجب عليه عند بعض الحنفية، وعند بعضهم يجب عليه في الحكم.
وأضاف الكاساني ومن الأحكام الأصلية للنكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها - أي الزوجة - إلى قدميها في حال الحياة، لأن الوطء فوق النظر والمس فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى .
وقال المالكية يحل لكل من الزوجين بالعقد الصحيح النظر لسائر أجزاء البدن حتى نظر الفرج، ويحل بالنكاح والملك للأنثى تمتع بغير وطء دبر .
ج- الإرث
ج- الإرث
139 - من الحقوق المشتركة بين الزوجين التوارث، فيرث الزوج زوجته كما ترث الزوجة. زوجها متى توافرت الشروط، وقد بين الله تعالى ميراث كل من الزوجين في قوله عز وجل { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ }
والتفصيل في مصطلح ( إرث ف 36- 38 ).
د- حرمة المصاهرة
د- حرمة المصاهرة
140 - تحرم الزوجة على آباء الزوج وأجداده وأبنائه وفروع أبنائه وبناته، ويحرم على الزوج أمهات الزوجة وجداتها وبناتها وبنات أبنائها وإن نزلن، لأنهن من بناتها، ويحرم عليه أن يجمع بين الزوجة وأختها أو عمتها أو خالتها، كما تحرم على الرجل زوجة الأب 41 313 والجد وإن علا من العصابات أو من ذوي الأرحام، وكذلك تحرم زوجة الفرع وإن سفل.
وينظر التفصيل في مصطلح ( محرمات النكاح ف 9، 12 ، 23 ).
هـ ثبوت نسبت الوالد
هـ ثبوت نسبت الوالد
141 - يثبت نسب الولد من صاحب الفراش في الزوجية الصحيحة بعقد النكاح متى توافرت سائر شروط ثبوت النسب، لقوله صلى الله عليه وسلم ( "الولد للفراش " )
والتفصيل في مصطلح ( نسب ف11 ).
ثانيا حقوق الزوج
أ - طاعة المرأة زوجها
ثانيا حقوق الزوج
142 - حقوق الزوج على زوجته أعظم من حقوقها عليه، لقول الله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } قال الجصاص أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه مثله .
وقال ابن العربي في قوله تعالى { وللرجال عليهن درجة } هذا نص في الزوج مفضل عليها، مقدم في النكاح فوقها .
ومن حقوق الزوج على زوجته
أ - طاعة المرأة زوجها
143 - اتفق الفقهاء على أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة، لقوله تعالى { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } ولقوله تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } واتفقوا كذلك على أن وجوب طاعة الزوجة زوجها مقيدة بأن لا تكون في معصية لله تعالى، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لقوله صلى الله عليه وسلم ( " لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل " )
41 314 والتفصيل في مصطلح ( طاعة ف 10 وما بعدها ، عشرة ف 12، زوج ف 2 ).
ب- تسليم الزوجة نفسها إلى الزوج
ب- تسليم الزوجة نفسها إلى الزوج

(81/43)


144- من حق الزوج على زوجته أن تمكنه من الاستمتاع بها، فإذا كانت مطيقة للجماع وتسلمت معجل صداقها وطلب الزوج تسلمها وجب تسليمها إليه وتمكينه من الاستمتاع بها.
والتفصيل في مصطلح ( تسليم ف 19 ، 20 ، زوج ف 3 ، عشرة ف 8- 14 ).
ج- عدم إذن الزوجة في بيت الزوج لمن يكره دخوله
ج- عدم إذن الزوجة في بيت الزوج لمن يكره دخوله
145 - من حق الزوج على زوجته أن لا تأذن في بيته لأحد يكره دخوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( "فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون " )
والتفصيل في مصطلح ( عشرة ف 16 ، زوج ف 4 ).
د- عدم خروج الزوجة من البيت إلا بإذن ا لزوج
د- عدم خروج الزوجة من البيت إلا بإذن الزوج
146 - من حق الزوج على زوجته ألا تخرج من بيت الزوجية إلا بإذنه، فإن خرجت بدون إذنه فقد ارتكبت معصية، لكن الفقهاء اشترطوا في ذلك أن يكون البيت صالحا للبقاء فيه، وألا يوجد سبب يجيز لها الخروج من البيت بغير إذن الزوج لحديث ( "أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على الزوجة؟ فقال حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع " )
هـ - سفر الزوج بامرأته
هـ - سفر الزوج بامرأته
147 - ذهب الفقهاء - في الجملة - إلى أن للزوج السفر بامرأته، والانتقال بها إلى حيث ينتقل، ولهم في ذلك التفصيل
فقد اختلف فقهاء الحنفية في الأحوال التي يحق فيها للزوج السفر بزوجته
قال الكمال إذا أوفاها مهرها أو كان مؤجلا نقلها إلى حيث شاء من بلاد الله، وكذا إذا وطئها برضاها عند أبي يوسف 41 315 ومحمد ، لقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم }
وقيل لا يخرجها إلى بلد غير بلدها لأن الغريب يؤذى، واختاره الفقيه أبو الليث ، قال ظهير الدين المرغيناني الأخذ بكتاب الله تعالى أولى من الأخذ بقول الفقيه يعني قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } وأفتى كثير من المشايخ بقول الفقيه لأن النص مقيد بعدم المضارة بقوله تعالى { ولا تضاروهن } بعد { أسكنوهن } والنقل إلى غير بلدها مضارة، فيكون قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } مما لا مضارة فيها، وهو ما يكون من جوانب مصرها وأطرافه والقرى القريبة التي لا تبلغ مدة سفر، فيجوز نقلها من المصر إلى القرية، ومن القرية إلى المصر.
وقال بعض المشايخ إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان رجلا مأمونا فله نقلها .
واختلف المالكية في تفصيل حكم المسألة
قال الدردير إن لم يسلم الزوج للزوجة المعين أو حال الصداق المضمون فلها منع نفسها من الدخول حتى تسليمه لها، ولها منع نفسها من الوطء بعد الدخول، ولها المنع من السفر معه قبل الدخول إلى أن يسلمها ما حل من المهر أصالة أو بعد التأجيل، هذا كله إذا لم يحصل وطء ولا تمكين منه، فإن سلمت نفسها له - وطئ أو لم يطأ - فليس لها منع بعد ذلك من وطء ولا سفر معه موسرا كان أو معسرا، وإنما لها المطالبة فقط ورفعه إلى الحاكم كالمدين، إلا أن يستحق الصداق من يدها بعد الوطء فلها المنع بعد الاستحقاق حتى تقبض عوضه، لأن من حجتها أن تقول مكنته حتى يتم الصداق لي ولم يتم، وكذلك لها أن تمتنع من تمكينها بعد الاستحقاق حتى يسلمها بدله إن غرها بأن علم أنه لا يملكه، بل ولو لم يغرها لاعتقاده أنه يملكه بأن ورثه أو اشتراه .
وقال الشافعية يجب على الزوجة السفر مع زوجها، إلا أن لها حبس نفسها لتقبض المهر المعين والحال، لا المؤجل لرضاها بالتأجيل .
وقال الحنابلة للزوج السفر بزوجته حيث 41 316 شاء، إلا أن تشترط بلدها، لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم كانوا يسافرون بنسائهم، فإن اشترطت بلدها فلها شرطها لحديث ( "إن أحق الشرط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج " ) وإلا أن تكون أمة فليس للزوج سفر بها بلا إذن سيدها، لما فيه من تفويت منفعتها نهارا على سيدها، وليس لسيد سفر بأمته المزوجة بلا إذن الزوج لأنه يفوت حقه منها .
و- خدمة المرأة لزوجها
و- خدمة المرأة لزوجها
148- اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة زوجها، فذهب جمهور الفقهاء - الشافعية والحنابلة وبعض المالكية - إلى أنه لا يجب على الزوجة خدمة زوجها، والأولى لها فعل ما جرت به العادة.
وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة الزوجة زوجها ديانة لا قضاء.
وذهب جمهور المالكية إلى أن على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها.
والتفصيل في مصطلح ( عشرة ف 18 ، خدمة ف 18 ).
ز- تأديب الزوج امرأته
ز - تأديب الزوج امرأته
149 - اتفق الفقهاء على أن للزوج تأديب زوجته لنشوزها وما يتصل بالحقوق الزوجية لقول الله عز وجل { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ }

(81/44)


والتفصيل في مصطلح ( تأديب ف 4، 8، 11 ، عشرة ف 10 ، زوج ف 7 ، نشوز ف 12 وما بعدها ).
ح- الطلاق
ح- الطلاق 150 - إنهاء النكاح بالطلاق حق للزوج، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، والأصل فيه عند جمهور الفقهاء الإباحة، وذهب آخرون إلى أن الأصل فيه الحظر، لكنهم يتفقون على أنه تعتريه الأحكام الخمسة بحسب ما يرافقه من قرائن وأحوال.
وفي ذلك وغيره تفصيل ينظر في مصطلح ( طلاق ف 9 وما بعدها ).
ثالثا حقوق الزوجة
أ- المهر
ثالثا حقوق الزوجة
يرتب عقد النكاح الصحيح حقوقا للزوجة على زوجها هي
أ- المهر
151 - يجب على الزوج بالنكاح الصحيح 41 317 المهر للزوجة، وقد ثبت هذا الوجوب بالكتاب والسنة والإجماع
فمن الكتاب قول الله عز وجل { وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة }
ومن السنة ( قول النبي صلى الله عليه وسلم لمريد النكاح "التمس ولو خاتما من حديد " ) وانعقد الإجماع على وجوب المهر على الزوج لزوجته .
والتفصيل في مصطلح ( مهر ف 3 ).
ب- النفقة
ب- النفقة
152 - تجب للزوجة النفقة على زوجها، لقول الله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " )
وفي شروط وجوب هذه النفقة، ومقدارها، وما تتوقف به، وما تسقط به، وغير ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( نفقة ).
ج - إخدام الزوجة
ج - إخدام الزوجة
153- من حق الزوجة على زوجها إخدامها، لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها، ولأن هذا من كفايتها ومما تحتاج إليه على الدوام فأشبه النفقة .
والتفصيل في مصطلح ( خدمة ف 7 وما بعدها ).
د- القسم بين الزوجات
د- القسم بين الزوجات
154- اتفق الفقهاء على أنه يجب على الرجل أن يعدل في القسم بين زوجاته، وأن يسوي بينهن، لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها، ولما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( "إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط " )
41 318 وفي القسم، وما يتحقق به العدل فيه، وعماده مدته، والزوج الذي يستحق عليه، والزوجة التي تستحقه، وقضاء ما فات منه، في ذلك كله وغيره من مسائل القسم تفصيل ينظر في مصطلح ( قسم بين الزوجات ف ه وما بعدها ).
هـ - البيات عند الزوجة
هـ - البيات عند الزوجة
155 - اختلف الفقهاء في وجوب بيات الزوج عند زوجته، أو عدم وجوبه
فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يجب على الزوج أن يبيت عند زوجته، ولكنهم اختلفوا في تقديره أو عدم تقديره.
وذهب المالكية والشافعية إلى أنه لا يجب على الزوج البيات عند زوجته وإنما يسن له ذلك.
والتفصيل في مصطلح ( عشرة ف 23 ).
و- إعفاف الزوجة
و- إعفاف الزوجة
156- من حق الزوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها، وذلك بأن يطأها حتى تعف بالوطء الحلال عن الحرام.
لكن الفقهاء اختلفوا في وجوب وطء الرجل امرأته أو عدم وجوبه كما اختلفوا في العزل عن الزوجة الحرة.
والتفصيل في مصطلح ( عزل ف 35 ، وطء ، عشرة ف 22 ).
آثار النكاح غير الصحيح
أ- وجوب المهر
آثار النكاح غير الصحيح
157 - عقد النكاح غير الصحيح هو الذي لم يستوف أركانه وشروط انعقاده وصحته.
والفقهاء يقسمون عقد النكاح - كغيره من العقود - إلى صحيح وغير صحيح، والقسم الثاني يشمل - عندهم - الباطل والفاسد .
وعقد النكاح غير الصحيح لا يترتب عليه بذاته أثر شرعي إلا إذا أعقبه دخول، فإن أعقبه دخول ترتب عليه بعض الآثار ويظهر ذلك فيما يأتي
أ- وجوب المهر
158- يجب المهر بالعقد في النكاح الصحيح أو بالدخول في النكاح الفاسد، لأن الدخول بالمرأة يوجب الحد أو المهر، وحيث انتفى الحد لشبهة العقد فيكون الواجب المهر.
والتفصيل في مصطلح ( مهر ف 3 ، 45 ).
ب- وجوب العدة
ب- وجوب العدة
159 - ذهب الفقهاء إلى وجوب العدة على 41 319 المرأة المدخول بها في النكاح الفاسد .
والتفصيل في مصطلح ( عدة ف 47 ).
ج- ثبوت النسب
ج- ثبوت النسب
160- يثبت نسب الولد بالوطء في النكاح الفاسد في الجملة، احتياطا لحق الولد في النسب، وإحياء له، ولعدم تضييعه.
والتفصيل في مصطلح ( نسب 12- 13 ).
د- ثبوت حرمة المصاهرة
د- ثبوت حرمة المصاهرة
161 - اتفق الفقهاء على أن حرمة المصاهرة تثبت بالدخول في عقد الزواج الفاسد .
والتفصيل في مصطلح ( محرمات النكاح ف 12 ).
نكاح الكفار
نكاح الكفار
162 - اختلف الفقهاء في حكم نكاح الكفار غير المرتدين .
فذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والشافعية على الصحيح والحنابلة وقول عند المالكية - إلى أن نكاح الكفار غير المرتدين بعضهم لبعض صحيح، لقول الله عز وجل { وقالت امرأة فرعون } سماها الله تعالى امرأته ولو كان نكاحهم فاسدا لم تكن امرأته حقيقة.

(81/45)


ولقول الله عز وجل { وامرأته حمالة الحطب } سماها الله تعالى امرأته، ولو كانت أنكحتهم فاسدة لم تكن امرأته حقيقة، ولأن النكاح سنة آدم عليه الصلاة والسلام فهم على شريعته في ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( "خرجت من نكاح غير سفاح " ) ولأن القول بفساد أنكحتهم يؤدي إلى أمر قبيح، وهو الطعن في نسب كثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن كثيرا منهم ولد من أبوين كافرين وما أفضى إلى قبيح ثبت فساده .
قال الحنفية يجوز نكاح أهل الذمة بعضهم لبعض وإن اختلفت شرائعهم، لأن الكفر كله ملة واحدة، إذ هو تكذيب الرب - سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا - فيما أنزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم، وقال الله عز وجل { لكم دينكم ولي دين } واختلافهم في شرائعهم بمنزلة اختلاف كل فريق منهم فيما بينهم في بعض شرائعهم، وذا لا يمنع جواز نكاح 41 320 بعضهم لبعض كذا هذا .
وكل نكاح جاز بين المسلمين - وهو الذي استجمع شرائط الجواز - فهو جائز بين أهل الذمة، وأما ما فسد بين المسلمين من الأنكحة فإنها منقسمة في حقهم منها ما يصح ومنها ما يفسد.
قال الكاساني وهذا قوله أصحابنا الثلاثة، وقال زفر كل نكاح فسد في حق المسلمين فسد في حق أهل الذمة حتى لو أظهروا النكاح بغير شهود يعترض عليهم، ويحملون على أحكامنا، وإن لم يرفعوا إلينا، وكذا إذا أسلموا يفرق بينهما عنده، وعندنا لا يفرق بينهما وإن تحاكما إلينا أو أسلما، بل يقران عليه.
وجه قول الأئمة الثلاثة أننا أمرنا بتركهم وما يدينون إلا ما استثنى من عقودهم كالزنا، وهذا غير مستثنى فيصح في حقهم.
ووجه قوله زفر أنهم لما قبلوا عقد الذمة فقد التزموا أحكامنا، ورضوا بها .
وقال الشافعية لو طلق الكافر زوجته ثلاثا ثم أسلما من غير محلل لم تحل به إلا بمحلل، لأنا إنما نعتبر حكم الإسلام، أما إذا تحللت في الكفر فيكفي في الحل .
وقال الحنابلة حكم نكاح الكفار كنكاح المسلمين فيما يجب به ويترتب عليه، من نحو نفقة، وقسم، ومهر، وصحة إيلاء، ووقوع طلاق وخلع، وإباحة لزوجة أول إذا كان الأول طلقها ثلاثا وكان الثاني وطئها، وإحصان إذا وطئها، لأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم من المحارم ما يحرم على المسلمين، ولو طلق كافر زوجته ثلاثا ثم تزوجها قبل وطء زوج آخر لها لم يقرا عليه لو أسلما أو ترافعا إلينا، وإن طلقها أقل من ثلاث ثم أسلمها فهي عنده على ما بقى من طلاقها، لكن يقر الكفار على أنكحة محرمة ما اعتقدوا حلها ولم يترافعوا إلينا، لأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم، فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة.
فإن أتانا الكفار قبل عقد النكاح بينهم عقدناه على حكمنا كأنكحة المسلمين، وإن أتونا بعده مسلمين أو غير مسلمين، أو أسلم الزوجان على نكاح لم نتعرض لكيفية العقد، فإن كانت المرأة تباح للزوج عند الإتيان إلينا أقرا على نكاحهما، وإن كانت لا تباح عندئذ 41 321 - كذات محرم أو في عدة أو حبلى، أو كان النكاح شُرِط فيه الخيار مطلقا أو مدة لم تمض أو استخدام نكاح مطلقته ثلاثًا ولو معتقدا حلها- فرق بينهما؛ لأنه حال يمنع من ابتداء العقد، فمنع استدامته، كنكاح ذوات المحارم .
وذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أن أنكحة الكفار فاسدة ولو استوفت شروط الصحة في الصورة لانتفاء كون الزوج مسلمًا، وقيل صحيحة، وفصل بعضهم فقالوا إن استوفت شروط الصحة كانت صحيحة وإلا كانت فاسدة، وعند الجهل تحمل على الفساد لأنه الغالب، واستُظهر هذا القول، وكون إسلام الزوج شرطا في صحة النكاح محله إذا كانت الزوجة مسلمة.
والقول بأن أنكحتهم فاسدة مطلقا، أو ما لم تستوف الشروط- مع أنا لا نتعرض لهم، ويقرون عليها إن أسلم الزوج، أو أسلمت وأسلم في عدتها، أو أسلما معا- فائدته أنه على القول بفساد أنكحتهم مطلقا لا يجوز لنا توليها، وعلى القول بالتفصيل يجوز لنا توليها إن كانت مستوفية لشروط الصحة.
وكل نكاح يكون في الشرك جائزًا بينهم فهو جائز إذا أسلموا عليه وكان الزوج قد دخل بزوجته ولا يفرق بينهما، لأن نكاح أهل الشرك ليس كنكاح أهل الإسلام
وفي قول عند الشافعية أن نكاح الكفار موقوف، إن أسلموا وقرروا عليه تبينا صحته، وإن لمن يقرروا تبينا فساده .
انتهاء النكاح
أ- الموت
انتهاء النكاح
ينتهي النكاح وتنفصم عقدته بأمور منها ما يكون فسخا لعقد النكاح يرفعه من أصله أو يمنع بقاءه واستمراره، ومنها ما يكون طلاقا أو في حكمه، ومن ذلك
أ- الموت
163 - تنحل رابطة الزوجية إذا مات أحد الزوجين .
ولكنه مع ذلك يترتب على النكاح الذي انتهى بالموت أحكام منها أن من بقي من الزوجين يرث من مات منهما، وأن الزوجة تحد وتعتد إن توفي الزوج، ويحل ما أجل من صداقها إن كان المتوفى أحدهما. والتفصيل في مصطلح ( إحداد ف 9 وما بعدها ، إرث ف 35- 38 ، عدة ف 8 ، 17 - 20 ، 58 ، 61 ، مهر ف 31 ، موت ). 41 322
ب- الطلاق
ب- الطلاق

(81/46)


164 - الطلاق هو رفع قيد النكاح في الحال أو المآل بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه، والنكاح الذي يرفعه الطلاق هو النكاح الصحيح.
وقد اتفق الفقهاء على أصل مشروعية الطلاق، واستدلوا بالكتاب وبالسنة وبالإجماع، لكنهم اختلفوا في الحكم الأصلي للطلاق هل هو الإباحة أو الحظر؟ كما بينوا مسائله بيانا وافيا.
والتفصيل في مصطلح ( طلاق ف 9 وما بعدها ).
ج- الخلع
ج- الخلع
165 - الخُلْع - عند جمهور الفقهاء- فُرقة بعِوض مقصود لجهة الزوج، بلفظ خلع أو طلاق.
والخُلْع جائز في الجملة، واستدل الفقهاء على جوازه بقول الله تعالى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس - في أولِ خلع وقع في الإسلام- ( "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " ) وبإجماع الصحابة والأمة على مشروعيته وجوازه.
وقد بين الفقهاء أحكام الخلع ومسائله بيانا شافيا.
والتفصيل في مصطلح ( خلع ف 9 وما بعدها ).
د- الإيلاء
د- الإيلاء
166 - إذا أصر الزوج المولي على عدم قربان زوجته بعد المدة التي حددها الله تعالى بقوله { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فإن الطلاق يقع بمضي هذه المدة عند الحنفية، أما عند غيرهم فإن الطلاق لا يقع بمضي المدة، بل للزوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي فيأمر الزوج بالفيء، فإن أبى أمره بتطليقها، فإن لم يفعل طلقها عليه القاضي.
والتفصيل في مصطلح ( إيلاء ف 17 وما بعدها ).
هـ- اللعان
هـ- اللعان
167 - إذا تم اللعان فإنه يفرق بين الزوجين لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( "المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا" )
41 323 وقد اختلف الفقهاء في الفرقة التي تقع باللعان، هل تقع بمجرد اللعان من غير توقف على حكم القاضي، أم لا بد لوقوعها من حكم القاضي؟ وهل تتوقف على ملاعنة كل من الزوجين أو على لعان الزوج وحده؟ وهل هي طلاق أو فسخ؟ وهل الحرمة المترتبة على اللعان مؤبدة بحيث لا تحل المرأة لمن لاعنها وإن أكذب نفسه، أو هي حرمة مؤقتة تنتهي إذا أكذب الزوج الملاعن نفسه؟ والتفصيل في مصطلح ( فرقة ف 12 ، لعان ف 23، 24 ).
و- إعسار الزوج
و- إعسار الزوج
168 - إعسار الزوج قد يكون بصداق زوجته وقد يكون بنفقتها.
فإذا أعسر بالصداق فللفقهاء في التفريق بينه وبين زوجته بهذا الإعسار أقوال
فذهب الحنفية إلى عدم جواز التفريق بذلك، وللزوجة قبل الدخول منع تسليم نفسها للزوج حتى تستوفي معجل صداقها. وأجاز المالكية التفريق بإعسار الزوج عن معجل الصداق إعسارا لا يرجى زواله ما لم يدخل الزوج بزوجته.
وللشافعية والحنابلة وجوه وأقوال.
أما إذا أعسر الزوج بنفقة زوجته، وثبت إعساره، وطلبت الزوجة التفريق بذلك فرق بينهما عند جمهور الفقهاء خلافا للحنفية. والتفصيل في مصطلح ( إعسار ف 14 ، 19 ، طلاق ف 79- 86 ، فرقة ف 8 ).
ز- الردة
169 - اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد أحد الزوجين حيل بينهما، فلا يقرب الزوج الزوجة ولا يخلو بها، ثم اختلفوا في بينونتها منه؟ هل تكون على الفور أو على التراخي؟ وهل تكون طلاقا أو فسخا؟
والتفصيل في مصطلح ( ردة ف 44 ، فرقة ف 10 ). 41 331
ح- غيبة الزوج
ح- غيبة الزوج
170 - اختلف الفقهاء في التفريق بين الزوجين بسبب غيبة الزوج
فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم جواز التفريق بينهما حتى يتحقق موت الزوج أو يمضي من الزمن ما لا يعيش إلى مثله غالبا. وقسم المالكية والحنابلة حالات الغيبة، وبينوا حكم كل قسم منها.
والتفصيل في مصطلح ( غيبة ف 3 ، طلاق ف 87 وما بعدها ، فرقة ف 7 ، مفقود ف 4 ).
41 324
ط- فوت الكفاءة
ط- فوت الكفاءة
171 - إذا تخلفت الكفاءة عند من يشترطونها لصحة النكاح فإنه يكون عندهم باطلا أو فاسدا، أما من لا يعتبرون الكفاءة لصحة النكاح، ويرون أن الكفاءة حق للمرأة والأولياء فإن تخلفت الكفاءة لا يبطل النكاح عندهم في الجملة، بل يجعله عرضة للفسخ. والتفصيل في مصطلح ( كفاءة ف 21 ).
ي- التحريم الطارئ بالرضاع
ي- التحريم الطارئ بالرضاع
172 - الرضاع المحرم الذي يطرأ على النكاح يقطعه، كما يمنع الرضاع المحرم قبل النكاح انعقاده وابتداءه، لأن أدلة التحريم لم تفرق بين رضاع مقارن وبين طارئ عليه. ومتى ثبت الرضاع المحرم بين الزوجين وجب عليهما أن يفترقا من تلقاء نفسيهما، وإلا فرق بينهما، حيث تبين أن عقد النكاح فاسد.
وهذا الرضاع المحرم الطارئ على النكاح قد يقتضي مع قطعه حرمة مؤبدة، وقد لا يقتضي ذلك.
والتفصيل في مصطلح ( رضاع ف 27 ، محرمات النكاح ف 15 ).
ك- العيب الذي يثبت الخيار
ك- العيب الذي يثبت الخيار

(81/47)


173 - إذا وجد أحد الزوجين- وقد استوفى عقد النكاح أركانه وشروطه- بصاحبه عيبا من العيوب التي تثبت الخيار في النكاح، ولم يسبق علمه بهذا العيب قبل العقد، ولم يرض بالعيب بعد اطلاعه عليه، واكتملت الشروط اللازمة للتفريق بالعيب، فإنه يجوز لهذا الزوج- في الجملة- فسخ العقد ورد النكاح بهذا العيب.
وقد أحصى الفقهاء العيوب التي يفرق بها وبينوها، كما فصلوا شروط التفريق بها كلها أو بعضها، ومن تكون به هذه العيوب هل هو الزوج وحده أو كل من الزوجين؟ ونوع الفرقة بالعيب، وما تقع به هذه الفرقة.
والتفصيل في مصطلح ( طلاق ف 93- 107 ).

(81/48)


نكاح الشغار
انظر مهر، نكاح منهي عنه
نكاح الشغار
انظر مهر، نكاح منهي عنه .

(82/1)


نكاح منهي عنه
التعريف
41 325 نكاح منهي عنه
التعريف
1 - سبق تعريف النكاح لغة واصطلاحا.
أما النكاح المنهي عنه فهو النكاح الذي ورد من الشارع نهي عنه .
أنواع الأنكحة المنهي عنها وحكم كل نوع
الأول نكاح الرايات
أنواع الأنكحة المنهي عنها وحكم كل نوع
الأول نكاح الرايات
2 - نكاح الرايات هو أن العاهرات والبغايا في الجاهلية كن ينصبن على أبوابهن رايات وعلامات ليعلم المار بها عهرهن، فمن أرادهن دخل عليهن لا يمنعن من يجيء إليهن، وقد استدل لتحريم وإبطال هذا النوع من النكاح بقول الله تعالى { وذروا ظاهر الإثم } قال السدي وغيره نقلا عن ابن العربي ظاهر الإثم أصحاب الرايات من الزواني، وقال القرطبي في تفسير الآية قيل معنى ظاهر الإثم هو ما كان عليه الجاهلية من الزنا الظاهر
وبحديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ( "أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم، يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته، فيصدقها ثم ينكحها. ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته- إذا طهرت من طمثها- أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدأ حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت ومر ليالٍ بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد 41 326 ولدت، فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل. ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطته به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك. فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم " )
الثاني نكاح الرهط
الثاني نكاح الرهط
3 - نكاح الرهط هو أن النفر من القبيلة أو القبائل كانوا يشتركون في إصابة المرأة، ويكون ذلك عن رضا منها وتواطؤ بينهم وبينها ويكون عددهم- كما نص الحديث- ما دون العشرة، قال ابن حجر العسقلاني في تفسير الحديث ولما كان هذا النكاح يجتمع عليه أكثر من واحد كان لا بد من ضبط العدد الزائد لئلا ينتشر. حتى إذا جاءت بولد ألحقته بمن تريد منهم، فيلحق به ولا يستطيع أن يمتنع عنه .
الثالث نكاح الاستبضاع
الثالث نكاح الاستبضاع
4 - وقد تقدم في حديث عائشة السابق رضي الله عنها، وصورته قال ابن حجر العسقلاني معنى استبضعي منه أي اطلبي منه المباضعة، والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج، أي اطلبي منه الجماع اكتسابا من ماء الفحل لتحملي منه، لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك .
الرابع نكاح الشغار
الرابع نكاح الشغار
5 - سبق تعريف نكاح الشغار لغة واصطلاحا في مصطلح ( شغار ف 1 ).
وقد اتفق الفقهاء على أن نكاح الشغار منهي عنه في الإسلام لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ( "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار" والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق )
41 327 ولحديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( "لا شغار في الإسلام، والشغار أن يبذل الرجل للرجل أخته بغير صداق " )
ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( "لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام " ) وبحديث جابر رضي الله عنه قال ( "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق، بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه " )
إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم هذا النكاح، وفي العلة التي ورد النهي من أجلها، وفي الصور التي يشملها نكاح الشغار
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن نكاح الشغار لا يصح.
وصورته المتفق عليها بينهم أن يقول الرجل لآخر زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل واحدة منهما صداق الأخرى، ويقبله الآخر بقوله تزوجت بنتك وزوجتك بنتي على ما ذكرت، للأحاديث التي وردت في النهي عن نكاح الشغار . ولكنهم اختلفوا في علته، كما اختلفوا في بعض أنواعه وصوره.
6 - فقال المالكية في علة النهي هي خلو النكاح عن الصداق وهو قول عند الشافعية كذلك . 41 328 وأنواع الشغار وصوره عندهم ثلاثة

(83/1)


النوع الأول صريح الشغار وصورته أن يقول لآخر زوجني بنتك على أن أزوجك بنتي، يشترط أن لا يسمي لواحدة منهما صداقا وأن يكون تزويج إحداهما تزويج الأخرى، وأن يجعل تزويج كل منهما مهرا للأخرى، فهذا النكاح فاسد ويفسخ أبدا، أي قبل الدخول وبعده، وفسخه يكون بطلاق بائن، للاختلاف في صحته، فإنه قيل بصحته بعد الوقوع، بناء على القاعدة الكلية وهي كل نكاح اختلف في صحته ففسخه بطلاق بائن، ولهذا فالتحريم بهذا النكاح كالتحريم بالنكاح الصحيح فالمرأة تحرم على أصول الرجل وفصوله، ويحرم عليه أصولها، لأن العقد على البنات يحرم الأمهات، لا فصولها، لأن العقد على الأمهات لا يحرم البنات، فإذا دخل بالأم حرمت البنت ونحوها من الفصول. ويحصل بهذا النكاح كذلك الإرث بين الزوجين إذا مات أحدهما قبل الفسخ بناء على قاعدة أخرى عند المالكية كل نكاح مختلف فيه، ولو كان هذا الخلاف خارج المذهب، ولو في مذهب انقرض إذا كان قويا فهو كالنكاح الصحيح في التحريم والإرث، وفسخه بطلاق.
أما إذا مات أحدهما بعد الفسخ فلا إرث بينهما ولو دخل بها أو كانت العدة باقية، لأنه طلاق بائن
النوع الثاني وصورته أن يقول الرجل لآخر زوجني بنتك أو أختك بمائة من الدنانير، على أن أزوجك بنتي أو أختي بمائة من الدنانير، ويسمى هذا النكاح عند المالكية وجه الشغار، وهو فاسد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى وصداق المثل، سواء تساوى المهر أم لم يتساويا.
ومدار الفساد فيه على توقف تزويج إحداهما على تزويج الأخرى، فلو لم يقع ذلك على وجه الشرط، بل على وجه المكافأة من غير توقف نكاح إحداهما على نكاح الأخرى، أو وقع على سبيل الاتفاق من غير توقف نكاح إحداهما على نكاح الأخرى جاز.
وإنما سمي هذا وجه الشغار، لأنه شغار من وجه دون وجه، فمن حيث إنه سمى لكل منهما صداقا فليس بشغار، لعدم خلو العقد عن الصداق ومن حيث توقف إحداهما على الأخرى حيث شرط تزويج إحداهما بالأخرى فهو شغار، 41 329 فكانت التسمية فيهما كلا تسمية .
النوع الثالث وصورته أن يقول أحدهما للآخر زوجني ابنتك أو أختك بمائة من الدنانير، على أن أزوجك ابنتي أو أختي بلا مهر، ويسمى هذا بالمركب من صريح الشغار ومن وجه الشغار.
فالمسمى لها تعطى حكم وجه الشغار فيفسخ نكاحها قبل البناء ولا شيء لها ويثبت نكاحها بعد البناء بالأكثر من المسمى وصداق المثل، وغير المسمى لها تعطى حكم صريح الشغار فيفسخ نكاحها أبدا أي قبل البناء وبعد البناء ولها بعد البناء صداق المثل ولا شيء لها قبله، ويلحق به الولد إذا دخل بها في جميع الأنواع الثلاثة كما يدرأ عنها الحد .
7 - واختلفت أقوال الشافعية في متعلق النهي عن الشغار، فذهب أكثرهم إلى أن علة النهي الاشتراك في البضع، لأن بضع كل منهما يصير مورد العقد وجعل البضع صداقا مخالف لإيراد عقد النكاح ومقتضاه، فالنهي متوجه إلى النكاح دون الصداق، لأن فساد الصداق لا يوجب فساد النكاح، لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق، وكما لو تزوجها على خمر أو خنزير أو نحوهما.
وقيل العلة في بطلان نكاح الشغار التعليق والتوقيف، فكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك، لأن فيه تزويج كل من الوليين بنته لآخر بشرط أن يزوجه بنته .
وضعف إمام الحرمين المعاني كلها وعول على الخبر، قال الشيخ الشربيني وهو أسلم.
وصورة نكاح الشغار المتفق على بطلانها عند الشافعية أن يقول الولي لآخر زوجتك بنتي مثلا على أن تزوجني ابنتك وبضع كل واحدة منهما صداق الأخرى فيقبل الآخر بقوله تزوجتها وزوجتك بنتي على ما ذكرت .
قال ابن حجر قال شيخنا في شرح 41 330 الترمذي ينبغي أن يزاد ولا يكون من البضع شيء آخر، ليكون متفقا على تحريمه في المذهب.
قال الماوردي بعد أن استدل على فساد نكاح الشغار بالأحاديث وبالقياس ومعناه أن ملك الزوج بضع بنته بالنكاح ثم ارتجعه منه بأن جعله ملكا لبنت الزوج بالصداق، وهذا موجب لفساد النكاح كما لو قال زوجتك بنتي على أن يكون بضعها ملكا لفلان ولأنه جعل المقصود بالعقد لغير المعقود له وجعل المعقود عليه معقودا به فوجب أن يكون باطلا، ولأن العين الواحدة إذا جعلت عوض ومعوضا فبطل أن تكون عوضا بطل أن تكون معوضا كالثمن والمثمن في البيع، كأن يقول بعتك ثوبي مثلا بألف درهم على أن يكون ثمنا لبيع دارك .
وهناك صور اختلف فيها علماء الشافعية هل هي من صدر الشغار فيبطل النكاح أو ليست كذلك فيصح فيها النكاح منها
أ- أن يقول زوجتك بنتي مثلا على أن تزوجني بنتك ولم يجعل البضع صداقا لها أو لإحداهما بأن سكت عنه فقبله الآخر فالأصح- كما قالت النووي- صحة هذا النكاح، لعدم التشريك في البضع وليس فيه إلا شرط عقد في عقد وذلك لا يفسد النكاح ولكن يفسد المسمى ويجب لكل واحدة مهر المثل.

(83/2)


ومقابل الأصح لا يصح النكاح، لوجود التعليق. قال الأذرعي وهو المذهب. وقال البلقيني ما صححه النووي مخالف للأحاديث الصحيحة ولنصوص الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
ب- ومنها ما لو سميا مالا مع جعل البضع صداقا لهما كأن يقول زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل واحدة منهما وألف دينار صداق الأخرى فيبطل عقد كل منهما في الأصح لوجود التشريك في البضع، وهي من مسائل الشغار التي يفسد فيها النكاحان باعتبار المعنى فيها.
وفي مقابل الأصح يصح النكاحان اعتبارا بالاسم ولأنه ليس على تفسير صورة الشغار، ولا يسمى مع المهر المذكور شغارا خاليا عن المهر، ويكون لكل واحدة منهما مهر مثلها، لفساد الصداق .
ج- ومنها أن يقول زوجتك بنتي على أن 41 331 تزوجني بنتك وبضع بنتك صداق لبنتي فيصح النكاح الأول وهو نكاح بنته في الأصح، ويبطل النكاح الثاني وهو نكاحه لبنت صاحبه، لأن الاشتراك حصل في بضعها، لا في بضع بنته، وفي مقابل الأصح لا يصح نكاح بنته أيضا، لوجود التعليق.
د- ومنها أن يقول زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع بنتي صداق لابنتك فيبطل نكاح بنته، لأنه جعل بضعها مشتركا وصح نكاحه على بنت صاحبه في الأصح، لأنه لم يجعل بضعها مشتركا.
وفي مقابل الأصح لا يصح نكاحه على بنت صاحبه لوجود التعليق .
8 - وأما الحنابلة فذكروا أن من صور نكاح الشغار الباطلة أن يقول للآخر زوجتك وليتي على أن تزوجني وليتك وسكت عن المهر، فأجابه الآخر بمثل كلامه.
ومنها أن يقول زوجتك وليتي على أن تزوجني وليتك ولا مهر لهما.
ومنها أن يقول زوجتك وليتي على أن تزوجني وليتك وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى.
ومنها أن يقول زوجتك بنتي مثلا على أن تزوجني بنتك وبضع كل واحدة منهما ومائة دينار مهر الأخرى، قال البهوتي ولم تختلف الرواية عن أحمد أن نكاح الشغار فاسد. وروي عن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أنهما فرقا في الشغار بين المتناكحين، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( "نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق " ) ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا في الآخر فلم يصح كما لو قال بعني ثوبك على أن أبيعك ثوبي، وليس فساد هذا النكاح من قبل التسمية، بل من جهة أنه وافقه على شرط فاسد، ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج، فإنه جعل تزويجه إياها مهرا للأخرى، فكأنه ملكه إياها بشرط انتزاعها منه.
ومنها أن يقول زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة منهما مائة دينار مثلا. أو قال ومهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر فيصح النكاحان بالمهر المسمى كما نص عليه الإمام أحمد وهو المذهب على الصحيح، لأنه لما لم يحصل في هذا العقد تشريك وإنما حصل
41 332 فيه شرط بطل الشرط وصح النكاح ولكن بشرط أن يكون المهر المسمى لكل واحدة منهما مستقلا عن بضع الأخرى، فإن جعل المسمى دراهم وبضع الأخرى لم يصح كما تقدم، وقيل يبطل الشرط وحده، ومحل الصحة أن يكون المسمى غير قليل حيلة سواء كان مهر المثل أو أقل، فإن كان قليلا حيلة لم يصح، لبطلان الحيل على تحليل محرم. قال البهوتي وظاهره إن كان كثيرا صح ولو حيلة، وعبارة المنتهى تبعا للتنقيح تقتضي فساده، وصحة هذه الصورة بشروطها هو المذهب. وقال الخرقي ببطلان هذا النكاح.
ومنها أن يسمي لإحداهما مهرا دون الأخرى فيصح نكاح من سمى لها المهر ويفسد نكاح من لم يسم لها، لأن في نكاح المسمى لها تسمية وشرطا فأشبه ما لو سمع لكل واحدة منهما مهرا. وقال أبو بكر من الحنابلة يفسد نكاحهما .
9 - وذهب الحنفية إلى صحة نكاح الشغار، وصورته عندهم أن يزوج الرجل بنته أو أخته أو غيرهما على أن يزوج الآخر بنته أو أخته أو حريمته من غيرهما على أن يكون بضع كل منهما صداق الأخرى ولا مهر بينهما إلا هذا، فيصح النكاح ويجب مهر المثل، لأنه سمى فيه ما لا يصلح صداقا، وهو منهي عنه لخلوه عن المهر، لأن متعلق النهي عند الحنفية مسمى الشغار، فأصل الشغور الخلو، والنهي الوارد فيه إنما كان من أجل إخلائه عن تسمية المهر واكتفائه بذلك من غير أن يجب فيه شيء آخر من المال على ما كانت عليه عادتهم في الجاهلية فوجب مهر المثل لكل واحدة منهما كما إذا تزوجها بما ليس بمال أو لا يصلح أن يكون مهرا كالخمر والميتة والدم ونحوها. فإذا وجب مهر لم يبق شغار، أو النهي محمول على الكراهة، والكراهة لا توجب الفساد.

(83/3)


أما إذا لم يخل النكاح من الصداق، أو لم يجعل بضع كل واحدة منهما صداق الأخرى بأن قال مثلا زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك فقبل الآخر أو قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون بضع بنتي صداقا لبنتك فلم يقبل الآخر ذلك بل زوجه بنته ولم يجعل لها صداقا، أو سميا لكل منهما صداقا لم يكن هذا النكاح شغارا، بل نكاحا صحيحا اتفاقا. قال في حاشية الشلبي نقلا عن الغاية والشغار بكسر الشين المعجمة وبالغين المعجمة هو من أنكحة الجاهلية من غير أن يجب صداق في الحال ولا في الثاني، وهو من الشغور وهو الخلو، 41 333 فإن كان المهر مسمى فيه فأين الخلو؟ وكذا إذا وجب لها مهر مثلها.
وإلى هذا ذهب الزهري ومكحول والثوري والليث وأحمد في رواية عنه وإسحاق وأبو ثور وهو قول في المذهب الشافعي .
الخامس نكاح الخدن
الخامس نكاح الخدن
10- الخدن هو الصديق للمرأة يزني بها سرا. وذات الخدن من النساء هي التي تزني سرا . وقيل ذات الخدن هي التي تزني بواحد، وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنى ولا تعيب اتخاذ الأخدان، ثم رفع الله جميع ذلك، قال ابن عباس رضي الله عنهما كان قوم من العرب يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه فنهى الله سبحانه وتعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن بقوله { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وزجر عن الوطء إلا عن نكاح صحيح أو ملك يمين " .
وقال ابن العربي في تفسير قوله تعالى { غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } كانت البغايا في الجاهلية على قسمين مشهورات، ومتخذات أخدان. وكانوا بعقولهم يحرمون ما ظهر من الزنا ويحلون ما بطن، فنهى الله تعالى عن الجميع
السادس نكاح المتعة
السادس نكاح المتعة
11- نكاح المتعة هو قول الرجل للمرأة أعطيك كذا على أن أتمتع بك يوما أو شهرا أو سنة أو نحو ذلك سواء قدر المتعة بمدة معلومة كما هو الشأن في الأمثلة السابقة، أو قدرها بمدة مجهولة كقوله أعطيك كذا على أن أتمتع بك موسم الحج أو ما أقمت في البلد أو حتى يقدم زيد، فإذا انقضى الأجل المحدد وقعت الفرقة بغير طلاق .
ونكاح المتعة من أنكحة الجاهلية، وكانت مباحا في أول الإسلام ثم حرم ، لحديث 42 334 علي رضي الله عنه قال " ( إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر " ) ثم رخص فيه عام الفتح، ( لحديث الربيع بن سبرة الجهني رضي الله عنهما "أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين يوم وليلة) فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء " ) ثم حرم فيه، وروي أنه رخص فيها في حجة الوداع، ثم حرم أبدا لحديث سبرة ( " أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح نكاح المتعة في حجة الوداع، ثم حرم أبدا " ) قال الإمام الشافعي لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة وقد اختلف الفقهاء في نكاح المتعة على قولين
القول الأول ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على الصحيح من المذهب إلى حرمة نكاح المتعة وبطلان عقده، مستدلين بأدلة منها ( حديث الربيع بن سبرة الجهني رضي الله عنهما أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ) وحديث علي رضي الله عنه قال " ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة وقال إنما كانت لمن لم يجد فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت " ) 42 335 ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حرم- أو هدم- المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث " ) بمعنى أن المتعة ترتفع من غير طلاق ولا فرقة ولا يجري التوارث بينهما، مما دل على أن المتعة ليست بنكاح ولم تكن المرأة فيها زوجة للرجل.
ومن أدلتهم قول الله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } فالتي استمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين، فوجب أن يكون في المتعة لوم.
وبما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت الآية { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } قال ابن عباس فكل فرج سوى هذين فهو حرام " .

(83/4)


ولأن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة، بل شرع لأغراض ومقاصد يتوسل به إليها، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد فلا يشرع، وإلى هذا ذهب أبو بكر وعمر وعلي وعبد الله بن الزبير وأبو هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والسلف الصالح
وأما قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي في النكاح لأن المذكور في أول الآية وآخرها هو النكاح، فإن الله 42 336 تعالى ذكر أجناسا من المحرمات في أول الآية في النكاح، وأباح ما وراءها بالنكاح بقوله عز وجل { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } أي بالنكاح وقوله تعالى { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي غير متناكحين غير زانين وقال تعالى في سياق الآية الكريمة { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ } ذكر النكاح لا الإجارة والمتعة، فيصرف قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ } إلى الاستمتاع بالنكاح.
وأما تسمية الواجب أجرا فنعم، المهر في النكاح يسمى أجرا قال الله عز وجل { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن وقال سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ }
والأمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع في قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } لا يدل على جواز الإجارة على منفعة البضع وهو المتعة لأن في الآية الكريمة بتقديم وتأخير، كأنه تعالى قال (فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم به منهم) إي إذا أردتم الاستمتاع بهن، كقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي إذا أردتم تطليق النساء، على أنه إن كان المراد من الآية الإجارة والمتعة فقد صارت منسوخة بما ذكر من الآيات والأحاديث. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } نسخه قوله عز وجل { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال "المتعة بالنساء منسوخة نسختها آية الطلاق والصداق والعدة والمواريث " والنكاح الذي تثبت به هذه الحقوق هو النكاح الصحيح ولا يثبت شيء منها بالمتعة
القول الثاني حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها جائزة، وعليه أكثر أصحابه عطاء وطاووس، وبه قال ابن جريج، 42 337 وحكى ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر رضي الله عنهما واحتجوا بظاهر قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } والاستدلال بها من ثلاثة أوجه أحدها أنه ذكر الاستمتاع ولم يذكر النكاح، والاستمتاع والتمتع واحد، والثاني أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر والمتعة عقد الإجارة على منفعة البضع، والثالث أنه تعالى أمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع وذلك يكون في عقد الإجارة والمتعة فأما المهر فإنما يجب في النكاح بنفس العقد ويؤخذ الزوج بالمهر أولا ثم يمكن من الاستمتاع فدلت الآية الكريمة على جواز عقد المتعة
كما استدل القائلون بإباحة نكاح المتعة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال "متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج " .
قالوا فأخبرنا بإباحتهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما ثبت إباحته بالشرع لم يكن به تحريم بالاجتهاد .
واستدلوا كذلك بما ورد ( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " } )
وبما ورد ( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر " )
ولأن نكاح المتعة عقد على منفعة، فصح تقديره بمدة كالإجارة، ولأنه قد ثبتت إباحته بالإجماع فلم ينتقل عنه إلى التحريم إلا بإجماع آخر
12- قال جمهور الفقهاء وقد صح التحريم المؤبد للمتعة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بحديث ( سبرة الجهني أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمس عشر، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء وذكر الحديث إلى أن قال "فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم " )

(83/5)


ومخالفة بعض من الصحابة غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به، والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به حتى قال عمر رضي الله عنه "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة " .
روي عن أبي هريرة مرفوعا ( حرم أو - هدم- المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث " )
وورد ( عن جابر بن عبد الله قال "خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن . . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هن حرام إلى يوم القيامة " )
وأما ما ورد ( عن ابن مسعود "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء. فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل " ) بأن مؤدى هذا الحديث هو إباحة المتعة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأخبار، ومن المعروف أن المتعة قد أبيحت في وقت ثم 42 339 حرمت وليس في حديث ابن مسعود ذكر التاريخ فأخبار الحظر قاضية عليها لأن فيها ذكر الحظر من الإباحة وأيضا لو تساويا لكان الحظر أولى .
وقد روي عن عبد الله بن مسعود أن المتعة منسوخة بالطلاق والعدة والميراث وقال الجصاص قد علم أن المتعة قد كانت مباحة في وقت فلو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضا متواترا لعموم الحاجة إليه ولعرفتها الكافة ولما اجتمعت الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية، فلما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها موجبين لحظرها مع علمهم بديا بإباحتها دل ذلك على حظرها بعد الإباحة ولا نعلم أحدا من الصحابة روي عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس وقد رجع عنه حين استقر عنده تحريمها بتواتر الأخبار من جهة الصحابة وهذا كقوله في الصرف وإباحته الدرهم بالدرهمين يدا بيد فلما استقر عنده تحريم النبي صلى الله عليه وسلم إياه وتواترت عنده الأخبار فيه من كل ناحية رجع عن قوله وصار إلى قول الجماعة فكذلك كان سبيله في المتعة.
ويدل على أن الصحابة قد عرفت نسخ إباحة المتعة ما روي عن عمر أنه قال في خطبته "متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما " وقال في خبر آخر "لو تقدمت فيها لرجمت " فلم ينكر هذا القول عليه منكر لا سيما في شيء قد علموا إباحته وإخباره بأنهما كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يخلو ذلك من أحد وجهين إما أن يكونوا قد علموا بقاء إباحته فاتفقوا معه على حظرها وحاشاهم من ذلك، لأن ذلك يوجب أن يكونوا مخالفين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عيانا وقد وصفهم الله تعالى بأنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فغير جائز منهم التواطؤ على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ، ولأن ذلك يؤدي إلى الكفر وإلى الانسلاخ من الإسلام، لأن من علم إباحة النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة ثم قال هي محظورة من غير نسخ لها فهو خارج من الملة، فإذا لم يجز ذلك علمنا أنهم قد علموا حظرها بعد الإباحة ولذلك لم ينكروه، ولو كان ما قال عمر منكرا ولم يكن النسخ عندهم ثابتا لما جاز أن يقاروه على ترك النكير عليه، وفي ذلك دليل على إجماعهم على نسخ المتعة، إذ غير جائز حظر ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم إلا من طريق النسخ
وقال ابن العربي وقد كان ابن عباس 42 340 يقول بجواز المتعة ثم ثبت رجوعه عنها فانعقد الإجماع على تحريمها
وقال المازري ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا في أول الإسلام ثم ثبت بالأحاديث الصحيح أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة
صيغة نكاح المتعة
صيغة نكاح المتعة
13- يرى المالكية والشافعية عدم التفرقة في بطلان نكاح المتعة بين استعمال لفظ المتعة ولفظ الزواج والنكاح المؤقتين فإذا قال مثلا أتزوجك عشرة أيام مثلا فالعقد باطل ويسمونه النكاح لأجل أو المؤقت

(83/6)


وقال الحنفية نكاح المتعة باطل، وهو أن يقول لامرأة خالية من الموانع أتمتع بك كذا مدة عشرة أيام مثلا، أو يقول أياما أو متعيني نفسك أياما أو عشرة أيام أو لم يذكر أياما بكذا من المال. قال شيخ الإسلام في الفرق بينه وبين النكاح المؤقت أن يذكر المؤقت بلفظ النكاح والتزويج، وفي المتعة أتمتع أو أستمتع، يعني ما اشتمل على مادة متعة. قال ابن الهمام والذي يظهر مع ذلك عدم اشتراط الشهود في المتعة وتعيين المدة، وفي المؤقت الشهود وتعيينها، ولا شك أنه لا دليل لهؤلاء على تعيين كون نكاح المتعة الذي أباحه صلى الله عليه وسلم ثم حرمه هو ما اجتمع فيه مادة (م ت ع) للقطع من الآثار بأن المتحقق ليس إلا أنه أذن لهم في المتعة، وليس معنى هذا أن من باشر هذا المأذون فيه يتعين عليه أن يخاطبها بلفظ أتمتع ونحوه، لما عرف من أن اللفظ إنما يطلق ويراد معناه، فإذا قال تمتعوا من هذه النسوة فليس مفهومه قولوا أتمتع بك، بل أوجدوا معنى هذا اللفظ، ومعناه المشهور أن يوجد عقدا على امرأة لا يراد به مقاصد عقد النكاح من القرار للولد وتربيته بل إلى مدة معينة ينتهي العقد بانتهائها أو غير معينة بمعنى بقاء العقد ما دمت معك إلى أن أنصرف عنك فلا عقد. والحاصل أن معنى المتعة عقد مؤقت ينتهي بانتهاء الوقت فيدخل فيه ما بمادة المتعة والنكاح المؤقت أيضا فيكون النكاح المؤقت من أفراد المتعة وإن عقد بلفظ التزويج وأحضر الشهود وما يفيد ذلك من الألفاظ التي تفيد التواطؤ مع المرأة على هذا المعنى.
ولم يعرف في شيء من الآثار لفظ واحد ممن باشرها من الصحابة رضي الله عنهم بلفظ تمتعت بك ونحوه، والله أعلم
42 341 وقال الحنابلة إن لنكاح المتعة صورا هي
أ- أن يتزوج المرأة إلى مدة معلومة أو مجهولة.
ب- أن يشترط طلاق المرأة في النكاح بوقت كقول الولي زوجتك ابنتي شهرا أو سنة إلى انقضاء الموسم أو إلى قدوم الحاج وشبهه.
ج- أن ينوي الزوج طلاق المرأة بوقت بقلبه.
د- أن يقول الزوج أمتعيني نفسك، فتقول أمتعتك نفسي بلا ولي ولا شهود
الآثار المترتبة على نكاح المتعة
الآثار المترتبة على نكاح المتعة
14- يترتب على بطلان عقد المتعة آثار نبينها فيما يلي
أ- لا يقع على المرأة في نكاح المتعة طلاق ولا إيلاء ولا ظهار ولا يجري التوارث بينهما ولا لعان ولا يثبت به إحصان للرجل ولا للمرأة ولا تحصل به إباحة للزوج الأول لمن طلقها ثلاثا. وهذا باتفاق الفقهاء القائلين ببطلانه ويفرق بينهما
ب- اتفق الفقهاء على أنه لا شيء على الرجل في نكاح المتعة من المهر والمتعة والنفقة ما لم يدخل بالمرأة، فإن دخل بها فلها مهر المثل وإن كان فيه مسمى عند الشافعية ورواية عن أحمد وقول عند المالكية، لأن ذكر الأجل أثر خللا في الصداق . وذهب الحنفية إلى أنه إن دخل بها فلها الأقل مما سمى لها ومن مهر مثلها إن كان ثمة مسمى، فإن لم يكن ثمة مسمى فلها مهر المثل بالغا ما بلغ. وذهب المالكية والحنابلة في المذهب إلى أنه يجب لها بالدخول المسمى لأن فساده لعقده، وهو اختيار اللخمي من المالكية
ج- اتفق الفقهاء أيضا على أنه إن جاءت المرأة بولد في نكاح المتعة لحق نسبه بالواطئ سواء اعتقده نكاحا صحيحا أو لم يعتقده، لأن له شبهة العقد والمرأة تصير به فراشا . وتعتبر مدة النسب من وقت الدخول 42 342 عند محمد من الحنفية وعليه الفتوى عند الحنفية
د- واتفقوا كذلك على أنه يحصل بالدخول في نكاح المتعة حرمة المصاهرة بين كل من الرجل والمرأة وبين أصولهما وفروعهما
عقوبة المتمتع
عقوبة المتمتع
15- ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والحنابلة والمالكية على المذهب والشافعية على الصحيح إلى أنه لا حد على من تعاطى نكاح المتعة سواء كان ذلك بالنسبة للرجل أو المرأة لأن الحدود تدرأ بالشبهات والشبهة هنا هي شبهة الخلاف، بل يعزر إن كان عالما بالتحريم لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة.
ومقابل الصحيح عند الشافعية وقول ضعيف عند المالكية أنه يجب الحد على الواطئ والموطوءة في نكاح المتعة، لأنه ثبت نسخه . وصرح الشافعية- كما جاء في فتح المعين - بأن الحد يسقط في نكاح المتعة إذا عقد بولي وشاهدين فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحد إن وطئ
السابع النكاح المؤقت
السابع النكاح المؤقت
16- صرح الحنفية بأن النكاح المؤقت هو أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام أو شهرا أو سنة ونحو ذلك.
والفرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت بذكر لفظ التزوج في المؤقت دون المتعة، وكذا بالشهادة فيه دون المتعة، وفي المحيط كل نكاح مؤقت متعة، وقال زفر لا تكون المتعة إلا بلفظها.
وفرق في الحكم بين أن يكون مؤجلا إلى أجل لا يبلغانه، أو يكون إلى أجل يبلغانه. فإن كان مؤجلا إلى أجل لا يبلغانه فقد اختلف في حكمه

(83/7)


فقد ذهب الحنفية والحنابلة وأبو الحسن من المالكية والبلقيني وبعض المتأخرين من الشافعية إلى أنه لو أجل النكاح بأجل لا 42 343 يبلغانه صح النكاح كأنه ذكر الأبد، لأن النكاح المطلق لا يزيد على ذلك والتصريح بمقتضى الإطلاق لا يضر. قال البلقيني وفي نص الأم للإمام الشافعي ما يشهد له، وتبعه على ذلك بعض المتأخرين، وجاء في الفتاوى الهندية نقلا عن شمس الأئمة الحلواني وكثير من مشايخ الحنفية إذا سميا ما يعلم يقينا أنهما لا يعيشان إليه كألف سنة ينعقد- أي النكاح- ويبطل الشرط، كما لو تزوجا إلى قيام الساعة أو خروج الدجال أو نزول عيسى على نبينا وعليه السلام، وقال بعض الشافعية ليس من نكاح المتعة ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها لأنه مقتضى العقد بل يبقى أثره بعد الموت
وذهب المالكية في المذهب والشافعية عدا البلقيني إلى أن النكاح المؤقت إلى أجل لا يبلغانه باطل.
فإن أجل إلى أجل يبلغانه كما لو قال أتزوجك عشرة أيام أو نحو ذلك فإنه نكاح فاسد عند فقهاء الحنفية (عدا زفر ) وكذا المالكية، والشافعية، والحنابلة باعتباره عندهم من صور نكاح المتعة، واحتج الحنفية على ما ذهبوا إليه بأنه لو جاز هذا العقد لكان لا يخلو إما أن يجوز مؤقتا بالمدة المذكورة وإما أن يجوز مؤبدا، ولا سبيل إلى الأولى لأن هذا معنى المتعة إلا أنه عبر عنها بلفظ النكاح والتزوج، والمعتبر في العقود معانيها لا الألفاظ كالكفالة بشرط براءة الأصيل إنها حوالة معنى لوجود الحوالة، وان لم يوجد لفظها والمتعة منسوخة، ولا وجه للثاني لأن فيه استحقاق البضع عليها من غير رضاها وهذا لا يجوز .
وقال زفر وبعض الحنفية النكاح جائز وهو مؤبد والشرط باطل، لأنه ذكر النكاح وشرط فيه شرطا فاسدا، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة، فبطل الشرط وبقي النكاح صحيحا، كما إذا قال تزوجتك إلى أن أطلقك إلى عشرة أيام
الثامن النكاح بنية الطلاق
الثامن النكاح بنية الطلاق
17- اختلف الفقهاء في النكاح بنية الطلاق، فذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قول جزم به في المغني والشرح على أنه إذا تزوج امرأة بنية الطلاق بعد شهر أو أكثر أو أقل فالنكاح صحيح سواء علمت المرأة أو وليها بهذه النية أم لا. وذلك لخلو هذا العقد 42 344 من شرط يفسده، ولا يفسد بالنية، لأنه قد ينوي ما لا يفعل ويفعل ما لا ينوي، ولأن التوقيت إنما يكون باللفظ.
وقال الشافعية يكره هذا النكاح خروجا من خلاف من أبطله، ولأن كل ما صرح به أبطل كره إذا أضمره.
وذهب الحنابلة على الصحيح من المذهب والأوزاعي رحمه الله إلى بطلان هذا النكاح باعتبار أنه صورة من صور نكاح المتعة وإلى هذا ذهب بهرام من المالكية إذا فهمت المرأة ذلك الأمر الذي قصده الرجل في نفسه
التاسع النكاح بشرط الطلاق
التاسع النكاح بشرط الطلاق
18- اختلف الفقهاء في النكاح بشرط الطلاق
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة على الصحيح من المذهب إلى أن هذا النكاح لا يصح سواء كان الطلاق محددا بوقت معلوم كشهر أو عشرة أيام أو بمجهول كأن يشترط طلاقها إن قدم أبوها مثلا، لأنه شرط يناقض مقصود العقد فأبطله، ولأنه مانع من بقاء النكاح فأشبه نكاح المتعة .
وذهب الحنفية وهو قول عند كل من الشافعية والحنابلة إلى أن النكاح بشرط الطلاق صحيح فلو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر- مثلا- جاز النكاح، لأن اشتراط القاطع يدل على انعقاد النكاح مؤبدا وبطل الشرط، كما لو شرط أن لا يتزوج عليها أو أن لا يسافر بها
العاشر نكاح المحلل
العاشر نكاح المحلل
19- نكاح المحلل يتأتى في امرأة طلقها زوجها ثلاثا فلا تحل لزوجها الأول إلا بشروط هي
أ- أن تنقضي عدتها منه.
ب- أن يتزوجها رجل آخر زواجا صحيحا.
ج- أن يدخل بها الزوج الجديد دخولا حقيقيا بأن تغيب حشفته أو قدرها في فرجها.
42 345 د- أن يطلقها الزوج الآخر.
هـ- أن تنقضي عدتها منه
وقد قسم الفقهاء صور نكاح المحلل إلى أقسام منها
الأولى أن يتزوجها على شرط إذا أحلها بإصابة للزوج الأول فلا نكاح بينهما وهذا النكاح باطل عند المالكية والشافعية والحنابلة وهو قول عامة أهل العلم منهم الحسن البصري والنخعي وقتادة والليث والثوري وابن المبارك، لحديث " ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له ) " ولحديث عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له ) "
ولما رواه قبيضة بن جابر قال "سمعت عمر وهو يخطب الناس وهو يقول والله لا أوتى بمحل ولا محلل له إلا رجمتهما " ولأنه إلى مدة أو فيه شرط يمنع بقاءه فأشبه نكاح المتعة، بل أغلظ من نكاح المتعة من وجهين كما قال الماوردي أحدهما جهالة مدته. والثاني أن الإصابة فيه مشروطة لغيره فكان بالفساد أخص.
ولأنه نكاح شرط فيه انقطاعه قبل غايته فوجب أن يكون باطلا

(83/8)


وذهب الحنفية إلى أنه يصح نكاح المحلل بكل صوره إلا أنه يكره عندهم تحريما إذا كان بشرط التحليل كأن يقول تزوجتك على أن أحلك للأول، فيصح النكاح ويلغو الشرط.
وخالفهم في هذه الصورة أبو يوسف فيرى 42 346 فساد النكاح فيها لأنه في معنى النكاح المؤقت ولا تحل لزوجها الأول
الثانية أن يتزوجها ويشترط في العقد أنه إذا أحلها للزوج الأول طلقها فهذا النكاح باطل عند المالكية والحنابلة على الصحيح من المذهب والشافعية في الأصح وأبي يوسف لأنه شرط يمنع دوام النكاح فأشبه التأقيت . ولحديث " ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له ) ".
وذهب الحنفية وهو قول عند كل من الشافعية والحنابلة إلى صحة هذا النكاح وبطلان الشرط ، لأنه لو تزوجها على أن لا يطلقها كان النكاح جائزا وله أن يطلقها، وكذلك إذا تزوجها على أن يطلقها وجب أن يصح النكاح ولا يلزمه أن يطلقها كما قال الشافعية، ولأن عمومات النكاح تقتضي الجواز من غير فصل بين ما إذا شرط فيه الإحلال أو لا، فكان هذا النكاح صحيحا، فيدخل كما قال أبو حنيفة تحت قوله تعالى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } إلا أنه كره النكاح بهذا الشرط، لأنه ينافي المقصود من النكاح وهو السكن والتوالد والتعفف، لأن ذلك يقف على البقاء والدوام على النكاح. قال الكاساني وهذا - والله أعلم- معنى إلحاق اللعن بالمحلل في الحديث، وأما إلحاق اللعن بالمحلل له فيحتمل أن يكون لوجهين
أحدهما أنه سبب لمباشرة الزوج الثاني هذا النكاح، لقصد الفراق والطلاق دون الإبقاء وتحقيق وما وضع له، والمسبب شريك المباشر في الإثم والثواب في التسبب للمعصية والطاعة.
ثانيهما أنه باشر ما يفضي إلى الذي تنفر منه الطباع السليمة وتكرهه من عودها إليه- أي المرأة- من مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها وهو الطلقات الثلاث، إذ لولاها لما وقع فيه فكان إلحاقه اللعن به لأجل الطلقات
وقد أول الحنفية اللعن الوارد في شأن المحلل بتأويلات أخرى منها أن اللعن على من شرط الأجر على التحليل، وقال ابن عابدين واللعن على هذا الحمل أظهر، لأنه كأخذ الأجرة على عسب التيس وهو حرام، ويقربه أنه عليه الصلاة والسلام سمى المحلل بالتيس المستعار.
ونقل ابن عابدين عن البزازي أنه لو زوجت المطلقة نفسها من الثاني بشرط أن
42 347 يجامعها ويطلقها لتحل للأول قال الإمام النكاح والشرط جائزان حتى إذا أبى الثاني طلاقها أجبره القاضي على ذلك وحلت للأول .
الثالثة أن يتواطأ العاقدان قبل العقد على أنه إذا أحلها للزوج الأول طلقها ثم عقد بذلك القصد من غير ذكر الشرط في صلب العقد.
فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في وجه ذكره القاضي إلى صحة هذا النكاح، لخلوه من شرط يفسده فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الإحلال أو ما لو نوت المرأة ذلك، ولأن العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد .
قال محمد بن سيرين إن امرأة طلقها زوجها ثلاثا وكان مسكين أعرابي يقعد بباب المسجد، فجاءته امرأة فقالت له هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة، فتصبح فتفارقها؟ فقال نعم، وكان ذلك، فقالت له امرأته إنك إذا أصبحت فإنهم سيقولون لك فارقها، فلا تفعل فإني مقيمة لك ما ترى، واذهب إلى عمر، فلما أصبحت أتوه وأتوها، فقالت كلموه أنتم جئتم به، فكلموه، فأبى وانطلق إلى عمر، فقال الزم امرأتك فإن رابوك بريب فائتني، وأرسل إلى المرأة التي مشت فنكل بها، ثم كان يغدو إلى عمر ويروح في حلة فيقول الحمد لله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح " فقد أمضى عمر رضي الله عنه هذا النكاح ولم ير فيه بأسا حيث تقدم فيه الشرط على العقد .
إلا أن هذا النكاح يكره عند الشافعية خروجا من خلاف من أبطله، ولأن سيدنا عمر رضي الله عنه نكل بالمرأة التي سفرت بين الرجل والمرأة في القصة السابقة فدل على كراهته.
أما الحنفية فيرون أن هذا النكاح مستحب، وأن الرجل المحلل مأجور فيه إذا فعله لقصد الإصلاح، لا مجرد قضاء الشهوة ونحوها إلا 42 348 أن السروجي أورد أنه يكره، لأن الثابت عادة كالثابت نصا، أي فيصير شرط التحليل كأنه منصوص عليه في العقد.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أن هذا النكاح غير صحيح، لحديث " ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له ) " ولأنه قصد به التحليل فلم يصح كما لو شرطه في صلب العقد إلا أن الحنابلة يرون أنه باطل، أما المالكية فيرون أنه يفسخ أبدا بطلقة بائنة للاختلاف فيه قال الدسوقي ومحل فساد النكاح إذا قصد المحلل تحليلها ما لم يحكم بصحته من يرى صحته كشافعي وإلا كان صحيحا، لأن حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية يرفع الخلاف ويصير المسألة كالمجمع عليها .
الرابعة أن يشترط عليه قبل العقد أن يحلها له فنوى المحلل في العقد غير ما شرطوا عليه كأن يقصد نكاح رغبة، أو نوى إمساكها وعدم فراقها إن أعجبته.

(83/9)


فذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى صحة هذا النكاح، لأنه خلا عن شرط التحليل ونية التحليل كما لو لم يذكر ذلك . قال الحنابلة وعلى هذا يحمل حديث ذي الرقعتين لأنه ليس فيه أنه قصد التحليل ولا أنه نواه. وصرح المالكية بأن المحلل إن نوى التحليل مع نية إمساكها عند الإعجاب بأن نوى مفارقتها إن لم تعجبه وإمساكها إن أعجبته فإنه لا يحلها وهو نكاح فاسد لانتفاء نية الإمساك على الدوام المقصودة من النكاح ويفرق بينهما قبل البناء وبعده بطلقة بائنة .
الآثار المترتبة على نكاح المحلل
مستوى7 أولا حل المرأة للزوج الأول
مستوى7 ثانيا هدم الطلقات
الآثار المترتبة على نكاح المحلل
أولا حل المرأة للزوج الأول
20- يرى من قال بصحة نكاح المحلل حسب الصور المتقدمة أن هذا النكاح تتعلق به أحكام النكاح الصحيح من حل الاستمتاع ووجوب المهر والنفقة وثبوت الإحصان والنسب، وغير ذلك من الآثار.
وأما من اعتبر نكاح المحلل فاسدا في الصور التي سبق ذكرها فيثبت فيه عندهم سائر أحكام العقود الفاسدة ولا يحصل به الإحصان ولا الإباحة للزوج الأول.
وصرح الشافعية في القديم بأن المرأة تحل للزوج الأول في نكاح المحلل الفاسد إذا 42 349 ذاقت عسيلة المحلل وذاق عسيلتها .
ثانيا هدم الطلقات
21- اتفق الفقهاء على أن نكاح المحلل يهدم طلقات الزوج الأول الثلاث. والتفصيل في ( تحليل ف 12 ).
حادي عشر نكاح المحرم
حادي عشر نكاح المحرم
22- اختلف الفقهاء في صحة نكاح المحرم . فذهب الجمهور وهم المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أن نكاح المحرم لا يصح سواء كان زوجا أو زوجة أو وليا عقد النكاح لمن يليه أو وكيلا عقد النكاح لموكله وبه قال عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري والأوزاعي لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ( لا يَنكِح المحرم ولا يُنكَح ولا يخطب ) " . وفي رواية " ( لا يتزوج المحرم ولا يزوج ) " ، ولما روي عن علي رضي الله عنه "من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته " ، وعن عمر رضي الله عنه "أنه فرق بين محرمين تزوجا " ولما روي عن شوذب مولى زيد بن ثابت رضي الله عنهما "أنه تزوج وهو محرم ففرق زيد بن ثابت بينهما " ولأنه معنى يثبت به تحريم المصاهرة فوجب أن يمنع منه الإحرام كالوطء .
42 350 وقال الحنابلة في المذهب عندهم الاعتبار بحالة العقد لا بحالة الوكالة، فلو وكل محرم حلالا فعقد النكاح بعد حله من الإحرام صح النكاح على الصحيح لوقوعه حال حل الوكيل والموكل، ولو وكل حلال حلالا فعقد الوكيل النكاح بعد أن أحرم هو أو موكله لم يصح النكاح، لأن الاعتبار بحالة العقد . وقيل يصح.
ولو وكله في عقد النكاح ثم أحرم الموكل لم ينعزل وكيله بإحرامه، فإذا حل الموكل كان لوكيله عقد النكاح له لزوال المانع، وقيل ينعزل.
وفي رواية عن أحمد إن زوج المحرم غيره صح سواء كان وليا أو وكيلا، وهي اختيار أبي بكر، لأن النكاح حرم على المحرم، لدواعي الوطء المفسد للحج ولا يحصل ذلك في هذا النكاح لكونه وليا لغيره .
ونكاح المحرم بصوره المختلفة باطل عند الشافعية والحنابلة في المذهب.
أما عند المالكية فهو فاسد ويفسخ قبل البناء وبعد البناء بطلقة، وإلى هذا ذهب القاضي من الحنابلة، لأنه نكاح مختلف فيه .
وذهب ابن عباس رضي الله عنهما والحنفية إلى صحة نكاح المحرم بحج أو عمرة حتى وإن كان الزوجان محرمين، لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما " ( أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ) " . ولأنه عقد يستباح به البضع فلم يمنع منه الإحرام كالرجعة إلا أن الحنفية نصوا على أن هذا النكاح مكروه تحريما وقيل تنزيها، لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة، لأن ذلك يوجب شغل قلبه عن إحسان العبادة، لما في ذلك من خطبة ومراودات ودعوة واجتماعات، ويتضمن تنبيه النفس لطلب الجماع .
ثاني عشر نكاح المريض والمريضة
ثاني عشر نكاح المريض والمريضة
23- اختلف الفقهاء في نكاح المريض والمريضة
42 351 فذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفية والشافعية والحنابلة والأوزاعي وربيعة وابن أبي ليلى إلى أنه يجوز للمريض أن ينكح جميع ما أحل الله تعالى له أربعا وما دونهن، كما يجوز له أن يشتري، لعموم الأدلة في ذلك .
ومنها قول الله تعالي { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } ولما روي عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم أنه قال " كانت ابنة حفص بن المغيرة عند عبد الله بن أبي ربيعة فطلقها تطليقة، ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تزوجها بعده، فحدث أنها عاقر لا تلد، فطلقها قبل أن يجامعها، فمكثت حياة عمر وبعض خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما، ثم تزوجها عبد الله بن أبي ربيعة وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث، وكان بينها وبينه قرابة " .

(83/10)


ولأن النكاح من الحوائج الأصلية للإنسان فكذلك وجوب المهر الذي هو من لوازم النكاح شرعا، والمريض غير محجور عن صرف ماله إلى حوائجه الأصلية كثمن الأغذية والأدوية .
ولأنه نكاح صدر من أهله في محله بشرطه فيصح كحال الصحة، ولأن " عبد الرحمن ابن أم الحكم تزوج في مرضه ثلاث نسوة أصدق كل واحدة ألفا ليضيق بهن على امرأته ويشركنها في ميراثها فأجيز ذلك " .
قال الجمهور وإذا ثبت صحة النكاح ثبت كذلك صحة الصداق واستحقاق كل من الزوجين إرث الآخر لعموم الأدلة في ذلك.
ونص ابن مفلح من الحنابلة أنه لو تزوج في مرضه مضارة لينقص إرث غيرها وأقرت به لم ترثه، وقال الأوزاعي النكاح صحيح ولا ميراث بينهما.
وقال ربيعة وابن أبي ليلى النكاح صحيح والصداق والميراث من الثلث.
ولا فرق في صحة النكاح عند الجمهور سواء كان الرجل هو المريض أم المرأة .
42 352 وأما المالكية فقد صرح الدسوقي أنه يتفق فقهاء المالكية على منع نكاح الزوجين إذا كانا مريضين مرضا مخوفا يتوقع منه الموت عادة . واختلفوا فيما إذا كان أحد الزوجين مريضا هذا المرض والآخر صحيحا.
فالمشهور الراجح أنه غير جائز وإن أذن الورثة أو احتاج المريض إليه للنهي عن إدخاله وارثا.
وفي قول يجوز النكاح إن احتاج إليه المريض أو أذن الوارث وهذا الذي شهره ابن شاس في الجواهر.
وعلى الأول- وهو المشهور في المذهب- لو وقع النكاح في حالة المرض المخوف بأحد الزوجين أو بهما معا فسخ قبل الدخول وبعده ما لم يصح المريض، فإن ماتت المرأة قبل الدخول بها فلا صداق لها ولا ميراث له، وإن ماتت بعد الدخول فلها الصداق المسمى. ولا ميراث له منها.
إذا مات المريض المتزوج في مرضه المخوف قبل فسخ النكاح- سواء دخل بها أو لم يدخل- عليه من ثلث ماله الأقل من المسمى من صداق المثل . . . وأما إذا فسخ النكاح قبل موته وقبل الدخول فلا شيء فيه.
وأما إذا فسخ بعد الدخول، ثم مات أو صح كان لها المسمى تأخذه من ثلثه مبدءا إن مات، ومن رأس ماله إن صح .
أما إذا صح المريض منهما أو حكم حاكم بصحة النكاح فإنهما يقران على نكاحهما ولا يفرق بينهما دخل بها أو لم يدخل، ويكون لها عليه الصداق الذي سمى.
ونقل ابن قدامة عن الزهري ويحيى بن سعيد أنه إذا كان أي الزوجين مريضا مرضا مخوفا حال عقد النكاح فالنكاح فاسد لا يتوارثان به إلا أن يصيبها فلها المسمى في ثلث ماله مقدما على العصبة.
وقال القاسم بن محمد والحسن إن قصد الإضرار بورثته فالنكاح باطل وإلا فهو صحيح . وانظر مصطلح ( مرض الموت ف 21 ) .
ثالث عشر نكاح السر
أ- حقيقة نكاح السر
ثالث عشر نكاح السر
أ- حقيقة نكاح السر
24- اختلف الفقهاء في حقيقة نكاح السر
فذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية 42 353 والحنابلة إلى أن نكاح السر هو ما لم يحضره الشهود، أما ما حضره شاهدان فهو نكاح علانية لا نكاح السر، إذ السر إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا، واستدلوا على صحته بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) " ، مفهومه انعقاد النكاح بذلك وإن لم يوجد الإظهار، ولأنه عقد معاوضة فلم يشترط إظهاره كالبيع .
وأخبار الإعلان عنه في أحاديث مثل " ( أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف ) " ، يراد بها الاستحباب، بدليل أمره فيها بالضرب بالدف والصوت وليس ذلك بواجب، وكذلك ما عطف عليه وهو الإعلان. أو يحمل الأمر بالإعلان في النكاح على أن يكون إعلانه بالشهادة، وكيف يكون مكتوما ما شهد به شهود، أم كيف يكون معلنا ما خلا من بينة وشهود؟ ولأن إعلان النكاح والضرب عليه بالدف إنما يكون في الغالب من عقد النكاح، ولو كان شرطا لاعتبر حالة العقد كسائر الشروط.
وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر فالمراد به النكاح الذي لم يشهده الشهود بدليل " أن سيدنا عمر رضي الله عنه أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة وقال هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت " . وأما المالكية فلهم في حقيقة نكاح السر طريقتان
الأولى طريقة الباجي وهي استكتام غير الشهود كما لو تواصى الزوجان والولي على كتمه سواء أوصى الشهود بذلك أم لا.
الثانية طريقة ابن عرفة وهي ما أوصى الشهود على كتمه سواء أوصى غيرهم على كتمه أم لا.
ولا بد على طريقة ابن عرفة أن يكون الموصي هو الزوج سواء انضم له غيره كالزوجة أم لا.
42 354 وهذا بما إذا لم يكن الكتمان بسبب خوف من ظالم أو نحوه، وأما إذا كان ذلك بسبب خوف من ظالم أو نحوه كأن يأخذ الظالم مثلا مالا أو غيره فالوصية على كتمه خوفا من ذلك لا يضر، كما أنه لا يعتبر نكاح سر أيضا إذا كان الإيصاء بكتمه بعد العقد .
ب- حكم نكاح السر
ب- حكم نكاح السر
25- يرى جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة بناء على حقيقة نكاح السر عندهم أنه نكاح باطل لعدم الإشهاد عليه لخبر عائشة رضي الله تعالى عنها " ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) " .
وينظر التفصيل في مصطلح ( نكاح ف 16 ).

(83/11)


وأما نكاح السر حسب حقيقته عند المالكية فحكمه على الطريقتين أنه يفسخ قبل الدخول كما يفسخ أيضا إذا دخل ولم يطل، فإن دخل وطال لم يفسخ على المشهور خلافا لابن الحاجب حيث قال يفسخ بعد الدخول والطول، والطول في وقت نكاح السر يعود إلى العرف، لا بولادة الأولاد وهو ما يحصل فيه الظهور والاشتهار عادة.
والفسخ فيه بطلاق لأنه من الأنكحة المختلف فيها، ويعاقب الزوجان في نكاح السر إن دخلا ولم يعذرا بجهل ولم يكونا مجبورين، فإن لم يدخلا أو دخلا ولكن عذرا بالجهل فلا عقاب عليهما، ولا عقاب عليهما كذلك إذا كانا مجبورين وحينئذ العقاب على وليهما.
ويعاقب كذلك الشهود إن حصل دخول ولم يعذروا بجهل ولم يكونوا مجبورين على الكتمان .
وجاء في المدونة عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن رجل نكح سرا وأشهد رجلين فقال إن مسها فرق بينهما واعتدت حتى تنقضي عدتها وعوقب الشاهدان بما كتما من ذلك، وللمرأة مهرها، ثم إن بدا له أن ينكحها حين تنقضي عدتها نكحها علانية . . . وإن لم يكن مسها فرق بينهما ولا صداق لها ونرى أن ينكلهما الإمام 42 355 بعقوبة والشاهدين بعقوبة، فإنه لا يصلح نكاح السر ونكاح السر الذي ذهب إليه المالكية مكروه عند الحنابلة مع صحته قال ابن قدامة فإن عقد النكاح بولي وشاهدين فأسروه أو تواصوا بكتمانه كره ذلك وصح النكاح. وممن كره نكاح السر الموصى فيه بالكتمان عمر رضي الله عنه وعروة رضي الله عنهما وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة والشعبي ونافع مولى بن عمر رحمهم الله أجمعين. وبصحة هذا النكاح قال الحنفية والشافعية وبعض المالكية . وإلى عدم صحة نكاح السر الذي أوصى فيه الشهود بكتمانه ذهب أبو بكر عبد العزيز من الحنابلة .
رابع عشر نكاح المحارم
رابع عشر نكاح المحارم
26- محرمات النكاح منها ما هو محرم حرمة مؤبدة، بسبب قرابة أو رضاع أو مصاهرة، ومنها ما هو محرم حرمة مؤقتة، كالجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها. وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( محرمات النكاح ).

(83/12)


نَكْث
التعريف
42 356 نَكْث
التعريف
ا- النكث لغة مصدر نكث يقال نكث العهد والحبل ينكثه نكثا نقضه، ونكث الرجل العهد نكثا من باب قتل نقضه ونبذه، قال تعالى { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ }
والنكث نقض ما تعقده وتصلحه من بيعة وغيرها. والنكث في الاصطلاح هو نقض العهود والعقود .
الألفاظ ذات الصلة
أ- النقض
ب- النبذ
ج- الغدر
د- العهد
الألفاظ ذات الصلة
أ- النقض
2- النقض لغة من نقضتُّ الحبل نقضا حللت برمَه، ومنه يقال نقضت ما أبرمه إذا أبطلته، والنقض إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء أو غيرهما . ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
والعلاقة بين النكث والنقض أن النقض أعم، لأنه يطلق على إبطال المبرم من عقد أو بناء أو غيرهما، أما النكث فإنه يطلق على العقد فقط، ولذا كان كل نكث نقضا وليس كل نقض نكثا .
ب- النبذ
3- النبذ لغة مصدر نبذ، يقال نبذته نبذا من باب ضرب ألقيته فهو منبوذ، وصبي منبوذ مطروح، ومنه سمي النبيذ، لأنه ينبذ أي يترك حتى يشتد، ونبذت العهد نقضته .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
والعلاقة بين النكث والنبذ أن النبذ أعم من النكث، فكل نكث نبذ وليس كل نبذ نكثا .
ج- الغدر
4- الغدر لغة مصدر غدر، يقال غدر به غدرا 42 357 من باب ضرب نقض عهده، فالغدر ضد الوفاء بالعهد . ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي. والعلاقة بين النكث والغدر أن كلا منهما فيه نقض للعهد وعدم الوفاء به.
د- العهد
5- العهد لغة الوصية، والذمة، والأمان، والموثق، واليمين يحلف بها الرجل . ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي. والعلاقة بين النكث والعهد أن النكث لا يتحقق إلا إذا سبق بعهد، لأن محل النكث هو المعهود عليه.
الأحكام المتعلقة بالنكث
أ- الحكم التكليفي للنكث
الأحكام المتعلقة بالنكث
للنكث حكم تكليفي وآخر وضعي.
أ- الحكم التكليفي للنكث
6- النكث محرم شرعا لقوله تعالى { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } ولقوله تعالى { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ولقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } ولقوله صلى الله عليه وسلم " ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ) " ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ( من أعطى بيعة ثم نكثها لقي الله وليست معه يمينه ) " ، وقوله صلى الله عليه وسلم " ( أربع 42 358 خلال من كن فيه كان منافقا خالصا، من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) " . وتفصيل ذلك في مصطلح ( غدر ف 5 ، 6 ، بيعة ف 13 ، عهد ف 6 ).
ب- الحكم الوضعي للنكث
ب- الحكم الوضعي للنكث
7- نكث العهد جعله الشارع سببا لنبذ العهد وتركه ومن ذلك قوله تعالى { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ } فنكث العهد من جانب المشركين والطعن في الدين جعلها الشارع سببا لقتال أئمة الكفر ونبذ عهدهم. هذا وقد جعل الشارع الحكيم مجرد الخوف من نكث العهد من جانب غير المسلمين سببا في نبذ عهدهم في قوله تعالى { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } انظر ( خيانة ف 11، 12 ).
8- وقد اختلف الفقهاء في بدء قتال غير المسلمين قبل إعلامهم بنقض العهد، كما اختلفوا في الحكم إذا نقض المعاهدون من أهل الهدنة العهد، وكذا نقض أهل الذمة عهدهم.
ينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( أهل الذمة ف 44 ، غدر ف 6 ، نقض ف 8 ، هدنة ).
النكث في اليمين
النكث في اليمين
9- يختلف حكم النكث في اليمين باختلاف أنواع اليمين (اليمين الغموس، واليمين اللغو، واليمين المنعقدة).
انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( أيمان ف 102-118 ، حنث ف 7-12 ).

(84/1)


نُكول
التعريف
42 359 نُكول
التعريف
1- النكول في اللغة مصدر نكل- بفتح الكاف وكسرها- كضرب ونصر وعلم نكص وجبن، ويقال نكل الرجل عن الأمر وعن العدو وعن اليمين ينكل نكولا إذا جبن عنه، ونكله عن الشيء- بتشديد الكاف- إذا صرفه عنه، والناكل الجبان الضعيف، والنكل - بفتح الكاف- من التنكيل وهو المنع والتنحية عما يريده الإنسان، ومنه النكول في اليمين، وهو الامتناع منها، وترك الإقدام عليها . واصطلاحا عرف ابن عرفة النكول بأنه امتناع من وجبت اليمين عليه أوله منها .
الألفاظ ذات الصلة
أ- اليمين
ب- الإقرار
الألفاظ ذات الصلة
أ- اليمين
2- اليمين في اللغة القوة والشدة.
وفي الاصطلاح تقوية أحد طرفي الخبر بذكر الله تعالى، أو تعليق الجزاء بالشرط . والصلة بين اليمين والنكول أن اليمين تفيد قطع الخصومة في الحال بخلاف النكول .
ب- الإقرار
3- الإقرار لغة الاعتراف
وفي الاصطلاح الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر . والصلة بين النكول والإقرار أن النكول بدل عن الإقرار عند بعض الفقهاء .
حقيقة النكول
حقيقة النكول
4- اختلف الفقهاء في حقيقة النكول على أقوال أربعة
القول الأول أن النكول بذل ، وبه قال أبو حنيفة فيما يستحلف فيه، أما ما لا يستحلف فيه وهو النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء 42 360 والحدود واللعان فلا يحتمل البذل فلا تحتمل النكول واستدل على ذلك بأن اليمين لا تبقى واجبة مع النكول، وما كان كذلك فهو يحتمل أن يكون إقرارا، لأنه دليل على كون الناكل كاذبا في إنكاره، إذ لو كان صادقا فيه لما امتنع من اليمين الصادقة، فكان نكوله إقرارا، ويحتمل كذلك أن يكون بذلا، لأن العاقل الدين كما يتحرج عن اليمين الكاذبة، يتحرج عن التغيير والطعن باليمين ببذل المدعى به، إلا أن حمله على البذل أولى من حمله على الإقرار، لأنه يلزم من جعله إقرارا تكذيب الناكل في إنكاره السابق، ولو جعل بذلا لم يلزم منه ذلك، بل تنقطع الخصومة بلا تكذيب، فكأن الناكل قال للمدعي ليس هذا لك ولكني لا أمنعك عنه ولا أنازعك فيه، فيحصل المقصود من غير حاجة إلى تكذيب، فكان هذا أولى صيانة للمسلم عن أن يظن به الكذب .
القول الثاني يرى أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية أن النكول فيما يحتمل الإقرار به شرعا إقرار فيه شبهة سواء احتمل البذل أو لا . واستدلوا على أن النكول إقرار بأنه يدل على كون الناكل كاذبا في إنكاره السابق، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب، ودفعا للضرر عن نفسه، فكان نكوله إقرارا دلالة، إلا أنه دلالة قاصرة فيها شبهة العدم، لأنه في نفسه سكوت وهذه الأشياء تثبت بدليل قاصر فيه شبهة العدم .
القول الثالث قال الشافعية إن النكول ليس كالإقرار ولا يعتبر بينة بل ترد اليمين على المدعي، وهذا هو أيضا قول المالكية في غير دعاوى التهمة، أما دعاوى التهمة فالنكول فيها عندهم تعتبر كالإقرار في المشهور ، والمراد بدعوى التهمة عند المالكية الدعوى التي يكون فيها المدعى عليه مح ل اتهام وشك كالصناع والسراق .
القول الرابع إن النكول كإقامة البينة وليس كالإقرار بالحق أو بذلك الحق، وبه قال الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأنه لا يتأتى جعل الناكل مقرا بالحق مع إنكاره له، وليس النكول كبذل الحق، لأن البذل قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا .
القضاء بالنكول
42 361 القضاء بالنكول
اختلف الفقهاء في القضاء بالنكول على أقوال ثلاثة
5- القول الأول أنه يقضى على المدعى عليه بمجرد نكوله عن اليمين (على تفصيل بين بعضهم في الدعاوى التي يقضى به فيها). روي هذا عن ابن عباس، وعثمان بن عفان، وعلي، وعمر، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم، وشريح وهو أحد قولين لإسحاق بن راهويه . وإلى هذا ذهب الحنفية في الدعاوى المالية، وأما في دعوى السرقة فإن السارق يستحلف على المال، فإن نكل قضي عليه بضمان المال المسروق ولا يقطع.
وأما في دعاوى القصاص في النفس أو الأطراف فلا يقضى بالنكول فيها عند أبي يوسف ومحمد ولكن يقضى بالأرش والدية فيهما جميعا. وعند أبي حنيفة لا يقضى بالنكول في دعوى القصاص في النفس لا بالقصاص ولا بالدية وإنما يحبس الناكل حتى يقر أو يحلف.

(85/1)


وإن كانت الدعوى في القصاص فيما دون النفس فإنه يقضى فيها بالنكول لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فيجري فيها البذل بخلاف الأنفس فيقضى بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ. وأما الحدود كالزنا، والشرب، فلا يقضى فيها بالنكول عندهم جميعا، وأما حد القذف فقال بعض الحنفية هو بمنزلة سائر الحدود لا يقضى فيه بشيء، ولا يستحلف القاذف، وظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه يستحلف فإن نكل قضي عليه بالحد، وقيل إن نكل عن الحلف قضي عليه بالتعزير دون الحد. وأما التعازير فيقضى فيها بالنكول عندهم جميعا. ولا يقضى بالنكول في اللعان عندهم. فإن كانت الدعوى تتعلق بالنكاح، أو الرجعة أو الفيء في الإيلاء، أو الرق، أو الاستيلاد، أو النسب، أو الولاء، فلا يقضى بالنكول فيها عند أبي حنيفة ولا يستحلف المنكر، ويستحلف فيها عند الصاحبين ويقضى فيها بالنكول إن نكل عن الحلف .
ومشهور مذهب المالكية أنه يقضى على المدعى عليه بمجرد نكوله في دعوى التهمة كأن يتهم شخص بسرقة مال غيره، فلا يحلف الطالب وإنما توجه اليمين إلى المدعى عليه، 42 362 فإن نكل قضى عليه بمجرد نكوله وغرم المال المسروق. وقال ابن جزي إذا أتى المدعي بشاهد واحد عدل فلا يخلو أن يكون في الأموال أو في الطلاق والعتاق أو في غير ذلك، فإن كان في الأموال أو فيما يئول إليها حلف مع شاهده بشرط أن يكون بين العدالة وقضي له، وإن شهد له امرأتان حلف معهما، فإن نكل المدعي عن اليمين مع الشاهد أو المرأتين انقلبت اليمين على المدبر عليه، فإن حلف برئ وإن نكل قضي عليه، وإن كان في الطلاق أو في العتاق لم يحلف المدعي مع شاهده ووجبت اليمين على المدعى عليه، فإن حلف برئ وإن نكل فقال أشهب يقضى عليه، وقال ابن القاسم يحبس سنة ليقر أو يحلف، فإن تمادى على الامتناع منهما خلي سبيله، وقال سحنون يحبس أبدا حتى يقر أو يحلف، وإن كان في النكاح أو الرجعة أو غير ذلك لم يحلف المدعى عليه وكان الشاهد كالعدم.
وقال إن شهد شاهد واحد لمن لا تصح منه اليمين. كالصغير وجبت اليمين على المشهود عليه فإن نكل قضي عليه وإن حلف برئ وقيل يوقف المحلوف عليه حتى يبلغ الصبي ويملك أمر نفسه ويستحلف حينئذ فإن حلف وجب له الحق وإن نكل حلف المطلوب حينئذ وبرئ فإن نكل أخذ الحق منه . والأصل المقرر في المذهب عند الشافعية أنه ترد اليمين على المدعي ولا يقضى على المدعى عليه بالنكول، لكن قد يتعذر رد اليمين، وحينئذ من الأصحاب من يقول بالقضاء بالنكول كمن طولب بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر، أو غَلَط خارص، أو مسقطا آخر، سُنَّ تحليفه، فإن نكل لم يطالب بشيء، وأما إذا ألزمناه اليمين على رأي فنكل وتعذر رد اليمين لعدم انحصار المستحق، فالأصح على هذا الرأي الضعيف أنها تؤخذ منه لا للحكم بالنكول بل لأن ذلك هو مقتضى ملك النصاب والحول عند جمهور الشافعية، وقال ابن القاص - ورواه عن ابن سريج - هو حكم بالنكول وسببه الضرورة . ونص الحنابلة على أن القضاء على المدعى عليه بمجرد نكوله روي عن 42 363 أحمد بن حنبل وقال به جمهور أصحابه فيما إذا كان المدعى مالا، أو كان المقصود منه المال، وأما الدعاوى غير المالية والتي لا يقصد بها المال فلا يقضى فيها بالنكول، هذا هو ما عليه المذهب عندهم، ولهذا فلا يقضى بالنكول في دعاوى القصاص في النفس أو ما دونها، ودعاوى الحدود الخالصة لله تعالى كحد الزنا والشرب والسرقة. وروي عن أحمد أنه يقضى بالنكول في القصاص فيما دون النفس، ونقل عنه القول بأنه يقضى بالنكول في القذف، فإذا ادعى رجل على آخر أنه قذفه واستحلف القاذف فنكل، فإنه يقام عليه الحد، وقال أبو بكر من أصحاب أحمد هذا قول قديم له، والمذهب أنه لا يقضى في شيء من هذا بالنكول .
واستدل القائلون بالقضاء على المدعى عليه بنكوله بأدلة من المنقول والمعقول، أما المنقول فمنه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) " ، وفي رواية أخرى بلفظ " ( البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ) " . ووجه الدلالة منهما أن لفظة "على" في الحديثين تفيد الوجوب، فأفادا وجوب اليمين على المدعى عليه، ومقتضى إيجاب اليمين عليه وانحصارها في جانبه أنه إن حلف برئ، وإن نكل قضي عليه بالنكول. وما روي عن سالم بن عبد الله " أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي. فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبدا وبه داء لم يسمه، فقال عبد الله بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم " .

(85/2)


42 364 وما روي عن ابن أبي مليكة قال "كنت قاضيا بالبصرة فاختصمت إلي امرأتان في سوار، فطلبت البينة من المدعية فلم أجد، وعرضت اليمين على الأخرى فنكلت، فكتبت إلى أبي موسى، فورد كتابه أن أحضرهما واتل عليهما قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ثم اعرض اليمين على المدعى عليها فإن نكلت فاقض عليها . وما روي عن شريح أن المنكر طلب منه رد اليمين على المدعي، فقال له "ليس لك إليه سبيل وقضى بالنكول بين يدي علي رضي الله عنه، فقال له علي قالون، وهذه اللفظة بلغة أهل الروم بمعنى أصبت ". وما روى مغيرة عن الحارث أنه قال " نكل رجل عند شريح عن اليمين، فقضى عليه، فقال الرجل أنا أحلف، فقال شريح قد مضى قضائي " ، وقد كانت قضايا شريح لا تخفى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر، فيكون إجماعا منهم على جواز القضاء على المدعى عليه بمجرد نكوله .
وأما المعقول فاستدلوا بأن حق المدعي قبل المدعى عليه هو الجواب، وهو جواب يوصله إلى حقه وهو الإقرار، فإذا فوت عليه ذلك بإنكاره حوله الشرع إلى اليمين خلفا عن أصل حقه، فإذا منعه الحلف يعود إليه أصل حقه، لأنه لا يتمكن من منع الحلف شرعا إلا بإيفاء ما هو أصل الحق . وإنه ظهر صدق المدعي في دعواه عند نكول المدعى عليه فيقضى له بما ادعى به، كما لو أقام بينة عليه، ودلالة الوصف أن المانع من ظهور الصدق في خبره إنكار المدعى عليه وقد عارضه النكول، لأنه كان صادقا في إنكاره، فلما نكل زال المانع للتعارض، فظهر صدق دعواه . وبأن نكول المدعى عليه دل على كونه باذلا، إن كان النكول بذلا، أو مقرا بالحق إن كان النكول إقرارا، إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب- لأنها واجبة- ودفعا لضرر الدعوى عن نفسه فترجح جانب كونه 42 365 باذلا إن ترفع أو مقرا إن تورع، لأن الترفع أو التورع إنما يحل إذا لم يفض إلى الضرر بالغير . وبأن الدعوى لما صحت من المدعي، فإن المدعى عليه يخير بين بذل المال وبين اليمين، فإذا امتنع منهما- وأحدهما تجري فيه النيابة دون الآخر- ناب القاضي منابه فيما تجري فيه النيابة، وهذا لأن تمكينه من المنازعة شرعا مشروط بأن يحلف، فإذا أبى ذلك فقد صار تاركا للمنازعة بتفويت شرطها، فكأنه قال لا أنازعك في هذا المال، فيتمكن المدعي من أخذه، لأنه يدعيه ولا منازع له فيه . وبأن اليمين بينة في المال، فحكم فيها بالنكول، كما لو مات من لا وارث له فوجد الإمام في تذكرته دينا له على إنسان فطالبه به، فأنكره، وطلب منه اليمين، فنكل، فلا خلاف في أن اليمين لا ترد .
6- القول الثاني أنه لا يقضى على المدعى عليه بمجرد نكوله وإنما ترد اليمين على المدعي، فإن حلف قضى له بالحق المدعى به، وإن نكل انقطعت المنازعة على تفصيل بين بعضهم في الدعاوى التي يقضى به فيها.

(85/3)


روي هذا عن أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وهو رواية أخرى عن علي، وعمر رضي الله عنهم، وهو قول الأوزاعي، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، والشعبي، وعبد الله بن عتبة، وقد روي عن ابن أبي ليلى قولان في ذلك، أحدهما رد اليمين مطلقا على المدعي عند نكول المدعى عليه، والثاني أنه إن كان المدعي متهما رد عليه اليمين، وإن كان غير متهم لم يرد عليه. والقول برد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه قال به المالكية في دعوى التحقيق، وهي التي يدعي فيها المدعى علمه بصفة الشيء المدعى به وقدره، بأن يقول للمدعى عليه أتحقق أن لي عندك دينارا أو ثوبا صفته كذا، إذا نكل المدعى عليه عن الحلف في الدعوى المالية، أو تلك التي تتعلق بحق المال، كالخيار والأجل، إذا لم يقر بالحق المدعى به، ولم تكن للطالب بينة بحقه، وهو قول في المذهب في نكول المدعى عليه في دعوى التهمة. ومذهب الشافعية أن اليمين ترد على المدعي عند نكول المدعى عليه في جميع الدعاوى. واختار أبو الخطاب الكلوذاني من الحنابلة رد اليمين على المدعي عند نكول المدعى 42 366 عليه، قال وقد صوبه أحمد، واختاره ابن القيم . واستدلوا على أنه لا يقضى على المدعى عليه بمجرد نكوله وإنما ترد اليمين على المدعي بأدلة من المنقول والمعقول، أما المنقول فمنه قوله تعالى { أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي بعد الامتناع من الأيمان الواجبة، فدل على نقل الأيمان من جهة إلى جهة . وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما " ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق ) " . واستدلوا من المعقول بأن نكول المدعى عليه عن اليمين قد يكون لجهله بالحال وتورعه عن الحلف على ما لا يتحققه، أو للخوف من عاقبة اليمين، أو ترفعا عنها مع علمه بصدقه في إنكاره، فلا يكون النكول حجة في القضاء مع الشك والاحتمال، ولا يتعين بنكول المدعى عليه صدق المدعي، فلا يجوز الحكم له من غير دليل، فإذا حلف كانت يمينه دليلا عند عدم ما هو أقوى منه .
7- القول الثالث أنه لا يقضى على المدعى عليه بمجرد نكوله عن اليمين، ولا يرد اليمين على المدعي، وإنما يحبس الناكل حتى يحلف أو يقر بالحق المدعى به وهذا عند الحنابلة. وقال ابن أبي ليلى لا أدعه حتى يحلف
أو يقر، ويأخذ هذا الحكم بعض المسائل عند المذاهب الأربعة. قال الحنفية إذا ادعى ولي الدم القتل العمد أو الخطأ على جميع أهل المحلة أو بعضهم لا بأعيانهم، فنكلوا عن أيمان القسامة، إذ يحبس هؤلاء حتى يحلفوا أو يقروا، ولا يقضى عليهم بمجرد نكولهم ولا ترد الأيمان على أولياء الدم. واستدلوا بأنه لو طولب من عليه القسامة
42 367 بها فنكل عن اليمين حبس حتى يحلف أو يقر لأن اليمين في باب القسامة حق مقصود بنفسه لا أنه وسيلة إلى المقصود وهو الدية، بدليل أنه يجمع بينه وبين الدية، ولهذا قال الحارث بن الأزمع لسيدنا عمر رضي الله عنه أتحلفنا وتغرمنا؟ فقال نعم " .
وروي أنه قال فبم يبطل دم هذا؟ " فإذا كانت مقصودة بنفسها فمن امتنع عن أداء حق مقصود بنفسه وهو قادر على الأداء يجبر عليه بالحبس، كمن امتنع عن قضاء دين عليه مع القدرة على القضاء، بخلاف اليمين في سائر الحقوق فإنها ليست مقصودة بنفسها بل هي وسيلة إلى المقصود وهو المال المدعى، ألا ترى أنه لا يجمع بينهما، بل إذا حلف المدعى عليه برئ، أو لا ترى أنه إذا لم يحلف المدعى عليه ولم يقر وبذل المال لا يلزمه شيء، وههنا لو لم يحلفوا ولم يقروا وبذلوا الدية لا تسقط عنهم القسامة فدل أنها مقصودة بنفسها فيجبرون عليها بالحبس .
وقال المالكية إن نكل المدعى عليه في دعوى القسامة حبس حتى يحلف أو يموت في السجن وهذا هو ظاهر المذهب، وفي الجلاب إن طال حبسه بالزيادة عن سنة ضرب مائة وأطلق ما لم يكن متمردا وإلا خلد في السجن. وفي وجه لبعض أصحاب الشافعي في المسائل التي يتعذر فيها رد اليمين على المدعي، والتي منها ما إذا مات من لا وارث له فادعى القاضي أو منصوبه دينا له على رجل وجده في تذكرته فأنكر المدعى عليه ونكل عن اليمين فإنه يحبس حتى يقر بالحق أو يحلف، ومنها ما لو ادعى وصي الميت على وارثه أن المورث أوصى بثلث ماله للفقراء مثلا فأنكر الوارث ونكل عن اليمين، فإن الحكم في هذه المسألة كسابقتها.
والقول بحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر أحد وجهين في مذهب الحنابلة إذا كانت الدعوى في غير المال، أو فيما لا يقصد به المال .
الأيمان التي لا ترد بالنكول
42 368 الأيمان التي لا ترد بالنكول
8- ثمة أيمان لا ترد بالنكول عند بعض الفقهاء وتتمثل هذه الأيمان فيما يلي
أ- يمين التهمة، لأنها تجب للمدعي إذا كان اتهامه للمدعى عليه مبنيا على الشك، إذ الشاك لا يحلف .

(85/4)


ب- اليمين المؤكدة، وهي التي تطلب من المدعي مع توافر البينة إذا شك القاضي في عدالة الشهود، أو إذا كان المدعى عليه غائبا، وسبب عدم صحة الرد أنه لو أبيح رد اليمين لأدى ذلك إلى إبطاله البينة باليمين، والبينة أقوى منه .
ج- يمين القذف، لعدم جواز الحد برد اليمين .
د- اليمين المتممة، وهي يمين المدعي مع وجود شاهد واحد، وسبب عدم صحة ردها أنها تنوب عن الشهادة فصارت بمنزلة الشهادة.
هـ- يمين اللعان لأنها بمنزلة الشهادة على المرأة، ولا تردها المرأة إذ وضعت لدرء حد الزنا عنها.
و- اليمين المردودة على المدعي عند نكول المدعى عليه عنها، فإذا نكل المدعي عن اليمين المردودة عليه في هذه الحالة، ولم يتعلل بشيء، ولم يطلب مهلة لأداء اليمين سقط حقه منها، وليس له ردها على المدعى عليه، لأن اليمين المردودة لا ترد .

(85/5)


نَمَاء
التعريف
42 369 نَمَاء
التعريف
ا- النماء لغة الزيادة من نمى ينمى نَميا ونُميا ونَماء زاد وكثر ، والنماء الريع، ونمى الإنسان سمن، والنامية من الإبل السمينة يقال نمت الناقة إذا سمنت . ولا يخرج معنى النماء عند الفقهاء عن المعنى اللغوي .
الألفاظ ذات الصلة
أ- الريع
ب- الكسب
الألفاظ ذات الصلة
أ- الريع
2- الريع لغة من راع الطعام وغيره يريع ريعا وريوعا ورياعا وريعانا وأراع وريع، كل ذلك زكا وزاد، والريع النماء والزيادة . والريع عند الفقهاء هو الزيادة والفائدة والدخل الذي يحصل من الشيء والغلة كذلك . والعلاقة بين النماء والريع هي العموم والخصوص، فكل ريع يعد نماء وليس كل نماء ريعا .
ب- الكسب
3- الكسب لغة الربح من كسبت مالا ربحته . وفي الاصطلاح هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو دفع ضر . والعلاقة بين النماء والكسب أن الكسب سبب من أسباب النماء .
أقسام النماء
التقسيم الأول باعتبار المشروعية وعدمها
التقسيم الثاني باعتبار كون النماء طبيعيا أو غير طبيعي
التقسيم الثالث باعتبار الاتصال والانفصال
التقسيم الرابع حقيقي وتقديري
أقسام النماء
ينقسم النماء إلى تقسيمات عدة باعتبارات مختلفة نذكرها فيما يلي
التقسيم الأول باعتبار المشروعية وعدمها
4- النماء باعتبار المشروعية وعدمها ينقسم إلى قسمين
الأول نماء مشروع، وهو ما كان مقتصرا 42 370 على الوسائل المشروعة نحو التجارة والزراعة مع استيفاء شروطها الشرعية.
الثاني نماء غير مشروع، وهو ما كان طريق النماء فيه محرما كالربا والقمار والتجارة بالخمر. ويتعلق بهذا التقسيم أحكام تنظر في مصطلح ( إنماء ف 16 ).
التقسيم الثاني باعتبار كون النماء طبيعيا أو غير طبيعي.
5- النماء بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين
الأول نماء طبيعي كالسمن والولد.
الثاني نماء ناتج بعمل نحو الكاسب والبناء.
ويتعلق بهذا التقسيم أحكام تنظر في مصطلح ( إنماء ف 17 ، زيادة ف 5 ).
التقسيم الثالث باعتبار الاتصال والانفصال.
6- النماء من حيث الاتصال والانفصال ينقسم إلى قسمين
الأول نماء متصل كالوبر والسمن.
الثاني نماء منفصل كالولد والثمر.
ويتعلق بهذا التقسيم أحكام تنظر في مصطلح ( زيادة ف 5 ).
التقسيم الرابع حقيقي وتقديري
7- ينقسم النماء إلى حقيقي وتقديري
الأول النماء الحقيقي هو الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات.
الثاني النماء التقديري هو التمكن من الزيادة بكون المال في يده أو يد نائبه .
الأحكام المتعلقة بالنماء
أ- النماء في الزكاة
أولا اشتراط النماء في وجوب الزكاة
ثانيا زكاة نماء المال أثناء الحول
الأحكام المتعلقة بالنماء
يتعلق بالنماء أحكام منها
أ- النماء في الزكاة
أولا اشتراط النماء في وجوب الزكاة
8- صرح الحنفية بأنه يشترط في وجوب الزكاة في المال أن يكون المال ناميا حقيقة أو تقديرا .
وينظر تفصيل ذلك في ( زكاة ف 27 ).
ثانيا زكاة نماء المال أثناء الحول
9- اختلف الفقهاء في وجوب زكاة الزيادة التي تحصل للمال المزكي أثناء الحول، فذهب بعضهم إلى أنه يزكى بتزكية الأصل، وذهب آخرون إلى أنه يزكى لحاله.
42 371 وقد سبق تفصيله في مصطلح ( زكاة ف 30 ).
ب- النماء في الصداق
ب- النماء في الصداق
10- اختلف الفقهاء في حكم نماء الصداق بعد الطلاق قبل الدخول، فذهب الحنفية والمالكية إلى أن الزيادة تأخذ حكم الأصل.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها تكون للمرأة.
وتفصيل ذلك في ( زيادة ف 24 ).
ج- النماء في البيع
أولا نماء المبيع وأثره في خيار الشرط
ثانيا نماء المبيع في المرابحة
ثالثا تلف نماء المبيع
ج- النماء في البيع
أولا نماء المبيع وأثره في خيار الشرط
11- يرى الحنفية أن نماء الأصل يمنع رد المبيع في زمن الخيار ويسري هذا المنع على جميع أنواع الزيادة (النماء) سوى الزيادة المنفصلة غير المتولدة اتفاقا والزيادة المتصلة المتولدة على خلاف.
انظر مصطلح ( خيار الشرط ف 35- 37 ).
ثانيا نماء المبيع في المرابحة
12- اختلف الفقهاء فيما إذا نما المبيع في بيع المرابحة، فذهب بعضهم إلى أنه يتبع الأصل فيكون مرابحة، وذهب آخرون إلى أنه لا يتبعه.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( مرابحة ف 9 ).
ثالثا تلف نماء المبيع
13- إذا تلف نماء المبيع أو هلك وهو في يد البائع فهل يعد البائع ضامنا لتلف أو هلاك هذا النماء أم لا؟ خلاف بين الفقهاء. انظر تفصيله في مصطلح ( تلف ف 19 ، وضمان ف 33 ).
د- نماء المرهون
د- نماء المرهون
14- إذا نما المرهون فإن كانت الزيادة متصلة فلا خلاف في أنها تتبع الأصل وإن كانت منفصلة فقد اختلف الفقهاء في دخول النماء في الرهن، وإلى هذا ذهب بعضهم وقال آخرون لا يدخل في الرهن كالأصل (المرهون). تفصيله في مصطلح ( زيادة ف 22 ) ، ومصطلح ( رهن ف 15 ).
هـ- نماء المشفوع فيه
هـ- نماء المشفوع فيه

(86/1)


15- إذا نما المشفوع فيه عند المشتري قبل الأخذ بالشفعة فقد اختلف الفقهاء في حكمه فذهب بعضهم إلى أنه إذا كانت الزيادة متصلة فإنها تكون للشفيع وإن كانت منفصلة تكون للمشتري المأخوذ منه بالشفعة.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( زيادة ف 21 )
.
و- نماء المغصوب
و- نماء المغصوب
16- اختلف الفقهاء في ضمان نماء المغصوب هل يضمن ضمان الغصب فيضمنها 42 372 الغاصب بالتلف كالأصل أم أنها أمانة في يد الغاصب فلا يضمن إلا بالتعدي؟ خلاف في ذلك تفصيله في مصطلح ( ضمان ف 23، وغصب ف 12، 18 ).
ز- نماء التركة
ز- نماء التركة
17- نماء التركة ونتاجها إذا حصل بين الوفاة وأداء الدين هل يضم إلى التركة لمصلحة الدائنين أم هو للورثة؟
خلاف دين الفقهاء مبني على أن التركة قبل وفاء الدين المتعلق بها هل تنتقل إلى الورثة أم لا؟
وتفصيل ذلك في مصطلح ( تركة ف 14 ، وزيادة ف 25 ).
ح- نماء الموهوب
ح- نماء الموهوب
18- إذا نما الموهوب فإما أن يكون نماء منفصلا، وإما أن يكون نماء متصلا، فإن كان نماء منفصلا كالثمرة فإنه لا يؤثر في الرجوع في الهبة.
وإن كان نماء متصلا كان مانعا من الرجوع فيها عند بعض الفقهاء.
وتفصيل ذلك في مصطلح ( زيادة ف 24، هبة ).

(86/2)