صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)


المصدر : موقع وزارة الأوقاف المصرية
http://www.islamic-council.com

الدروز

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم الدروز وهل هم مسلمون ؟

الجواب
هم أتباع أبى محمد الدرزى - بفتح الدال المشددة - وكانوا أولا من الإسماعيلية ثم خرجوا عليهم ، ويسكنون سوريا ولبنان .
تقوم عقيدتهم على تأليه الحاكم بأمر الله الفاطمى وبرجعته ، ويتخذون سنة 408 هجريه مبدأ لتاريخهم الذى أعلن فيه الدعاة الوهية الحاكم ، وهم يعتبرون فى الرسميات مسلمين ، وإن كانت مبادئهم الدينية سرية لا يصرحون بها ، فنشأت شائعات عن عقائدهم وعباداتهم ، حتى كانت حملة الجيش السورى على جبل الدروز فى أواخر عهد "الشيشكلى" فعثر على بعض مخطوطاتهم التى شرحت مذهبهم ، وألف بعض مؤرخى العصر الحديث كتابا عليهم .
يقولون بالتقية أى التظاهر بموافقة الآخرين ، ويقولون أيضا بالتناسخ وهم ثلاث درجات : الأولى : العقل أو العقال -بتشديد القاف المفتوحة - وهم رجال الدين ذوو النفوذ الكبير، والثانية : الأجاويد المطلعون على تعاليم الدين والملتزمون بها ، والثالثة : العامة أو الجهال .
وليس لهم مساجد بل خلوات خاصة لا يدرى ما يجرى فيها ،ولا يصومون إلا ما يقال عن الشيوخ العقَّل من صيام أيام غير رمضان ، ولا يحجون إلى الكعبة ، بل إلى خلوة البياضية فى بلدة "حاصبية" التابعة لبيروت ، ويقال إنهم لا يقرون تعدد الزوجات ولا الرجعة فى الطلاق ، ولا يورثون البنات .
هذا بعض ما تسرب من المعلومات عنهم فى الكتب والأخبار، ونظرا للسرية التامة ولتشددهم فى مبدأ التقية فإن حقيقة مذهبهم لا يعرف منها إلا القليل ، لكن كتب عنهم ، عصام الجيتاوى كلاما تفصيليا نشرته مجلة " المجتمع " التى صدرت بالكويت بتاريخ 25/ 4 /1978 م ، فيرجع إليه .
وقد صدرت عن دار الإفتاء المصرية فتوى فى15 من ديسمبر سنة 1934 م مأخوذة عن ابن عابدين ( رد المختار - الجزء الثالث - باب المرتد ) نصها :
تنبيه ، يعلم مما هنا حكم الدروز والنيامنة فإنهم فى البلاد الشامية يظهرون الإسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الأرواح ، وحل الخمر والزنا ، وأن الألوهية تظهر فى شخص بعد شخص ، ويجحدون الحشر والصوم والصلاة والحج ، ويقولون : المسمى بها غير المعنى المراد، ويتكلمون فى جناب نبينا صلى الله عليه وسلم كلمات فظيعة، وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادى فيهم فتوى مطولة ، وذكر فيهم أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والإسماعيلية الذين يلقَّبون بالقرامطة والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف ، ونقل عن علماء المذاهب الأربعة أنه لا يحل إقرارهم فى ديار الإسلام بجزية ولا غيرها ، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم - انتهى .
وقال ابن عابدين أيضا فى رد المحتار فى فصل المحرمات عند قول المصنف :
وحرم نكاح الوثنية بالإجماع ما نصه : قلت : وشمل ذلك الدروز والنصيرية والنيامنة فلا تحل مناكحتهم ولا تؤكل ذبيحتهم ، لأنهم ليس لهم كتاب سماوى . انتهى (الفتاوى الإسلامية - المجلد الأول صفحة 202 )

(8/399)


الشياطين ...... لماذا ؟

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
لماذا خلق الله الشياطين ؟

الجواب
خلق الله الشياطين ليمتحن بها بنى آدم هل يستجيبون لأمر الله أو لأمر الشيطان ، وإيمان المؤمن لا تكون له قيمته إذا كان نابعا منه ذاتيا بحكم أنه خلق مؤمنا كالملائكة ، فإن استقر الإيمان بعد الانتصار فى معركة الشيطان الذى أقسم أن يغوى الناس أجمعين كان جزاء هذا المؤمن عظيما ، لأنه حصل بتعب وكد ومجاهدة ، دفع بها أجر الحصول على تكريم الله له .
والحياة الدنيا لابد فيها من معركة بين الخير والشر، لتتناسب مع خلق الله لأدم على وضع يتقلب فيه بين الطاعة والمعصية ، وقد تزعَّم الشيطان ، هذه المعركة انتقاما من آدم الذى طرد من الجنة بسبب عدم السجود له فقال :
{قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } الأعراف : 16 ، 17 .
\\\وحذر الله الإنسان من طاعة الشيطان فقال ، { ألم أعهد إليكم يا بنى اثم أن لاتعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين } وقال : {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} فاطر: 6 .
فمجاهدة الشيطان بعصيانه لها ثواب ، ووجوده يساعد على الحركة القائمة على المتقابلات ، والحركة سر الحياة ، وقد سئل أحد العلماء : لماذا خلق الله إبليس فقال : لنتقرب إلى الله بالاستعاذة منه وعصيانه ، فكل شر فيه خير ولو بقدر

(8/400)


خلق الأصنام

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى :{ أم خلقوا السماوات والأرض} الطور: 36 ؟

الجواب
هذه آية من سورة الطور جاء قبلها قوله تعالى : {أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون . أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون } الطور: 35 ، 36 .
وهما من ضمن الأساليب التى ترد على المشركين الذين كذَبوا الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعوته أن هناك إلهًا واحدًا خلقهم جميعًا ، وأن الأصنام التى يعبدونها عاجزة عن خلق أى شىء .
فتستنكر الآية الأولى أنهم خلقوا من غير شىء أى من غير إله خلقهم وقدرهم كما قال ابن عباس ، ولم يعرفوا المادة التى خلقوا منها وهى ماء مهين سواه الله ونفخ فيه من روحه ، فهل خلقوا هم أنفسهم أو خلقتهم الأصنام التى يعبدونها .
والآية الثانية تستنكر أن الأصنام خلقت أى شىء ، بل هى نفسها مخلوقة وصنعها من يعبدونها بأيديهم ، وأين كان هؤلاء الأصنام حين خلق السموات والأرض ، وما داموا لم يخلقوا السموات والأرض ولم يخلقوا أنفسهم فبأى شىء يستحقون العبادة؟ إن المشركين لا يؤمنون بالحق الذى جاءهم به محمد-صلى الله عليه وسلم - ولا يوقنون بإجابة صحيحة عن هذه التساؤلات

(8/401)


الجن والتوراة والإنجيل

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
جاء فى القرآن الكريم قول الجن للرسول صلى الله عليه وسلم {إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى}فلمَ لم يذكروا الكتاب الذى أنزل على عيسى، وهل آمن هؤلاء الجن بسيدنا موسى وكانوا من اليهود؟

الجواب
من المعلوم أن الرسالات السابقة كانت خاصة لأقوام دون آخرين ولعصر دون آخر، وهنا يقال : لماذا لم يذكر الجن الكتاب الذى نزل على عيسى وهو الإنجيل ، واقتصروا على ذكر كتاب موسى وهو التوراة مع أن الإنجيل نزل بعدها وهو أقرب عهدا بالقراَن ؟ قال المفسرون : هؤلاء الجن من منطقة لم يرسل إليها عيسى، وكانت داخلة ضمن حدود الرسالة الموسوية فهم آمنوا بموسى ولم يبلغهم دعوة عيسى :
وقيل إن التوراة كانت مشهورة لأن كثيرا من أنبياء بنى إسرائيل تتابعوا على الحكم بها، فعرفها الجن أكثر من معرفتهم للإنجيل وقيل : إن كلام الجن ليس فيه حصر لما أنزل من الكتب ، وبالتالى ليس فيه نفى لنزول الإنجيل بعد ما ذكروا التوراة .
وقيل : إن التوراة كتاب شريعة مفصَّلة فالجن الذين آمنوا بها كانوا أشد اتصالا بمعرفة ما فيها أكثر من الإنجيل الذى كان أكثره مواعظ وأخلاقا .
هذا بعض ما ظهر لى من الإجابة على هذا السؤال

(8/402)


الشيعة

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
من هم الشيعة وما هى أهم فرقهم الموجودة الآن ؟

الجواب
الشيعة هم أتباع سيدنا على رضى الله عنه والموالون لاَل البيت ، والمسلمون جميعا مأمورون بحب آل البيت وتكريمهم وقد وردت فى ذلك عدة نصوص ، منها قول اللّه تعالى{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى} الشورى : 23 ، وقوله : {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الأحزاب : 33 ، وذلك على خلاف للمفسرين فى تحديد القربى وأهل البيت . وقوله صلى الله عليه وسلم "أذكركم الله فى أهل بيتى" ثلاث مرات رواه مسلم وقوله :"يا أيها الناس ارقبوا محمدا فى أهل بيته " رواه البخارى .
غير أن بعضا من المسلمين اشتد حبهم لسيدنا على وذريته ، وتغالوا فى تكريمهم لدرجة أن بعضهم اعتقد ألوهية سيدنا على،وبعضهم اعتقد أنه النبى المرسل وغلط جبريل فنزل بالوحى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال ، إنهما شريكان فى النبوة، وقالوا إنه الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنص الجلى أو الخفى ، دون أبى بكر وعمر وعثمان وان الإمامة لا تخرج عنه ولا عن أولاده ، وإن خرجت فبظلم أو بتقية .
وأشهر فرقهم الموجودة الآن خمسة :
1 - الزيدية :
وهم أتباع زيد بن على بن الحسين ، لما دعى الشيعة لحرب الأمويين سألوه رأيه فى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما ، فأثنى عليهما فرفضوه وسموا بالرافضة وهم يوجدون الآن فى اليمن ، ومذهبهم قريب من مذهب أهل السنة ، وهم وإن اعتقدوا أفضلية على على أبى بكر وعمر أجازوا إمامة المفضول مع قيام الفاضل .
2 - الإمامية :
وهم الذين قالوا بإمامة اثنى عشر من آل البيت ، ويسمون بالاثنى عشرية وبالموسوية ، لأن الأئمة عندهم هم : على، الحسن ، الحسين ، على زين العابدين بن الحسين ، وكانت الإمامة لابنه الأكبر "زيد" فلما رفضوه كما تقدم ولوا بدله أخاه محمدا الباقر، ثم جعفر الصادق ، وكان له ستة أولاد ، أكبرهم إسماعيل ثم موسى ، ولما مات إسماعيل فى حياة أبيه أوصى والده بالإمامه إلى ابنه موسى الكاظم ، وبعد وفاة جعفر انقسم الأتباع فمنهم من استمر على إمامة إسماعيل وهم : الإسماعيلية أو السبعية، والباقون اعترفوا بموسى الكاظم ، وهم الموسوية ، ومن بعده على الرضا ، ثم ابنه محمد الجواد ، ثم ابنه على الهادى ، ثم ابنه الحسن العسكرى نسبة إلى مدينة العسكر "سامرا" وهو الإمام الحادى عشر، ثم ابنه محمد الإمام الثانى عشر، وقد مات ولم يعقب فوقف تسلسل الأئمة وكانت وفاته سنة265 هـ .
ويقول الإمامية : إنه دخل سردابا فى "سامرا" فلم يمت ، وسيرجع بعد ذلك باسم المهدى المنتظر .
وهذه الطائفة منتشرة فى إيران والعراق وسوريا ولبنان ، ومنهم جماعات متفرقة فى أنحاء العالم ، ولهم كتب ومؤلفات كثيرة من أهمها كتاب "الوافى" فى ثلاثة مجلدات كبيرة جمعت كثيرا مما فى كتبهم الأخرى ، كتب عليه أحد أهل السنة نقدا سماه "الوشيعة فى نقد عقائد الشيعة" وكان ذلك فى فبراير سنة1935 م كما كتب رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسوى" رسالة فى ذلك .
ومن أهم أصولهم :
1 - تكفير الصحابة ولعنهم ، وبخاصة أبو بكر وعمر رضى الله عنهما إلا عددا قليلا جدا كانوا موالين لعلى رضى الله عنه . وقد رووا عن الباقر والصادق : ثلاثة لا يكلَّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . من ادعى إمامة ليست له ومن جحد إماما من عند اللّه ، ومن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب فى الإسلام .
ويقولون : إن عائشة وحفصة رضى الله عنهما كافرتان مخلدتان ، مؤولين عليهما قول الله تعالى{ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط } التحريم : 10 .
2 - ادعاء أن القرآن الموجود فى المصاحف الآن ناقص ، لأن منافقى الصحابة (هكذا) حذفوا منه ما يخص عليا وذريته ، وأن القرآن الذى نزل به جبريل على محمد سبعة آلاف آية ، والموجود الآن 6263 والباقى مخزون عند آل البيت فيما جمعه على، والقائم على أمر آل البيت يخرج المصحف الذى كتبه على ، وهو غائب بغيبة الإمام .
3-رفض كل رواية تأتى عن غير أئمتهم ، فهم عندهم معصومون بل قال بعضهم : إن عصمتهم أثبت من عصمة الأنبياء .
4 - التقية : وهى إظهار خلاف العقيدة الباطنة ، لدفع السوء عنهم .
5 - الجهاد غير مشروع الآن ، وذلك لغيبة الإمام ، والجهاد مع غيره حرام ولا يطاع ، ولا شهيد فى حرب إلا من كان من الشيعة، حتى لو مات على فراشه .
وهناك تفريعات كثيرة على هذه الأصول منها :
عدم اهتمامهم بحفظ القرآن انتظارا لمصحف الإمام ، وقولهم بالبداء بمعنى أن الله يبدو له شىء لم يكن يعلمه من قبل ويتأسف على ما فعل ، والجمعة معطَّلة فى كثير من مساجدهم وذلك لغيبة الإمام ، ويبيحون تصوير سيدنا محمد وسيدنا على وصورهما تباع أمام المشاهد والأضرحة، ويدينون بلعن أبى بكر وعمر . . .
3 - الإسماعيلية :
وهى تدين لإسماعيل بن جعفر الصادق ، وهم أجداد الفاطميين والقرامطة ، يعتقدون التناسخ والحلول ، وبعضهم يدعى ألوهية الإمام بنوع من الحلول ، وبعضهم يدعى رجعة من مات من الأئمة بصورة التناسخ .
وهذه الفرقة طائفتان ، إحداهما فى الهند وتسمى " البهرة" ويتركزون فى بومباى ، يعترفون بالأركان الخمسة الواردة فى الحديث وهو: " بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللّه ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" رواه البخارى .
ويزيدون عليه ركنا اسمه " الطهارات " ويتضمن تحريم الدخان والموسيقى والأفلام ، وهم فى صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، ولا يصلون الجمعة ويحتفلون بغدير "خم " فى 18 من ذى الحجة كل عام ، حيث تمت فيه الوصية لعلى(مجلة العربى سبتمبر 1975 ، المصور 20/1/ 1978 ) .
والطائفة الأخرى فى "سلمية" بسوريا وفى زنجبار وشرقى أفريقيا وتسمى "الأغاخانية" نسبة إلى زعيمهم " أغاخان " .
4 - النصيرية :
وهم أتباع أحد وكلاء الحسن العسكرى واسمه محمد بن نُصير، والذين تسموا فى عهد الاحتلال الفرنسى بسوريا باسم "العلويين " .
ومن كتاب "تاريخ العلويبن " لمحمد أمين غالب الطويل ، وهو نصيرى ومن غيره من الكتب والمراجع نوجز أهم مبادئهم فيما يلى :
(1) الولاية لعلى ، زاعمين أن النبى صلى الله عليه وسلم بايعه ثلاث مرات سرًّا ، ومرة رابعة جهرا .
(ب ) عصمة الأئمة ، لأن الخطايا رجس وقد قال الله فى أهل البيت :
"ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " .
وبناء على ذلك يعتقدون أن الإمام أعلى من بعض الوجوه من الأنبياء ، لأنهم معرضون للخطأ ولم يرد فى القرآن ما ينزههم عنه ، أما الأئمة فمعصومون بنص القرآن .
(ج ) التقية : أو التكتم فى الدين فإخفاء عقيدتهم من كمال الإيمان .
(د) علم الباطن : فهو فى زعمهم مختص بهم ،وهم على صواب دائم فى تفسير القرآن وعلم أسراره لأنهم معصومون .
وبناء على هذه الأصول قالوا بألوهية متحدة الحقيقة مثلثة الأجزاء فالألوهية معنى وحقيقة ، وهو علي ، ولها اسم وحجاب ، وهو محمد، ولها باب يوصل إليها، وهو سلمان ، فعلي رب العالمين ، والقرآن منه ، وكل نبى بعث فهو الذى بعثه ليتكلم بلسانه ، وكان هو مع كل رسول متجسدا فى صورة وصى له ، ويرمزون إلى هذا الثالوث برمز" ع . م. س " .
ولهم تفريعات على ذلك : فالعبادات الواردة فى القرآن بما فيها من أوامر ونواه ، هى أسماء أماكن ، والأشهر الحُرم عندهم هى : فاطمة والحسن والحسين وعلى ابنه ، والقيامة عندهم فى قيامة المحتجب صاحب الزمان .
والمنتسبون إلى هذا المذهب طبقات ، منهم متعلمون لا يدينون به ، لكن لا يجدون عوضا عنه ، ومنهم الشيوخ والرؤساء المتمسكون ، ومنهم العامة الذين يعيشون على غير هدى، والحكم عليهم مذكور مع الدروز

(8/403)


ذرية إبليس

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ذرية إبليس نتجت عن زواج ، وهل فى الجن ذكر وأنثى ؟

الجواب
يقول الله تعالى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} . الكهف : 50 ، تفيد هذه الآية الكريمة أن إبليس له ذرية ، ولكن كيف أتت هذه الذرية؟ ومع أن معرفة الجواب ليست مهمة لكن العلماء شغلوا أنفسهم به ، فنقلوا من الأقوال ما نقلوا واستنبطوا ما شاء لهم الاستنباط وذكر القرطبى حديثا فى ذلك قال إنه صحيح وهو "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها ، فبها باض الشيطان وفرَّخ " ذكره الحميدى فى الجمع بين الصحيحين عن الإمام أبى بكر الباقلانى أنه خرجه فى كتابه عن سلمان عن النبى صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا الحديث يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه كما قال القرطبى وهو موافق لما جاء فى الآية الكريمة فإن عبارة "باض الشيطان وفرخ " ليست نصا قاطعا فى أن الذرية نتجت عن وضع الشيطان للبيض ثم التفريخ كما يحدث للطيور ، فقد يكون المراد ذرية إبليس يكثر وجودها فى الأسواق من أجل الإفساد .
يقول القشيرى أبو نصر: والجملة أن الله تعالى أخبر أن لإبليس أتباعا وذرية وأنهم يوسوسون إلى بنى آدم وهم أعداؤهم ، ولا يثبت عندنا كيفية فى كيفية التوالد منهم وحدوث الذرية عن إبليس ، فيتوقف الأمر فيه على نقل صحيح . انتهى، وهذا هو الكلام الصحيح . يقول الشعبى : سألنى رجل فقال : هل لإبليس زوجة؟ فقلت : إن ذلك عرس لم أشهده . ثم ذكرت قوله تعالى {أفتتخذونه وذريته أولياء}فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة، فقلت نعم . وينقل القرطبى "ج 10 ص 420 " عن مجاهد أن إبليس أدخل فرجه فى فرج نفسه فباض خمس بيضات ، فهذا أصل ذريته ، وقيل : أن الله تعالى خلق له فى فخذه اليمنى ذكرا، وفى اليسرى فرجا، فهو ينكح هذا بهذا، فيخرج له كل يوم عشر بيضات ، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة ، فهو يخرج وهو يطير. . . ذلك بعض ما فى الكتب وغيره كثير مما أربأ بالمسلمين اليوم أن يعنوا به

(8/404)


الوضوء

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل كان الوضوء للصلاة مشروعا فى الأديان السابقة ؟

الجواب
هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء وضحه الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية للقسطلانى " الجزء الخامس " وخلاصة ما جاء فيه :
قيل إنه خاص بالأمة الإسلامية، وكان من قبل ذلك للأنبياء خاصة وليس للأفراد، ولكن عورض هذه القول بأن "سارة " زوج إبراهيم عليهما السلام لما استدعاها الطاغية توضأت وقامت تصلى فعصمها اللَّه منه ، والحديث رواه البخارى ومسلم .
وهذا الطاغية مختلف فيه ، فقيل : هو عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصركما ذكره السهيلى وهو قول ابن هشام فى التيجان ، وقيل : اسمه صادق وكان على الأردن ، كما حكاه ابن قتيبة ، وقيل : سنان بن علوان . . . بن سام بن نوج ، حكاه الطبرى، ويقال : إنه الضحاك الذى ملك الأقاليم .
ولا تهمنا معرفته ، بل المهم أن سارة تحصنت بالوضوء والصلاة فمنعها اللَّه من شر ،وهى لم تكن نبية كما قال الجمهور، وعلى هذا فالوضوء كان للأفراد أيضا كما كان للأنبياء .
وفى قصة جريج الراهب الذى اتهمته المرأة بالزنا بها ونسبت إليه غلاما منها ، قام وتوضأ وصلى وسأل الغلام فنطق باسم والده الحقيقى، وبرأ اللَّه جريجا ، والحديث رواه أحمد عن أم سلمة .
فالظاهر أن خصوصية أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى الغرة والتحجيل ، لا فى أصل الوضؤ . وحديث هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى ضعيف . وروى الطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا بوَضُوء ، فتوضأ واحدة واحدة وقال " هذا وضوء لا يقبل اللَّه الصلاة إلا به "، ثم توضأ مرتين مرتين وقال "( هذا وضوئى ووضوء الأنبياء من قبلى " . " الزرقانى على المواهب ج 5 ص 368 "

(8/405)


نقض الوضوء بمس الفرج ؟

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ينتقض الوضوء بمس الفرج ؟

الجواب
1 -عن بُسْرَة بنت صفوان قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " من مس ذكره فلا يصلى حتى يتوضأ " رواه الخمسة وصححه الترمذى، قال البخارى : هو أصح شىء فى هذا الباب .
2 -وعن بسرة أيضا قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ويتوضأ من مس الذكر" رواه أحمد والنسائى .
3-وعن عائشة رضى اللَّه عنها قالت : " ويل للذين يمسون فروجهم ولا يتوضأون " . أخرجه الدارقطنى .
4 -وعن أم حبيبة رضى اللَّه عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من مس فرجه فليتوضأ " رواه ابن ماجه وصححه أحمد .
5 -سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره : أعليه وضوء ؟ فقال : "إنما هو بضعة منك " رواه أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وأحمد، وصححه عمر بن القلاس ، وقال : هو عندنا أثبت من حديث بسرة ، وصححه ابن حبان .
بناء على الأحاديث الأربعة الأولى قال جماعة من الصحابة والتابعين بنقض الوضوء بمس الفرج ، وعليه جمهور الفقهاء، على أن يكون المس بغير حائل ، لحديث رواه أحمد وابن حيان والحاكم وصححاه " من أفض بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء" وإليك بعض التفصيل لأقوال الفقهاء :
أ- قالت المالكية : ينتقض الوضوء بمسي الإنسان ذكر نفسه المتصل به ، فلو مس ذكر غيره يكون لامسا يجرى عليه حكم اللمس - وقد تقدم ذلك فى نقض الوضوء باللمس -ويشترط أن يكون بدون حائل وببطن الكف أو باطن الأصابع أو جنبها أو رأس الأصبع ، ولا ينتقض بمس امرأة فرجها ولو أدخلت فيه إصبعها ولو التذت ، ولا بمس حلقة الدبر، ولا بإدخال أصبعه فيه على الأصح وإن كان حراما لغير حاجة، أما مس دبر غيره أو فرج امرأته فهو لمس يجرى عليه حكم الملامسة- وقد تقدم .
ب - وقالت الشافعية : مس الذكر المتصل أو المنفصل الذى لم يتجزأ ينقض الوضوء بشرط عدم الحائل ، وأن يكون ببطن الكف أو الأصابع ، ولا فرق بين ذكر نفسه أو غيره ، ولو صغيرا أو ميتا ، ومثله مس حلقة الدبر وقبل المرأة .
ج - وقالت الحنابلة : ينتقض الوضوء بمس ذكر الآدمى من نفسه ومن غيره صغيرا أو كبيرا ، حيا أو ميتا ، بشرط الاتصال وبغير حائل وباليد ظهرا أو بطنا إلا الأظافر، وينتقض بمس حلقة دبره أو دبر غيره ، وبمس فرج الأنثى ، ولا ينتقض بمس امرأة فرج نفسها ، إلا إذا أولجت إصبعها إلى الداخل .
وبناء على الحديث الخامس ذهب بعض الصحابة والتابعين ، وعليه أبو حنيفة والثورى إلى أن مس الذكر غير ناقض للوضوء وردوا على رأى الجمهور بأن الوضوء الوارد فى الأحاديث الأولى هو الوضوء اللغوى أى غسل اليدين .
أما الجمهور فردوا رأى الأحناف بأن الحديث الخامس الذى اعتمدوا عليه ضعفه الإمام الشافعى وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطنى والبيهقى وابن الجوزى ، وادعى ابن حبان والطبرانى واَخرون أنه منسوخ ، وقالوا : إن راوى هذا الحديث وهو طلق بن على روى أيضا حديث " من مس فرجه فليتوضأ " كما صححه الطبرانى، فقيل سمع . أولا عدم النقض ، ثم سمع آخرا النقض .
وبهذا يظهر رجحان رأى الجمهور وهو النقض

(8/406)


ما يخرج من القبل

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب الغسل نتيجة لنزول سائل أبيض عند الاستيقاظ من النوم ؟

الجواب
السائل الذى يخرج من القبل - الذكر أو الفرج - عادة أربعة أنواع : البول والمذى والودى والمنى ، والبول نجس لابد من تطهير ما يصيبه بغسله ، والمذى سائل أبيض لزج يخرج عند التفكير فى الناحية الجنسية أو الملاعبة ، وربما لا يحس الإنسان بخروجه ، وهو يكون من الرجل والمرأة إلا أنه منها أكثر، وهو نجس بالاتفاق ، يجب غسل ما أصاب البدن أو الثوب منه ، ولا يجب الاغتسال أى غسل الجسم كله منه ، روى البخارى وغيره أن عليا رضى اللَّه عنه كان مذاء واستحيا أن يسأل النبى عن حكمه لأنه زوج بنته فاطمة، فأمر رجلا أن يسأله فقال له " توضأ واغسل ذكرك " غسل الذكر يكون قبل الوضوء . والودى ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول ، وهو كالمذى والبول نجس باتفاق ولا يجب منه الاغتسال ، روى البيهقى ذلك عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما .
والمنى ماء يخرج بلذة وتدفق ويعرف برائحته كالعجين أو طلع النخل ، وهذا يوجب الغسل باتفاق ، ففى الحديث الذى رواه مسلم "الماء من الماء " أى الاغتسال بالماء يكون من نزول الماء أى المنى. وفى حديث البخارى ومسلم أن أم سليم قالت : يا رسول اللَّه ، إن اللَّه لا يستحى من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : "نعم ، إذا رأت الماء " .
ولكن مع وجوب الغسل هل يكون المنى طاهرا بحيث لو أصاب الملابس مثلا لا تنجس ويمكن أن يصلى فيها ، أو يكون نجسا كالبول لابد من تطهير ما يصيبه ؟ جمهور العلماء على أنه طاهر، لأنه الأصل الذى خلق منه الإنسان الطاهر الذى لا ينجس حيا ولا ميتا ، ولا يوجد دليل على نجاسته ، فعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن المنى يصيب الثوب فقال " إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة" رواه الدارقطنى والبيهقى ، واختلف فى رفعه إلى النبى ووقفه على ابن عباس ، والإذخر نوع من الحشائش .
وقال جماعة : إن المنى نجس ، واستدلوا بحديث رواه الدارقطنى والبزار وأبو عوانة عن عائشة رضى الله عنها قالت : كنت أفرك المنى من ثوب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا ، وأغسله إذا كان رطبا .
ورد عليه الجمهور ، بأن فرك النجاسة لا يطهرها، وإنما فعلت عائشة ذلك من باب الحياء أن يظهر النبى صلى الله عليه وسلم أمام الناس وفيه آثار الجماع ، وهو أمر مستحب فليس عملها نصا فى نجاسته

(8/407)


الوضوء فى الحمام

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
فى الأبنية الحديثة يوجد حوض الغسل وأدوات الاستحمام وقضاء الحاجة فى حجرة واحدة. فهل يجوز أن أتوضأ فى هذا المكان . وهل يجوز أن أسمى وأذكر الله أثناء الوضوء ؟

الجواب
من المعروف عند الفقهاء أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وأن الكراهة تراعى قبل الندب والاستحباب ، كما تراعى الحرمة قبل الوجوب ، وذلك للاحتياط على الأقل 0 ومعلوم أن المكان الواحد الذى يجمع هذه المرافق يغلب عليه التلوث والتعرض للنجاسة إن لم تكن هناك عناية بالغة بالنظافة 0 والوضوء من الصنبور " الحنفية " داخل الحمام مكروه إن خشى الإنسان النجاسة من تساقط المياه على الأرض المنتجسة، ووجد مكانا آخر يتوضأ فيه غير هذا المكان ، فإن أمن النجاسة أو لم يوجد مكان آخر للوضوء فلا بأس بالوضوء فى الحمام 0 ومن آداب قضاء الحاجة عدم الكلام ومنه الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، حتى لو عطس لا يحمد الله ، ولو سلَّم عليه إنسان لا يرد عليه السلام .
ولو سمع الأذان لا يجيب المؤذن ، أى لا يقول مثل قوله . فقد روى مسلم فى صحيحه عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رجلا مر على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه السلام .
ورأى العلماء أن هذا المنع لا يقتصر على حالة قضاء الحاجة "التبول والتغوط " بل يشمل وجود الإنسان فى هذا البيت المعد لقضاء الحاجة . وعليه فإن المتوضئ فى الحمام لا يسمى ولا يذكر الله أثناء الوضوء ولا قبله ولا بعده حتى يخرج منه ، والحكم هو الكراهة لا الحرمة، فليس فى المخالفة عقوبة ، والأفضل عدمها . .
مع التنبيه على أن النية الواجبة فى الوضوء أو الغسل محلها القلب ، ولا يجب التلفظ بها باللسان ، فلا داعى لهذه النية القولية ما دام فى الحمام ، ويكتفى بالنية القلبية عند من يقول بوجوبها .
ومحل كراهة الكلام إذا لم تكن هناك ضرورة أو حاجة تدعو إليه ، كالتنبيه على خطر أو الرد على من ينادى ونحو ذلك ، فإن وجدت فلا كراهة ، والضرورة تقدر بقدرها

(8/408)


الحمامات العامة

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الإسلام فى دخول الحمامات العامة ؟

الجواب
الحمامات أماكن خاصة للاستحمام ، وكانت للبيوت الموسرة حمامات خاصة بها ، ثم اقيمت حمامات عامة للناس ، وهى قديمة موجودة قبل الإسلام ، يقول المقريزى ، فى خططه " ج 3 ص 129 " : قال محمد بن إسحاق فى كتاب " المبتدى" : إن أول من اتخذ الحمامات والطلاء بالنورة سليمان وإنه لما دخله ووجد حميمه قال : أوَّاه من عذاب الله أواه ! ! وذكر المستحى فى تاريخه أن أول من بنى الحمامات فى القاهرة " العزيز باللَّه نزار بن المعز " وكان بها ثمانون حماما فى سنة 685 ط . وأقل حمامات كانت ببغداد زمن الناصر أحمد بن المستنصر ألفا حمام . انتهىـ . .
ولهذه الحمامات آثار باقية إلى الآن بالشام . وهى آخذة فى الانقراض . وقد ألف الحافظ ابن كثير كتابا فى الحمام . ووردت فيه أحاديث كثيرة لم يتفق على صحة شىء منها ، قال المنذرى :
وأحاديث الحمام كلها معلولة ، وإن ما يصح منها فهو عن الصحابة "نيل الأوطار ج 1 ص 277 " .
ومن هذه الأحاديث ما يأتى :
1 - روى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إنها ستفتح لكم أرض العجم ، ،ستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات . فلا يدخلها الرجال إلا بالإزار، وامنعوا النساء ، إلا مريضة أو نفساء " نيل الأوطار ج ا ص 178 والترغيب والترهيب ج ا ص 65 . وقد تكلم فى هذا الحديث بما يضعف حجيته .
2 -وأخرج المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب "ج ا ص 66 أن نساء من أهل حمص ، أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت : أنتن اللاتى تدخلن نساءكن الحمامات ؟ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " رواه الترمذى وقال : حديث حسن وأبو داودو وابن ماجه والحاكم وقال : صحيح على شرطهما . وروى معنى هذا الحديث عن أم سلمة حين دخل عليها نساء حمص . رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى والحاكم .
3- وعن طاووس عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " احذروا بيتا يقال له الحمام " . قالوا : يا رسول اللَّه ينقى الوسخ . قال " فاستتروا " رواه البزار وقال : رواه الناس عن طاووس مرسلا . قال الحافظ المنذرى : رواته كلهم محتج بهم فى الصحيح . ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم . ورواه الطبرانى فى الكبير بنحو ما رواه الحاكم " الترغيب ج ا ص 65 " وصححه الألبانى .
4 -عن عائشة قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول " الحمام حرام على نساء أمتى " رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد " الترغيب ج 1 ص 65" .
د -وعن جابر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئرر. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام " . رواه النسائى والحاكم وصححه ، وحسنه الترمذى "المرجع السابق " وفي ص 66 روى مثله عن طريق أبى سعيد الخدرى .
قال القرطبي فى تفسيره "ج 12 ص 224 ": حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر، وصح عن ابن عباس أنه دخل الحمام وهو محرم بالجُحْفَة ، فدخوله للرجال بالمآزر جائز، وكذلك النساء للضرورة، والأولى بهن البيوت إن أمكن . وذكر حديثا لم يصح : أن النبى صلى الله عليه وسلم لقى أم الدرداء عندما خرجت من الحمام فقال لها " والذي نفسى بيده ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهى هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل " وذكر حديثا هو أصح إسنادا عن طاووس عن ابن عباس " تقدم تحت رقم 3 " .
ثم يقول القرطبي : دخول الحمام فى زماننا حرام على أهل الفضل والدين ، لعدم مراعاة الأدب فى ستر العورة ، لا سيما بالديار المصرية ، ثم ذكر أن العلماء اشترطوا لدخوله عشرة شروط :
أ - أن يدخل بنية التداوى أو التطهر من العرق إثر الحمى .
2 -أن يتعمد أوقات الخلوة أو قلة الناس .
3-أن يستر عورته بإزار صفيق .
4 -أن يكون نظره إلى الأرض أو الحائط ، لئلا يقع على محظور .
د -أن يغير ما يرى من منكر برفق ، نحو، استتر سترك الله .
6 -إن دلكه أحد فلا يمكنه من عورته ، من سرته إلى ركبته .
7 - أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس .
8 -عدم الإسراف فى الماء .
9 -إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع أمناء على الدين على كرائه .
10 -أن يتذكر به جهنم .
وذكر حديثا فيه مدح دخوله الحمام ، لانه يذكر الإنسان بالنار، فيستعيذ منها ويسأل الجنة ، وفيه ذم دخول بيت العروس ، لأنه يرغبه فى الدنيا وينسيه الآخرة، ولكن الحديث ليس صحيحا .
وجاء فى القرطبي أيضا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة :
إنه بلغنى أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين ، فامنع من ذلك ، وحُلْ دونه ، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة . فقام أبو عبيدة وابتهل وقال : أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسوَّد الله وجهها يوم تبيض الوجوه . انتهىـ . "ج 12 ص 224 ". وفى الشوكانى "ج 1 ص 145 " أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يدخل الحمام ويتنور ، أى يستعمل النورة لإزالة الشعر، ولم يبين درجة هذا الحديث ، مع أن الحمام لم يكن معروفا ببلاد العرب ، أو لم يكن شائعا على الأقل ، ويبدو-إن صح هذا الحديث - أن المراد به مكان منعزل يستحم فيه الشخص ، وليس حماما عاما بالمعنى المعروف .
وإذا كانت الحمامات المبنية لا يرغب فى دخولها ، فما بالك بالحمامات المكشوفة فى النوادى والساحات ، وعلى الشواطىء التى لا يلتزم فيها حجاب يستر العورة ولا يعزل الجنسين بعضهما عن بعض ؟ إنها أشد نكرا

(8/409)


سلس البول

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عندى مرض فى المسالك البولية ولا أتحكم في البول فكيف أصل ووضوئى لا يستمر إلا دقائق بسيطة لا تسع أداء الصلاة ؟

الجواب
قال العلماء: إن الوضوء ينتقض بالخارج من السبيلين إن كان خروجه فى حال الصحة فإن خرج حال المرض كالسلس كان صاحبه معذورا، وللفقهاء فى ذلك خلاف :
1 -فالشافعية قالوا: ما خرج على وجه السلس يجب على صاحبه التحفظ منه ، بأن يحشو محل الخروج ويعصبه ، فإن فعل ذلك ثم توضأ ثم خرج منه شىء فهو غير ضار فى إباحة الصلاة وغيرها بهذا الوضوء ، وذلك بشرط أن يقدم الاستنجاء على الوضوء، وأن يوالى بين الاستنجاء وبين الوضوء والصلاة، وأن تكون هذه الأعمال بعد دخول الوقت ، ويصلى بهذا الوضوء فرضا وما شاء من النوافل ، وتكون النية فى الوضوء هى الاستباحة، لا رفع الحدث لأنه لا يرفع بل مستمر .
2 - والمالكية قالوا: لا ينتقض الوضوء بما خرج حال المرض كالسلس ، بشرط أن يلازم أغلب أوقات الصلاة أو نصفها ، وأن يكون غير منضبط ، وألا يقدر على رفعه بعلاج ونحوه ، وذلك على المشهور من مذهب مالك ، وهناك رأى بأن السلس لا ينتقض وضوءه ولكن يستحب منه الوضوء إذا لم يلازم كل الزمن ، ومن استوفى السلس هذه الشروط ندب الوضوء منه ، ويصلى صاحب السلس بوضوئه ما شاء إلى أن ينتقض بناقض آخر .
3 - والحفنيه قالوا: من به سلس بول أو ريح أو استحاضة مثلا يقال له معذور، إذا استمر عذره وقتا كاملا لصلاة مفروضة ، ويتوضأ لوقت كل صلاة ويصلى ما شاء من الفرائض والنوافل ، وينتقض وضؤه بخروج الوقت على تفصيل فى ذلك ، وعلى المعذور أن يدفع عذره بكل ما يستطيع .
4 -والحنابلة قالوا: لا ينتقض وضوء من به سلس ، بشرط أن يغسل المحل ويعصبه جيدا ، وأن يكون الحدث دائما ، وأن يكون الوضوء بعد دخول الوقت ، وعليه أن يتوضأ لكل وقت ، ويصلى بوضوئه مع الفرض ما شاء من فروض ونوافل " ملخص من الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف "

(8/410)


أذكار الوضوء

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نسمع بعض من يتوضأون يأتون بأذكار خاصة تتناسب مع أعضاء الوضوء، فهل لهذه الأذكار أصل صحيح ؟

الجواب
1 -ليكن معلوما أن من لم يذكر اللَّه أثناء الوضوء فوضوءه صحيح ، ومن تكلم بكلام الدنيا فوضوءه أيضا صحيح .
2 - لكن هل الأفضل السكوت أو ذكر اللَّه ؟ قال جماعة : الأفضل السكوت ، وذلك لاتباع النبى صلى الله عليه وسلم . وقال جماعة : الذكر أفضل ، وذلك للأمر بالذكر عموما ، وعدم ورود نهى عنه من النبى صلى الله عليه وسلم .
والخلاف جاء بسبب الحديث " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " رواه البخارى ومسلم .
فالقائلون بالسكوت قالوا : إن إحداث ذكر يعتبر إحداثا لأمر ليس من الدين ، والقائلون بالذكر قالوا : الذكر مطلوب بوجه عام دون التقيد بزمان أو مكان كما قال تعالى { يا أيها الذين أمنوا اذكروا اللَّه ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا } الأحزاب : 41 ، 42 ، فالذكر أثناء الوضوء داخل تحت الأمر العام ، وعليه فليس فيه إحداث أمر فى الدين ليس منه 3-تسن التسمية فى أول الوضوء ، لحديث " كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم اللَّه الرحمن الرحيم فهو أقطع " وفى رواية بالحمد للَّه . رواه أبو داود وغيره وحسنه ابن الصلاح وغيره ولحديث " لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه " رواه أبو داود وغيره ، ولأحاديث أخرى فى سنن البيهقى وحكم هو وغيره بضعفها . ومن تركها سهوا أو عمدا فوضوءه صحيح على رأى جمهور العلماء . وقال الحنابلة بوجوبها لو تركت عمدا بطل الوضوء .
ويسن بعد الانتهاء من الوضوء قول : أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ففى حديث مسلم أن من قالها فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء . وقى رواية الترمذى زيادة " اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين " وفى رواية ضعيفة للنسائى زيادة " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " . كما رويت أحاديث ضعيفة فى تكرار الشهادة ثلاث مرات " الأذكار للنووى ص 32 " أما الذكر أثناء الوضوء ، فقد ورد فيه حديث صحيح عن أبى موسى الأشعرى أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بوَضوء-بفتح الواو أى الماء الذى يتوضأ به -فسمعته يقول "اللهم اغفر لى ذنبى، ووسع لى فى دارى، وبارك لى فى رزقى " وفيه اختلاف فى مكان هذا الذكر، فرواه ابن السنى على أنه فى خلال الوضوء ، ورواه النسائى على أنه بعد الوضوء ، وفيه أن أبا موسى قال : يا نبى اللَّه سمعتك تدعو بكذا وكذا ، قال " وهل تركن من شىء "؟ .
4 -أما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يرد فيه شىء عن النبى صلى الله عليه وسلم . يقول النووى فى كتابه " الأذكار" . قال الفقهاء : يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصل مما قالوه : أن يقول بعد التسمية :
الحمد للَّه الذى جعل الماء طهورا، ويقول عند المضمضة: اللهم اسقنى من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم كأسا لا أظمأ بعده أبدا ، ويقول عند الاستنشاق :
اللهم لا تحرمنى رائحة نعيمك وجناتك ، ويقول عند غسل الوجه : اللهم بيض وجهى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، ويقول عند غسل اليدين : اللهم أعطنى كتابى بيمينى وحاسبنى حسابا يسيرا، اللهم لا تعطنى كتابى بشمالى ولا من وراء ظهرى، ويقول عند مسح الرأس اللهم حرم شعرى وبشرى على النار، وأظلنى تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك .
ويقول عند مسح الأذنين : اللهم اجعلنى من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، ويقول عند غسل الرجلين : اللهم ثبت قدمى على الصراط المستقيم .
فهذه الأدعية وإن لم يرد بها حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم لا بأس بها ، وبخاصة أنها وردت عن السلف ، وداخلة تحت الأمر العام بذكر اللَّه ولم يرد نهى عنها

(8/411)


التيمم لضيق الوقت

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
قمت من النوم قبل شروق الشمس بدقائق ولو توضأت أو اغتسلت فاتنى وقت الصبح ، فهل يجوز لى أن أتيمم لإدراك الصلاة أو لا يجوز؟

الجواب
إذا وجد الماء وكان الإِنسان قادرا على استعماله ولكنه خشى باستعماله خروج الوقت بحيث لو تطهر لا يدركه ، ولو تيمم لأدركه ، فللعلماء فى ذلك خلاف .
1 - فأبو حنيفة يقول : لا يجوز التيمم إذا خاف فوات الوقت ، ويجوز إذا خاف فوت صلاة الجنازة أو العيد ، وقال : الصلاة فى هذه الحالة ثلاثة أنواع ، نوع لا يخشى فوته أصلا، وذلك لعدم توقيته ، كالنوافل المطلقة غير المؤقتة، ونوع يخشى فواته بدون بدل عنه ، كالجنازة والعيدين ، ونوع يخشى فواته مع وجود بدل عنه كالجمعة والصلوات المكتوبة المفروضة ، فان للجمعة بدلا هو الظهر، وللمكتوبات المفروضة بدلا هو قضاؤها فى غير وقتها . فأما النوافل فإنه لا يتيمم لها مع وجود الماء ، إلا إذا كانت مؤقتة كالسنن الراتبة بعد الظهر والمغرب والعشاء ، فإن أخرها بحيث لو توضأ فات وقتها فإن له أن يتيمم ويدركها وأما الجنازة والعيد فإنه يتيمم لهما مع وجود الماء إن خاف فواتهما لحديث " إذا فاجأتك جنازة وأنت على غير وضوء فتيمم ". وأما الجمعة والمكتوبة فإنه لا يتيمم لهما مع وجود الماء، بل يجب الوضؤ ولو خاف فوت الوقت ، ويصلى بدلها ظهرا، ويقضى المكتوبة ، فإن تيمم وصلاها فى الوقت وجبت عليه إعادتها .
2 -والشافعى يقول : لا يتيمم مطلقا خوف خروج الوقت ، أو خوف فوات الجنازة أو العيد، لأنه يكون قد تيمم مع فقد شرط التيمم ، وهو عدم وجود الماء ، فالجمعة لو فاتت تقضى ظهرا، والصلوات المفروضة لو فاتت تقضى فى غير وقتها ، والصلوات الأخرى غير واجبة أو غير مؤقتة فلا داعى لصلاتها بالتيمم .
3-وقال مالك : إذا خشى باستعمال الماء فى الأعضاء الأربعة فى الحدث الأصغر، وتعميم الجسد بالماء فى الحدث الأكبر-خروج الوقت ، فإنه يتيمم ويصلى ، ولا يعيد الصلاة على المعتمد ، أما صلاة الجنازة فإنه لا يتيمم لها إلا إذا كان فاقدا للماء وتعينت عليه بأن لم يوجد شخص متوضىء يصلى عليها بدله ، وإذا كان تيمم للفرض فإنه يصح له أن يصلى بتيممه على الجنازة تبعا ، وأما الجمعة ففى صحة التيمم لها قولان والمشهور لا يتيمم لها .
4 -وقال الحنابلة : لا يجوز التيمم لخوف خروج الوقت إلا إذا كان المتيمم مسافرا وعلم وجود الماء فى مكان قريب ، وأنه إذا قصده وتوضأ منه يخاف خروج الوقت ، فإنه يتيمم فى هذه الحالة، ويصلى ولا إعادة عليه ، وكذلك لو وصل إلى الماء وقد ضاق الوقت عن الطهارة به ، أو لم يضق لكنه علم أنه يوزع بالنوبة و أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروج الوقت ، فإنه فى هذه الحالة يتيمم ويصلى ولا إعادة عليه . " الفقة على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف "

(8/412)


الكولونيا

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس إن الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول نجسة ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب
الحكم فى استعمال الكولونيا والعطور المحلولة فى الكحول متوقف على حكم الكحول نفسه . هل هو نجس أو طاهر ، وقد اختلفت أنظار العلماء فيه ، بناء على أنه من قبيل المسكرات كالخمر أو من قبيل المواد السامة أو شديدة الضرر ، والكل متفقون على حرمة شربه ، فهو مسكر وكل مسكر خمر وكل خمر حرام ، كما جاء فى السنة النبوية والإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار كما جاء فى السنة أيضا بنصوص كثيرة .
والقائلون بأنه كالخمر اختلفوا فى نجاسته ، فالأئمة الأربعة على أن الخمر نجسة ، بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } المائدة : 90 ،حيث قالوا : إن الرجس هو النجس أو المستقذر والخبيث ، والشرع قد حكم عليها بأنها رجس وأمر باجتنابها فتكون مع حرمتها نجسة ، وعلى هذا يكون الكحول نجسا .
وخالف فى هذا الحكم الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك ، والليث بن سعد ، والمزنى صاحب الإمام الشافعى ، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين ، فقالوا : إن الخمر طاهرة ، واستدل سعد بن الحداد القروى على طهارتها بِسَكْبِها فى طرق المدينة عند ما جاء النص بتحريمها ، حيث قال : لو كانت نجسة ما فعل الصحابة ذلك ، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلى فى الطرق -أى البول والغائط فيها-وعلى هذا يكون الكحول طاهرا .
وهؤلاء ردُّوا دليل الجمهور على نجاستها-وهو الآية المذكورة - فقالوا : إن الرجس إذا أريد به النجس فالنجاسة هنا حكمية ، كنجاسة المشركين الواردة فى قوله تعالى { إنما المشركون نجس } التوبة : 28 ،ولا شك أن كل محرم نجس حكما ، ويقوى ذلك أن الرجس وصف به كل ما ذكر فى الآية مع الخمر ، وهو الميسر والأنصاب والأزلام ، ولم يقل أحد بنجاسة هذه الأشياء نجاسة عينية ، فالخمر لذلك ليست نجاستها عينية بل هى حكمية ، ويبقى القول بنجاستها العينية محتاجا إلى دليل ، وأجاب الجمهور على ادعاء أن نجاسة الخمر لا نص فيها ، وعلى أنه لا يلزم من كونها محرمة أن تكون نجسة، فقالوا :
إن قوله تعالى{ رجس } يدل على نجاستها ، لأن الرجس فى اللسان -أى اللغة العربية - النجاسة ، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم إلا إذا وجدنا فيه دليلا منصوصا لتعطلت الشريعة ، فإن النصوص فيها قليلة .
لكن كما قدمنا إذا كان الرجس هو النجاسة فهو محتمل للنجاسة الحسية والمعنوية كما ذكر فى المشركين ، فالدلالة اللفظية هنا ظنية ، وليست قطعية ، ولو صح قولهم -كما قدمنا-للزم عليه نجاسة الميسر والأنصاب والأزلام ، ولم يقل أحد بنجاستها نجاسة حسية ،- وقد يرد عليهم بأن الأصل فى الأشياء الإباحة والطهارة ما لم يدل دليل على غير ذلك ، ولا يوجد دليل على نجاستها ، أما الدليل على حرمتها فثابت بالكتاب والسنة ومن هنا يعوزكم الدليل الخالى من الاحتمال على نجاستها .
كما أجاب الجمهور القائلون بنجاسة الخمر على دليل القائلين بطهارتها وهو سَكْبُها فى طرق المدينة ، بأن الصحابة فعلت ذلك لأنه لم يكن لهم سروب - حفر تحت الأرض -أى المجارى ، ولا آبار يريقون الخمر فيها ، لأن الغالب من أحوالهم اْنهم لم يكن لهم (كُنُف ) فى بيوتهم . والضرورات تبيح المحظورات .
وهذا الخلاف كله فى الخمر المتخذة من عصير العنب ، أما باقى المسكرات المتخذة من .الشعير والعسل والتين وغيرها فالأئمة الثلاثة على نجاستها ، والمذهب المفتى به عند الحنفية أنها نجسة أيضا وإن قال بعضهم بطهارتها .
والخلاصة أن الخمر نجسة عند الجمهور ، فيكون الكحول نجسا أيضا عندهم ، أما عند غير الجمهور فهى طاهرة ، وبالتالى يكون الكحول طاهرا أيضا .
هذا عند من جعل الكحول من المسكرات ، أما من جعله من المواد السامة والضارة فهو طاهر كطهارة الحشيش والأفيون وكل ضار ، حيث لم يقل أحد بنجاستها نجاسة عينية ، وإن كانت نجسة حكما بمعنى أنها محرَّمة .
ومن القائلين بطهارة الخمر من المتأخرين الشوكانى والصنعانى صاحب " سبل السلام " وصدِّيق حسن خان فى كتابه " الروضة البهية " ذاهِبَا إلى أن الأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح ، والشيخ محمد رشيد رضا فى تفسير " المنار " مال إلى القول بعدم نجاسة الكحول والخمر ، وكذلك العطور المختلطة به ، لعدم وجود الدليل الصحيح على النجاسة ، ولأن الرجس فى الخمر رجس حكمى بمعنى التحريم ، والكحول موجود فى كثير من المواد الغذائية بنسب متفاوتة وهو غير مستقذر لأنه يستعمل فى التطهير ، وشيوع استعماله فى الأغراض الطبية والنظافة وغيرها يجعل القول بنجاسته من باب الحرج وهو منفى بنص القرآن ، كما حكى الغزالى وجها فى الخمر المحترمة وهى التى اعتصرت بقصد أن تتخذ خلا . ثم ذكر القول بأن ما اعتصره أهل الكتاب من المحترمة ، بناء على عدم تكليفهم بفروع الشريعة ، فكل خمور أهل الكتاب طاهرة على هذا الوجه .
وينتهى الشيخ محمد رشيد رضا فى تفسيره إلى أن الخمر مختلف فى نجاستها عند علماء المسلمين ، وان النبيذ طاهر عند أبى حنيفة وفيه الكحول قطعا ، وأن الكحول ليس خمرا ، وأن الأعطار الإفرنجية ليست كحولا ، وإنما يوجد فيها الكحول كما يوجد فى غيرها من المواد الطاهرة بالإجماع ، وأنه لا وجه .
للقول بنجاستها حتى عند القائلين بنجاسة الخمر " انظر تفسير المنار- المجلد الرابع ص 505 ، 821 ، 866 " .
هذا بعض من المعركة التى ، دارت حول نجاسة الكحول وطهارته بسطناها فى كتابنا " الإسلام ومشاكل الحياة "ج 1 . وما دام الأمر خلافيا فلعل من التيسير بعد شيوع استعماله فى الطب والتطهير والتحاليل المختلفة والعطور وغيرها - الميل إلى القول بطهارته إن جعل من المواد السامة والضارة ، وإن كان يستعمل أحيانا كالخمر فإن نجاستها غير متفق عليها ، وبخاصة إن كانت من غير عصير العنب ، وهو يستخرج الآن من مواد مختلفة .
وعليه فلا يجب غسل ما أصابته الكولونيا من البدن والملابس وغيرها ، وتصح الصلاة مع وجودها . " انظر الفتاوى الإسلامية المجلد الخامس ص 1652 "

(8/413)


الدواجن التى تتغذى بالنجاسات

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم أكل الطيور والحيوانات التى تتغذى على النجاسات ؟

الجواب
ثار الجدل فى هذه الأيام حول لحم الدجاج الذى يضاف إلى علفه بعض المواد النجسة أو الكيماوية التى تسرع نموها وتزيد حجمها أو وزنها ، وكان محور الجدل فى نقطتين ، إحداهما صحية والأخرى دينية .
وقد اختلف ذوو الاختصاص والخبرة فى تأثير ذلك على صحة الإنسان ، ما بين مثبت للضرر ، وبخاصة فى علاقته بالفشل الكلوى والسرطان ، وناف لهذا الضرر ، وبخاصة بهذه الصورة الرهيبة ، مع إشارة بعضهم إلى أن ما يمكن أن يكون من ضرر فهو ليس بهذا الحجم الذى يحرم تناول هذه اللحوم .
ومبدئيا نقول : مادام لم يجزم أهل الذكر بوجود الضرر البيِّن الذى يؤثر تأثيرا بالغا بالصحة والمال والعقل وسائر ما حاطه الإسلام بالرعاية من أجل تأدية الإنسان وظيفته فى الحياة على الوجه المطلوب ، فلا وجه للقول شرعا بمنع تناوله لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما ، فما دامت العلة ، وهى الضرر المذكور غير محققة فالأصل فى الأشياء الحل ، فإن تحققت كان المنع ، وقد جاء الشرع لتحقيق المصلحة ومنع المفسدة ، والله سبحانه يقول { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة :195 والنبى صلى الله عليه وسلم يقول فى الحديث " لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه والدارقطنى وغيرهما مسندا :
ورواه مالك فى الموطأ مرسلا ، كما قال النووى فى متن " الأربعين حديثا النووية " وقال : حديث حسن .
وعلماء الإسلام تحدثوا عن هذا الموضوع من قديم الزمان بناء على نصوص وردت فى ذلك منها :
1 - عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تحبس .
أخرجه الدارقطنى والحاكم والبيهقى ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال البيهقى : ليس بالقوى .
2 - عن ابن عمر أيضا : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها ، رواه الخمسة إلا النسائى . وقال الشوكانى " نيل الأوطار ج 8 ص 128 " : حسَّنه الترمذى ، واختلف فيه على لد ابن أبى نجيح " فقيل :
عن مجاهد عنه ، وقيل : عن مجاهد مرسلا، وقيل : عن مجاهد عن ابن عباس .
3 - عن ابن عباس رضى الله عنهما : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلاَّلة ، رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، وصححه الترمذى ، وقال الشوكانى : ،وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقى ، وصححه أيضا ابن دقيق العيد ، ولفظه : وعن الجلالة وشرب ألبانها .
4 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحُمر الأهلية ، وعن الجلالة ، عن ركوبها وأكل لحومها رواه أحمد والنسائى وأبو داود- وقال الشوكانى : أخرجه أيضا الحاكم والدارقطنى والبيهقى ، وفى الباب عن أبى هريرة مرفوعا ، وفيه النهى عن الجلالة ، قال فى التلخيص : إسناده قوى .
هذا بعض ما ورد عن الجلالة ، والكلام فى هذا الموضوع يدور حول تعريف الجلالة ومناط النهى ، ودرجة هذا النهى وما ينبغى أن يتخذ حيالها . وما هو المنهى عنه منها .
أ- فالجلالة هى كل ما يتناول العَذِرَة - بكسر الذال - و الأرواث ، مأخوذ من الجَلَّة-بفتح الجيم -وهى البعرة ، وهى تشمل الإبل والبقر والغنم والدجاج و الأوز وغيرها من كل ما يتناول هذه المواد .
قال العلماء : ولا يطلق عليها وصف الجلاَّلة إلا إذا كان غالب علفها من النجس ، كما جزم به النووى فى تصحيح التنبيه ، يقول الخطابى : فأما إذا رعت الكلأ و اعتلفت الحب ، وكانت تتناول مع ذلك شيئا من الجلة فليست بجلالة ، وإنما هى كالدجاج المخلاّة ونحوها من الحيوان الذى ربما نال الشىء منها وغالب غذائه وعلفه من غيره ، فلا يكره أكلها ، وجاء فى حياة الحيوان الكبرى للدميرى " مادة سخلة " قوله واختلفوا فيما يناط به الحرمة و الكراهة ، فقال الرافعى عن " تتمة التتمة " : إنه إن كان أكثر أكلها الطاهرات فليست بجلالة ، والأصح أنه لا اعتبار بالكثرة ، بل بالرائحة ، فإن كان يوجد فى مرقتها أو فيها أدنى ريح النجاسة وإن قلَّ فالموضع موضع النهى ، وإلا فلا ، وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن موضع النهى ما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو كانت تقرب من الرائحة ، فأما إذا كانت الرائحة التى توجد يسيرة فلا اعتبار بها ، والصحيح الأول ، إلحاقا لها بالتغير اليسير بالنجاسة فى المياه :
فإن علفت الجلالة علفا طاهرا مدة حتى طاب لحمها وزالت النجاسة زالت .الكراهة ، ولا تقدر مدة العلف عندنا بزمن ، بل المعتبر زوال الرائحة بأى وجه كان .
ب - يؤخذ من هذا أن مناط النهى هو وجود رائحة النجاسة وتغير اللحم أو اللبن أو البيض ، وذلك تابع فى الغالب إلى كثرة ما تعلف به الدابة من النجاسة أو قوة تأثيره ، يقول الدميرى : ثم إن لم يظهر بسبب ذلك تغير فى لحمها فلا تحريم ولا كراهة ، ويقول القرطبى فى تفسيره "ج 7 ص 122" بعد ذكر الجلالة : هذا نهى تننزيه وتنظف ، وذلك أنها إذا اغتذت الجلة وهى العذرة وجدنتن رائحتها فى لحومها .
ب - فإذا وجدت الرائحة أو تغير اللحم طعما وقال العلماء بمنع تناول لحمها وما ينتج عنه . فما هى درجة هذا المنع هل هى الحرمة أو الكراهة ؟ يقول الشوكانى : والنهى حقيقة فى التحريم فأحاديث الباب ظاهرها تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وركوبها ، وقد ذهبت الشافعية إلى تحريم أكل لحم الجلالة ، وحكاه فى البحر عن الثورى وأحمد بن حنبل ، وقيل : يكره فقط ، كما فى اللحم المذكى إذا أنتن قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : لو غذَّى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره ، وهذا أحد احتمالى البغوى .
قال الدميرى فى السخلة المرباة بلبن كلبة أن لها حكم الجلالة ، فيكره أكلها كراهة تنزيه على الأصح فى الشرح الكبير والروضة والمنهاج ، وبه جزم الرويانى والعراقيون . وقال أبو إسحاق المروزى و القفال : كراهة تحريم ، ورجحه الإمام الغزالى والبغوى والرافعى فى المحرر .
ثم قال الدميرى: وسئل سحنون "من فقهاء المالكية "عن خروف أرضعته خنزيره فقال : لا بأس بأكله ، وقال الطبرى : العلماء مجمعون على أن الجَدى إذا اغتذى بلبن كلبة أو خنزيره لا يكون حراما ولا خلاف فى أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة ، وقال غيره : المعنى فيه أن لبن الخنزيرة لا يدرك فى الخروف إذا ذبح بذوق ولا شم ولا رائحة ، فقد نقله الله تعالى وأحاله كما يحيل الغذاء ، وإنما حرم الله تعالى أكل أعيان النجاسات المدركات بالحواس ، كذا قاله أبو الحسن على بن خلف بن بطال القرطبى فى شرح البخارى [ووفاته سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وهو أحد شيوخ أبى عمرو بن عبد البر رحمة الله تعالى عليه ] انتهى ما فى الدميرى .
د - وإذا كان المنع من أكل لحم الجلالة وشرب لبنها منوطا بوجود النتن والتغير فى الطعم والرائحة ، فكيف تزول هذه العلة حتى يزول المنع ؟ قال جماعة : يكفى زوال الرائحة والطعم بأية وسيلة من الوسائل ، و قال آخرون : لابد من حبس الدابة مدة حتى تزول الرائحة . وقال جماعة من هؤلاء لابد مع الحبس من العلف الطيب ، وبدون ذلك يكره أكل اللحم وشرب اللبن ، جاء فى تفسير القرطبى : وقال أصحاب الرأى والشافعى وأحمد : لا تؤكل حتى تحبس أياما وتعلف علفا غيرها ، - يعنى غير الجلة - فإذا طاب لحمها أكلت . وكان ابن عمر يحبس الدجاج ثلاثا ثم يذبح ، وقال إسحاق : لا بأس بأكلها بعد أن يغسل لحمها غسلا جيدا ، وكان الحسن لا يرى بأسا بأكل لحم الجلالة ، وكذلك مالك بن أنس .
ويقول القرطبى : ومن هذا الباب نهُى أن تلقى فى الأرض العذرة عن ابن عمر أنه كان يكرى أرضه ويشترط ألا تُدْمن - تُسَمَّد - بالعذرة ، وروى أن رجلا كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر : أنت الذى تطعم الناس ما يخرج منهم . انتهى .
يقول الدميرى فى كتابه حياة الحيوان " مادة دجاج " و فى الكامل والميزان فى ترجمة غالب بن عبد الله الجزرى وهو متروك -عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم يأكلها بعد ذلك . وذكر فى مادة " سخلة " حديث ابن عمر فى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تحبس .
وجاء فى" نيل الأوطار "للشوكانى : قال ابن رسلان فى شرح السنن : وليس للحبس مدة مقدرة ، وعن بعضهم : فى الإبل والبقر أربعين يوما ، وفى الغنم سبعة أيام ، وفى الدجاج ثلاثة ، واختاره فى المهذب والتحرير ، قال الإمام المهدى فى البحر : فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها ما لم يستحل ما فيه استحالة تامة ... وقد اختلف فى طهارة لبن الجلالة ، فالجمهور على الطهارة ، لأن النجاسة تستحيل فى بلطنها ، فيطهر بالاستحالة ، كالدم يستحيل فى أعضاء الحيوانات لحما ويصير لبنا .
ويقول الدميرى فى " مادة سخلة " بعد نقل ما قيل عن مدة الحبس وأنها محمولة على الغالب عندهم : فإن لم تعلف لم يزُل المنع بغسل اللحم بعد الذبح .ولا بطبخه وشَيَّه وتجفيفه فى الهواء وإن زالت الرائحة بمرور الزمان عند صاحب التهذيب ، وقيل بخلافه .
ر- هذا ، والممنوع فى الجلالة بوصف كونها جلالة ، هو أكل لحمها وشرب لبنها وكذلك أكل البيض ، وأيضا حمل الأمتعة عليها ، وركوبها بغير حائل بين ما يحمل عليها وبين جلدها ، وذلك على سبيل الكراهة فى الركوب .
بعد العرض لأحاديث الجلالة وأقوال العلماء نستخلص أن الدواب التى يخلط علفها بمادة نجسة ولم يظهر فساد فى لحمها أو لبنها أو بيضها ، ولا ضرر فى تناوله لا يحرم أكل ذلك ولا يكره ، لزوال علة النهى وهى الفساد ، أما إن كان علفها كله من مادة نجسة وظهر فساد اللحم واللبن والبيض فالخلاف موجود بين الحكم بالحرمة أو الكراهة التحريمية أو الكراهة التنزيهية ، وإن لم يكن فساد فلا حرمة ، والأولى علفها بمادة طيبة مدة من الزمان حتى تقبل النفس عليها ، فإن بعض النفوس لا تقبل الحلال الذى لا شك فى حله ، فقد امتنع النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم الضب وهو حلال ، وجاء فى الصحيحين أنه قيل له : أحرام هو ؟ قال " لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه " وفى رواية مسلم " لا آكله ولا أحرمه " وفى رواية " كلوه فإنه حلال ، ولكنه ليس من طعامى " . وكلام الأطباء والمختصين فى هذا المقام له وزنه إن أجمعوا عليه

(8/414)


الفسيخ

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم أكل الفسيخ والأسماك المملحة ؟

الجواب
نشرت مجلة الأزهر فى المجلد الخامس صفحة 243 إجابة للمرحوم الشيخ يوسف الدجوى عن الأسماك المحفوظة بالتمليح جاء فيها ، مع زيادة للتوضيح :
إن السمك لا شك فى طهارته حيا أو ميتا لحديث " أحلت لنا ميتتان ودمان :
السمك والجراد والكبد والطحال " رواه أحمد والشافعى وابن ماجه والبيهقى والدارقطنى، وهو ضعيف ، وصحح الإمام أحمد وقفه على ابن عمر ، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم ، ومثل هذا له حكم المرفوع ، لأن قول الصحابى : أحل لنا كذا وحرم علينا كذا ، مثل قوله أمِرْنا ونُهينا . ولحديث الخمسة أى أحمد وأصحاب السنن الأربعة وقد سئل الرسول عن الوضوء بماء البحر فقال لا هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
لكن الدم المسفوح نجس ، وهو السائل عن مقره فى حال الحياة بنحو الفصد أو بعد الموت ولو بعد التذكية الشرعية من سائر الحيوانات ولو من السمك ، خلافا للقابسى وابن العربى ، حيث قالا : إن الدم المسفوح من السمك طاهر .
فالسمك إذا مُلِّح ووضع بعضه على بعض صار فسيخا ، فإن لم يتحلل منه دم مسفوح كان طاهرا وحل أكله ، أما إن خرج منه دم مسفوح بواسطة الضغط عليه بمثقل مثلا فقد صار نجسا لا يحل منه إلا الصف الأعلى ، مع غسله قبل أكله ، أما الطبقات السفلى فلا يحل أكلها على القول المشهور ، وذلك لنجاستها بمرور الدم عليها وعدم إمكان تطهيرها لامتزاجها بالدم . ويحل أكل جميعه على رأى القابسى وابن العربى ، وعلى المشهور إن شك فى كونه من الصف الأعلى أو غيره جاز أكله ، لأن الطعام لا يطرح بالشك .
هذا هو حكم الفسيخ على مذهب الإمام مالك ، ومذهب الحنفية أن السمك لا دم له ، فإذا ملِّح حتى صار فسيخا حَل أكله ، سواء أكان من الصف الأعلى أم من غيره ، وذلك كله ما لم يخش ضرره ، وإلا حرم أكله من أجل الضرر لا من أجل النجاسة . انتهى .
بعد هذا العرض يكون أكل الفسيخ حلالا عند الأحناف وبعض المالكية ، فليست الحرمة متفقا عليها ، والدين يسر ، وذلك بشرط عدم الضرر من أكله ، ويختم الشيخ الدجوى كلامه بقوله : والورع تركه

(8/415)


دخول بيت الخلاء بما فيه قرآن

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز دخول بيت الخلاء بحلية أو كتاب فيه اسم الله أو شىء من القرآن ؟

الجواب
روى أصحاب السنن وصححه الترمذى عن أنس رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه ، وقد صح أن نقش خاتمه كان " محمد رسول الله " وذلك أن بيوت الخلاء مستقذرة وتأوى إليها الشياطين والحشرات والهوام ، ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخلها يقول " اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث " رواه البخارى ومسلم ، والخبث -بضم الخاء والباء-جمع خبيث ، والخبائث جمع خبيثة ، والمراد بهم ذكور الشياطين وإناثهم ، وليس من اللائق أن توضع الأشياء الكريمة أو يدخل بها فى مثل هذه الأمكنة .
هذا هو حكم الدخول بأى شىء فيه اسم الله مثل " ما شاء الله " أما الدخول بالقرآن أو بأية منه فقال الأحناف والشافعية بكراهته ، وقال المالكية والحنابلة بحرمته ، وذلك لمجرد الدخول إذا كان حامله طاهرا أما إذا كان غير طاهر من الحدثين فانه يحرم حمله بصرف النظر عن الدخول وعدم الدخول به فى بيت الخلاء ، وذلك عند الشافعية .
ثم قالوا : محل حرمة الدخول أو كراهته إذا لم يكن القرآن مستورا بما يمنع وصول الرائحة الكريهة إليه ولم يخف الضياع عليه ، فإن اتخذ كحجاب مجلد ، أو خاف ضياعه أو ضياع الحلية المكتوب عليها القرآن جاز الدخول به .
فالمرأة الحاملة لحلية فيها القرآن إن كانت فى بيتها يجب أو يستحب أن تخلعها عند دخول بيت الخلاء ، وذلك للأمن عليها . أما إذا كانت فى سفر أو محل عام أو فى محل عمل فيه غيرها وخافت عليها الضياع لو خلعتها فلا بأس بدخول بيت الخلاء وهى لابسة لها .
" انظر : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة نشر وزارة الأوقاف ، و نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 85 ، 86 ، والفتاوى الإسلامية ، المجلد الخامس ص 1599

(8/416)


نقض الوضوء بخروج الدم

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل ينتقض الوضوء بخروج الدم ؟

الجواب
عن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أصابه قىء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ، ثم لِيَبن على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم " رواه ابن ماجه والدارقطنى ، وهو حديث ضعيف كما قاله غير واحد ، وقال الحفاظ من أصحاب ابن جريح : يروونه عن ابن جريح عن أبيه عن النبى مرسلا ، أى سقط منه الصحابى ، وصحح كونه مرسلا الدارقطنى وأبو حاتم والبيهقى .
2 - وورد أيضا حديث لا إذا رعف أحدكم فى صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ثم لِيُعدْ وضوءه وليستقبل صلاته لا وهو ضعيف أيضا .
3 - وعن ابن عمر رضى الله عنهما عند مالك فى الموطأ : أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ ولم يتكلم ثم يرجع ويبنى .
الرعاف هو الدم الذى ينزل من الأنف . والقىء ما يخرج من المعدة إلى الحلق .
و القلس -بفتح القاف وسكون اللام أو فتحها - ما خرج من الحلق أو الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقىء ، قاله الجوهرى فى الصحاح وابن الأثير فى النهاية . و المذى هو الماء الأبيض الرقيق الذى ينزل من القبل عقب ثوران الشهوة بدون لذة أو تدفق .
4 - أصيب عباد بن بشر بسهام وهو يصلى فاستمر فى صلاته ، رواه البخارى تعليقا بدون سند ، ورواه أبو داود وابن خزيمة .
5 - عن أنس قال : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ ، ولم يزد على غسل محاجمه ، و هو حديث ضعيف .
بناء على هذه المرويات اختلف الفقهاء فى نقض الوضوء بالدم الخارج من الجسم ، فقال الشافعى وأصحابه بعدم نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين لا القُبل والدبر" إلا إذا كان من ثقبة تحت المعدة تقوم مقام السبيلين فى خروج الفضلات ، وكذلك قال مالك بعدم النقض بخروج الدم من غير السبيلين إلا إذا كان من ثقبة تحت المعدة أو من الفم إذا صار ذلك مخرجا للفضلات يقوم مقام السبيلين مع بعض التوضيحات عندهما فى الخارج من الثقبة .
وسند هؤلاء فى عدم النقض للوضوء بالرعاف والحجامة والجرح أن الأصل عدم النقض للمتوضئ إلا بما يدل عليه دليل مقبول ، ولا يوجد هذا الدليل .
يقول الشوكانى : لا يصار إلى القول بأن الدم أو القئ ناقض إلا بدليل ناهض ، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل ، والكل من التقول على الله بما لم يقل [ يشير بهذا إلى قوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } النحل : 116 ،ويؤيد قول هؤلاء الحديث عباد بن بشر ، فإنه يبعد ألا يطلع النبى صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن وضوءه بطل كما يؤيد هذا القول حديث احتجام النبى صلى الله عليه وسلم وعدم وضوئه وإن كان ضعيفا .
أما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا بنقض الوضوء بالرعاف وبنزول الدم من أى مكان فى الجسم ، بشرط السيلان الذى يجاوز به الدم محل خروجه ، وكذلك قال أحمد بن حنبل بشرط كثرة الخارج من الدم .
وسند هؤلاء هو المرويات الثلاثة الأولى ، وهى ضعيفة . أما المذى فهو نافض للوضوء باتفاق لخروجه من القبل .
فإذا خرج بعض الدم من الأسنان أو من أثر الحلافة أو من سكين أو غير ذلك فالوضوء صحيح على مذهب جمهور الفقهاء ، والواجب هو تطهير المحل الذى أصابه الدم .
" نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 257 - 209 ، الفقه على المذاهب الأربعة "

(8/417)


قص الشعر وتقليم الظفر للجنب

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز قص الشعر أو الظفر أثناء الجنابة قبل الغسل ؟

الجواب
جاء فى شرح الإقناع لمتن أبى شجاع "ج 1 ص 60 "فى فقه الشافعية : قال فى الإحياء-أى إحياء علوم الدين للأمام الغزالى- لا ينبغى أن يحلق أو يقلم أو يستحد-يحلق عانته -أو يخرج دما ، أو يُبين -يقطع -من نفسه جزًا وهو جنب ، إذْ ترد سائر أجزائه فى الآخرة فيعود جنبا ، ويقال : إن كَل شعرة تطالبه بجنابتها .
لكن هذا الكلام لا دليل فيه على منع ذلك أثناء الجنابة ، ولا فى مطالبة الجز المفصول بجنابته يوم القيامة ، وقد وُجِّه مثل هذا السؤال لابن تيمية كما قال السفارينى فى كتابة " غذاء الألباب ج 1 ص 382 " فأجاب : قد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الجنب قال " إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا " فال : وما أعلم لكراهة إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا ، بل قد قال النبى صلى الله عليه وسلم للذى أسلم " ألق عنك شعر الكفر واختتن " فأمر الذى أسلم بذلك ولم بأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر حتى يغتسل ، فإطلاق كلامه يقتضى جواز الأمرين ، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط فى غسلها مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر ، فعلمنا عدم كراهة ذلك . وأن ما يقال فيه مما ذكر لا أصل له . قال عطاء : يحتجم الجنب ويقلم أظفاره ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ ، رواه البخارى .
وعلى هنا فلا كراهة فى قص الشعر والظفر أثناء الجنابة . أما دفن قلامة الظفر ومشاطة الشعر فله موضع آخر

(8/418)


الدراسة الدينية أثناء الجنابة

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سألت مدرسة للدين عن حمل كتاب الدين وفيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأحيانا تقرأ بعض الآيات وهى فى عادتها الشهرية، وأحيانا تقرأ القرآن وهى مكشوفة الرأس ، فما رأى الدين فى ذلك ؟

الجواب
يحرم على الجنب - ومن الجنابة الحيض والنفاس - الصلاة والطواف والمكث فى المسجد وقراءة القراَن ومس المصحف وحمله .
كما يحرم على الحائض و النفساء الصيام ، وعلى الرجل اعتزالها حتى تطهر .
أما حملها لكتاب الدين فليس ممنوعا ، لأنه ليس بمصحف ولا ينطبق عليه قول الله تعالى { إنه لقرآن كريم . فى كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون } الواقعة : 77-79 ، وأما قراءتها للقرآن من غير مس المصحف ولا حمله فممنوعة أيضا عند جمهور الفقهاء ، وذلك للحديث الذى رواه أصحاب السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القراءة شىء إلا الجنابة ، وصحح الترمذى هذا الحديث ، وقيل : إنه حديث حسن يصلح للاحتجاج به ، وكذلك للحديث الذى رواه أحمد عن على رضى الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ، ثم قال " هكذا لمن ليس بجنب ،. أما الجنب فلا ولا آية " قال الهيثمى : رجاله موثقون قال الشوكانى : فإن صح هذا الحديث صلح للاستدلال به على التحريم .
كما تمسكوا بحديث رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن " وقد ضعف هذا الحديث وغير الجمهور أجازوا للحائض والجنب قراءة القراَن ، ومنهم أهل الظاهر والطبرى والبخارى الذى قال : لا بأس أن تقرأ الحائض الآية ، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا .
قال ابن حجر : لم يصح عند البخارى شىء من الأحاديث الواردة فى منع الجنب والحائض وإن كان مجموع ما ورد فى ذلك تقوم به الحجة عند غيره ، لكن أكثرها قابل للتأويل .
هذا ، وذهب أبو حنيفة،إلى قراءة ما دون الآية ( انظر الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ) .
وبعد عرض هذه الآراء يختار قول الجمهور فى المنع ، ولا يجوز للحائض أن تقرأ شيئا من القرآن عند دراسة لدين ما دامت لا توجد ضرورة لقراءتها .
كالامتحان مثلا ، ويمكنها أن تؤجل دراسة الباب الذى فيه القرآن حتى تطهر ، فإن تحتمت القراءة جازت قراءة آية أو أقل أى الاقتصار على الضرورى ، محافظة على قدسية القرآن .
أما قراءة الأحاديث النبوية وذكر الله بما ليس بقرآن ، والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وإجابة المؤذن فلا حرمة ولا كراهة فيها مع الجنابة .
وقراءة القرآن جائزة ورأس المرأة مكشوف أو كانت بملابس البيت ما دام لا يوجد اْجنبى يراها ، وإن كان الأفضل الستر الكامل والطهارة واستقبال القبلة ، وذلك لزيادة الأجر .
ولا يجوز لمن عندها العذر الموجب للغسل أن تدخل المسجد وتمكث فيه لحضور مجلس علم حتى تطهر ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما رواه أبو داود وابن ماجه ، ويمكنها أن تتلقى العلم بعيدا عن المسحد أو فى مكان ملحق به لا يصلى فيه .
أما حمل المصحف ومسه ففى موضع آخر .
توجيهات للجنب من المستحب أن يبادر الجنب بالطهارة بالغسل لأنها كمال ولأن فيها تنشيطا للبدن وتعويضا لما فقد من قوة ، ويكره له أن يؤخرها إلا إذا كان هناك عذر ، وهنا يستحب له أن يتوضأ بدل الغسل لمزاولة أعمال غير التى حرمت عليه كالأكل والشرب والنوم والسفر وإن ترك الطهارة بالغسل أو الوضوء عند التمكن من أحدهما كانْ ذلك مكروها لأنه يدل على الاستهانة وقد يصير عادة له .
ومما ورد فى استحباب المبادرة بالطهارة ما ثبت فى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ ، وما رواه أبو داود والنسائى وابن حبان فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب " وما رواه البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " ثلاثة لا تقربهم الملائكة الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق " وهو طيب كان خاصا بالنساء . وما روى من أن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر والجنب .
ويكره للجنب تشييع الجنازة لأن الملائكة تشيع بعض الجنازات كما ثبت فى الصحيح ، وربما لا تشيع لوجود جنب مع المشيعين فيمنع الرحمة عن الجنازة .
يقول العلماء : إن الملائكة التى لا تقرب الجنب حتى يغتسل أو يتوضأ هم ملائكة الرحمة ، أما الحفظة وغيرهم فلا يفارقونه أبدا ، والمراد بالصورة المجسمة وبالكلب غير ما أذن فيه كالحراسة والصيد ، ولا بأس من الذبح مع الجنابة وذكر اسم الله ، وإن كان الأولى الطهارة

(8/419)


التيمم

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هي فروض التيمم ، وما أسباب نزول آياته في القرآن الكريم ؟

الجواب
يجوز للإنسان أن يتيمم بدلا من الوضوء أو الغسل في عدة حالات ، منها :
إذا لم يجد الماء أصلا، أو وجده ولكن لا يكفيه للطهارة ، أو كان به جراحة أو مرض وخاف من الماء زيادة المرض أو تأخر الشفاء أو كان الماء شديد البرودة وغلب على ظنه حصول ضرر باستعماله وقد عجز عن تسخينه ، أو كان الماء قريبا منه وخاف من طلبه فوت الرفقة أو خاف على نفسه أو عرضه أو ماله ضرر من عدو أو حيوان مفترس مثلا، وكذلك إذا عجز عن استخراج الماء من العمق ، أو خاف تهمة له يتضرر بها عند استعمال الماء في الغسل ، كمن بات عند صديق متزوج وأصبح جنبا بالاحتلام مثلا أو كان محتاجًا إلى الماء في شرب أو طبخ أو عجن أو إزالة نجاسة ، أو خاف من استعماله خروج وقت الصلاة .
والتيمم يكون بالتراب الطاهر وكل ما كان من جنس الأرض كالرمل والحجر والجص ، وكيفيته : أن يقدم النية ثم يضرب الصعيد الطاهر بيديه ويسمح بهما وجهه ويديه إلى الرسغين ، ويكفى في ذلك ضربة واحدة كما تدل عليه الأحاديث القوية . وقال بعض الأئمة ، لابد من ضربتين ، إحداهما للوجه ، والأخرى لليدين ، على أن يكون مسحهما إلى المرفقين لا إلى الرسغين .
ويصلي بالتيمم الواحد للوقت ما شاء من الفرائض والنوافل ، وقال بعض الأئمة : لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فرضا واحدًا وما شاء من النوافل ، واشترط بعضهم لصحة التيمم دخول وقت الصلاة ولم يشترط البعض الآخر .
والتيمم ينتقض بكل ما ينتقض به الوضوء والغسل ، وكذلك ينتقض بوجود الماء أو القدرة على استعماله لمن عجز عنه .
أما سبب نزول آية التيمم في القرآن الكريم فقد ورد فيه حديث السيدة عائشة رضي اللَّه عنها الذي رواه البخارى ومسلم وغيرهما ، قلت : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لى ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معه ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ فجاء أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم على فخذي قد نام ، فعاتبني وقال ما شاء اللَّه أن يقول ، وجعل يطعن بيده خاصرتي فما يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل اللَّه تعالى آية التيمم {فتيمموا صعيدًا طيبًا} قال أسيد بن حضير: ما هي أول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته

(8/420)


حمل كيس البول

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
عملت لى عملية جراحية تحول بها مجرى البول إلى أنبوبة تصب فى كيس أحمله ، وقد تتسرب منه بعض النقط ، فكيف أصلى ؟

الجواب
معلوم أن الصلاة لا تقبل بغير طهارة من الحدث والنجس ، وخروج شىء من السبيلين المعتادين وهما القبل والدبر، من بول أو غائط أو ريح يبطل الوضوء أما الخارج من غير السبيلين كفتحة فى البطن ، فقد اختلف فيه العلماء ، فالشافعية والمالكية يقولون : إذا انقطع الخروج من السبيلين أو من أحدهما ، أو انسد المخرج المعتاد لعارض ، فإن الخارج ينقض الوضوء، والحنابلة يقولون بالنقض فى كل الأحوال .
أما الحنفية فيقولون : إن الخارج النجس من غير السبيلين ينقض الوضوء إذا سال وتجاوز موضع خروجه واستمر نزوله وكان صاحبه معذورا . والحالة الواردة فى السؤال ينطبق عليها حكم سلس البول ، فصاحبها يوالى بين الاستنجاء والوضوء والصلاة ويصلى بالوضوء فى الوقت ما شاء من الفرائض والنوافل ، " فتاوى معاصرة للشيخ جاد الحق على جاد الحق ص 81 ، 82"

(8/421)


الصبيان والمساجد

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يصحب بعض المصلين أولادهم إلى المساجد فيعارضهم آخرون لما يحدث منهم من تشويش ، فما رأى الدين فى ذلك ؟

الجواب
نحن مأمورن بأن نعود أولادنا منذ الصغر على الصلاة والصيام وسائر أعمال الخير، حتى إذا بلغوا حد التكليف كانت ممارستها سهلة عليهم ، وفى ذلك يقول النبى صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم فى المضاجع " . رواه أبو داود بإسناد حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وثبت أن الصحابة عندما فرض الصيام كانوا يصومون أطفالهم ، ويحضرون لهم كرات الصوف ليتسلوا بها حتى يحين وقت الإفطار ، كما رواه البخارى ومسلم عن الربيِّع بنت معوِّذ .
وكما يندب تدريب الأولاد على الصلاة والطاعات فى المنازل ، يندب تدريبهم على الأعمال الجماعية لتقوية روح الاجتماع فى نفوسهم ، ومن ذلك شهودهم لصلاة الجمع والجماعات فى المساجد، وتحدث الفقهاء عن ترتيب صفوف الجماعة فقالوا : يكون الرجال فى الصفوف الأولى ثم يليهم الصبيان ثم يليهم النساء .
ومع ذلك جاء حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول : "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخدوا على أبوابها المطاهر وجمروها فى الجمع " رواه ابن ماجه عن واثلة بن الأسقع ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير عن أبى الدرداء وأبى أمامة وواثلة، ورواه أيضا فى الكبير بتقديم وتأخير من رواية مكحول عن معاذ ولم يسمع منه . هكذا قال الحافظ المنذرى فى كتابه " الترغيب والترهيب " .
وإذا كان فى الحديث ضعف فإن هناك مرويات قوية بخصوص ما جاء فيه ، ويمكن قبوله فى فضائل الأعمال التى منها المحافظة على نظافة المساجد وتوفير الجو الهادى الذى يليق بمكانتها ويساعد المتعبدين على أداء عبادتهم فى خشوع ، ومن أجل هذا نهى الحديث عن الأمور المذكورة فيه .
وقد جاء فيه تجنيب الصبيان والمجانين للمساجد لأن الغالب منهم صدور أعمال تتنافى مع كرامة المسجد وتؤذى المتعبدين ، وحتى لا يكون هناك تعارض بين صلاة الصبيان فى المساجد والأمر بإبعادهم عنها قال العلماء : إن التجنيب يكون للأطفال غير المميزين الذين يكثر منهم العبث ، أما المميزون العقلاء فلا بأس باصطحابهم إلى المساجد ومشاركتهم للكبار فى الصلاة والعبادة وأعمال الخير، مع متابعة تنبيههم على المحافظة على آداب المساجد والآداب الاجتماعية بوجه عام .
وقد حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن معه إلى المسجد فكان يركب على ظهره وهو ساجد فى الصلاة فيطيل السجود رحمة به ، كما جاء فى روايات لأحمد والنسائى والحاكم وغيرهما ، وحمل العلماء ذلك على ضمان ألا يكون فى دخولهم المسجد تشويش وعبث ، أما ترك الأطفال يعبثون بدون رقابة فهو الممنوع .
وكذلك لم يكن اصطحاب النبى للأطفال اعتياديا ومستمرا ، بل فلتات أو فى بعض الأحيان

(8/422)


الكلام أثناء الوضوء

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الدين فى الحديث أثناء الوضوء ؟

الجواب
الحديث أثناء الوضوء لا يبطله وإن كان مكروها، فالمستحب الانصراف إلى العبادة ومقدماتها وذلك لإتقانها ، وإن كان هناك كلام فليكن بذكر اللّه وبالخير، وسوف يجىء الكلام عن الأذكار التى تقال عند الوضوء ، قبله أو أثناءه أو بعده

(8/423)


التطهير بالمسح

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجوز أن يكتفى فى تطهير السكين من أثر الدم بمسحها دون غسلها ؟

الجواب
كان الصحابة رضى اللَّه عنهم يصلون وهم حاملو سيوفهم وقد أصابها الدم فكانوا يمسحونها ويجتزئون بذلك ، ويقاس على السيوف كل صقيل ليست له مسام مثل المرآة والسكين والظفر والعظم والزجاج والأوانى، فيكتفى بالمسح الذى يزول به أثر النجاسة "فقه السنة ص ا 3 من المجلد الأول نشر دار الكتاب العربى-بيروت "

(8/424)


الوشم

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
سمعت من أحد العلماء أن الرجل الذى بيديه وشم لا يصح أن يكون إماما فى الصلاة فهل هذا صحيح ؟

الجواب
قال الخطيب الشافعى : الوشم -وهو غرز الجلد بالإبرة-حرام للنهى عنه ، فتجب إزالته وذلك إذا لم يخف ضررا من الأضرار التى تبيح التيمم - بإحداث مرض أو زيادته - فإن خاف لم تجب إزالته ولا إثم بعد التوبة .
وهذا كله إذا فعله برضاه بعد بلوغه ، وإلا فلا تلزمه إزالته ، وتصح صلاته وإمامته لغيره ، ولا ينجس ما وضع يده فيه مثلا إذا كان عليها وشم .
ومن هذا يعلم أن الرجل المذكور فى السؤال تجب عليه إزالة الوشم الذى فعله باختياره بعد البلوغ ، وهذا إن كانت إزالته بطريقة لا تضر العضو الموشوم ، فإن كانت الإزالة تضره فلا حرج وتصح صلاته ، أما من وُشِمَ صغيرا فلا يجب عليه إزالة الوشم وبالتالى تصح صلاته وإمامته .
والوشم منهى عنه بحديث "لعن اللَّه الواشمة والمستوشمة" والصحيح أن حرمته مرتبطة بقصد الغش والتدليس ، أو الفتنة والإغراء ، وإن كان البعض حرمه لأن فيه تغييرا لخلق اللَّه ، ولأن الدم النجس انعقد بسبب اللون الموشوم به ،ولا تزول نجاسته بالغسل كسائر النجاسات ، ومن هنا حكم بعدم صحة الصلاة إلا بعد إزالته إن أمكن بدون ضرر كما تقدم توضيحه .
وكان الوشم معروفا عند العرب قبل الإسلام كغيرهم من الأمم . وكان يقصد به الجمال إن كان فى شفتى المرأة ، ويعرف باللَّمَى، فاللمياء حسنة فى أعين الرجال عندهم ، كما قصد به فى بعض البلاد تمييز القبائل بعضها عن بعض ، بخطوط ذات اتجاهات وأعداد متنوعة ، كالموجودة فى بلاد النوبة جنوبى مصر، كما يعمل لأغراض أخرى فى مواضع معينة من الجسم من أجل الجمال فى عرف بعض القبائل ، أو إظهار البأس والقوة وغير ذلك من الأغراض .
ولزيادة المعلومات عنه انظر ص 298 من الجزء الثالث من كتابنا "الأسرة تحت رعاية الإسلام"

(8/425)


احتلام الضيف

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يحدث أن ينزل إنسان ضيفا على إنسان آخر ويعتريه فى نومه الاحتلام الذى يوجب الغسل ، فكيف يتصرف منعا للشبهة ؟

الجواب
إذا علم الضيف من صلته القوية وصداقته المتينة لصاحب البيت أنه لا يظن به سوءا كان عليه أن يطلب الاستحمام للصلاة ، أما إذا تيقَّن أو غلب على ظنه أنه سيتهمه بسوء فإنه يمكن بأسلوبه اللبق أن يطلب ذلك ، كأن يدعى أنه يريد النظافة لطول عهده مثلا بالاستحمام أو يريد التبرد من شدة الحر مثلا، وذلك محاولة أن يصرف ذهن صاحبه عن الظن السيئ به ، وذلك على مثال ما قال العلماء للمصلى الذى يخرج منه ناقض "للوضوء" وهو فى الصلاة فإنه ينصرف منها واضعا يده على أنفه لإيهام الناس أن به رعافا لا أنه أحدث فى الصلاة .
على أن جماعة من العلماء قالوا : يجوز له التيمم عند ضيق الوقت ويصلى حتى لا تفوته الصلاة ، ثم يتصرف فى الغسل بعد ذلك بطريقة تنقذه من هذا الحرج . هذا وخوف اتهام الضيف بالسوء يكون لو نام فى الدور أو الشقة التى فيها حريم ، أما لو كان نائما فى مكان منعزل عن الحريم فالواجب عليه أن يغتسل فى البيت أو خارجه ، ولا يعبأ بشك صاحب البيت ، لأنه حينئذ يكون متجنيا عليه وظالما له ، وبخاصة إذا كان الضيف معروفا بالخلق الطيب واستقامة السلوك ، فلا يخشى بأسا من الاغتسال ، فالمؤمن المستقيم جدير بأن يدفع اللَّه عنه قالة السوء .
وإذا أعيته الحيل لدفع الشكوك والظنون السيئة عنه قال بعض العلماء : إنه صار كالسجين فى بيت صديقه ، فيسقط عنه الغسل اتقاء للتهمة، ولأن الضرورات تبيح المحظورات ، وهنا يقول بعض علماء الحنفية: يجب عليه أن يصلى بدون غسل فى الوقت ، لحرمة الوقت ولكن صلاة غير حقيقية، بل يتشبه بالمصلين فى الحركات ولا ينوى ولا يقرأ ولا يصلى إماما ، ثم يعيد الصلاة بعد التمكن من الغسل .
وقال بعض المحققين : يستحسن له أن يتوضأ عقب الاحتلام ويصلى الصلاة الصورية رمزا لمواظبته على طاعة اللَّه ثم يعيدها بعد الغسل "نور الإسلام - مايو - 1949 م "

(8/426)


نجاسة الخنزير

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما حكم الفراجين "الفُرش " التى تصنع من شعر الخنزير ؟

الجواب
معلوم أن لحم الخنزير يحرم أكله كما قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } المائدة : 3، وتحريم أكل اللحم يشمل تحريم كل أجزائه من الشحم والكبد والطحال وغيرها، لقوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } الأنعام :145 ، لأن الضمير فى قوله {فإنه رجس } عائد على لفظ الخنزير لا على لفظ "لحم " لأن تحريم اللحم معلوم بالنص عليه ، فلو عاد الضمير عليه لزم خلو الكلام من فائدة التأسيس ، فوجب عوده إلى كلمة "خنزير" ليفيد الكلام تحريم بقية أجزائه .
ومع تحريم أكل أى جزء منه فهو نجس ، لأن الله وصفه بأنه رجس ، والرجس هو النجس ، وجمهور الفقهاء على نجاسته حيا وميتا بدليل هذه الآية ، وإن كان فى الدليل مناقشة ، فقد يراد بالنجاسة النجاسة الحكمية وهى حرمة الأكل ، وليس النجاسة العينية ، كنجاسة المشركين فى قوله تعالى {إنما المشركون نجس } فالمراد نجاسة الاعتقاد وليس النجاسة العينية ، حيث لم يقل أحد بأن المشرك ينجس . على مثل ما جاء فى قوله {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } فنجاسة الأنصاب والأزلام حكمية وهى الحرمة وليست نجاسة عينية .
ولما كانت الآية لا تدل دلالة قطعية على نجاسة الخنزير نجاسة عينية استدل بعض العلماء على ذلك بالقياس على نجاسة الكلب ، لأنه أسوأ حالا منه حيث لا يجوز الانتفاع به ، لكن هذا الدليل غير مسلَّم ، لأن الحشرات لا ينتفع بها ومع ذلك هى طاهرة .
ومن هنا قال النووى : ليس لنا-أى الشافعية-دليل على نجاسة الخنزير، بل مقتضى المذهب طهارته كالأسد والذئب والفأر، وقال ابن المنذر الإجماع على نجاسة الخنزير، لكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن مالكا يخالف فيه ويقول بطهارته .
نخلص من هذا إلى أن الخنزير يحرم أكله ، أما طهارته فالجمهور على أنه نجس ، والبعض قال إنه طاهر كالحمار والذئب يحرم أكلهما ومع ذلك طاهران .
وكل حيوان لم يذبح ذبحا شرعيا أو كان مما يحرم أكله حتى لو كان طاهرا حال حياته كالحمار فإنه يعتبر "ميتة" ولحم الميتة مع حرمة أكله نجس ، والنجاسة تشمل الجلد والشعر وكل ما يتصل به ، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ عند الجمهور، إلا جلد الكلب والخنزير فلا يطهره الدباغ ، ومثله الفراء والشعر، ومذهب داود الظاهرى وأبى يوسف أن الدباغ يطهر كل جلود الميتة حتى الكلب والخنزير، لأن الأحاديث الواردة فى ذلك (من هذه الأحاديث ما رواه مسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر" وما رواه الدارقطنى " طهور كل أديم دباغه ". ) لم يفرق فيها بين الكلب والخنزير وما سواهما ، ذكره النووى فى شرح صحيح مسلم ونقله الشوكانى فى نيل الأوطار " ج 1ص 75" . وعليه فلا يجوز استعمال جلد الخنزير وشعره فى ملابس أو أحذية أو غيرهما على رأى جمهور العلماء .
هذا هو حكم شعر الخنزير إذا أخذ بعد موته ، أما إذا أخذ حال حياته فإن حكمه كحكم ميتته ، وميتته نجسة فشعره بالتالى نجس ، وذلك لحديث رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين "ما قطع من حى فهو كميتته " [الإقناع للخطيب ج 1 ص 24] واستثنى العلماء من هذا الحديث شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة ، وعلى هذا لا يجوز استعمال شعر الخنزير إذا قص منه وهو حى فى عمل الفراجين "الفرش " حتى لو غلى هذا الشعر وعقم سواء أخذ حال الحياة أو بعد الموت ، لأن هذه الإجراءات الصحية لا تطهره ، بل هى للتأكيد من خلوه من الأمراض المعدية، والنجاسة باقية، لأنها نجاسة عين لا تطهر بهذه الوسائل مطلقا ، بخلاف الشيء الطاهر الذى لاقته النجاسة فإنه يقال عنه إنه متنجس ، ويطهر بالغسل بالماء على ما هو مفصل فى كتب الفقه .
هذا ، وقد يُقرأ فى بعض الكتب أن شعر الخنزير يجوز الانتفاع به فى خرازة النعال ، لما روى أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس ، كما رواه ابن خويز منداد، فكانت الخرازة به موجودة فى عهد النبى وبعده ، ولم يعلم أنه أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده .
لكن جواز خرازة النعال بشعر الخنزير لا ينفى نجاسته ، ولذلك لا يجوز المسح على النعل المخروز به ولا الصلاة فيه ، وإن أجاز بعضهم ذلك فهو عند الضرورة "حياة الحيوان الكبرى للدميرى-خنزير برى"

(8/427)


الوضوء من لحوم الإبل

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
وردت أحاديث تأمر بالوضوء من لحوم الإبل ومما مسته النار، وتنهى عن الصلاة فى مبارك الإبل دون مرابض الغنم ، فهل هذا صحيح وما الحكمة فى ذلك ؟

الجواب
روى مسلم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" قال الرجل : أتوضأ من لحوم الإبل ، قال : "نعم فتوضأ من لحوم الإبل " قال الرجل : أصلى فى مرابض الغنم ؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم "نعم " قال الرجل : أصلى فى مبارك - الإبل ؟ قال "لا" .
وروى مسلم أيضا "إنما الوضوء مما مست النار، توضأوا مما مست النار" .
وروى أبو داود عن جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار"؟ ذهب أكثر العلماء إلى أن أكل لحوم الإبل لا ينقض الوضوء ، قال النووى : ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبى بن كعب وابن عياض . . . وجماهير من التابعين ، ومالك وأبو حنيفة والشافعى وأصحابهم ، محتجين بحديث جابر المذكور وهو عام يشمل لحوم الإبل وغيرها ، وذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ويحيى ابن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة، ، وحكى عن أصحاب الحديث وعن جماعة من الصحابة ، إلى انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل اعتمادا على الحديثين الأولين . والجمع بين أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالوضوء من لحوم الإبل وما كان عليه فى آخر الأمر من ترك الوضوء مما مست النار-هذا الجمع فيه كلام كثير لعلماء الأصول لا يتسع له المقام ، وقد رأى بعض العلماء أن الأمر بالوضوء يراد به غسل اليدين ، أى الوضوء اللغوى .
وإن كان هذا الرأى فيه مناقشة عند إيراده للجمع بين الوضوء وعدمه . والمختار للفتوى هو رأى جمهور الفقهاء من عدم نقض الوضوء بأكل لحوم الإبل أو ما مسته النار... . أما الصلاة فى مبارك الإبل فهى حرام عند أحمد، وقال : لا تصح ،فإن صلى فعليه الإعادة ، وسئل مالك عمن لا يجد إلا عطن إبل هل يصلى فيه ؟ فقال : لا يصلى فيه ، قيل :
فإن بسط عليه ثوبا؟ قال : لا، وقال ابن حزم : لا تحل فى عطن إبل .
أما جمهور الفقهاء فقالوا : إن الصلاة تصح فى مبارك الإبل ، وحملوا النهى على الكراهة إذا لم تكن هناك نجاسة ، وعلى التحريم إن وجدت النجاسة ، وليست علة قولهم هى النجاسة ، فإنها موجودة فى مرابض الغنم ، بل لأن الإبل فيها نفور، فربما نفرت والإنسان يصلى فيؤدى نفورها إلى قطع الصلاة أو إلى أذى يحصل له منها ، أو يشوش بخاطره ويلهيه عن الخشوع ، ويؤيد هذا التعليل حديث أحمد بإسناد صحيح "لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن ، ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت " أما الصلاة فى مرابض الغنم فهى جائزة بنص الحديث لعدم وجود العلة الموجودة فى مبارك الإبل

(8/428)


التيمم

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
ما هو القدر الواجب مسحه من اليدين بالتراب عند التيمم ؟

الجواب
روى البخارى ومسلم عن عمار بن ياسر رضى الله عنه أنه لما أصابته الجنابة ولم يجد ماء تمرغ فى التراب قال له الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما كان يكفيك هكذا" وضرب بكفيه الأرض "ونفخ فيهما " ثم مسح بهما وجهه وكفيه . وجاء فى رواية الدارقطنى أنه قال له "ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين " .
يفيد هذا أن ضرب الأرض بالكفين كان مرة واحدة، وأنه مسح بهما وجهه وكفيه إلى الرسغين وليس إلى المرفقين .
وجمهور الفقهاء على أن الضرب يكون مرتين ، مرة للوجه ومرة لليدين ، وذلك لورود حديث بذلك "التيمم ضربتان " والشافعية والحنفية قالوا : مسح اليدين يكون إلى المرفقين ، أما المالكية والحنابلة فقالوا : الفرض هو المسح إلى الكوعين "الرسغين ". وأما المسح إلى المرفقين فهو سنة ، كما فى "فقه المذاهب الأربعة " .
وفى نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 286 ، 287 مناقشة للأدلة ظهر منها أن حديث " التيمم ضربتان ، ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " ضعيف ، ونقل عن النووى فى شرح مسلم أن المسح إلى المرفقين هو قول مالك وأبى حنيفة ، وأن المسح إلى الكفين هو مذهب أحمد، الأمر يحتاج إلى توفيق بين ما فى فقه المذاهب والنقل عن النووى ، لكن الخلاصة أن هناك رأيين فى عدد الضربات أحدهما يكتفى بضربة واحدة ، والآخر يوجب ضربتين ، وكذلك هناك رأيان فى القدر الواجب مسحه من اليدين ، أحدهما إلى الرسغين والآخر إلى المرفقين

(8/429)


إزالة النجاسة

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل هناك رأى يقول : إن إزالة النجاسة وتطهير البدن والثوب منها أمر مستحب غير واجب ، بحيث تصح الصلاة مع النجاسة ؟

الجواب
جاء فى تفسير القرطبى"الجامع لأحكام القرآن "ج 8 ص 262 :
اختلف العلماء فى إزالة النجاسة من الأبدان والثياب - بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش - على ثلاثة أقوال :
الأول : أن إزالتها واجبة مفروضة، فلا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا ، وهو قول الشافعى وأحمد ، ورواه ابن وهب عن مالك ، وهو قول أبى الفرج المالكى والطبرى ، إلا أن الطبرى قال : إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة ، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف فى مراعاة قدر الدرهم ، قياسا على حلقة الدبر .
الثانى : أن إزالة النجاسة واجبة بالسنة من الثياب والأبدان ، وجوب سنة وليس بفرض ، قالت بذلك طائفة ، فمن صلى بثوب نجس أعاد الصلاة فى الوقت فإن خرج الوقت فلا شىء عليه ، هذا قول مالك وأصحابه إلا أبا الفرج ورواية ابن وهب عنه ، وقال مالك فى يسير الدم :
لا تعاد منه الصلاة فى الوقت ولا بعده . وتعاد من يسير البول والغائط ، ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث .
الثالث : قال ابن القاسم : تجب إزالة النجاسة فى حال الذّكْر دون النسيان ، وهى من مفرداته .
والقول الأول أصح ، بدليل أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال "إنهما ليعذبان ، وما يعذبان فى كبير، أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " رواه البخارى ومسلم ، ولا يعذب الإنسان إلا على ترك واجب . وروى أحمد وابن ماجه والحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "أكثر عذاب القبر من البول " .
واحتج من قال بأن إزالتها سنة والصلاة بها صحيحة بخلع النبى نعليه فى الصلاة لما أعلمه جبريل عليه السلام أن فيهما قذرا وأذى كما رواه أبو داود وغيره ، قالوا : ولمَّا لم يعد الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى دل على أن إزالتها سنة وصلاته صحيحة ، ويعيد ما دام فى الوقت ، طلبا للكمال .
وجاء فى فقه المذاهب الأربعة أن إزالة النجاسة واجبة عن بدن المصلى وثوبه ومكانه ، إلا ما عفى عنه لتعذر إزالته أو عسر الاحتراز منه ، دفعا للحرج ، أما عن ثوب المصلى فلقوله تعالى : {وثيابك فطهر } المدثر: 4 ، وأما عن البدن فلأن البدن أولى بالطهارة من الثوب المنصوص على طهارته فى الآية .
والمالكية لهم قولان مشهوران فى إزالة النجاسة ، أحدهما أنها تجب شرطا فى صحة الصلاة، وثانيهما أنها سنة، وشرط وجوبها أو سنيتها أن يكون ذاكرا للنجاسة قادرا على إزالتها ، فإن صلى أحد بالنجاسة وكان ناسيا أو عاجزا عن إزالتها فصلاته صحيحة على القولين ، ويندب له إعادتها فى الوقت ، أما إن صلى بها عامدا أو جاهلا فصلاته باطلة على القول الأول وصحيحة على القول الثانى، فتجب عليه إعادة الصلاة أبدا ، فى الوقت أو بعده على القول الأول لبطلانها ، ويندب له إعادتها أبدا على القول الثانى . انتهى .
2 - وجاء فى كتاب المغنى لابن قدامة "ج 1 ص 717" .
أن الطهارة من النجاسة فى البدن والثوب شرط لصحة الصلاة فى قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعى وأصحاب الرأى [الأحناف ] .
ويروى عن ابن عباس أنه قال : ليس على ثوب جنابة، ونحوه عن سعيد بن جبير والنخعى ، وقال ابن أبى ليلى : ليس فى ثوب إعادة ، ورأى طاوس دمًا كثر فى ثوبه وهو فى الصلاة فلم يباله ، يقول ابن قدامة : ولنا -أى الحنابلة- قول الله تعالى {وثيابك فطهر } قال ابن سيرين : هو الغسل بالماء، وعن أسماء بنت أبى بكر قالت : سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون فى الثوب فقال "اقرصيه وصلى فيه " . وفى لفظ قالت : سمعت امرأة تسأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : كيف تصلى إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر، أتصلى فيه ؟ قال : "تنظر فيه ، فإن رأت فيه دما فلتقرصه بشىء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتصل فيه "رواه أبو داود ثم ذكر حديث صاحبى القبرين ، وقال : لأنها - أى طهارة الثوب - إحدى الطهارتين - الحدث والنجس - فكانت شرطا للصلاة كالطهارة من الحدث . انتهى .
والخلاصة أن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة عند جمهور الأئمة وليست شرطا عند بعض التابعين كسعيد بن جبير وطاوس وبعض العلماء كالنخعى وابن أبى ليلى ، وعن ابن عباس روايتان .
ودليل الجمهور "فى الثوب "" قوله تعالى {وثيابك فطهر } والمراد غسل النجاسة بالماء كما قال ابن سيرين ، ويؤيده قول النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة عن دم الحيض فى الثوب " اقرصيه وصلى فيه " وفَسَّر القرص بالغسل كما فى رواية لأبى داود " فلتقرصيه بشىء من ماء" .
وفى بعض روايات أبى داود : بلَّته بريقها ثم قصعته بظفرها . وهو يدل على العفو، لأن الريق لا يطهر به ودليل الجمهور "فى البدن " حديث الاستبراء أو الاستنزاه من البول ، وقياسه على طهارته من الحدث .
وشبهة المخالفين عدم وجود آية فى ذلك ، أى فى غسل الثياب ، وأن الثياب ليس عليه جنابة ، وعدم مبالاة طاوس بالدم الكثير فى الصلاة .
والرد عليهم أن الآية موجودة وهى { وثيابك فطهر } وأن عدم الجنابة على الثوب لا ينافى نجاسته ، وعدم مبالاة طاوس لا تدل على صحة الصلاة ، فهو رأى له ، ولعل الدم الكثير كان دم براغيث يشق الاحتراز عنه .
أما طهارة المكان فقد يستدل عليها بصب الماء على بول الأعرابى فى المسجد

(8/430)


التطهير بماء زمزم

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن نعلم أن ماء زمزم مقدس ، فهل يجوز التطهر منه بالوضوء والغسل ؟

الجواب
جاء فى فتاوى النووى المسماة بالمسائل المننثورة ، فى المسألة الخامسة : لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا-الشافعية-وبه قال العلماء كافة، إلا أحمد فى رواية . دليلنا أنه لم يثت فيه نهى، وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " الماء طهور لا ينجسه شىء"-أخرجه أحمد من حديث أبى سعيد الخدرى - وأما ما يقال عن العباس من النهى عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه . انتهى

(8/431)


الإسراف فى الماء

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
نحن نعلم أن الإسراف بوجه علم مذموم ، فهل الإسراف فى الماء عند الوضوء أو الغسل مذموم على الرغم من توافر الماء ؟

الجواب
من المعلوم أنه من السنة فى الوضوء والغسل أن يكون ثلاث مرات ، حتى يتأكد الإنسان من طهارة ما يغسل ، مع العناية بالأماكن التى تحتاج إلى مزيد من النظافة .
وما زاد على المرات الثلاثة التى عمت العضو كله أو البدن كله كان إسرافا منهيا عنه ، بالنصوص العامة المعروفة . ذلك إلى جانب نصوص خاصة بذلك :
جاء فى "كشف الغمة" للشعرانى "ج 1 ص 61 " حديث "لا تسرف فى الماء ولو كنت على طرف نهر جار"وحديث "لا تسرف " قيل : يا رسول اللّه : وفى الوضوء إسراف ؟ قال "نعم ، وفى كل شىء إسراف لما رواه الحاكم وابن عساكر مرسلا . وحديث "لا تسرف " رواه ابن ماجه عن ابن عمر .
وجاء فى "المغنى لابن قدامة ج 1 ص 228" عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبى وقاص وهو يتوضأ،فقال " ما هذا السرف "؟ فقال : أفى الوضوء إسراف ؟ قال " نعم وإن كنت على نهر جار" رواه ابن ماجه . وعن أبى بن كعب قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "إن للوضوء شيطانا يقال له "ولهان " فاتقوا وسواس الماء" رواه أحمد وابن ماجه .
هذا ، وروى البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد . وروى مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد . وتحدث ابن قدامة فى صفحة 226 عن الصاع والمد بالتقديرات المعروفة قديما. ورأى الفقهاء فيها . والمهم أن الزيادة على ما يعم العضو ثلاث مرات يعد إسرافا .
وحكم هذا الإسراف أنه مكروه إذا كان الماء مملوكا أو مباحا ، أما الماء الموقوف على من يتطهر. ومنه ماء المرافق العامة-فإن الزيادة فيه على الثلاث حرام ، لكونها غير مأذون فيها . أخرج أحمد والنسائى وابن ماجه وأبو داود وابن خزيمة من طرق صحيحة أن أعرابيا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا وقال "هذا الوضوء ، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم " قال ابن المبارك : لا آمن إذا زاد فى الوضوء على الثلاث أن يأثم .
وقال أحمد وإسحاق : لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى " نيل الأوطار ج 1 ص 190 "

(8/432)


البول قائما

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل صحيح أن التبول والإنسان واقف منهى عنه ، مع أن كثيرا من دورات المياه فى الأماكن العامة يكون التبول فيها عن قيام ؟

الجواب
جاء فى "زاد المعاد" لابن القيم "ج 1 ص 43" أن أكثر ما كان يبول النبى صلى الله عليه وسلم وهو قاعد ، يرتاد لبوله اللين الرخو من الأرض ، وإذا كانت هناك أرض صلبة أخذ عودا من الأرض فنكت به حتى يثرى، يعنى حتى يكون فيه ثرى ورماد، وقالت عائشة رضى الله عنها: من حدثكم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا .
وقد روى مسلم فى صحيحه من حديث حذيفة أنه بال قائما، فقيل هذا بيان للجواز، وقيل : إنما فعله من وجع كان بمأبطه ، وقيل : فعله استشفاء .
قال الشافعى رحمه الله : والعرب تستشفى من وجع الصلب بالبول قائما ، والصحيح أنه إنما فعل ذلك تنزها وبعدا من إصابة البول ، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم - وهو ملقى الكناسة ، ويسمى المزبلة وهى تكون مرتفعة - فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله ، وهو صلى الله عليه وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط ، فلم يكن بد من بوله قائما ، والله أعلم .
ثم قال ابن القيم : وقد ذكر الترمذى عن عمر بن الخطاب قال : رآنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما ، فقال " يا عمر لا تبل قائما" فما بلت قائما بعد، قال الترمذى : وإنما رفعه عبد الكريم بن أبى المخارق ، وهو ضعيف عند أهل الحديث .
وفى مسند البزار وغيره من حديث عبد اللّه بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من الجفاء ، أن يبول الرجل قائما ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ فى سجوده " ورواه الترمذى وقال : هو غير محفوظ ، وقال البزار: لا نعلم من رواه عن عبد اللّه بن بريدة إلا سعيد بن عبيد اللّه ، ولم يجرحه بشىء ، وقال ابن أبى حاتم ، هو بصرى ثقة مشهور .
فالخلاصة أن التبول من قيام مكروه وليس بحرام ، لما يترتب عليه من خوف التلوث من الرشاش ، واطلاع الغير على العورة

(8/433)


الاستنجاء من الريح

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب الاستنجاء من الريح الخارج من الدبر ؟

الجواب
شرع الاستنجاء لإزالة النجاسة الخارجة من السبيلين ، القبل والدبر، وهى البول والغائط وما فى حكمهما من مائع وجامد ، والريح الخارج من اسبر ليس نجسا، وبالتالى لا يجب الاستنجاء منه ، حيث لم يرد نص فيه ، والبلوى تكثر به ، ولعدم حصر ما يصيبه من الجسم أو الثوب ، بل قال بعض الأئمة بكراهة الاستنجاء منه ، والدين يسر، فلو خرج الريح بعد الاستنجاء لا يجب الاستنجاء مرة ثانية حتى لو كان المحل لا يزال رطبا .
جاء فى كتاب "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع " للشربينى الخطيب ما نصه : نقل الماوردى وغيره الإجماع على أنه لا يجب الاستنجاء من النوم والريح . قال ابن الرفعة : ولم يفرق الأصحاب بين أن يكون المحل رطبا أو يابسا ، ولو قيل بوجوبه إذا كان المحل رطبا لم يبعد، كما قيل به فى دخان النجاسة . وهذا مردود، فقد قال الجرجانى : إن ذلك مكروه ، وصرح الشيخ نصر الدين المقدسى بتأثيم فاعله ، والظاهر كلام الجرجانى "ج 1 ص 47 " .
وجاء فى المغنى لابن قدامة"ج 1 ص 141 "ما نصه : وليس على من نام أو خرجت منه ريح استنجاء ، ولا نعلم فى هذا خلافا، قال أبو عبد الله :
ليس فى الريح استنجاء فى كتاب الله ولا فى سنة رسوله إنما عليه الوضوء ، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم "من استنجى من ريح فليس منا" رواه الطبرانى فى معجمه الصغير، إلى أن قال : لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة . النجاسة ولا نجاسة هاهنا . أى فى النوم والريح

(8/434)


مآذن المساجد

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
يقول بعض الناس : إن المآذن الموجودة فى المساجد بدعة لا يقرها الدين فهل هنا صحيح ؟

الجواب
من المعلوم أن الأذان شرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة وندائهم لشهود صلاة الجماعة فى المسجد ، وهو علامة على أن أهل هذا الحى الذى أذن فيه مسلمون ، وللمؤذن ثواب عظيم لأنه يدل الناس على الخير، والدال على الخير كفاعله كما صح فى الحديث ، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة" رواه البخارى وأحمد والنسائى وابن ماجه .
ومن أجل كثرة من يستجيبون للأذان فيصلون ، وكثرة من يسمعون ليشهدوا للمؤذن كان من السنة رفع الصوت بأقصى ما يمكن ، ولهذا استعان الأولون عليه بأن يؤذن المؤذن على مكان مرتفع ، وحدث فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم أن بلالا كان يؤذن من فوق بناء مرتفع بجوار المسجد، روى أبو داود والبيهقى أن امرأة من بنى النجار قالت : كان بيتى من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، وجاء فى كتاب "خلاصة الوفا" للسمهودى "ص 192 " أن دار عبد الله بن عمر كان فيها اسطوانة فى قبلة المسجد يؤذن عليها بلال ، يرقى إليها بأقتاب .
والقتب هو رحل البعير الذى يوضع على ظهره ليركب الراكب .
فاتخاذ مكان عال للأذان عليه مشروع ومستحب ، وتبعا لسنة التطور بنيت أبراج عالية فى المساجد للأذان ، وهى التى تسمى بالمآذن أو المنارات ، لأن الأنوار كانت ترفع عليها فى مناسبات الأفراح ، أو لأنها منارات وعلامات تدل على المساجد أو إسلام أهلها ، كما أن للإسلام صُوًى ومنارات هى شرائعه التى تدل عليه كما قال ابن الأثير فى النهاية .
وجاء فى خلاصة الوفا للسفهودى "ص 191" أن عمر بن عبد العزيز جعل لمسجد النبى صلى الله عليه وسلم أربع منارات فى زواياه الأربع ، طول كل منها نحو ستين ذراعا ، وعرضها ثمانية أذرع فى ثمانية ، وأن إحداها جددت سنة 706 هـ أيام الناصر محمد بن قلاوون ، وكان طول بعض المنارات فى بعض التجديدات قد بلغ مائة وعشرين ذراعا فى عهد الأشرف قايتباى 892 هـ .
وجاء فى خطط المقريزى "ج 4 ص 27" أن معاوية بن أبى سفيان أمر ببناء منار لمسجد الفسطاط "عمرو بن العاص " وإن كان عمر بن الخطاب نهى عَمْرًا عن اتخاذ المنابر والمآذن كما فى صبح الأعشى "ج 3 ص 341" لكن بعد وفاة عمر اتخذت "مساجد مصر ج 1 ص 64" .
وعلى مدى التاريخ بنيت المآذن وارتفعت شامخة ، وأذِّن من فوقها وامتلأت الأجواء بإعلان الشهادتين والدعوة للصلاة ، فأى ضرر فى ذلك ؟ ومهما يكن من شىء فإن لم تكن فيها فائدة فليس فيها ضرر، وإذا كانت للمشيدين لها نيات فالله يجزيهم بما نووا ، لكنها على كل حال مظهر من المظاهر الإسلامية ، وبخاصة فى هذه الأيام التى تحتاج إلى تكثيف للدعوة للإسلام بكل الوسائل الممكنة .
فالمآذن ليست بدعة منكرة ، وإذا كان المؤذن يرقى فوقها لإبلاغ صوته لأكبر عدد ممكن ، فإن مكبرات الصوت الآن ساعدت كثيرا على بلوغ الصوت مدى بعيدا، مع الرجاء ألا نقنع برفع المآذن ونقصر فى ارتياد المساجد ، بل ينبغى أن يكون هناك تناسب بين المظهر والمخبر، والإعلان والواقع

(8/435)


كشف الجبهة عند السجود

المفتي
عطية صقر .
مايو 1997

المبادئ
القرآن والسنة

السؤال
هل يجب أن تكون الجبهة مكشوفة عند السجود، وما الحكم فيما لو جاء طرف الخمار على موضع السجود فسجدت عليه ؟

الجواب
الأعضاء التى يسجد عليها الإنسان سبعة هى اليدان والركبتان والقدمان والجبهة ، وهى كلها من العورة فى الصلاة بالنسبة إلى المرأة يجب سترها على خلاف فى القدمين عند بعض الفقهاء، وذلك فيما عدا الجبهة فلا يجب سترها ، لأن الوجه ليس بعورة فى الصلاة . لكن هل يجوز سترها أو لا يجوز؟ الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل قالوا : يجوز سترها بحيث لا تلمس موضع السجود وهى مكشوفة . والإمام الشافعى قال : يجب كشفها ولا يجوز أن يحول بينها وبين موضع السجود حائل .
وعلى رأى الجمهور يجوز السجود على جزء من الملبوس الذى يتحرك بحركة المصلى، كالكم وطرف الثوب وطرف الخمار ، وكور العمامة التى يلبسها الرجال . ودليلهم على هذا ما رواه البخارى ومسلم عن أنس قال :
كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود . كما قاسوا الجبهة على بقية أعضاء السجود حيث يصح السجود وهى مستورة .
وممن رخص فى السجود على طرف الثوب عطاء وطاوس من التابعين ، وكذلك النخعى والشعبى والأوزاعى، وذلك لاتقاء شدة الحر والبرد من الرمل أو الحصباء التى يسجدون عليها .
ورخص أيضا فى السجود على كور العمامة ومثله -طرف الخمار الحسن البصرى ومكحول وعبد الرحمن بن زيد . وسجد شريح القاضى على برنسه ، والبرنس : كل ثوب رأسه منه ملتزق به ، من دُراعة أو جبة أو مِمْطر أو غيره ، وقال الجوهرى : هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها فى صدر الإسلام . وهو من البرس -بكسر الباء -وهو القطن والنون زائدة ، وقيل : إنه غير عربى كما فى النهاية لابن الأثير: وما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم سجد على كور العمامة فسنده ضعيف ، والاستدلال هو القياس على طرف الثوب المتقدم ذكره .
ودليل الشافعى على وجوب كشف الجبهة حديث رواه مسلم عن خباب قال : شكونا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فى جباهنا وأكفنا فلم يُشكنا-يعنى لم يُزل شكوانا بالترخيص بالسجود على حائل يقينا حرارة الأرض -كما قال فى الاستدلال على ذلك : لو سجد على ما هو حامل له لأشبه ما إذا سجد على يديه -أى وضع جبهته على يديه وهو ممنوع .
قال ابن قدامة فى "المغنى ج 1 ص 561 ، 652" : المستحب مباشرة المصلى بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ويأخذ بالعزيمة .
قال أحمد : لا يعجبنى-أى الستر . إلا فى الحر والبرد . وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة . وكان عبادة بن الصامت إذا قام إلى الصلاة يحسر عمامته ، أى يكشف جبهته بإزاحة العمامة عنها . وقال النخعى :
أسجد على جبهتى أحب إلىَّ .
فالخلاصة : أن الجمهور على جواز السجود على طرف الثوب والكم والخمار وكور العمامة ، ولكن يكره إلا عند الحاجة كَشدة الحر والبرد فى موضع السجود . أما الشافعى فلا يرى جواز ذلك أبدا، ورخص فى المنديل الذى يحمله فى يده أن يضعه ليسجد عليه ، كما رخص فى ستر الجبهة لعذر كجراحة يخاف من نرغ العصابة أو الساتر حصول مشقة .
أما السجود على اليد أو اليدين فلا يجوز، وتبطل الصلاة به عند الجمهور .
وأبو حنيفة رخص فيه مع كراهة "الفقه على المذاهب الأربعة "

(8/436)